مرأة

مبادرات نسوية وفردية لتوفير الفوط الصحية في الأماكن العامة

"هناك نساء يضطرن لتقسيم حفاضات الأطفال إلى قطع صغيرة واستخدامها كفوط صحية"
annika-gordon-DPW3OKMxPN0-unsplash (1)

في المدرسة الثانوية التي عملت بها شاهندة علي، قررت المعلمات في مبادرة فردية منهن توفير الفوط الصحية بالمجان للطالبات غير القادرات على شرائها، من خلال إضافة تكلفة شراء هذه الفوط لأي بند آخر موجود في ميزانية المدرسة. قد تكون هذه مبادرة فردية، ولكنها ضمن عدد من المبادرات التي بدأت تظهر في العالم العربي وتطالب بتوفير الفوط الصحية للنساء في الأماكن العامة.

وكانت اسكتلندا هي الدولة الأولى في العالم التي تتيح مستلزمات الدورة الشهرية بالمجان في نوفمبر من عام 2020، حيث وافق نواب برلمان اسكتلندا على مشروع قانون ينصّ على توفير الفوط الصحية والتامبون لمن يحتاجها بشكل مجاني. كما قامت الهند وأستراليا الهند بإلغاء الضريبة على منتجات النساء الصحية بعد سنوات من حملات قادتها منظمات وجماعات حقوق المرأة منذ عقود.

إعلان

وتعاني النساء والفتيات في الدول العربية من صعوبة الوصول إلى الفوط الصحية وفقر الدورة الشهرية، وانطلقت حملات لمطالبة الحكومات بتخفيض الضرائب على الفوط الصحية، وتوفيرها بشكل مجاني للنساء، باعتبار أن استهلاك الفوط الصحية بشكل شهري ينهك ميزانية النساء، وأن الفوط الصحية ليست رفاهية بل سلعة أساسية.

مبادرة "اتكلمي" النسوية التطوعية في مصر دعت إلى ضرورة إتاحة الفوط الصحية في دورات المياه في الأماكن العامة كحق لهن. وأطلقت المبادرة منذ عام حملة للتوعية بالدورة الشهرية وإزالة الوصم الاجتماعي عنها، ودعت إلى تعديل قانوني يتم فيه اعتبار الفوط الصحية سلعة ضرورية وليست رفاهية، وأن يكون سعر الفوط الصحية مناسباً لجميع النساء، كما دعت إلى إتاحتها للسجينات.

مؤسسة المبادرة جهاد حمدي، 26 عاماً، تقول: "الفوط الصحية تمثل احتياج رئيسي للنساء كل شهر ولا يوجد لها بدائل آمنة، من الضروري أن يتم توفير الفوط الصحية لجميع النساء في الأماكن العامة والمدارس والجامعات والسجون." وأضافت حمدي في اتصال مع VICE عربية: "بسبب الوصم المجتمعي المتربط بالدورة الشهرية، تضطر الفتيات إلى إخفاء ألمها لأن الجميع يرونه عيباً ولا يستطعن الحصول على إجازات من العمل. حتى الآن تبيع الصيدليات الفوط الصحية للنساء في كيس أسود قاتم باعتبار الدورة الشهرية شيئ مشين."

إعلان


في مارس من عام 2019، أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "مبادرة حقوقية في مصر" حملة واسعة بعنوان "الدورة الشهرية في السجون" للدعوة إلى توفير الفوط الصحية للسجينات دون مقابل إلى جانب تهيئة الظروف الهيكلية للصحة داخل مرافق السجون. وتضطر السجينات في معظم الدول العربية لشراء الفوط الصحية بسعر مضاعف من كانتين السجن، أو الاعتماد على الزيارات لجلب فوط صحية لهن قبل وقت الدورة.

في المتوسط وبتقدير بسيط، يتراوح ثمن الفوطة الصحية الواحدة في مصر ما بين جنيه واحد وثلاثة جنيهات، وتختلف القيمة حسب كل نوع إذ صممت الشركات المنتجة للفوط الصحية عدة منتجات تناسب أنواع البشرة المختلفة للنساء، ومقدار كثافة الدورة الشهرية لديهن، وأيضاً بمقاسات مختلفة. وبحسبة تقريبية، إذا استخدمت الفتاة في المتوسط ست فوط صحية يوميًا، أي فوطة كل 4 ساعات، لمدة خمسة أيام شهرياً، يعني ذلك أنها تستهلك 30 فوطة شهرياً، أي ما يساوي من "30 إلى 90 جنيها" أي من (1.9 إلى 5.7 دولار) حسب نوع الفوط المستخدمة، فيما يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر نحو 1200 جنيه شهرياً، أي نحو ٧٧ دولارًا.

إعلان

تضطر الكثير من النساء في لبنان إلى استخدام بدائل غير صحية مثل الأوراق والجرائد أو القماش القديم

في لبنان، أطلقت لينا تابت مصري ورفيقتها رنا حداد العام الماضي مبادرة "دورتي" للحد من فقر الدورة الشهرية في ظل وباء كورونا والمعاناة الاقتصادية والاجتماعية، وقامت المبادرة بتوزيع الفوط الصحية بعد ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه بالتوازي مع الانهيار الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة.

وفق دراسة أطلقتها مؤسسة بلان انترناشيونال وجمعية "في ميل" النسائية في لبنان، في يوليو الماضي، فإن 76% من النساء والفتيات في لبنان يعانين من صعوبة في الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الضخمة في الأسعار الناتجة عن الأزمة الاقتصاديّة، كما وجدت الإحصائية أن  41% من النساء والفتيات من مختلف الجنسيات اللبنانية والفلسطينية والسورية قمن بتقليل كمية الفوط الصحية المستخدمة كل شهر أو قمن باستخدامها لفترة أطول.

تقول لين تابت مصري، مؤسسة مبادرة "دورتي":"فقر الدورة الشهرية في لبنان يزيد يوماً بعد يوم، كلنا بلبنان أصابنا الفقر وخسرنا مدخراتنا ونعاني من غلاء المعيشة، في الماضي كانت تتصل بنا نساء وفتيات يعانين من حالة اجتماعية صعبة وليس لديهن عمل ولا يستطيع أهلهن الإنفاق عليهن. ولمن الآن تتواصل معنا نساء لديهن وظائف، لكن دخلهن الشهري لا يستطيع مجاراة غلاء المعيشة ولا يستطعن شراء الفوط. وتضطر الكثير من النساء في لبنان إلى استخدام بدائل غير صحية مثل الأوراق والجرائد أو القماش القديم، وهناك نساء يضطرن لتقسيم حفاضات الأطفال إلى قطع صغيرة واستخدامها كفوط صحية، وأحياناً تلجأ بعضهن إلى ارتداء أكثر من ثلاثة قطع من الملابس الداخلية. هذه الفترة من الشهر تمر صعبة جداً عليهن."

إعلان

استخدام فوط مصنوعة من مواد غير قطنية لفترات طويلة تسبب أضرار صحية للنساء، كما أن استخدام الفوط الصحية لفترات طويلة تؤدي لنفس الأضرار، حيث يجب تغيير الفوطة كل ٤-٦ ساعات حتى ولو لم تمتلئ بالدماء، منعًا لتكاثر البكتيريا في تلك المنطقة.

الوصم المجتمعي الملتصق بمفهوم الدورة الشهرية هو التحدي الأول الذي ينبغي تغييره قبل كل شيء في رأي نانسي فارس، 29 عاماً، صحفية، إضافة إلى ضرورة  توفير الفوط الصحية لكل النساء وإتاحتها بالأماكن العامة والمدارس كما تقول: "يجب أن تتم إعادة النظر إلى الفوط كسلعة أساسية وليست ترفيهية أو تجميلية ويتم رفع الضرائب عنها. أنهيت للتو طلباً الكترونيا بفوط صحية من أحد المتاجر ودفعت 100 جنيه، ربما بالنسبة لي أستطيع تحمل هذا المبلغ لكن هناك أسر يساوي لها هذا المبلغ طعام ثلاثة أيام كاملة."

في مدينة تولوز بفرنسا، تعيش منة، 26 عاماً، طالبة ماجستير، يتم توفير الفوط الصحية بالمجان للطالبات بالجامعة بإبراز البطاقة الجامعية فقط. تقول: "بدأت الفكرة منذ انتشار جائحة كورونا وفقدان الكثير من الطلاب لوظائفهم وإهمالهم لمنتجات العناية الصحية ومنها الفوط الصحية، وبعد دراسة على الطلاب وتصريحات وزير التعليم الفرنسي بأنه غير مقبول أن يضطر الطلاب للاختيار بين الغذاء والمنتجات الصحية، تم توفير 33 مكان لصرف الفوط الصحية بالمجان في المدينة منها الحرم الجامعي، وانضمت للمبادرة سلسلة محلات تجارية وأتاحت لكل طالبة صرف علبة فوط صحية شهرياً بكارنيه الجامعة. يجب تطبيق هذه الفكرة في جميع الجامعات في الدول العربية."

إعلان

بالنسبة لهند، 32 عاماً، مهندسة مدنية تعيش في الإمارات، تقول أنه من الممكن إتاحة الفوط الصحية بالأماكن العامة بسعر رمزي على الأقل: "في الإمارات في أغلب دورات المياه بالمحال التجارية، والمستشفيات والمنشآت الأخرى، هناك صندوقين مثبتين بالحائط، أحدهما للفوط الصحية والآخر لحفاضات الأطفال، بمجرد أن تضع درهما واحداً تحصل على فوطة."

أميرة علي، 37 عاماً، موظفة حكومية، قررت أن تقوم بمبادرة فردية وشراء الفوط الصحية وتركها في دورة المياه في مكان عملها. وتقول: "بعد تعرضي لعدة مواقف محرجة احتاجت فيها للحصول على فوط صحية فجأة ولم أجدها، قررت ترك بعض الفوط في دورة المياه لزميلات العمل. وأعتقد أنه يجب تبني ذلك في كافة المؤسسات الحكومية والشركات."

منى داود، ٢٤ عاماً، تقول أنها بدأت باستخدام ملابس داخلية خاصة بالدورة الشهرية، لأن سعرها أرخص من الفوط الصحية وإن كانت غير متوفرة في المحلات وتضطر لشرائها أونلاين. هذه السراويل الداخلية تمتصّ حوالي 20 مل من السوائل، ما يُوازي 4 فوط قطنية. وتتوفّر سراويل للدورات الخفيفة، والمُتوسّطة، والغزيرة.

وتضيف منى: "اشتريت مجموعة من ٣ سروايل داخلية، لأن دورتي غزيرة وأقوم بتغيير أكثر من سروال في النهار. أرى أن فكرة السروايل الداخلية جيدة كحل لمشكلة فقر الدورة الشهرية، حيث يمكن غسل السروال وإعادة استخدامه كل شهر. ولكن المشكلة أنها غير متوفرة بشكل كبير في البلاد العربية، وبعض النساء قد يشعرن أن الأمر غير مريح. ولكن أرى أنه خيار جيد سواء اقتصادياً أو حتى بيئياً."