01 (1)
علاقات

كيف يمكن أن يتحوّل الجنس الرضائي إلى اعتداء جنسي

كل فعل أو قول تم بين طرفين يربطهما عقد زواج. عقود الزواج ليست موافقات أبديّة على جميع الأفعال الجنسية

الحديث عن الرضا والقبول في الممارسات الجنسية ليس أمرًا هامشيًا أو زائدًا عن الحد. في كل مرّة نكتُب إليكنّ/م عن الرضائية (Consent) نفتح زاوية نقاش جديدة ونُسلّط الضوء على جدليات من شأنها توسيع آفاقنا جميعًا عن مفهوم الجنس الرضائي. وكلما تحدثنا عن الجنس الرضائي، وجَب علينا ذِكر مقابله – الاعتداء الجنسي. الأمران شبيهان بطرفيّ مسطرة: نقطتها الأولى هي الرضائية ونقطتها الثانية هي الاغتصاب. تقع الأفعال الجنسية بين هاتين النقطتين. فكلما اقتربنا من الطرف الأول، ابتعدنا عن الطرف الثاني والعكس بالعكس. اليوم نتحدث معكن/م عن أشياء إن حدثت أثناء العلاقات الجنسية الرضائية، تحوّلها إلى اعتداء جنسي واغتصاب.

إعلان

شروط الرضائية والقبول
هناك شروطٌ واضحة لاعتبار أي فعل جنسي فعل رضائي بغض النظر عن عدد الشركاء/الشريكات أو قانونيّة العلاقة بينهن/م، وبغض النظر عن الميول الجنسية والهويات الجندرية: (١) البلوغ- أن يتجاوز سن الأطراف ١٨ عامًا أو ١٦ عامًا وفقًا لقانون الدولة. (٢) الأهلية: أن يكون لكل طرف القدرة على الموافقة على الممارسة الجنسية؛ بما في ذلك الحالة العقلية والصحة النفسيّة والوقوع تحت تأثير الكحول والمواد المُخدّرة. (٣) القبول: أن يمنح الأطراف موافقة صريحة على الفعل الجنسي بدايّة من الغزل والنظرة الجسدية ومرورًا باللمس والجنس الفموي والخارجي، ووصولًا إلى الإيلاج والقذف. من المهم الإشارة هنا إلى أن الرضائية/القبول/الموافقة (Consent) تُعطى لمرة واحدة ويُمكن سحبها في أي لحظة حال شعر أحد الأطراف بذلك. ويجب الحصول على الموافقة في كل مرة ومع كل فعل أو حديث ذو طابع جنسي. إن لم تتوفر تلك الشروط يتحوّل الفعل إلى اعتداء جنسيّ/اغتصاب.

02 (1).jpg

الحصول على الموافقة المبدئيّة لا يعني أن الجنس الرضائي سيكون خاليًا من أي شُبهة اعتداء جنسي. فإن لم يحرص الشركاء/الشريكات على أمورًا بعينها، يتحوّل الجنس الرضائي إلى اعتداء جنسي حتى لو تم الحصول على موافقة أوليّة.

1- الاستكمال بعد الرفض
إن عبّر طرف عن عدم رغبته/ها في استكمال أي فعل أو قول جنسي، واستكمل الأطراف الأخرى، يعتبر ذلك اعتداء جنسي. ولا يهمُ هنا أن الطرف الأول أعطى موافقته/موافقتها سواء في تلك المرة أو في مرّات سابقة. الأهم هو احترام رغبته/ها في الايقاف الآن وفورًا.

علينا الانتباه لأمرٍ آخرٍ: أنها ليست مسؤولية الطرف الأول أن الأطراف الأخرى/الطرف الثاني مُستثار جنسيًا الآن. هذا الاعتقاد شائع بين الرجال مُغايري الجنس. إذ يعتبرون الاشباع الجنسي مسؤولية شريكاتهم حتى لو عبرن عن الرفض أو أبدين علامات عدم الراحة. وفي نقطة إبداء عدم الراحة علينا الانتباه أيضًا أن الرفض وسحب الموافقة قد لا يكون مُباشرًا وواضحًا، وتجاهل علامات عدم الراحة والاستكمال والتحَجج أن الطرف الأول لم ترفض/يرفض بشكل صريح هو اعتداء جنسي. جميعنا نعرف جيدًا كيف نقرأ علامات عدم الراحة على الشركاء/الشريكات.

إعلان

2- رفض ارتداء الواقي الذكري
إن طلب الطرف الأول من الطرف الثاني/الأطراف الأخرى ارتداء واقيًا ذكريًا ورفض/رفضوا ثم استكملوا ممارسة الجنس، يعتبر ذلك اعتداءًا جنسيًا. بعض الرجال- مُغايرين ومثليين- يرفضون ارتداء الواقي الذكري بحُجة أنه يمنع عنهم الشعور بالمتعة، ويتجاهلون طلب الأطراف الأخرى بممارسة جنسية آمنة لا يتعرضن/ون فيها لخطر الإصابة بعدوى جنسية أو الحمل غير المخطط له.

بعضهم يتجاهل الطلب وبعضهم يتحجج، وبعضهم يرفض ممارسة الجنس كليةً إن كان الواقي الذكري شرطًا. يضع ذلك الشريكات/الشركاء في موضع المُساومة ويُشعرهن/م أن اصرارهن/م على الواقي الذكري يُساوي عدم ممارسة الجنس وسيتسبب في وجود تورًا بينهن/م وبين الشركاء، ويدفعهم للموافقة على عدم ارتدائه بما في ذلك من مخاطر طبية وجنسية. يعتبر ذلك شكلًا من أشكال الاعتداء الجنسي، لأنه لم يحترم رغبة الشريكة/الشريك، ولأنه تم بالتحايل والمُساومة والاجبار غير المباشر.

3- إزالة الواقي الذكري أثناء ممارسة الجنس
بناء على النقطة السابقة، إن اتفق الأطراف جميعًا على ارتداء الواقي الذكري أو استخدام وسيلة حماية من الأمراض والعدوى المُنتقلة جنسيًا وتمت إزالتها أثناء الممارسة الجنسية دون موافقة الشريك/الشريكة، يعتبر ذلك اعتداء جنسيّ.

4- تغيير الوضعيّة الجنسيّة
إن طلب الطرف الأول تغيير الوضع الجنسي إما لأنه مؤلم أو غير مُمتع لهن/م، واستكمل الشركاء/الشريكات ممارسة الجنس، يعتبر ذلك اعتداء جنسي. قد لا يكون الطلب صريحًا، وتلك مهمّة الأطراف الأخرى في قراءة إن كان الوضع الجنسي مناسب للآخرين/الأخريات أم لا. ولكي يحدث ذلك عليهم/ن السؤال باستمرار إن كان ذلك مُريحًا/مقبولًا/مُمتعًا للشريكات/الشركاء.

إعلان

5- الإجبار على ممارسة جنسيّة بعينها
إن عبّر أحد الأطراف أن هناك ممارسات جنسية لا يفضلونها كالجنس الشرجي أو الفموي أو الإيلاج، وحاول الشركاء/الشريكات اقناعهن/م بالعكس بعبارات مثل: (لابد أنك لم تُجرب ذلك بالشكل الصحيح/ لابد أن شريكك السابق فاشل في ذلك/ دعيني أغير لكِ وجهة نظرك عن كذا..)، اعتبر ذلك اعتداء جنسيّ. تتعرض الكثير من النساء والمثليين/الكويرز لذلك النوع من الاعتداء الجنسي إن دفَع الشريك الرجل بعضوه الجنسي بقوة داخل الفم أثناء الجنس الفموي ودون سابق إنذار- ما يعرف بالـ (Deep Throating). يعتبر الإجبار على الإيلاج اعتداء جنسي، إن نَتج عنه ذلك فض للبكارة (لو كنتِ مولودة بها) سواء كان باستخدام القضيب، الأدوات، أو الأصابع.

6- القذف داخليًا دون موافقة
إن كانت الممارسة الجنسية لا تتضمن واقيًا ذكريًا- ولا ننصح بذلك أبدًا- وكان الاتفاق أن يكون القذف خارج المهبل/الشرج/الفم، وتمت مخالفة هذا الاتفاق، يعتبر اعتداء جنسي. هناك فكرة ساذجة يستخدمها المعتدون الجنسيون من هذا النوع، وهي التحجج أنهم لم يقدروا على سحب القضيب خارج المهبل/الشرج/الفم قبل القذف. ليس لذلك أي أساس من الصحّة ولا أي سند علميّ. كل شخص حتى وإن كان مُتعايشًا مع سرعة القذف، يشعر بلحظة القذف ويُمكنه سحب القضيب فورًا حتى لو كان الشريك/الشريكة في وضعية فوقيّة (On Top). يشمل ذلك القذف على الجسد والوجه دون موافقة واتفاق سابق.

7- استخدام الحيلة
التحايل على الأشخاص لممارسة الجنس أو استدراجهن/م لممارسة الجنس أو للانخراط في أحاديث/أفعال جنسية، يعتبر اعتداء جنسي. لا تعتبر تلك موافقة حيث أنها مَشوبَة بالتحايل والخداع. هذا الاستدراج لا يحدث فقط للأطفال أو للمراهقات/ين أو ذوي/ذوات الاحتياجات الخاصة. إنما قد يحدث داخل العلاقات العاطفيّة والزوجيّة أيضًا. وقد يتم الخداع بالوعود الزائفة مثل الوعد بالزواج أو الارتباط العاطفي. إن كان يربط الأطراف علاقة عمل، لا يكون ذلك تحايلًا فقط إنما استغلالًا للسلطة كذلك. وفي الحالتين يعتبر اعتداء جنسي لأنها ممارسة جنسية مشروطة بمنافع لن يفي بها الأطراف المُتحايلة.

إعلان

لتلخيص ذلك، يُعتبر اعتداء جنسيًا:

·  كل فعل أو قول لم يوافق عليه جميع الأطراف، أو تمت الموافقة عليه وسُحبَت أثناءه لأي سبب. لا يجب أن يكون السبب مُقنعًا للآخرين/الأخريات. عليهم/ن احترامه وتنفيذه في الحال.

·  كل فعل أو قول استغل أو لم يعي علاقات القوة بين الأطراف المُشاركة.

·  كل فعل أو قول تم بين طرفين يربطهما عقد زواج. إذ لا تُعتبر عقود الزواج موافقات أبديّة على الأفعال والأحاديث الجنسية. بمعنى أن الاعتداء الجنسي ليس شرطاً أن يكون بالقوة أو تحت الضغط أو من قبل شخص غريب، بل يمكن أن يحصل في أكثر العلاقات حميمية وقرب.

·  كل فعل أو قول لم يحرص على وجود موافقة صريحة ولو كانت غير كلاميّة.

·  كل فعل أو قول تسبب في شعور شخص ما بالاستغلال الجنسيّ قبله/أثناءه/بعده.

هناك اعتقاد شائع أن الاهتمام بالموافقة والحرص عليها مع كل خطوة يتسبب في تثبيط الاثارة الجنسية ويجعل ممارسة الجنس عبئًا ثقيلًا يستلزم طاقة وتركيز. نعم؛ الممارسات الجنسية يلزمها طاقة وتركيز لأنها ليست أفعالًا عفويّة كالتنفس أو ليست لها وظيفة حيويّة كالطعام- أي أنها لو توقفت لن تتسبب في الموت. الممارسات الجنسية بين الأشخاص مهما كنّ/كانوا، مُحملة بعبء تاريخي جعل من النساء والكويرز أدوات جنسيّة للرجال الغيريين.

لقرون طويلة، تمحوّر الجنس حول رغبات الرجال وحول القضيب والإيلاج على حساب الأفراد الآخرين/الأخريات. وامتدت تلك المحورية لتشمل العلاقات غير المغايرة ولم تُصبح حكرًا على الرجال المغايرين. اليوم، وكل يوم، نسترد حقًا أصيلًا لنا في أجسامنا: من حقنا أن نستمتع، ومن حقنا أن نختار مَا نفعله في أجسامنا وتحديد ما نسمح وما لا نسمح به.