انتهت منذ قليل فعاليات حفل الأوسكار الـ 91 بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقيمها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة كل عام. لم يكن هناك الكثير من المفاجآت، ربما الجائزة الوحيدة الغير متوقعة كانت حصول فيلم “جرين بوك” Green book على جائزة أفضل فيلم، فيما حصل الممثل ماهرشالا علي على جائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في نفس الفيلم، وربما يكون هذا ضمن الخيارات القليلة الصائبة ضمن جوائز الأوسكار هذا العام، فأداء علي كان مميزًا للغاية وقام بأداء ثنائية فنية جيدة جدًا مع فيجو مورتنسن عكسا بها التمييز العرقي داخل الولايات المتحدة في مرحلة الستينات من القرن الماضي في عالم الموسيقى.
وكما هو متوقع، حصل رامي مالك الممثل الأمريكي من أصول مصرية، على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم Bohemian Rhapsody الذي حصل على 4 جوائز أوسكار كأكبر عدد من الجوائز يحصل عليها فيلم في هذه الليلة. طبعاً، لم تمر دقائق على إعلان الفوز لتبدأ صفحات التواصل الاجتماعي بإعتبار الجائزة إنجاز عربي ومصري، كون رامي أول ممثل من أصول مصرية عربية يفوز بالأوسكار. فيما عبر آخرون عن إعجابهم بكلمة رامي بعد استلام الجائزة التي عبر فيها عن كونه مهاجر، في الوقت الذي يتم فيه إعطاء صورة سيئة للاجئين والمهاجرين في الولايات المتحدة والعالم.
Videos by VICE
لكن على الرغم من الفرحة و”الفخر العربي بابن بلدنا” -الذين لم يكونوا ليعترفوا فيه لو أنه لم يحصل على جائزة – إلا أن رامي في النهاية مواطن أمريكي وقد قال ذلك بنفسه في الحفل. لا أعلم لماذا يشعر مصريون بالفخر في حين أن الجائزة فردية ولا تمثل مصر أو المصريين، إنما تمثل رامي مالك نفسه سواء كان مصرياً أو أمريكياً. ربما نفعل ذلك لأننا نريد أن نشعر بأي إنجاز على المستوى العالمي -أتوقع أن تظل السوشيال ميديا خلال الأيام التالية تتحدث عن رامي مالك الفنان المصري العظيم ابن النيل، الفرعون الصغير.
بالنسبة لي شخصياً، أهم وأحلى لقطة خلال حفل الأوسكار هي فوز الممثلة البريطانية أوليفيا كولمان بجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم The Favourite. كولمان قامت بدور مُركب جداً، جعلها في ظني أكثر من يستحق هذه الجائزة بين كل الفئات الفائزة. كولمان ممثلة حقيقية وإنسانة صادقة جدًا، وهذا يبدو واضحاً في كلمتها بعد الفوز بالجائزة، يمكنك أن تشعر بأصالتها وعدم تصنعها أو تقديمها لأي مشاعر متكلفة.
بالحديث عن التكلف، لا بد هنا من الإشارة إلى الليدي غاغا، التي أشعلت والممثل والمخرج برادلي كوبر وسائل التواصل الاجتماعي عندما صعدا على المسرح وقاما بتقديم أغنية Shallow والتي وجدت أنها كانت فقرة تمثيلية بجدارة. صوت غاغا عظيم بالمقارنة مع كوبر، ولكن لم يركز أحد على الصوت بقدر التركيز على مشاعر الحب والرومانسية “المتكلفة” التي ظهرت خلال الغناء.
ثم جاءت لحظة فوز غاغا بالأوسكار عن أفضل أغنية، وهو فوز متوقع جداً، متوقع بالنسبة لنا وبالنسبة لها، فلم يكن هناك داعً لإدعاء المفاجأة ومن ثم تملأ الدنيا دموعاً عن النجاح والكفاح من أجل الحلم. ربما تكون غاغا مغنية جيدة أو رائعة – مش دي القصة أصل بصراحة مش بحبها وبحسها Fake جداً- إنما المعضلة الكبرى هي أن يتم التعامل مع ليدي غاغا كممثلة وأن يتم ترشيحها للأوسكار عن دورها في فيلم A Star is Born.
كيف يمكن أن تشاهد ممثلة محدودة الإمكانات التمثيلية مثل ليدي غاغا، ولا تقارن بينها وبين ممثلات قمن بنفس الدور في فيلم بنفس الاسم مثل باربرا سترايساند وجودي جارلاند. ببساطة، ليدي غاغا لم تكن تستحق الترشيح في فئة أفضل ممثلة. أما برادلي كوبر فلم يكتف بتقديم نفسه مخرجاً ومنتجاً وبطلًا للفيلم بل قام بالغناء أيضاً. ربما يكون أفضل تعليق عن برادلي كوبر في هذا الفيلم هو ما قالته لي صديقة: “شعر ودقن برادلي كوبر هم أحلى حاجة في الفيلم.”
جوائز أوسكار Politically Correct
لعل السؤال الأهم في هذا الحدث يتعلق بطبيعة الترشيحات منذ البداية، فكثير من المحتوى السينمائي الذي تم ترشيحه للأوسكار تعلق بقصص وحياة أفراد أمريكيين من أصول أفريقية، فهل جودة هذه الأفلام تفوق بقية الأفلام الأخرى كي تحصل على الأوسكار؟ في ظني الإجابة لا، فالأوسكار لسنوات عديدة طغت عليه السياسة، وكأن المسؤولين عن الأكاديمية يرون في الجوائز التي يتم منحها للفنانين ذوي البشرة السوداء (مخرجين أو ممثلين أو قصة..إلخ) هو رد على الواقع الغير منصف تجاههم.
الجيد هذا العام أننا لم نشاهد أي فيلم يفوز بـ 7 و 8 أوسكار كما حدث في أفلام سابقة قد لا تستحق هذا الرقم من الجوائز، فقد حاول القائمون أن يقوموا بإرضاء الجميع ( عشان ماحدش يزعل)
فوز فيلم Green Book الذي يتحدث عن العلاقة بين فنان أمريكي أسود وسائقه الأمريكي الأبيض ذو الأصول الإيطالية، بجائزة أفضل فيلم هو فوز سياسي أكثر منه فني رغم جودة الفيلم، فقد أحببت الفيلم كثيرًا، لكنه فوز يعبر عن المرحلة السياسية التي تمر بها الولايات المتحدة حالياً، فهو محاولة للرد على سياسات إدارة ترامب الإقصائية. كذلك فوز المخرج المكسيكي الفونسو كوران بجائزة أفضل مخرج وأفضل فيلم أجنبي وأفضل تصوير عن فيلمه “روما” هو دلالة واضحة على نفس النهج، حتى لو كان فيلم “روما” ومخرجه يستحقان هذه الجوائز بالتأكيد، إلا أن السياسة طغت على طعم الجائزة.
وهذا الأمر ينطبق أيضاً على فيلم Bohemian Rhapsody، الذي يحكي قصة حياة مطرب مثلي هو استمرار لتوجه الأكاديمية حول إبراز أفلام تتحدث عن ثلاث فئات مهمشة مجتمعياً أو منبوذة من قِبل المجتمع الأمريكي الأبيض إلى حد كبير (مجتمع المثليين جنسياً، المهاجرين، ذوو البشرة السمراء).
الصناعة السينمائية العربية لم تصل للمرحلة التي تجعلها منافساً قوياً للسينما الأوروبية أو اللاتينية لتتمكن من اقتناص جائزة الأوسكار فئة الفيلم الأجنبي
ربما نتفق أو نختلف مع موقف الأكاديمية لكن المعضلة الحقيقية في ظني أن هذا الموقف يؤثر بشكل كبير على المستوى الفني للسينما، ويؤكد حالة الشك والتوجس التي يشعر بها كثير من الجمهور حول مدى تحيز الأكاديمية للسياسة أكثر من الفن في اختياراتها. ولا أخفيكم سرًا فنتائج الأوسكار كانت متوقعة جداً، لكنها كانت رغم ذلك محبطة، نظرًا لفجاجتها، ففي لحظة ما قلتُ لنفسي: لن تكون لجنة تحكيم الأوسكار بهذه السذاجة كي تعلن فوز أفلام تبدو مسيسة للغاية، لكن اللجنة فعلت ذلك. ربما يكون الشيء الجيد هذا العام أننا لم نشاهد أي فيلم يفوز بـ 7 و 8 أوسكار كما حدث في أفلام سابقة قد لا تستحق هذا الرقم من الجوائز، فقد حاول القائمون أن يقوموا بإرضاء الجميع ( عشان ماحدش يزعل).
لم يخلُ الأوسكار من السياسة، وخاصة في السنوات القليلة الماضية بسبب الأحداث السياسية والاجتماعية المتوالية، مثل مبادرة Time is up العام الماضي، أو التهكم على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال السنوات الماضية، وهذا ما حدث مرة أخرى خلال الحفل هذا العام عندما قامت الفنانة مايا رودلف بالحديث بلهجة ساخرة عن المكسيك وعدم دفعها للجدار الذي يسعى ترامب لبنائه. كذلك عندما حصل المخرج سبايك لي على جائزة أفضل نص سينمائي مقتبس عن فيلمه BlacKkKlansman، لم يتوان عن الحديث حول انتخابات الرئاسية الأمريكية في 2020 فقال “منذ 400 عام تم سرقة أجدادنا من كل أنحاء أفريقيا وتم إحضارهم عبيد لمستعمرة جيمس تاون بولاية فيرجينيا.. أمام العالم الليلة أشكر أجدادنا الذين ساعدوا في بناء هذا البلد.” واستكمل حديثه قائلًا: “انتخابات 2020 الرئاسية على الأبواب، فلنتحرك جميعاً، فلنكن في الجانب الصحيح من التاريخ، فلنقم بتحديد خياراتنا الأخلاقية بين الحب والكراهية.”
الترشيحات العربية، محاولات لم تفلح بعد
خرج العرب كالعادة من السباق بعد الوصول للمراحل النهائية من الترشيحات، فلم يحصل فيلم نادين لبكي “كفرناحوم” على جائزة أفضل فيلم أجنبي، وحصل عليها الفيلم المكسيكي “روما” وهو فوز في محله. كذلك لم يحصل الفيلم السوري “عن الأباء والأبناء” للمخرج طلال ديريكي على جائزة أفضل فيلم وثائقي، حيث حصل عليها فيلم Free Solo. المنافسة العربية في الأوسكار خلال العقود لم تكن قوية، وللأسف الصناعة السينمائية العربية لم تصل للمرحلة التي تجعلها منافساً قوياً للسينما الأوروبية أو اللاتينية لتتمكن من اقتناص جائزة الأوسكار فئة الفيلم الأجنبي، وحتى محاولات المخرجات/المخرجين والمنتجات/ المنتجين العرب تميل إلى تجربة الإنتاج المستقل من خلال الحصول على دعم مادي من جهات مختلفة مما يجعل أي تجربة سينمائية عربية جيدة مجرد حالة نادرة وسط إنتاج عربي ضعيف فنياً.
هذا العام، كان حفل الأوسكار، بدون مقدم/ة له لأول مرة منذ ثلاثين عاماً وذلك بعد اعتذار الفنان الكوميدي كيفين هارت عن تقديم الحفل خلال الأسابيع الماضية بسبب أزمة تغريدات سابقة له تجاه المثليين. في الواقع، وجدت الحفل أفضل بدون مقدمين جديداً وغريباً بالنسبة لي خاصة أنني اعتدت مشاهدة الأوسكار من خلال فنانين كبار مثل بيلي كريستال أو إيلين ديجينرز وستيف مارتن وووبي جولدبرج. وللتعويض عن عدم وجود مقدم، قام عدد من الفنانين بتقديم فقرات الحفل، والتي تخللها كعادة الأوسكار فقرات غنائية كان أبرزها فقرة غنائية قدمها المطرب الأمريكي آدم لامبرت مع أعضاء فرقة كوين التي تم تجسيد قصة حياة أحد أعضائها الراحلين فريدي ميركيوري، في فيلم (Bohemian Rhapsody)، وقام الفريق بغناء اثنين من أشهر أغاني فرقة كوين،”We Will Rock You” و “We Are the Champions.”
إجمالًا، مرت نهاية الأوسكار بسلام هذا العام ولم تحدث أي مفاجأت مثل التي وقعت منذ عامين في إعلان جائزة أفضل فيلم، إذ تم إعلان فوز فيلم LaLa Land، وصعد فريق عمل الفيلم على المسرح، وفجأة في تويست هيتشكوكي كوميدي، تبين أن الفيلم الفائر Moonlight. تخيلوا معي لو حدث هذا الخطأ مرة أخرى وفاز مثلًا فيلم A Star is Born بدلًا من فيلم Green Book، لكن الحمد لله ليدي غاغا لم تصعد على المسرح مرة أخرى، ويكفي أن الإحباطات أخذت حقها، وحصل فيلم Black Panther على ثلاث جوائز أوسكار في ليلة واحدة.