سارة باهرمز، 23 عاماً، هي فنانة أداء إمارتية، ناشطة نسوية، معلمة وشاعرة أيضًا. معظم أعمالها التي تستخدم فيها التصميم ومقاطع الأداء الفنية لتسليط الضوء على قضايا حقوق الأقليات التي يتم تهميشها في العالم العربي من مجتمع الكوير الى المثليين والنساء. ولدت سارة في أبوظبي بالإمارات وانتقلت إلى الولايات المتحدة في 2016 بعد حصولها على بعثة فول برايت للدراسة في جامعة توسون، كما تخبرني خلال مكالمة عبر سكايب: “العيش في الولايات المتحدة كان اختياري، لأنني فضلت أن أكون في بيئة متقبلة للفن الذي أقدمه. لهذا بعد السنوات الأولى في الجامعة، قررت أن أتابع دراستي للحصول على درجة الماجستير في الفن.”
حياة سارة في أبوظبي هو واحد من المشاريع التي قامت بها سنة 2016، وهو أكثر عمل شخصي قامت به على الإطلاق كما تقول سارة التي تشير الى اصولها اليمنية: “لقد صممت الفضاء ليعبر عن الطفولة، الأماكن الحميمية والمواقف المختلفة والصدمات التي كونت شخصيتي من خلال الشكل التجريبي لمسرح الصور واللوحات الحية. فكرت في موضوع البيت كثيراً، وكيف تخلق بيتاً وعائلة، تلك الزوايا والممرات التي تعشش فيها الأسرار والصدمات. واحد من المسرحيات التي استلهمت منها المشروع كانت المسرحية المصرية “العيال كبرت” فقد كانت قصة درامية اجتماعية سياسية في قالب كوميدي، وهو أمر استطعت ربطه بتفاصيل حياتي. كما ألهمتني مسرحية “من يخاف من فرجينيا وولف؟” (Who’s Afraid of Virginia Woolf) وهي قصة حب وكره بين رجل ومرأة وجدت أنها مست حياتي.”
Videos by VICE
فكرت في موضوع البيت كثيراً، وكيف تخلق بيتاً وعائلة، تلك الزوايا والممرات التي تعشش فيها الأسرار والصدمات
ولكن ما علاقة كل هذا بصورة “رأس الحصان الوحشي” من مشروع “بيت” كما يظهر في الصورة الرئيسية؟ تقول سارة أنها هذه الشخصية الهجينة (رأس حيوان وجسم إنسان) مستوحاة من سلسلة اللوحات السريالية التي رسمها الرسام الإيراني روني هريزادة والتي يطلق عليها اسم “Fictionville” وتضيف: “في الصورة يظهر هذا الهجين وهو يجلس بفخر في حوض الاستحمام عند دخولك غرفة البيت، مما يعطي سيناريو غريب وغير واقعي حيث يضطر الجمهور إلى محاولة الفصل بين الواقع والخيال.”
القضايا التي تركز عليها سارة في أعمالها، هي قضايا “تعنيها” وخاصة حين تتقاطع مع الفنانين من أحرار الجنس Queer artists، والتي تقول أنها تنتمي اليها. أحرار الجنس أو كوير (والتي تعني غريب) تشير الى الأقليات الجنسية، وقد بدأ ناشطو ومثقفي “الكوير” استعمال الكلمة للدلالة على جزء من مجتمع وتأكيد هويته الاجتماعية المختلفة عن الهوية الاجتماعية لمثليّ الجنس.
مشروع سارة الجديد يركز على مفهوم الإسلامية المستقبلية (Islam Futurism) أو إسلامو فيوتوريزم وهي حركة فنية ترتكز على تقاطع الهوية الإسلامية مع مجتمع الكوير، وكيفية تواجد كل هذه العناصر والتناقضات في جسد واحد، كما تشرح: “المثليين المسلمين موجودون، سواء أحببت ذلك أم لا. عندما أتحدث عن الإسلامو فيوتوريزم لا أتحدث بالضرورة عن شخص أو أشخاص تخلوا عن الإسلام. إنها فقط حركة فنية لأفراد ينحدرون من خلفيات إسلامية يريدون إعادة ابتكار التمثيل المناسب لهم، لفنهم، لفلسفتهم من خلال الأدب والفنون البصرية والأداء الحي وغيرها.”
ما يهمني هو الناس وليس الأفكار، أريد خلق فضاء لهؤلاء الأفراد ليمثلوا أنفسهم بأنفسهم
كيف يختلف الإسلام عن الإسلامو- فيوتوريزم بالنسبة لسارة؟ تجيب: “الإسلامو فيوتوريزم ليست ديانة، هي تمثل الهوية الإسلامية التي ترتكز على الشتات الإسلامي أكثر من الممارسات الحية للمسلم. الهوية الإسلامية هي واسعة بما فيه الكفاية لتعريف الأفراد الذين ترعرعوا في أوساط مسلمة، والناس الذين تخلو عن إيمانهم، واولئك الذين لا يزالون يتمسكون بإيمانهم.” تشدد سارة على أن عملها الفني ليس عن الإسلام بل يدور عن المسلمين، “ما يهمني هو الناس وليس الأفكار، أريد خلق فضاء لهؤلاء الأفراد ليمثلوا أنفسهم بأنفسهم. من الأمور التي أركز عليها في الإسلامو-فيوتوريزم هي التمثيل المناسب للكوير المسلمين في الإعلام، الجامعات والمجتمع،” تضيف سارة.
وتتابع: “كما أنني لا أتحدث هنا عن مجموعة من المسلمين السابقين، أنا امرأة مسلمة، ولكني أريد حركة فنية لكل المسلمين ولمن عاش في بلد إسلامي. فمهما تغيرت شخصيتك واعتقاداتك في هذا العالم، فإنك كمسلم، أو تربيت في بيئة مسلمة، ستستمر برؤية والإحساس بالأشياء بطريقة مختلفة، لأن الإسلام لمس جزءاً منك، مثلاً عندما ترى سجادة الصلاة، أو عند وجودك في مسجد، وحتى عند سماعك للآذان.”
مجتمع الكوير والمثليين والنساء المسلمات، تعرضن للتهميش من قبل الحركات النسوية. النسوية الخاصة بي تهتم بكل الفئات المهمشة في المجتمع
تشدد سارة على استخدام كلمة كوير في حديثها، وهي تحب كلمة “كوير” لأنها توفر لها الأمان أكثر، لأن الأغلبية تجهل معنى الكلمة، كما تقول: “الكوير هي كمظلة تتضمن الأقليات في مختلف التوجهات الجنسية. أنا أصف نفسي كفنانة، عربية، مسلمة، كويرية، وأريد أن أجعل الوصف عادياً. أنا فخورة وسعيدة لانتمائي لهذه المجموعة، يوجد الكثير من الفنانين الذين ينتمون لنفس الدائرة، وقد وجدت نفسي بينهم، لأنني أعتبر الفن كمنزل لي.”
التركيز على الكوير نابع أيضًا من نقد سارة للحركة النسوية التي ترى أن اهتماماتها وخاصة “أنا أيضًا” لا تشمل جميع النساء: “مجتمع الكوير والمثليين والنساء المسلمات، تعرضن للتهميش من قبل الحركات النسوية. النسوية الخاصة بي تهتم بكل الفئات المهمشة في المجتمع، لأنني أمثل تلك الجهة من المجتمع وأريد أن أقدم لها التمثيل المناسب من خلال الفن.”
ولكن هل يستطيع الفن تغيير كل ذلك الظلم، والجهل والأفكار المترسخة؟ إجابة سارة على السؤال ستكون في معرضها القادم والذي يحمل عنوان مغري “منفلتات مانيفاستو” في متحف الفن العصري في أريزونا في الولايات المتحدة. وقد جاء “إسم المشروع جاء من “منفلتة” أو فالتة وهو وصف يوجه للنساء اللواتي لا يتقيدن بالقواعد. “هذا وصف كنت أنعت به طوال حياتي، حيث كان الناس من حولي يقولون “أنت فالتة.” أريد خلق فضاء خاص لكل من كن ينعتن بالمنفلتات. وهذا المانيفستو هو عبارة عن مجموعة من الأفكار، القصائد والصور التي تتحدث عن وصف المنفلتة من وجهة نظري. لقد بدأت المشروع في 2018 ولا زال مستمرًا، حيث سيكون على عدة أشكال،” تقول سارة.
ضمن هذا “المانفيستو” هناك معرض بعنوان “مسجد المنفلتات” حيث اختارت سارة من خلاله التركيز على ثلاث شخصيات: “الشخصية الأولى هي قنديل بالوش، وهي امرأة باكستانية قتلت على يد أخاها لأنها كانت تنشر صورها في مواقع التواصل الاجتماعي. الشخصية الثانية هي لجين الهذلول، وهي ناشطة نسوية سعودية معروفة وهي الآن في السجن. الشخصية الثالثة هي دينا علي السلوم، وهي فتاة سعودية أرادت الهروب من بلدها لطلب اللجوء في أستراليا، لكن تم توقيفها في المطار وتم إرجاعها إلى السعودية ضد إرادتها،” كما تشرح سارة.
في مسجد المنفلتات تتخيل سارة حياة الشخصيات الثلاث في مكان أفضل. ولكن لماذا تخيلته في مسجد، أسأل سارة: “المسجد يستعير الهندسة الداخلية والممارسات الثقافية للصلاة والعبادة، كما أنه من خلال هذا المسجد يمكنني إعادة تخيل مستقبل للحركة النسوية الإسلامية، والذي أراه كمكان آمن وجميل لجميع النساء. لقد وظفت لهن الفضاء الخاص بهن.”
تتابع سارة: “في مسجد المنفلتات، كان من المهم بالنسبة لي أن أركز على التمييز بين الجنس والجنسانية، وأن أختار ممثلاً رجلاً كأداة للتعبير، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم شخصية قنديل بالوش، والتي كانت تتمتع بأنوثة كبيرة أخافت الآخرين الذين قاموا بقتلها. يخشى الناس من استعادة معنى الجندر وخاصة فيما يتعلق بالأنوثة التي ترتبط في الكثير من السياقات الإسلامية والتاريخية بالجنس. أردت فصل أو، التفريق بين الجنس والجنسانية أو الجندر.”
يبدو أن سارة تَحدت كل شياطينها، ولكن هل هناك ما لا يزال يخيفها: “أخاف كثيراً من أن يفرض علي الصمت وأن لا أجد فضاءً لأعبر عن نفسي. ولكن هذا الخوف لا يوقفني بل يجعلني أستمر. أخاف أيضاً من الرفض، وأظن أن كل الفنانين يخافون من هذا الأمر. ما يجعلني سعيدة هو قدرتي على التغيير، وأن لا أكون اليوم نفس فنانة الغد. كما أنني لا أحب أن أعلق في الماضي، ويسعدني رؤية مجتمع الكوير الفني يتم بنائه، المهم أن نكون قادرين على خلق فضاءات للمناقشة ومساندة بعضنا البعض عندما يرفض العالم مساندتك.”
يمكنكم مشاهدة المزيد من أعمال سارة على موقعها او متابعتها على انستغرام