مع استمرار الحرب الإسرائيلية الدموية ضد أكثر من مليوني مواطن في قطاع غزة، لا تزال الحرب الإعلامية مستمرة في فرض رواياتها واجنداتها المختلفة. شهدت الأيام الأخيرة من الحرب اجتياح الجيش الإسرائيلي لمشافي مركزية في قطاع غزة بهدف إثبات أن حماس استخدمت المشافي لأغراض عسكرية، والبحث عن أنفاق في أنحاء مدينة غزة.
اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى الرنتيسي
Videos by VICE
ظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، في فيديو أكد فيه وجوده في مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي جمع “مؤشرات” مثل زجاجة رضاعة الأطفال وقطعة حبل مرتبطة بكرسي. وقالت القوات الإسرائيلية إنها عثرت على العديد من الأسلحة في قبو المستشفى، بما في ذلك أحزمة ناسفة وقنابل يدوية وأسلحة وصواريخ آر بي جي. بالإضافة إلى ذلك، أفاد الجيش الإسرائيلي في الفيديو بأنه اكتشف “بنية تحتية لـ (حماس) في الطابق السفلي” للمستشفى المشار إليه. ردت وزارة الصحة في حماس على هذه التصريحات ببيان أكدت فيه أن “ما قدمه الاحتلال حول مستشفى الرنتيسي للأطفال هو تمثيلية سمجة لا تمتلك أي دليل يستحق الاستجابة.” وأضافت أن “الاحتلال اعتبر وجود حفاضات أطفال في مستشفى للأطفال ووجود نازحين عليها أنها دلائل استثنائية، وهذا تستهتر به عقول الناس وعقول العالم.”
وبخصوص البنية التحتية في المستشفى، ردت حماس بالقول إن “القبو الذي تحدث عنه ضابط الاحتلال الظاهر في الفيديو موجود ضمن تصميم المستشفى ويحتوي على إدارة المستشفى ومخازنه، وأصبح مكانًا لإيواء النازحين الذين هربوا من القصف للاحتماء به.”
الحرب على الصحفيين المواطنين
منذ بداية الحرب على قطاع غزة، عمل عدد من الشباب والشابات على تصوير ما يحدث في مختلف مناطق قطاع غزة ونشرها على صفحاتهم على الانستغرام. وفي ظل أزمة الاتصالات والإنترنت التي ضربت القطاع منذ بداية الحرب بسبب نقص الوقود وقصف عدد من محطات تزويد الاتصالات، أصبح هؤلاء النشطاء مصدر رئيسي لما يجري في القطاع من قصف وقتل مستمر. العديد من هؤلاء الصحفيين الشباب مثل بيليستيا العقاد وبسان عودة، الذين عرضوا أنفسهم للخطر من خلال عرض لقطات لأطفال يقتلون بالغارات الإسرائيلية، اتهمهم اليمين المتطرف بأنهم فريق دعاية لحماس. وبحسب صحيفة وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست، فإن هؤلاء النشطاء يتبعون لحماس ويحاولون الترويج لها، دون إرفاق أي أدلة على ذلك.
عدد القتلى في غزة لم يتم التحقق منه
بعد أن شكك الرئيس الأمريكي في عدد القتلى في قطاع غزة، أضافت الكثير من وسائل الإعلام كلمة “رقم لم يتم التحقق منه” بجانب عدد القتلى الذي تصدره وزارة الصحة في قطاع غزة. وفي كثير من الأحيان، يتم إضافة كلمة “التي تحكمها حماس” بجانب عدد القتلى والذين وصل عددهم لأكثر من ١٦ ألف مواطن حتى الآن. التشكيك في أرقام القتلى الفلسطينيين ووصفه بأنه غير موثق، لا ينطبق على الأرقام التي تأتي من إسرائيل رغم أنها لم توثق أيضًا.
الأخبار الزائفة
لا تقتصر الأخبار الزائفة على وصف الأحداث الجارية، بل تتعدى ذلك إلى حد التضليل حول كافة تفاصيل القضية الفلسطينية. شبكة بي بي سي مثلًا تعرف حركة حماس أنها حركة تريد أن تدمر إسرائيل لتستبدلها بدولة إسلامية، وهذا وصف غير دقيق على الإطلاق. حماس فعلًا تسعى لتدمير إسرائيل باعتبارها كياناً محتلًا، ولكنها لم تعلن قط عن رغبتها في بناء دولة إسلامية في مكانها. وذلك لأن فلسطين تضم بالفعل العديد من الديانات، وليس الإسلام فقط، ولكنها تضم أيضًا الدروز والمسيحيين من مختلف الطوائف، وعدد قليل من اليهود. لكن المقصود من هذا الوصف، كغيره من التعبيرات، العمل بطرق مختلفة لوضع حماس وداعش في قائمة واحدة.
صحافيون يشتكون من تغطية مؤسساتهم للحرب على غزة
اتهم ثمانية صحفيين من البي بي سي الشبكة في أواخر شهر نوفمبر بالتحيز وازدواجية المعايير في تغطية الحرب الإسرائيلية في غزة، حيث أشاروا إلى أنها أولت اهتمامًا أكبر للضحايا الإسرائيليين. أرسال هؤلاء الصحفيين رسالة لشبكة الجزيرة قالوا فيها أن الشبكة فشلت في تقديم وصف دقيق لمجريات الأحداث في غزة وخاصة بما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي تجري هناك. وأشار الصحفيون إلى أن بي بي سي اقتصرت على استخدام كلمات مثل “مذبحة” و”فظاعة” عند الحديث عن حركة “حماس” الفلسطينية، وهو ما يخلق في نظرهم الانطباع بأن الجماعة هي المصدر الوحيد للعنف في المنطقة.
الفيديو المزيف لممرضة مستشفى الشفاء
في ١١ نوفمبر، نشر الحساب الرسمي باللغة العربية لوزارة الخارجية الإسرائيلية على منصة “إكس” فيديو لممرضة فلسطينية تدعي أن حماس قد استولت على مستشفى الشفاء في غزة، بما في ذلك جميع إمدادات الوقود والمسكنات. زعمت الممرضة أن سرقة حماس للمورفين منعها من استخدام الدواء على طفل يبلغ من العمر خمس سنوات يعاني من كسر. تم تداول الفيديو آلاف المرات، ولكن سرعان ما تم كشفه على أنه مزيف. لم يظهر أي من موظفي المستشفى في الفيديو أنهم يعرفون الممرضة، مما يثير الشكوك حول هويتها ودورها. تحدث روبرت ماكي، صحفي في وكالة البحث Forensic Architecture، مع ثلاثة من أعضاء فريق أطباء مستشفى الشفاء يعملون في مستشفى الشفاء، ولم يتعرف أي منهم على الممرضة.
وبحسب هؤلاء الأطباء فإنهم لا يستخدمون السماعات الحمراء في مستشفى الشفاء. بالإضافة إلى ذلك، كانت الممرضة تتحدث بلكنة غير فلسطينية، ويبدو أن حوارها يتماشى تمامًا مع وجهات نظر الجيش الإسرائيلي حول سرقة حماس لكل الوقود من المستشفيات. علاوة على ذلك، مما زاد من الشكوك هو المؤثرات الصوتية الاصطناعية المحيطة بالقصف، ومعطفها الأبيض الناصع النظيف وماكياجها المثالي، والتي بدت جميعها غير مناسبة في ظل الوضع المتدهور المفترض.
أطفال إسرائيليون ومراهقون فلسطينيون
بعد إعلان وزارة الخارجية القطرية عن التوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية مؤقتة وتبادل ٥٠ أسيرًا إسرائيليًا مقابل ١٥٠ أسيرًا فلسطينيًا، بدأت وسائل الإعلام الغربية تنقل تفاصيل الصفقة إلى جمهورها. الشيء الملفت هو محاولات بعض وسائل الإعلام لتجنب استخدام مصطلح “أطفال فلسطينيين” عند الحديث عن الأسرى الفلسطينيين الذين تفرج إسرائيل عنهم.
ذكرت مراسلة بي بي سي في القدس أن الأسرى الإسرائيليين المطلق سراحهم وفق صفقة التبادل هم من النساء والأطفال، بينما وصفت الأسرى الفلسطينيين الذين تم إطلاق سراحهم بـ”االمراهقين”، لتجنب استخدام وصف “الأطفال” الذي ينطبق على كل من يقل عمره عن ١٨ عامًا.
واستخدمت صحيفتا نيويورك تايمز و واشنطن بوست مصطلحات مختلفة، حيث وصفت نيويورك تايمز الأطفال الفلسطينيين المطلق سراحهم بـ “القاصرين”، بينما استخدمت صحيفة واشنطن بوست مصطلح “مراهقين” لوصف الأطفال الفلسطينيين، وهو مصطلح يختلف عن استخدامها لكلمة “أطفال” لوصف الإسرائيليين.
واشنطن بوست اعتذرت عن نشرها كاريكاتيرًا يبرر قتل الأطفال في غزة
نشرت صحيفة واشنطن بوست كاريكاتير مثير للجدل، حيث أظهر فيه الرسم شخصية تشبه أحد قادة حماس ترتدي ملابس عسكرية، وعدد من الأطفال مربوطين بجسده من الأمام وامرأة فلسطينية من الخلف.يتساءل النص المصاحب للكاريكاتير كيف يمكن لإسرائيل مهاجمة المدنيين في غزة، مما يوحي بأن الأطفال والنساء تُستخدم كدروع بشرية من قبل فصائل المقاومة. ويبدو أن الرسم يبرر قتل الأطفال والنساء في غزة، حيث يُظهر أن هذا الإجراء ضروري لإسرائيل للوصول إلى قادة المقاومة وقتلهم. الرسم لا يبرر قتل المدنيين فحسب، بل يدعو إليه صراحة من خلال رسالته الساخرة.
وفي وقت لاحق، قامت صحيفة واشنطن بوست بإزالة رسم كاريكاتوري بعد أن تعرضت لانتقادات واسعة باعتبارها عنصرية ومهينة للفلسطينيين وفي رسالة إلى القراء، قال ديفيد شيبلي، محرر الصفحة الافتتاحية في الصحيفة، إن الرسم كان يهدف إلى تصوير المتحدث باسم حماس خالد مشعل. ومع ذلك، فقد أقنعه رد الفعل العنيف على الرسم بأنه “فشل في رؤية شيء عميق ومثير للانقسام.”
وأضاف شيبلي أن قسمه يسعى إلى إيجاد قواسم مشتركة وفهم الروابط التي تجمع الناس معًا، حتى في الأوقات الصعبة. وبناءً على هذه الروح، قررت الصحيفة إزالة الرسم.
المثلث الأحمر
أصبح رمز العلم الفلسطيني، المثلث الأحمر المميز، مؤخرًا موضوعًا للنقاش خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تستخدمه حماس والجيش الإسرائيلي في مقاطع الفيديو الخاصة بهما. الرمز، الذي يستخدمه النشطاء والمتظاهرون حول العالم للتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطيني، بحسب الجزيرة، ظهر لأول مرة في مقاطع فيديو حماس لإظهار أهداف مثل الدبابات الإسرائيلية، ثم منذ احتلال إسرائيل لغزة ردًا على مجزرة ٧ أكتوبر. وخلال الفترة الأخيرة، بدء الإسرائيليون استخدام المثلث الأحمر أيضًا في فيديوهاتها. ونشر افيخاي ادرعي، المتحدث باسم دائرة الإعلام العربي في جيش الدفاع الإسرائيلي، مقطع فيديو، تم فيه استخدام الرمز المميز للإشارة إلى الأهداف الفلسطينية، وجاء في نهاية الفيديو: “المثلث القادم لكل دواعش حماس بإذنه تعالى.”
تسببت هذه الخطوة من قبل الإسرائيليين في ردود فعل غاضبة عبر الإنترنت من قبل المؤيدين الفلسطينيين، الذين انتقدوا الجيش الإسرائيلي واتهموه بالسرقة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى المثلث الأحمر، استخدم الإسرائيليون أيضًا المثلث الأخضر لإظهار ضرباتهم لقادة حماس.
أثار هذا الاستخدام المتبادل للرمز الأحمر والمثلث من قبل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي جدلًا حول معناه وأهميته. يرى البعض أن استخدام الرمز من قبل الإسرائيليين هو محاولة لسرقة رمز فلسطيني، بينما يرى آخرون أنه ببساطة علامة لتحديد الأهداف. بغض النظر عن تفسيرها، فمن الواضح أن المثلث الأحمر والأخضر قد أصبحا من الرموز الرئيسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.