الحلم الاسكندنافي والإسلاموفوبيا.. الكشف عن الحقيقة

الحلم-الاسكندنافي-و-الاسلاموفوبيا_رسم-قضوضة

شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة تزايدًا في الحوارات والمناقشات حول زيادة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهي صورة من صور التحيز والتمييز ضد الإسلام وأتباعه. يتم تجسيد هذه الظاهرة من خلال انتشار العداء والإقصاء في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك المجالات المهنية والتعليم والتدريب المهني وحتى الخدمات والمشاركة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الإسلاموفوبيا أيضًا حالات من العنف والخطاب العنصري، وهذا ينطبق بشكل خاص على منصات الإنترنت والأماكن العامة. إن الإسلاموفوبيا هي شكل محدد من أشكال العنصرية التي يجب معالجتها، ولم تبق الدول الاسكندنافية، المعروفة بقيمها التقدمية وشموليتها الاجتماعية، محصنة ضد هذا الاتجاه السلبي.

هذه الظاهرة ليست جديدة تمامًا. لقد نشأت في النرويج في فترة التسعينيات، ولديّ ذكريات قوية عن مدى صعوبة اللعب مع أطفال السكان الأصليين، كوننا لسنا من أصحاب البشرة البيضاء ومسلمين. لقد كنا أحد المهاجرين القلائل من الجيل الأول، وكان الناس مترددين في التعامل معنا، بما في ذلك في ساحات اللعب أيضًا. المعلمون يتحدثون إلينا باستخفاف، وبطريقة أو بأخرى نحن مخطئون دائمًا. محاطون بالطبيعة الجميلة، وبياض الثلج في الشتاء، وأفضل رعاية صحية في العالم، لكن الرسالة كانت واضحة، لم نكن مرغوبين في هذا البلد.

Videos by VICE

وعلى النقيض من ذلك، أتذكر أنه في السنوات التالية، بدأت الأمور تتغير وفجأة كان هناك خطاب عاطفي وشامل حول التسامح والانفتاح في بلدان الشمال الأوروبي. خلال سنوات مراهقتي، كان لديّ العديد من الأصدقاء، وكانت مجموعاتنا متنوعة جدًا، وكنت أعيش حقًا مع القيم الإسكندنافية التي كنا نبشر بها العالم. ذهبت إلى مدرسة هارتفيغ نيسن Hartvig Nissen (المدرسة التي تم فيها تصوير معظم أحداث المسلسل التلفزيوني الشهير Skam)، وكان الشمول والتنوع مذهلين. حتى أنه كان لدينا فصل دراسي خاص بـ “أصحاب الهمم”، في نفس الطابق الذي نعيش فيه، والذي تم دمجه بالكامل في المنهج الدراسي العادي في ذلك العام.

أخيرًا، كنت أعيش وأتنفس القيم الإسكندنافية الحقيقية، حيث كان الجميع موضع ترحيب بكل الطرق التي يعاملون بها.

كانت الدول الاسكندنافية، التي تضم دول مثل الدنمارك، والنرويج، والسويد، وفنلندا، موضع إشادة منذ فترة طويلة لالتزامها بحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والرعاية الاجتماعية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، فقد واجهت المنطقة أيضًا حوادث متصاعدة من الإسلاموفوبيا.

حرق القرآن 

بعض الأحداث الأخيرة التي قد يتذكرها الكثير منّا هي حرق القرآن. خلال هذا العام، حدثت عدة حالات لحرق القرآن الكريم في السويد، أبرز هذه الحالات حدثت في ٢٨ يونيو، عندما قام لاجئ عراقي يبلغ من العمر ٣٧ عامًا بتمزيق صفحات من القرآن الكريم وإشعال النار فيها خارج مسجد ستوكهولم. 

وأثارت هذه الحادثة احتجاجات وإدانات دولية، خاصة في العالم الإسلامي. وقد ارتكب هذا الشخص مرة أخرى عملاً من أعمال تدنيس القرآن الكريم في ستوكهولم في ٢٠ يوليو، مما أدى إلى مزيد من المظاهرات والاعتداءات. وشملت هذه الحوادث هجمات حرق متعمد استهدفت السفارة السويدية في بغداد، والتي بدأت في اليوم السابق.

كانت هناك احتجاجات ضد تدنيس القرآن الكريم في مختلف البلدان ذات الأغلبية المسلمة. وفي الشهر الماضي، اقتحم محتجون في العراق السفارة السويدية، وطردوا السفير وأضرموا النار في المبنى بعد أن أحرق “موميكا” القرآن الكريم خارج مسجد في ستوكهولم. حتى أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، طرد سفير السويد وقام بتعليق تصريح العمل لشركة الاتصالات السويدية إريكسون بسبب هذا الحادث.

ومع ذلك، قالت الحكومة السويدية إنها ليس لديها ملجأ قانوني لمنع المزيد من حوادث حرق القرآن. ألغت السويد قوانين التجديف في السبعينيات، كما حظيت حرية التعبير بـ “حماية قوية” في الدستور السويدي. يتمتع أي احتجاج عام بحماية الدستور، حتى في الحالات التي لا يوجد فيها تصريح مسبق للتظاهر، فإنها تكون مدفوعة ومحمية تحت مظلة “حرية التعبير.”

ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن العديد من السويديين يعارضون حرق القرآن الكريم. ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة كانتار بابليك Kantar Public في شهر يوليو، فإن غالبية السويديين يؤيدون فرض حظر على حرق أي نصوص أو كتابات دينية.

على المستوى الشخصي، كان موقفي دائمًا هو تجنب التعامل مع المحرضين. فهدفهم هو الحصول على رد منّا، وفي الماضي، كنت أبذل جهودًا متضافرة لتجاهلهم. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، وبسبب تزايد وتصاعد قبول الإسلاموفوبيا على نطاق عالمي، أجد نفسي أيضًا غاضبًا من حرق القرآن الكريم. لقد تطور الوضع من استهداف المجتمعات الإسلامية في سياقات محلية إلى إظهار عدم الاحترام بشكل علني لمجموعة كاملة من الأفراد الذين يعتنقون الإسلام.

إطلاق النار على مسجد 

وقع الحادث المعروف باسم إطلاق النار على مسجد باروم أو إطلاق النار على مركز النور الإسلامي في ١٠ أغسطس ٢٠١٩، في مسجد مركز النور الإسلامي الواقع في باروم بالنرويج، على بعد حوالي ٢٠ كيلومترًا غرب العاصمة أوسلو. مرتكب هذا الحادث هو فيليب مانشاوس، وهو نرويجي يبلغ من العمر ٢١ عامًا. بدأ الهجوم بقتل أخته بالتبني في مسكنهما المشترك. وبعد ذلك، توجه إلى المسجد حيث اقتحمه بالقوة من خلال إطلاق النار عبر باب زجاجي، ودخل المسجد “بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين.” ورغم أنه استخدم سلاحه، إلا أنه لم يتمكن من إصابة أحد، إذ سيطر عليه -لحسن الحظ- ثلاثة من المصلين تشاجروا معه جسديا، ليتم بعد ذلك تسليمه إلى الجهات المختصة.

وفي أعقاب مثل هذه الحوادث، تبرز ظاهرة غريبة حيث يتمكن الأفراد من الحفاظ على وضوح الفكر والإقرار بأن تصرفات مرتكب الجريمة لا تعكس تصرفات أمة بأكملها. ومن المؤسف أن المسلمين غالبًا ما يُحرمون من نفس المستوى من التعاطف والتفاهم. تكشف الأبحاث التي أجريت في السويد في عام ٢٠٠٦ أنه في أعقاب أحداث ١١ سبتمبر، ارتفعت حالات التمييز ضد المسلمين. وكلما كان من السهل التعرف على الأفراد أو المنظمات على أنهم مسلمون، زادت احتمالية تعرضهم للتمييز في المجتمع.

إقصاء سكانها المسلمين

أثبت عام ٢٠٢٢ أنه عام الأحداث المهمة في الدنمارك، حيث شمل أحداثًا معادية للإسلام وظهور مبادرات جديدة مناهضة للعنصرية. هيمنت على الخطاب العام قضيتان قانونيتان أثارتا تساؤلات حول مدى فعالية النظام القضائي الدنماركي في الحماية من إساءة تطبيق العدالة في الدعاوى القضائية بالمحاكم. وتتعلق إحدى هذه القضايا بشاب واجه اتهامات بالإرهاب بسبب سفره المزعوم إلى سوريا، لكنه أكد أنه كان يعمل لمصلحة أجهزة الأمن الدنماركية.

في مجال التعليم، كان هناك موضوع مهم يدور حول القيم الدنماركية الأساسية في المدارس الابتدائية والثانوية. وشمل ذلك نقاشًا عامًا حول ما إذا كان ينبغي إدراج الجدل الدائر حول الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية، والمعروفة أيضًا باسم أزمة الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، كعنصر أساسي في منهج التاريخ في المدارس الابتدائية في الدنمارك.

وهناك موضوع تعليمي مهم آخر مرتبط باللجنة التي عينتها الحكومة، والتي قدمت توصية بحظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية. أثار هذا الاقتراح انتقادات كبيرة من النساء المسلمات، واتحاد المعلمين الدنماركي، والباحثين، وعامة الناس، الذين وجدوا خطًأ في استنتاجاته الظاهرية.

التناقض

إن الحوادث المذكورة أعلاه هي أحد الأمثلة العديدة لما يتعين على المجتمعات الإسلامية تحمله في الدول الاسكندنافية. والمفارقة هنا هي أن آباءنا وأجدادنا انجذبوا للانتقال إلى هناك بسبب القيم الاجتماعية والأخلاقية، ليواجهوا تحيزًا عدائيًا من الإسلاموفوبيا يجعلهم تحت تصنيف “آخرين” بالنسبة لبقية المجتمع. لقد تم إقصاؤهم من أبسط الأشياء مثل العثور على سكن أو وظيفة، مما أدى إلى تعقيد عملية الاندماج والتسبب في مصاعب بها.

كانت الدول الاسكندنافية تاريخيًا متجانسة ثقافياً، وقد يؤدي إدخال ثقافات مختلفة، بما في ذلك الثقافات الإسلامية، من خلال الهجرة إلى مفاهيم مغلوطة، أو القلق والتخوف، أو مقاومة التغيير. بالإضافة إلى ذلك، أدت الهجرة المتزايدة من الدول ذات الأغلبية المسلمة في العقود الأخيرة إلى مناقشات حول التكامل الثقافي والهوية الوطنية. قد ينظر بعض الأفراد إلى المهاجرين، وخاصة المسلمين، باعتبارهم تهديدًا لأعرافهم وقيمهم الثقافية، وبغض النظر عن عدد الأجيال التي تمر بها، تظل الإسلاموفوبيا والعنصرية علامتين ظاهرتين في المجتمع الإسكندنافي.

الاستقطاب

كيف ينبغي أن تشعر إذا كنت تعيش في ازدواجية ما يُزعم أن هذه الدول هي “أفضل دول العالم”، في حين أن معاملة المسلمين والخطاب العام حول الإسلام هو أحد الأشياء القليلة جدًا التي لا تتوافق مع القيم الاسكندنافية المعلنة؟

إن نشأتك في دول مثل هذه، والتي لا أعتقد أنها مقتصرة على الدول الاسكندنافية فحسب، بل يمكن أيضًا ربطها بالتجربة في العديد من البلدان الغربية الأخرى، فإنك تكبر وتنضج وأنت تشعر بالإقصاء وإنك غير مرغوب بك من قبل المجتمع.

إن هذه الظاهرة اللاإنسانية لا يمكن انتهاكها حتى أن اللغة السويدية تحتوي على كلمة “utanförskap” التي تعني حرفيًا “الإقصاء”، في إشارة إلى الشعور الذي يشعر به العديد من المسلمين والمهاجرين الذين يعيشون في الدول الاسكندنافية، وهم مهمشون تمامًا ومستبعدون من المجتمع. والأمر الأسوأ من ذلك هو أنه عندما يجد الجيلان الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين أنفسهم في عالم يكرههم بعنف، ولن يقبلهم أبدًا، وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه أو شخص يتحدثون إليه، يشعر الشباب المسلم بأنهم عاجزون ويائسون.

إن هذا أيضًا يضر بقدرة الشباب على تكوين هوية. أنا شخصيًا، كوني من أصل مغربي، كنت أقول باستمرار عبر وسائل الإعلام والمجتمع أن بلدي كانت سيئة. لقد كانت محفوفة بالمخاطر، وكانت مليئة بالمسلمين، وكانت غير متحضرة. عندما كنت طفلًا صغيرًا، كانت هذه الأشياء حقائق بالنسبة لي، لم أكن أعرف أفضل منها، وجعلوني أكره المغرب حتى بلغت سن ٢٦ عامًا وقررت أن أذهب لزيارة المغرب بمفردي، فقط لأكتشف جمال بلدي بعيني.

الحُكم

رغم أن سمعة الدول الاسكندنافية فيما يتصل بالشمولية تظل قائمة، فإن تصاعد الإسلاموفوبيا في بلدان الشمال يسلط الضوء على الطبيعة الواسعة الانتشار لهذه القضية. إن التعرف على أسباب ومظاهر الإسلاموفوبيا أمر بالغ الأهمية لبدء تغيير حقيقي. ومن خلال تعزيز التفاهم بين الأديان، والمسؤولية الإعلامية، والسياسات الشاملة، تستطيع الدول الاسكندنافية أن تعمل على الحفاظ على سمعتها باعتبارها ملاذاً للتسامح والاحترام لكل سكانها، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية. لكن الأمر يجب أن يبدأ بنقاش صادق وصريح تتم فيه المحاسبة وتُقام المسئولية وتؤخذ تجارب المسلمين بعين الاعتبار.

سابقًا، كانت الوحدة والتضامن عنصرين أساسيين في جوهر القيم الاسكندنافية، وربما في العصر المعاصر، أصبح الناس أكثر انسجامًا مع الطقس البارد الجليدي. وبعد أن شهِدْت تطور المجتمع الحالي، فإنه يحزنني بشدة أن أجد الشباب المسلم محروم من لحظات الفرح التي كنت أعتز بها خلال نشأتي في النرويج. أنا متفائل بحدوث تحول إيجابي في الوقت المناسب، لكن هذا يتطلب تكاملًا أكبر ومواجهة المحادثات الصعبة والمناقشات الجريئة التي نتجنبها حاليًا. نحن بحاجة إلى إجراء نقاشات شاقة ونحتاج إلى الاستماع لبعضنا البعض.