الخطر الكامن في التسلية عبر “تيك توك”

tiktok

في واحد من فيديوهات الشاب المصري عادل طلعت على تيك توك، قام فيه مع مجموعة من أصدقائه بربط صديقاً آخراً لهم في السقف، تخطى هذا الفيديو المليون مشاهدة. كان طموح طلعت مع تيك توك هو أن يصل إلى مائة ألف متابع كما هو مكتوب على حسابه ووصل بالفعل إلى 40 ألف منها، فالشهرة وكسب الإعجاب هو حافز للكثيرين لمواصلة نشر الفيديوهات على التطبيق الشهير والذي يجمع 500 مليون مستخدم نشط شهريًا في جميع أنحاء العالم.

لكن هذه التحديات التي تبدو بريئة قد تتخطى أحياناً الحدود إلى مجابهة الموت. فقد سجلت عشرات حالات الوفاة والإصابات الخطيرة بسبب استخدام تطبيق تيك توك، وخاصة في الهند ويذكر منها وفاة طفل 12 عاماً والذي شنق نفسه عن طريق الخطاً أثناء تصوير مقطع فيديو، كما قُتلت فتاة هندية برصاص أحد أقاربها أثناء قيامهم باستخدام سلاح محلي الصنع لتسجيل مقطع فيديو، كما قتل رجل تحت عجلات جرار أثناء محاولته التباهي وتصوير مقطع لنفس التطبيق.

Videos by VICE

في بنغلاديش، الأمر أخذ منحى أكثر درامية، حيث يقول بعض الناشطين أن التطبيق يشجع على ممارسة الجنس مع الأطفال وبث المواد الإباحية، بعد أن خَلص تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي إلى أن تيك توك فشل في تعليق حسابات الأشخاص الذين يرسلون رسائل جنسية إلى المراهقين والأطفال. وتم العثور على مئات التعليقات الصريحة جنسيًا على مقاطع الفيديو التي نشرها أطفال لا تتجاوز أعمارهم التاسعة. وعلى الرغم من حذف الشركة لمعظم هذه التعليقات عند الإبلاغ عنها، إلا أن معظم المستخدمين الذين نشروها تمكنوا من البقاء على المنصة، على الرغم من قواعد تيك توك ضد الرسائل الجنسية الموجهة إلى الأطفال. وهو ما دفع الحكومة إلى حظر في فبراير كجزء من حملة على المواد الإباحية على الإنترنت.

في العالم العربي، تمكن تيك توك من جذب الكثير من المراهقين والشباب في وقت قياسي. وهذا التطبيق الذي أطلق عليه “ملك الميمز” المتحركة يقوم بالأساس على مشاركة “ميمز” الفيديو على خلفيات موسيقية، كأغاني أو ميمز صوتية مشهورة. خلال زيارتي لمنزل صديقتي مؤخراً، سمعت مقطع موسيقى قصير يتكرر دون توقف من هاتف ابنة صديقتي التي أكملت قبل أسابيع عامها الثالث عشر. كانت تقوم ببعض الحركات الراقصة على الفيديو وتصورها. تقضي جنا، ما بين ساعتين إلى 5 ساعات أحياناً يومياً في استخدام التطبيق بناء على احصائيات هاتفها الخاص كما تقول، وترى أنه لا ضير من ذلك طالما أنها تؤدي واجباتها المدرسية، وتخبرني: “تيك توك حلو جدا عشان بيديني فرصة للتعبير عن نفسي، أنا باحب التمثيل وباعتبر ده تمثيل و هزار، وباعمله وأنا في البيت يعني ما فيش خطر. وممكن أبقى أي حاجة انا عايزاها، فين المشكلة بقى في كدة ؟!”

لا ترى جنا مشكلة أو مخاطر محتملة لهذا التطبيق، وكانت اجابتها عندما تحدثت معها عن التنمر الالكتروني أو محاولات الغش تقول أنه يمكنها أن تتوقف عن متابعة أي حساب ولذلك لا تشعر بأي خطر. “فيديوهاتي بشوفها أصدقائي بس.”

جنا هي واحدة من الملايين الذين يقومون بعرض فيديوهاتهم القصيرة التي لا تتعدى 15 ثانية، كما يتحدون بعضهم البعض للحصول على مزيد من المتابعين، حيث أصبحت تحديات تيك توك مادة محببة للمشاهدة على يوتيوب وتحقق ملايين المتابعات. الفيديوهات التي يشارك فيها الأطفال تحظى بنسبة مشاهدة عالية كذلك، حيث يشارك الكثير من الأهل أبنائهم في صناعة الفيديوهات على التطبيق.

أحمد أو “ميدو” هو أحد هؤلاء. ويقوم بنشر فيديوهات مع ابنته لمواقف كوميدية على تيك توك، ويتشاركان التمثيل في الفيديوهات وأحياناً يستعينان بأصدقاء آخرين. يخبرني ميدو، 29 عاماً، والذي يحظى حسابه الذي يشارك فيه ابنته تمارا، ذات الاربع أعوام بأكثر من نصف مليون متابع أنه أصبح نشطاً على تيك توك منذ نحو تسعة أشهر فقط: “في تلك الفترة القصيرة حصلنا على ما يزيد على 5 ملايين إعجاب، وأصبح تيك توك بالنسبة لي أكثر من مجرد هواية، أصبح جزءً من حياتي.”

يسمح التطبيق للمستخدمين عبر ما يسميه برنامج الماس بإرسال “هدايا رقمية” لصانعي الفيديو المفضلين لديهم، وصلت إحداها إلى 400 دولار

يشير ميدو إلى أن ابنته تُعرف نفسها إلى الناس بأنها تمارا المشهورة على تيك توك، وهي لا تدرك حقاً معنى الفيديوهات فهي تعتبرها لعبة. قد يرى البعض أن ميدو يستغل ابنته للحصول على الشهرة ولكنه يعترض على ذلك: “أنا أخاف على ابنتي وكنت أصنع فيديوهات بدونها، ولكن بعد نشري لفيديو مع تمارا، كانت ردود الأفعال جيدة والفيديوهات أجمل بوجودها.” ويضيف: “لقد نشرت أكثر من 400 فيديو، ولم يصلني سوى نحو 15 تعليق سلبي فقط. كل ما أقوم به هو تصوير فيديوهات لطيفة وخفيفة تعجب الناس ولا ألتفت للتعليقات السلبية.”

في مدينة جدة في السعودية تعيش تولين عصام 13 عاماً، والتي لديها حساب على انستغرام وتيك توك تعرف نفسها فيه على أنها موديل وممثلة، تحدثت مع والدتها أمل محمد والتي تتولى إدارة حساباتها الالكترونية. “أراقب جميع التعليقات التي تصل لتولين لتجنب أي مشكلات قد تتعرض لها، وأنصح ابنتي بعدم قراءة التعليقات التي قد تتطرق إلى انتقادات حادة لتولين مثل أنها بنت تعيش في السعودية ولا يجب أن ترقص في التطبيق.”

لكن التطبيق الذي يبدو أنه للتسلية فقط لا يخلو من محاولات لبعض المراهقين والبالغين الشباب استغلاله لجمع الأموال، حيث يسمح التطبيق للمستخدمين عبر ما يسميه برنامج الماس بإرسال “هدايا رقمية” لصانعي الفيديو المفضلين لديهم، والتي وصلت تكلفتها على أحد الأطفال ذو 11 عاماً إلى 400 دولار حسب تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي حيث يقدم المستخدمين – صانعي المحتوى – وعوداً بذكر اسم معجبيهم أو مشاركة أرقامهم الخاصة معهم مقابل تلك الهدايا. أقل تلك الهدايا هي ” باندا” وتكلف أقل من دولار وأعلاها هي “دراما كوين” والتي تكلف المعجب حوالي 80 دولاراً. باختصار، تعد المنصة الإلكترونية التي تعج بملايين الشباب والمراهقين تعد كنزاً لمن يحاول الوصول إلى تلك الفئة العمرية.

لكن هناك جانب إيجابي، مثلاً تقوم جومانا حمدي، معالجة نفسية تقدم الدعم عبر الإنترنت، باستخدام تيك توك لنشر فيديوهات تتعلق بالدعم النفسي للمراهقين وتقول: “أكبر مشكلة يسببها التطبيق هو النهم الشديد لدى المراهقين في تجميع أكبر عدد من المتابعين مما يترتب عليه سلوكيات وتصرفات تؤثر على سلامتهم النفسية والشخصية وتصل إلى إنتهاك حقوقهم النفسية والجسدية وتجعلهم يتحملون التنمر اللفظي مقابل أن يزيد عدد التعليقات على المحتوى لا أكثر ولا أقل.” وتضيف: “في ظل هذا الوضع، فكرت باستخدام تيك توك لنشر المحتوى التوجيهي للأطفال حيث يتواجدون،” ولكن مع ذلك، تشدد جومانا على أن “التطبيق غير مناسب للأطفال.”

لذا فعلى الرغم من أن التطبيق يبدو وسيلة بريئة للتسلية، وبالرغم من محاولات مصنعي التطبيق البطيئة للحد من مخاطره وخاصة على الأطفال، إلا أن تنوع المخاطر الكامنة فيه، من التأثير النفسي السلبي الذي قد يتركه التطبيق على الأطفال، مروراً بالاستغلال المادي والجنسي، وحتى التعرض للموت عن طريق الخطاً أثناء محاولات إبهار المعجبين، لا تزال تدق جرس الإنذار في كل مرة ينضم مشارك يافع جديد إلى التطبيق.