الخط نوفل والثأر الذي حوله لقاتل 

IMG_0097

_بدم بارد: سلسة من المقالات حول قتلة متسلسلين من العالم العربي، نحاول الكشف عن القصص الحقيقية المؤلمة وراء هذه الجرائم التي تجاوزت العناوين الرئيسية وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية.

_يطلق على سفاحين الصعيد في مصر لقب “الخط” وقد يكون أشهر خط في العصر الحديث هو نوفل سعد الدين ربيع الذي قام بالكثير من جرائم القتل قيل أنها تجاوزت 150 رجلاً إما قتلهم بيده أو أصدر الأمر بقتلهم، بخلاف امتلاكه لمزرعة أفيون وتجارته في السلاح، هذا غير الأساطير التي ترددت عن مساعدته في القبض على عتاة الارهابيين في تسعينات القرن الماضي.

Videos by VICE

يقال أنه كان يتعاون مع الشرطة – حسب زعمه – في البحث عن العناصر الإرهابية والتي كانت تتخذ الأماكن النائية في الصعيد مأوى لها بعيدًا عن الأعين، كان هذا ضمن حقبة التسعينات من القرن الماضي والتي تصاعدت فيها وتيرة الحرب بين الشرطة والإرهاب، في تلك العشرية الأخيرة من القرن الماضي تصاعدت عمليات الجماعات الجهادية في مصر، وقتها عقدت قيادات الشرطة في مصر صفقة غير معلنة وغير رسمية، غضت الطرف فيها عن تجار المخدرات والسلاح في الصعيد، مقابل معاونتهم لها في القضاء على الإرهاب.

تجار المخدرات والسلاح يعرفون جيدًا المسالك والجحور التي يختبئ فيها التجار والمهُربون الآخرون، كما إنهم أبناء البيئة ويعرفون جميع تضاريسها أكثر حتى من الجهادي القادم من محافظات مختلفة، وهي سياسة أعطت نتائج جيدة كما يبدو.

مع بداية الألفية الجديدة كان الإرهاب قد تم القضاء عليه تقريبًا، وقتها فوجئت الشرطة بوجود إمبراطوريات للاجرام نشأت وتوسعت تحت عينها ولكنها أصبحت أكبر مما يجب، كان واحد من كبار أصحاب الإمبراطوريات هذه نوفل سعد الدين ربيع ويقع مقر إمبراطوريته في قرية “حمرة دوم” في “نجع حمادي” بمحافظة قنا.

ولد نوفل سنة 1967  لأسرة غنية، تنتمي لقبيلة الهوارة العريقة في صعيد مصر. عندما كان عمره ثلاثة عشر عامًا فقط، عندما هزت هذه الحادثة مدينته وغيرت حياة نوفل للأبد. كانت عائلة هنداوي كانت تضمر شراً لعائلة نوفل نتيجة ثأر قديم يعود لعام 1941، بعد 35 سنة نصبت كمينًا أمام قسم الشرطة قتلت فيه والد نوفل وشقيقه وعمه. نوفل بالمقاييس الطبيعية ما زال مراهقًا، ولكن بحسابات الثأر أصبح رجلاً يحمل عقد الدم وحمل الثأر في عنقه، حمل نوفل السلاح وبدأ أولى جرائمه تحصيلاً لثأر عائلته.

برر نوفل ما فعله لاحقًا في حوار صحفي وقال: “نعم حملت السلاح للأخذ بثأر أبي.. لم يكن هناك بد من الأمر، لقد قتلوا أبي وهم معروفون، فهل تنتظر مني أن أصمت، لقد قامت الشرطة بهدم البيوت وتدمير بلدتنا وكان حادثاً بشعاً هز محافظة قنا كلها، وكل العالم يعرف أن “التار عار” فهل أسكت مثل الولايا؟ نعم حملت السلاح وأخذت بثأر أبي، وقبل أخذ ثأر أبي حملت السلاح لأحمي نفسي، فلو لم أحمل السلاح سوف أموت مثلما مات أبي.”

يحكي نوفل في الحوار عن آخذه لثأره كأول جريمة قتل ارتكبها، فيقول إنه أطلق النار على كل من أطلق الرصاص على والده، ذهب ومعه سبعة من أبناء عمومته، بعدها بدأ مسلسل القتل، حتى إن المحرر عندما سأله لماذا لم يتخلى عن حمله السلاح بعد أخذه للثأر قال له “أي سلاح الذي أتخلي عنه إذا كنت وأنا طفل يلهو ببندقية، لقد صحوت ذات ليلة وصرخت من الفزع عندما تحسست الوسادة التي تحت رأسي فوجدتها بندقية بها 30 طلقة.” (وهذا يعني أن عليه الثأر).

نوفل المنتشي بأخذ ثأره والقائد الجديد لعائلته الغنية بدأ في تكوين إمبراطوريته الخاصة، إمبراطورية لم يتوانى في حكمها بالدم، حتى أنه قام بقتل شمبري، ١٨ عاماً، ابن شقيقه والذي تجرأ وذهب لمنزله مطالبًا بحقه في ميراث أبيه، نوفل ظل ينكر هذه الواقعة بالذات حتى مقتله، ولكن الشهود كان لهم رأي آخر وحكم على نوفل بالمؤبد غيابياً في هذه القضية.

تأسيس مملكته
نشط نوفل بعد ذلك في تجارة المخدرات والسلاح، وخصص فدانًا من أرضه – 4200 متر مربع – لزراعته بالأفيون، وشيد في منتصف الأرض منزله أو قلعته والتي حاولت الشرطة أكثر من مرة اقتحامها قبل نجاحها في النهاية في مقتله.

في الحوار مع المصري اليوم، (الحوار الوحيد الذي نشر معه) قال نوفل إنه تم استخدامه من مسؤولين في وزارة الداخلية، استخدموه في العثور على الارهابي مفجر الأتوبيس السياحي الشهير في الأقصر، كانت حادثة ضخمة قامت فيها خلية جهادية بقتل 58 سائح في نوفمبر 1997، كان الحادث مريعًا وشكل هزة كبيرة في المجتمع المصري وتراجعت السياحة بشكل كبير وتمت إقالة وزير الداخلية. في النهاية تم العثور على القتلة مقتولين في مغارة جبيلة، وقالت أجهزة وزارة الداخلية إنهم انتحروا من اليأس، ولكن نوفل يدعي أنه كان وراء التخلص منهم.

ويضيف بالحوار أن الشرطة طلبت منه العثور على الخلية التي سرقت فرع البنك الأهلي بالمراغة بمحافظة سوهاج في نوفمبر ٢٠٠٠. وتم العثور على جثث الجناة الخمسة باحدى المغارات بالجبل الغربي بسوهاج، وهو ما يشير مجدداً لنوفل. كما طلبوا منه المساعدة في قتل قاتل اللواء عبد الحميد غبارة، مساعد مدير أمن قنا وأفراد طاقم حراسته، والتي وقعت في ١٩٩٣. ويقول: “لقد استخدمني المسؤولون في وزارة الداخلية. هم أعطوني السلاح وقالوا لي: اضرب يا نوفل.. هات لنا الإرهابي الذي فجر الأتوبيس السياحي في الأقصر يا نوفل.. هات لنا الإرهابيين الذين سرقوا بنك المراغة.. اقتل لنا قاتل اللواء عبدالحميد غبارة.”

جرائم قتل نوفل لم تخلوا من بعض المفارقات، حيث يقول الناس أن نوفل كان يُحب إكرام ضحاياه قبل قتلهم، ففي إحدى المرات استضاف نوفل راشد حسين وهو واحد من أفراد عائلة هنداوي، وقتها كانت هناك هدنة بين العائلتين بعد تدخل وزير الثقافة الأسبق عبد الحميد رضوان للصلح بينهما.

استضاف نوفل راشد وأكرمه وبعد تناول العشاء قتله ببساطة وألقى بجثته في أحد المصارف المجاورة للقرية، ويقال كذلك أنه حضر وليمة لأربعة من أفراد عائلة أخرى، قدم لهم فيها أشهى الأطعمة والمشروبات ثم أحضر لهم حلاقه الخاص وطلب منه الحلاقة لضيوفه، الضيوف أكلوا وشبعوا؟ تزينوا؟ سلموا عليه وخرجوا من المنزل؟ ماذا حدث؟ أمطرهم بوابل من الرصاص وألقى بجثثهم في أحدى الترع. نوفل في وقت لاحق وبعدما شيد قلعته لم يكن يمانع في دفن ضحاياه في حديقته الخاصة.

من خلال حديثي مع ثلاثة من الصحفيين الذين غطوا قضيته يتفق الجميع أن نوفل كان يقتل كل من يختلف معه، وأن الثأر والداخلية حوله لمجرم متسلسل، قتل أو أصدر أمراً بقتل ما يقارب من 150 شخص بخلاف إدارته لإمبراطورية من السلاح والمخدرات. ولكن كان لنوفل كان له جانب آخر يساعد فيه أبناء قريته، فقد شيد مسجد القرية ومدرسة لمحو الأمية بخلاف أعماله الخيرية ومساعداته للفقراء، كما يتداول أبناء القرية قصص عن شهامته مع أبناء القرية ومساعدته لكل شخص محتاج.

**معركة النهاية
**في النهاية أصبح نوفل واحداً من أهم المطلوبين على قوائم الشرطة في مصر، جرت عدة محاولات لاقتحام منزله ولكنه تمكن من المقاومة والهرب. محرر المصري اليوم الذي زار نوفل بعد إحدى محاولات اقتحام منزله الفاشلة يشير إلى أن الشرطة “استخدمت الشرطة مدفع آر بي جي ولكنها لم تفلح في اقتحام المنزل.”

بعد إحدى الغارات وصلت معلومات للشرطة أنه أصيب وأنه يستعين بأحد الأطباء لعلاجه وسط حراسة مشددة من أعوانه ومن بينهم أحمد سليمان ريان وربيع عبود سعدالدين وشهرته ميزو، وهو زوج ابنته ومنذر عاطف سليمان وجميعهم محكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.

في مايو ٢٠٠٧، قامت قوات من الشرطة بمحاصرة المنطقة وحاولوا في البداية الاستعانة برموز القرية لإقناعه بالاستسلام، ولكن نوفل رفض وأصر على أن تكتمل حياته كما عاشها، أقرب لفيلم سينمائي، وبدأ في إطلاق النار مع أعوانه على قوات الشرطة التي ردت بالمثل واستمرت المعركة يومين حتى مقتل نوفل وعدد من مساعديه.

قتل نوفل عم ٣٨ عاماً، وبعد تلك المعركة، فتقدم كبار رجال القرية بطلب لأجهزة الأمن بدفن نوفل بجوار والده في مقابر العائلة، وافقت أجهزة الأمن على الطلب ولكن وفق إجراءات مشددة، حيث كان هناك تخوف من تحول الجنازة لمجزرة جديدة.

الخط نوفل يخيف حيًا وميًتا، وبناء عليه، دفعت الشرطة ب 30 سيارة مدرعة حسب رواية بعض الشهود وذلك لتأمين الجنازة، حضر ممثلون لعائلات القرية كما توافدت سيارات فارهة من القرى والبلدات المجاورة لحضور الجنازة، بعض التقارير الصحفية تقول أن حضور الجنازة تعدوا الألفين شخص، التفوا حول القبر ورفضوا تلقي العزاء حتى يثأروا من الشرطة التي قتلته، وتم أداء صلاة الجنازة عليه داخل مستشفى نجع حمادي العام، ثم نقلت الجثة وسط حضور أمني مكثف لتستقر في القبر مع أبوه وأخوته الثلاثة، عبود ومعبد وفيصل، والذين قتلوا قبله في خصومات ثأرية.

ابنه أحمد لم يحضر الجنازة واختفى عن الأنظار لتنتهي أسطورة الخط نوفل ومعها أسطورة “أولاد سعد ربيع” كما كان يطلق عليهم في قرية “حمرة دوم” كواحدة من أشهر العائلات في عالم الإجرام.

تمر السنوات، ويبدأ أحمد ابن نوفل في الظهور في العمل العام بقريته بعد سنوات من رحيل والده، في حوار صحفي رفض وصف والده بالمجرم وقال للصحفي “الأسفلت اللي انت واقف عليه أبويا اللي عمله” في حوار آخر أقر أحمد بأن السلاح ما زال موجوداً في قريته، “مفيش بيت في الصعيد مفيهوش سلاح.”

وكالعادة، وكما حدث مع التوربيني، نسي الناس جرائم نوفل، ومع الزمن بدأت عمليات تحويله لبطل، أحد الشعراء سجل قصيدة ووضعها على اليوتيوب يقول فيها “تشهد على فعلك يا أبو احمد جميع الجماهير ويبقى صدى صيتك يا أبو أحمد ليوم القيامة.”