ربما تحاول جني أكبر قدر ممكن من المال في أسرع وقت ممكن. ربما كنت طفلاً متفوقا دراسيًا تنجز أشياء عظيمة اعتماداً على الإعتقاد بأن قيمتك تكمن تمامًا في عملك. ربما كنت تعمل في وظيفة سيئة مع مدير سيء. مهما كان الأمر، فقد وقع الكثير منا في فخ الشعور بأنه يتعين علينا العمل طوال الوقت. وهو ما نطلق عليه اسم إدمان العمل أو “الإنتاجية الضارة.”
وتقول ريا سيلين فيلا، الطبيبة النفسية المعالجة التي تقيم في الفلبين: “الإنتاجية الضارة هي الرغبة في أن تكون دائمًا منتِجًا في جميع الأوقات وعدم الرغبة في التوقف على الرغم من إنجاز المهمة.” وتشير فيلا إلى إن التزامنا تجاه الإنتاجية الضارة يمكن أن ينشأ من عدة أسباب.
Videos by VICE
“قد يربط بعض الأشخاص هويتهم وقيمتهم الذاتية بقدرتهم على أن يكونوا منتِجين، مما يخلق حلقة ضارة من الإجهاد والتوتر. قد يشعرون بالحاجة أو الإلزام لإبقاء أنفسهم مشغولين، لأنهم إذا كانوا مشغولين، فإنهم يفعلون شيئًا صحيحًا”. وتابعت: “كونك بدون عمل تنجزه يُنظر إليه على أنه علامة على التكاسل والتراخي، لذلك فإن العمل طوال الوقت يشعر البعض بأن لديهم قيمة.”
فترة الوباء أدت إلى تفاقم هذا النمط من التفكير، كما تشير فيلا، فعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يعملون من المنزل، فإنهم قد يشعرون بالحاجة إلى مضاعفة جهودهم لكي يبدو وكأنهم يفعلون وينجزون المزيد – ليس فقط في العمل، ولكن في الحياة بشكل عام.
وتضيف: “أدى العمل من المنزل إلى الكثير من التطلعات التي تم فرضها على الذات، مثل تعلم لغة جديدة، أو تعلم الطبخ، أو تنظيم اللقاءات والأحداث على تطبيق زووم، أو استعادة لياقتك البدنية، وما إلى ذلك. هناك دائمًا رغبة في التحرك، إنجاز الأشياء، وأن تظهر للناس أنك تفعل شيئًا ما.”
أشارت فيلا إلى مثال صارخ للإنتاجية الضارة – وهي ظاهرة كاروشي اليابانية، والتي تعني الموت الناجم عن ضغط العمل أو الإرهاق الوظيفي. وتشير فيلا إلى إن الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو القيام بعمل خارج ساعات العمل المحددة يمكن أن يكون أيضًا شكلاً من أشكال الإنتاجية الضارة. التفكير مليًا في بعض الأعمال التي لم تُنجز بعد عندما تكون في الخارج مع الأصدقاء هو مظهر آخر.
وهناك شعور آخر مرتبط بالإنتاجية الضارة وهو الإحساس بالذنب. قد ينجز الأشخاص مهمة ما بشكل سريع، وهكذا، فقط لأنهم يشعروا بالذنب بشأن منح بعض الوقت الإضافي لأنفسهم. وفقًا لرييل بيلا تيكسون، الأخصائية النفسية المقيمة أيضًا في الفلبين، فإن هذا مظهر آخر للإنتاجية الضارة.
بالنسبة إلى بيلا تيكسون، قد يقوم بعض المدراء عن غير قصد بإدامة ثقافة الإنتاجية الضارة عندما يشيرون ضمنًا إلى أن الموظفين الذين لا يعملون طوال الوقت لا “يقدمون أفضل ما لديهم” أو لا “يسعون جاهدين لتحقيق التميز.” في ضوء ذلك، قد يُنظر إلى مقاومة الإنتاجية الضارة – أو وصف أي إنجاز بأنه “ضار” على الإطلاق – على أنه قبول وارتضاء للكسل والخمول.
في هذه المواقف، توصي بيلا تيكسون الجميع “بتذكر أن الإنتاجية لها حد، وتجاوزها هو أمر مرهق جسديًا ونفسيًا. الصحة لا تقدر بثمن، ولا يزال بإمكان الناس تحقيق النجاح دون المساومة على رفاهيتهم.”
المفارقة بالطبع هي أن الحاجة إلى أن تكون منتِجًا باستمرار يمكن أن تؤدي في حد ذاتها إلى أن تكون غير منتِج. تقول فيلا: “عندما تكون مشغولاً للغاية بعملك، قد تتجاهل حتى القيام بمسؤولياتك في المنزل. تنسى الطهي أو التنظيف، ويتراكم الغسيل، وتنسى التسوق لشراء البقالة. هذه كلها أعراض للإنتاجية الضارة.”
هذا لا يعني أن كل العمل الدؤوب سيء، حيث أوضحت فيلا أن العمل الدؤوب يصبح سيئًا فقط عندما تقضي الكثير من الوقت في العمل بحيث لا يعد لديك الطاقة او القدرة للاعتناء بنفسك. قد يؤدي عدم معرفتك متى وأين تضع حداً فاصلاً إلى الإجهاد والتعب والإرهاق. ربما الأهم من ذلك، أنه قد يؤثر أيضًا على علاقاتك مع العائلة والأصدقاء، الذين قد ينتهي بك الأمر إلى إهمالهم لصالح عملك.
بدلاً من “العمل الدؤوب” تحب فيلا ممارسة ما تسميه “العمل الذكي.” وتقول: “هذا هو الوقت الذي تستمر فيه في العمل الجاد الدؤوب وتقديم أفضل ما لديك ولكن بطريقة أكثر ذكاءً. يمكنك دفع نفسك نحو أفضل قدراتك ولكن يجب أن تعرف أيضًا متى تتراجع. العمل الذكي يُعلم أيضًا استخدام الموارد من حولك، وطلب المساعدة من فريقك. هذا لا يساعدك في مهمتك فحسب، بل يساعدك أيضًا في بناء العلاقات وتقوية العمل الجماعي الخاص بك. يمكننا دائمًا العمل بجِد ولكن يمكننا أيضًا العمل بشكل أكثر ذكاءً.”
إذن كيف يجب أن يتعامل الناس مع الإنتاجية الضارة؟
وفقًا لفيلا، تتمثل إحدى الطرق في ممارسة الفطنة الصحيحة.
قالت فيلا: “ليس كل العمل عاجل أو فوري.” وأضافت: “من المهم أن تسأل نفسك دائمًا: ما هو أسوأ شيء سيحدث إذا استغرقت 24 ساعة للتفكير في هذا قبل أن أقوم بهذه المهمة؟ اختر معاركك وأفعالك. كن انتقائيًا عندما يجب عليك اتخاذ إجراء أو دع الآخرين يفعلون ذلك أيضًا. هذا لا يضع حدودًا صحية لك فحسب، بل يخلق أيضًا فرصًا للآخرين للمشاركة.”
وأضافت فيلا أن الأشخاص لا يمكنهم إنتاج عمل جيد إلا عندما يعتنون بأنفسهم، لذا فإن إحدى الطرق لمواجهة الإنتاجية الضارة دون التضحية بجودة العمل هي ممارسة العناية الذاتية.
وأوضحت فيلا: “خذ وقتًا مستقطعًا من العمل لتعتني بنفسك. أي شيء مثل ممارسة الرياضة، أو الذهاب في رحلة برية، أو الاعتناء بالنباتات، أو ممارسة تدرببات الإدراك الذهني يمكن أن يمنح الناس بعض الراحة والهدوء الذهني الذين هم في أمس الحاجة إليه.”
الأهم هو تذكر أن قيمتك كشخص هي خارج نطاق إنجازاتك، وحياتك لا ترتبط بنطاق وظيفتك.
وتقول فيلا: “إن قدرتك على فصل قيمتك الذاتية عن ناتج عملك سيساعد في الحفاظ على سيطرتك على منظورك الصحيح للأمور، خاصة عندما يتعلق الأمر بقدراتك النفسية والبدنية، وهذا يساعدك على وضع الحدود المناسبة مع الآخرين في العمل.”
وفقًا لـ بيلا تيكسون: “يمكن أن يبدأ التخلص من الإنتاجية الضارة بشيء بسيط مثل قول “لا” بكل بساطة للأشياء التي تنتهك مساحتك الشخصية ووقتك. عدم تحكمك في وقتك ومساحتك الشخصية، يجعل الآخرين يفعلون ذلك نيابة عنك.”