الولايات المتحدة دمرت الرقة لهزيمة داعش.. والآن العالم يتخلى عنها

الرقة، سوريا – لقد جاء فصل الصيف مبكراً إلى الرقة، وبالقرب من وسط المدينة، تتدفق رائحة الجثث المكتشفة حديثاً حول ملعب كرة القدم في مدرسة الرشيد الثانوية.

كانت هذه المنطقة ذات يوم مقصدًا شعبيًا للرياضيين الطموحين وعائلاتهم المشجعة لهم، اليوم تمتلئ ساحة المدرسة بمقابر جماعية، التي تمثل دليل بائس للحملة المدعومة من الولايات المتحدة لتحرير الرقة من حكم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

Videos by VICE

يعمل عمال الدفاع المدني والمتطوعون المسلحون فقط مع المجارف والفؤوس على سحب الجثث من التربة الرملية، حفنة من المدنيين، يدخنون أو يغطون أفواههم بأيديهم، يقفون بجانب جدار خرساني منخفض بجوار صف من أكياس الجثث التي تم وضعهم فيه مؤخراً، ينتظرون أملاً في العثور على أقاربهم بين صفوف الجثث.

يقول رئيس لجنة إعادة الإعمار في الرقة عبد الله العريان: “ربما هناك 200 جثة هنا”. “معظمهم من النساء والأطفال”. (بعد أشهر من العمل، اكتشفت المجموعة 551 جثة).

“جميعهم تم تدميره”، قالها “العريان” وهو يشير إلى مباني المدارس، والمحاكم، والمكاتب القانونية، والمباني السكنية التي تشكل محيط المنطقة – التي دمرت أو أصيبت بأضرار بالغة بسبب الغارات الجوية ونيران المدفعية، حيث المدرسة التي تعلم بها، والمدرسة التي تعلم بها أبناؤه، والمحكمة التي مارس فيها القانون لأول مرة ، حتى منزل عائلته على بعد بضع مئات من الأمتار. كما يقول: إن الأمر كارثي. الرقة دفعت الثمن من أجل العالم أجمع.

عمال يقفون على أنقاض المبني في الرقة، سوريا، 18 أبريل، 2018. رويترز / عبود حمام

كانت الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لتحرير الرقة من حكم داعش في الصيف الماضي مدمرة للغاية لدرجة أن منظمة العفو الدولية اتهمت الائتلاف الذي قاتل في الرقة بالإهمال الذي يرقى إلى الإهمال الجنائي.

حيث ضربت أكثر من 4000 غارة جوية تابعة للتحالف المدينة الصغيرة خلال الحملة، بالإضافة إلى ذلك، أطلقت كتيبة المدفعية الأمريكية التابعة للقوات المحلية 30 ألف طلقة على المدينة، وهو رقم أكثر من أي عدد طلقات ضربته وحدة مدفعية أمريكية في أي حرب منذ حرب فيتنام، وذلك وفقًا لتقرير الائتلاف الأخير الذي قدمته لمنظمة حقوق الإنسان.

وقال التقرير: لقد دمروا حرفيا براميل مدافع الهاوتزر التي استخدمتها قوات التحالف، بسبب الإفراط في الاستخدام.

والنتائج واضحة للعيان: تدمير المدينة بشكل شبه كامل، حجم الضرر ينافس ما حدث في مدينة الموصل، فلقد تضرر أكثر من 70% من مباني المدينة خلال الحملة التي قادتها الولايات المتحدة، وفقاً للأمم المتحدة.

كما أن التكلفة من الضحايا المدنيين مذهلة على نحو مماثل: يقدر المراقبون المحليون أن حوالي 2000 مدني قتلوا أثناء القتال، ومن المرجح أن الغالبية قد قُتلوا نتيجة الغارات الجوية لقوات التحالف، وذلك وفقًا لتقرير منظمة إيروارس الحقوقية غير الحكومية. (رفض البنتاغون هذه النتائج، واعترف حتى الآن بمسؤوليته عن 26 إصابة مدنية فقط خلال حملته في الرقة).

ومع ذلك ، يبدو أن أهالي الرقة أغضبهم الدمار الذي تعرضوا له أكثر من الموت بسبب عدم كفاية جهود إعادة الإعمار التي تلت ذلك.

في أوائل الربيع الماضي، جمّدت إدارة ترامب مساعدات بقيمة 200 مليون دولار إلى سوريا، ريثما يقرر الرئيس ومستشاروه ما إذا كانت مهمة الولايات المتحدة ستستمر من عدمه.

كما يقول السكان المحليون لقد تم إنفاق مليارات الدولارات على تدمير مدينتهم، ولكن لم يتم فعل أي شيء تقريباً لإعادة بنائها.

“لا يمكننا فعل كل شيء بالمجارف والفؤوس

متطوعو الدفاع المدني يزيلون جثث مدنيين قتلوا في تبادل إطلاق النار في الحروب من مقبرة جماعية في مدرسة الرشيد الثانوية في المدينة. آريس روشيونز لـ VICE News.

في مدرسة الرشيد الثانوية، يقوم المتطوعون بتفتيش كل جثة بسرعة – بعضها عبارة عن قطع عظام صغيرة بشكل لا يصدق – ويتم نقلها في أكياس بلاستيكية زرقاء، ويبدأ أحد المتطوعين بالتقيؤ دون أن يلتفت إليه أحد، ثم يتم نقله إلى شاحنة صغيرة حتى يسترد عافيته.

هذه مجرد واحدة من الحفريات الثلاث المستمرة التي يعمل فيها الدفاع المدني في هذا اليوم، وهناك مائة مقبرة أخرى لم يتم استكشافها بعد، وتنتظر اكتشافها.

يحاول ياسر الخميس، رئيس فريق الدفاع المدني في الرقة، طمأنة متطوعيه بأنهم سيحصلون على المساعدات الدولية التي يحتاجون إليها للقيام بعملهم.

يقول “الخميس” “انظر، حجم العمل هنا ضخم”. يرد أحد رجاله: “إنه ضخم، ولا يمكننا فعل كل شيء مع المجارف والمعاول”.

يرد “الخميس” من مكتبه “لقد وُعدنا بمزيد من الدعم، وإن شاء الله، كل شيء سيكون على ما يرام”.

يخبرنا “الخميس” بما لا يجرؤ على إخباره لرجاله “جاءت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي إلى هنا، وجلست معنا، سألتنا عن احتياجاتنا، أخبرناها أننا بحاجة إلى معدات الغطس ومركبات الخدمات ونحتاج إلى سيارات حفر، لقد وعدت بمناقشة طلباتنا مع الإدارة الأمريكية وأنها ستدعمنا، لكننا لم نتلق أي شيء حتى الآن “.

في حين أن صانعي السياسة في واشنطن يتمسكون بما يأتي بعد ذلك، هنا في الرقة، فإن التجميد الأخير للمعونة يعني أن المدينة تقع في كومة ضخمة من ركامها، مليئة بالجثث المتعفنة والذخائر الحية التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لا توجد مياه جارية أو كهرباء، رغم أن 200.000 مدني عادوا للعيش هنا، وفقاً لمسؤولين محليين، وهناك المزيد يأتون كل يوم، على أمل إعادة بناء حياتهم.

يعود المدنيون إلى الرقة، على أمل إعادة بناء منازلهم ويعيشون بين حطام المدينة

ويضيف “الخميس” قائلاً: “قيادة التحالف يجب عليها أن تقدم المزيد من الدعم”، “نأمل أن يكون هذا القرار مؤقتًا، ونأمل أن يتم اتخاذ قرارات أفضل في الأيام القادمة، لأن الناس هنا عانوا الكثير”.

في مكتبه في أحد المباني الإدارية القليلة التي بقيت صامدة، يستغرق عبدالله العريان في المهمة التي تنتظره. ويقول “من المستحيل أن تعود الأمور كما كانت، الدمار كارثي، من سيعيد بناء الممتلكات الخاصة؟ تحتاج الطرق إلى إعادة الإعمار، ونظام الصرف الصحي يحتاج إلى إعادة الإعمار، وشبكة إمدادات المياه تحتاج إلى إعادة الإعمار، وشبكة الكهرباء تدمرت بالكامل، حتى الآن ، لم نحصل على أي دعم دولي.

ومثل كل شخص في الإدارة العربية المحلية بالرقة، التي تعتمد بالكامل على الدعم الأمريكي، كان العريان يشعر بالرعب بسبب تجميد المساعدات الأخيرة من ترامب: ويقول “لقد كانوا 200 مليون دولار فقط.

بالنسبة لنا، من شأنه أن يكون قدرًا هائلا، ولكن بالنسبة للإدارة الأمريكية، فإن ذلك الرقم هو مجرد تكلفة دبابة.

“تم تدمير الرقة بموجب مرسوم دولي، ويجب إعادة بنائه بمرسوم آخر”.

مع وجود إدارة ترامب التي تتطلع إلى انسحاب مبكر من سوريا، فإن أنظمة الحكم العربية الديمقراطية المؤيدة للولايات المتحدة، والتي دعمت الأخيرة لتهزم داعش وتسترضي الدول المجاورة، تواجه مستقبلاً غير مضمون، حيث يعتمد استقرار المدينة على الوعد بالدعم الأمريكي في المستقبل، فضلاً عن المساعدات بكميات معونة كافية لتخفيف الظروف المعيشية اليائسة لسكانها العائدين.

يحذر “الخميس” بصراحة “إذا توقفت المساعدات، نخشى عودة الجماعات المسلحة”، ويضيف: “لقد سئم الناس”.

يتجمع المدنيون حول نقطة توزيع لحصصهم المحدودة من المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة. الرقة ، سوريا. آريس روشيونز لـ VICE News.

يقدم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مساعدات محدودة إلى الرقة، مما يقيد الكميات التي يتم تسليمها، وذلك بشكل متعمد لإثناء المدنيين عن العودة لأن المدينة لا تزال غير صالحة للسكن البشري.

وقال عبد الحميد المحبش، الرئيس المشارك للإدارة المدعومة من الولايات المتحدة: “إن دعم الأمم المتحدة، الذي يتم تقديمه من خلال المنظمات الإنسانية، هو الحد الأدنى”، ويضيف: “نحن لا نعول الكثير من الأمل على هذه المساعدات من المنظمات الدولية”.

لكن المدنيين يعودون على أي حال، وعلى الأرض، فإن المساعدات القليلة تعني حشود من النساء والرجال المسنين المتجمعين حول نقطة توزيع المساعدات، وهم يتنافسون بشدة على الإمدادات الهزيلة من الدقيق وزيت الطهي الذي يتم توزيعه.

بالفعل، يؤدي نقص الدعم إلى حدوث مشاكل: لقد اندلعت مظاهرات صغيرة مؤيدة للأسد في شوارع المدينة في الأشهر الأخيرة، مما أزعج الإدارة الجديدة.

يقول الرئيس المشارك للمجلس المدني عبد الحميد المحبش: “لا أرغب في مغادرة القوات الأمريكية حتى يتم استعادة الأمن وتحقيق المصالحة السياسية في سوريا ككل”، ويضيف: “قد يقوم النظام يتحرك ضد هذه المناطق، قد تتحرك تركيا، وربما قد تتحرك قوى أخرى، لذلك ، سوف نعود إلى المربع الأول”.

تمت إزالة دعاية داعش من برج الساعة الشهير في الرقة ، واستبدالها بكتابات على الجدران قام بها اناركيون غربيون متطوعين للقتال إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية. آريس روشيونز لـ VICE News.

لقد نجح التحالف، الذي ساعد في إنشاء اتحاد شمال سوريا، في بناء قوة عربية في الغالب، ملتزمة بالديمقراطية ومعايير حقوق الإنسان، وفي كنف ورعاية حكومة عربية مستقلة، لم يحقق الجهاديين ولا المؤيدين للأسد هفي النهاية الهدف الذين يسعون لتحقيقه منذ اندلاع الحرب في سوريا منذ أكثر من سبع سنوات.

والآن، بعد إنفاق مليارات الدولارات، وفقدان آلاف الأرواح، تعتقد الحكومة المحلية المدعومة من الولايات المتحدة في الرقة أن حليفها القوي، وبقية الائتلاف، عليه واجب أخلاقي للبقاء في المدينة وإعادة بنائه.

قال العريان: “كما دمرت الرقة بموجب مرسوم دولي ، فإنه يجب أيضا إعادة بنائها بقرار مماثل”، وأضاف: “العالم كله دمر الرقة، تم قصفها بواسطة طائرات رافال الفرنسية، و الميج الروسية و طائرات سوخوي، و طائرات F-14 ، و 15، و 16، لقد قصفت بصواريخ كروز وسكود وتوماهوك”، وأضاف “العالم كله شارك في تدمير الرقة، والآن تخلوا عنها”.