ملاحظة: يحوي المقال صوراً وتفاصيل قد تعيد تروما الانفجار للبعض.
لم ينسى اللبنانيون بعد انفجار مرفأ بيروت في ٣ أغسطس ٢٠٢٠ كي يتذكروه. قبل أيام فقط من إحياء لبنان الذكرى السنوية الثانية لثالث أكبر انفجار غير نووي في العالم، سقط جزء متصدع من إهراءات مرفأ بيروت بداية هذا الأسبوع بعد تكرر اندلاع النيران فيه.
Videos by VICE
لم يتغير الكثير خلال سنتين، ما زال الجرحى يموتون متأثرين بإصاباتهم البليغة، كان آخرهم في نيسان الماضي، عندما توفي المهندس رامي سعيد أحد مصابي الانفجار، متأثراً بجروحه، ليصبح عدد ضحايا الانفجار 221 شخصاً، وأكثر من ستة آلاف جريح. وتسبب الانفجار (وقع بسبب انفجار مواد كيماوية شديدة الخطورة) بتدمير الجزء الشرقي من المدينة، وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص.
سنعود بالذاكرة إلى يوم الانفجار، ولكن ليس كما شاهدناه على محطة التلفزيون أو عبر الفيديوهات بل كيف شاهده وصوره المصور في جريدة وموقع العربي الجديد حسين بيضون، ٣٥ عاماً، الذي تواجد في منزله في قلب بيروت، وتعرض للإصابة بسبب الانفجار، وأكمل طريقه ليوثق أولى لحظات الانفجار خاصةً في شارع مار مخايل والجميزة.
في هذه المقابلة، سينقل لنا حسين تفاصيل بعض من صوره التي نقلت اللحظات التي غَيرت وجه بيروت للأبد بعد ساعات قليلة من الانفجار.
يوم انفجار مرفأ بيروت، ٤ آب، ٢٠٢٠.
“كنت في منزلي المقابل للمرفأ في الطابق الخامس في منطقة مار مخايل. شاهدت بداية اندلاع الحريق في المرفأ ومن ثم سمعت صوت انفجارات قوية كالمفرقعات النارية الضخمة ورأيت الدخان الأسود يلون السماء. بدأت التفكير إن كان علي الذهاب إلى المرفأ للتصوير، عندها بدأت البناية تهتز، وحدث أول انفجار تسبب بكسر بعض الأغراض في البيت، وبعدها بعشر ثواني جاء الانفجار الثاني الكبير الذي دمر كل شيء حولي.”
ويضيف حسين عن ما حدث معه ذلك اليوم: “قوة الانفجار نقلتني من غرفة النوم إلى غرفة الجلوس، تطاير زجاج البيت وأصاب أجزاء مختلفة من جسمي ووجهي. كل ما كنت أفكر به هو النزول للشارع، أزلت بعض الزجاج من جسمي، لبست تيشيرت حمراء كي لا تظهر آثار الدماء ونزلت للشارع. كنت قد هيأت نفسي أني سأرى جثث في الشارع، عندما وصلت إلى أول الدرج، دست على جثة بالخطأ.”
ويضيف: “لم أستوعب ما حصل. بعد ذلك، رأيت “سهام” المرأة العجوز التي لديها دكانة صغيرة في المنطقة مصابة وتنزف، والناس يحاولون مساعدتها. كانت هذه أول الصور التي التقطتها من ذلك اليوم.”
يقول حسين إنه في حين كان يتواجد في منطقة مار مخايل القريية من المرفأ، كان عليه الذهاب لمكتب الجريدة التي يعمل فيها في الجميزة للاطمئنان على زملائه. في الطريق، رأى أوراق الجرائد تتطاير في الهواء وعندما اقترب أكثر، كان الدمار مخيفاً وكاملاً. “لم أرى شيئاً مماثلاً في حياتي،” يقول حسين.
“كانت الأشجار الكبيرة مقلوعة من جذورها ومرمية على الطرقات. الجميع كانوا في صدمة تامة، يمشون مطأطئي الرأس، مكسورين، والمفارقة أنهم لم يكونوا يركضون خوفاً، بل يمشون ببطئ، يمشون من دون أن يدرون ما هي الوجهة التي يقصدونها.”
يقول حسين عن الصور التي التقطها يوم الانفجار: “الصور التي أشاركها اليوم، هي الأقل دمويةً، ولا تمثل الكارثة، الكارثة أكبر بكثير. لقد خففت من الـ Zoom في بعض الصور كي لا يرى المشاهد المروعة للجثث وللجرحى. صورت مثلاً هذه الصورة من دون وجوه قصداً، الفستان الأبيض الملطخ الدماء عكس حجم وبشاعة ما حدث.
“لم أعد أريد الإنجاب” هكذا يعلق حسين بعد أن يرى هذه الصورة التي التقطها منذ سنتين. وقد تسبب انفجار المرفأ بمقتل ٦ أطفال، من بينهم اسحاق ذو العامين فقط، وهو أصغر ضحايا الانفجار، كما أصيب ألف طفل خلال الانفجار مع تضرر 600 ألف طفل في محيط بيروت الكبرى، بحسب منظمة اليونيسيف.
هذه الصورة التقطها حسين وهو في طريقه من شركة الكهرباء التي تضررت بشدة في مار مخايل إلى المرفأ. يقول حسين أن في جميع الصور التي التقطها كانت لأشخاص يمشون كالموتى الأحياء، “الصدمة والدماء النازفة هما العامل المشترك بين جميع الصور.”
وصل حسين أخيراً للمرفأ وهنا أدرك حجم الدمار.
“حتى وصولي الى واجهة المرفأ، كنت أظن أن الذي انفجر هو مستودع مفرقعات نارية، ولكن بعد رؤية الدمار، عرفت أن الذي انفجر أكبر بكثير.”
ويضيف: “لا يمكن لمفرقعات نارية أن تحدث كل هذا الضرر الهائل ليس في موقع الانفجار فقط، بل على بعد كيلومترات منه. كنت قد شعرت بحجم الانفجار، ورؤية المرفأ المدمر لم يخيفني ويصدمني بقدر التفكير بعدد القتلى والجرحى. لقد شاهدت الجثث والجرحى في الشوارع الداخلية، وهذا ما بقي معي حتى الآن.”