“م و ي ل ا م ك ل ا ح ف ي ك، ا ب ح ر م.” طبعًا لم تتمكنوا من قراءة هذه الجملة لأنها بكل بساطة لا تمثل لغة عربية سليمة ومفهومة. تخيلوا معي الآن أن تروا عبارة مماثلة في مشهد من أحد الأفلام، أو في لعبة فيديو، أو في إعلان تسويقي أو مطبوع على تي شيرت أو حتى كـ تاتو. مشاهدة أحرف عربية تستخدم في جمل لا تمت بصلة للغة العربية أصبح منتشراً بشكل كبير مع محاولة كثير من الشركات الوصول والتواصل مع المستهلك العربي.
قد لا تقدر حجم هذه “الجريمة” المرتكبة ضد اللعبة العربية، ولكن مدونة Nope, not Arabic ستسهل عليك الأمر، حيث تضم أرشيفاً يجمع كتابات ونصوص وصور ولافتات ورسومات ولقطات من ألعاب فيديو أو أفلام بحروف عربية مفرقة أو مكتوبة بطريقة عكسية.
Videos by VICE
رمزي ناصر، ٣٤ عامًا، مصمم ألعاب، هو العقل المدبر خلف هذا الموقع الذي يراه بمثابة حائط العار أو Wall of shame يجمع جميع العبارات والجمل العربية التي طالها التحريف من جميع أنحاء العالم منذ عام ٢٠١٤.
“لقد ولدت ونشأت في لبنان قبل أن أنتقل للولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراستي والاستقرار بها منذ ما يقرب ١١ سنة. لكن ارتباطي بهويتي العربية هو ما يجعلني أنتبه للأخطاء التي تطال اللغة العربية والتي أصادفها في الكثير من الأماكن. أعتبر نفسي بمثابة شرطي اللغة العربية في العالم الرقمي. ومن خلال مدونتي أنا أمرر رسالة أننا موجودون ونراقب عن كثب كل ما يحدث للغتنا،” يقول رمزي في مقابلة مع VICE عربية.
إذا كان الأمر يبدو كمزحة، فهو كذلك. بدأت فكرة المشروع بدعابة بين رمزي وأحد أصدقائه على تويتر، كما يشرح: “أول مرة صادفت فيها عبارة مكتوبة باللغة العربية بشكل خاطئ ترجع إلى سنة ٢٠٠١ في إحدى ألعاب الفيديو. كانت اللعبة تعرض لافتة كبيرة على أحد المباني مكتوب عليها “ق د ن ف” عوض فندق. المثير في الأمر هو أن الجانب التقني للعبة كان متطوراً جداً، على عكس الكتابة العربية التي كانت خاطئة بشكل كلي. قمت بنشر تغريدة على تويتر حول ذلك وتلقيت ردًا من شخص آخر أكد لي هو أيضًا مصادفته لمثل هذه الجمل.
ويتابع: “جعلنا من القصة مزحة -على الرغم من أن هذا شيء غير مضحك صراحة- ونقلناها إلى منصة تمبلر التي كانت في أوج شهرتها عندئذ. هناك بدأت تصلني رسائل كثيرة وصور من طرف أشخاص صادفوا هم أيضًا كلمات أو جملًا عربية مكتوبة بطريقة خاطئة. بعدما خفتت شهرة منصة تمبلر، قررت إنشاء مدونة مستقلة من أجل نشر جميع الصور منذ بداية مزحتي، التي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا للأسف.”
إذا كانت معلوماتكم التقنية في عالم البرمجة لا تتجاوز كتابة جملة ”Hello World“ دعوني أشرح لكم بطريقة بسيطة لماذا وضعنا حظنا العاثر في هذا المشكل التقني المستعصي حسب ما أخبرني به رمزي.
أول شيء يجب أن نفهمه هو أن الحواسيب ولغات البرمجة لا “تقرأ” سوى الكتابات بالحروف اللاتينية واللغة الإنجليزية بالمقام الأول. ففي الوقت الذي تتعامل فيه الخوارزميات مع الحروف اللاتينية كوحدات مستقلة تكتب من اليسار إلى اليمين، تأتي اللغة العربية بخصائصها وقواعدها الخاصة لتقلب موازين الفهم لدى هذه الخوارزميات المسكينة التي لا تفرق بين لغة وأخرى. بحكم أن الحروف في اللغة العربية تُكتب متصلة ومن اليمين إلى اليسار، فإنه لا يسع الحواسيب إلا التعامل معها بشكل عكسي، وهكذا نرى النتيجة في كتابات غريبة لا تربطها باللغة العربية سوى الحروف المستعملة. هكذا نجد كتابات “تشبه” اللغة العربية، لكنها بدون معنى.
يتأسف رمزي لهذا الواقع، ويقول: “المحزن في الأمر هو أن المبرمجين والمطورين الذين لا يتكلمون اللغة العربية يظنون أن عباراتهم مكتوبة بشكل صحيح فيتركونها كما هي دون تكبد عناء اللجوء إلى رأي متحدث بهذه اللغة لتصحيح جملهم وكلماتهم.”
هناك مشكلة تقنية أخرى تتسبب بخروج الأحرف العربية بشكل معكوس أو متفرق، وهو سلسلة أدوبي التي لا تدعم اللغة العربية وتحرفها بشكل يحد من إمكانات المصممين العرب الذين كانوا يواجهون هذا المشكلة لفترة طويلة قبل أن تعلن الشركة (في ٢٠١٤) عن نسخة جديدة تفهم اللغات غير اللاتينية مثل العربية والفارسية.
لكننا على الأقل نبقى في الهوى سوى مع مجموعة أخرى من اللغات التي تتلقى باستمرار صفعات أقوى من تلك التي نتحملها نحن. يخبرني رمزي: “هناك لغة أخرى تعاني من نفس المشكلة لكن بحدة أكثر وهي اللغة المنغولية. هذه اللغة لا تعتمد فقط على حروف متصلة مثل اللغة العربية من أجل تكوين الكلمات، لكنها أيضًا تكتب بشكل عمودي. لكي أن تتخيلي ما يعانيه المنغوليين من تحريف للغتهم من طرف الخوارزميات والحواسيب. ستسألينني كيف يكتب المنغول إذًا لغتهم على مختلف برامج التصميم، وسأخبرك أنهم وجدوا طريقة ذكية لتسهيل عملهم. إنهم ببساطة يكتبون جملهم بشكل أفقي ثم فور انتهائهم من تصميمهم، يقومون بقلب الصور ٩٠ درجة حتى تصير عمودية. عندما أرى حالهم، أشعر بالقليل من الراحة من جهة لغتنا. لسنا الأسوأ.”
لا بد أنكم تتساءلون الآن كيف للغة تضم أكثر من ٢٠٠ مليون متحدث أن لا تجد لنفسها حلًا كل هذه السنين خصوصًا في عصر تطور الذكاء الصناعي. أولًا دعوني أخيب آمالكم كما فعل رمزي معي وأخبركم أن هذه التقنية لا تمثل الحل هنا.
هناك مجموعة من المكتبات المتاحة التي تسمح بإعادة تشكيل النصوص العربية بطريقة سليمة وأكثر فعالية. مكتبات تشكيل النصوص هذه هي ما يسمح أصلًا باستعمال الحاسوب من طرف المستخدمين المتحدثين بلغات غير لاتينية الأصل. من بين هذه المكتبات، يجد رمزي أن مكتبة حرف باز مفتوحة المصدر هي الأكثر شمولية من قريناتها: “لقد تم إنشاء مكتبة حرف باز التي أرى أنها حل من حلول هذه المعضلة، من طرف مبرمج فارسي الأصل حظيت بفرصة لقائه في أحد الأيام وتشاركنا نفس الهموم التي تعاني منها لغاتنا في العالم الرقمي.”
ويشير رمزي كذلك إلى أن جزء من المشكلة هو كسل بعض المبرمجين والمصممين الذين لا يرون بدًّا من استشارة متحدث باللغة العربية من أجل تصحيح نصوصهم ويفترضون فقط أن ما كتبوه لا تشوبه أي شائبة.
“نصيحتي الأولى هي عدم الوثوق بتاتًا بالحواسيب الخوارزميات لكتابة نصوص بلغة لا تتقنها. الأجدر بك التحري وسؤال أهل الخبرة من المتحدثين بها من أجل تصحيح نصوصك وتوجيهك نحو الكتابة السليمة. الأفضل لك أن لا تنشر شيئًا على الإطلاق على أن تكتب نصًا غير صحيح.”
ويضيف: “نحن نرى شركات كبرى تستثمر أموالًا طائلة في مشاريع وبرامج عظيمة وتنفق الكثير على الجانب التقني، لكنها في نفس الوقت لا تكلف نفسها عناء توظيف خبير لغة ليصحح نصوصها، لأنها وثقت بخوارزميات لا تدعم اللغة العربية أساسًا.”
يبدو أن أحد المتدربين لدى شركة بيبسي قد قام بفعلته أيضًا في أحد الفيديوهات الترويجية للشركة تظهر فيها مظاهرة في الولايات المتحدة الأمريكية مع النجمة كايلي جينير، مع لافتة كانت حاضرة كتب عليها “ب ح” بخط اليد. الحمد لله أن الفيديو قد تم حذفه لاحقًا من طرف الشركة (ب ح فعلاً) بعد موجة الانتقادات.
في حال وقعت في هذا الخطأ لأي سبب كان، نتوقع منك التالي: “إولاً إزالة النص تمامًا وتصحيحه. ولكن إذا تعلق الأمر بأفلام، فلا مكان للرجوع للوراء، كما حدث مثلاً مع مارفل -أنا واحد من أشد المعجبين بهذه السلسة وأحس أنني أخونهم بقولي هذا، لكنهم لم يسلموا من خطأ تحريف اللغة العربية في أفلامهم، كان يمكنهم ببساطة توظيف شخص لمراجعة النصوص قبل عرضها. أقل ما يمكن القيام به هو تقديم اعتذار بسيط في حال حدث خطأ ما والحرص على عدم إعادة نفس الخطأ مرة أخرى.”
ينهي رمزي بالقول: “كنت آمل أن أصل إلى مرحلة أتوقف فيها عن التوصل بالرسائل والصور وأن تجد لغتنا العربية مكانها في العالم الرقمي، لكن تبين لي مع مرور الوقت أنني سأضطر للإبقاء على المدونة نشيطة لفترة طويلة من الزمن.”