بعد إنفجار مرفأ بيروت، هل يشهد لبنان أزمة أدوية؟

tbel-abuseridze-eBW1nlFdZFw-unsplash copy

لا تزال تداعيات انفجار مرفأ بيروت تظهر حتى الآن. فلا يزال هناك أكثر من 30 شخص مفقود حتى الآن، فيما لا عشرات الآلاف بدون مأوى بعد تدمير منازلهم، فيما يقد حجم الخسائر المادية تقدّر بـ 5 مليارات دولار والرقم في طور الارتفاع.

يضاف إلى كل ذلك الخوف من انقطاع الأدوية في الأسواق، حيث تعرّض مستودع الكرنتينا العام إلى خراب طال المخزون في البنك الاحتياطي الدوائي في لبنان وخاصة الأدوية المستعصية بالإضافة إلى أدوية نقص المناعة المُكتسَبة. كما تسبب الانفجار عن أضرار بالغة طالت 7 غرف من أصل 9 مخصّصة للأطفال الذين يتلقّون علاجات السرطان بشكل يوميّ، عدا عن الخراب الذي طال أيضًا مراكز تقديم العلاج الكيميائي غير الدائم.

Videos by VICE

على الرغم من دمار المخازن، تؤكد الجهات المعنية على أنه قد تم إخراج الأدوية من المخزن المدمر، وتم توزيعها على جمعيات متخصصة لتقوم بتوزيعها، حتى يتم إعادة ترميم المركز الذي كانت تخزن الأدوية به -وهذا ينطبق على أدوية الأمراض المستعصية وأدوية نقص المناعة المُكتسَبة، والتي تقدما الدولة بشكل مجاني للمرضى. كما أكدت لي جمعيات Proud Lebanon وSIDC أنّ الأدوية توزّع بمراكزها، فيما تسعى جمعيات مثل Kids First إلى العمل على توفير المستلزمات والأدوية الملحّة الخاصة بعلاج السرطان بطريقة عاجلة من البلدان المانحة.

على الرغم من توفر الأدوية حتى الآن، تشير التقارير إلى المتوفر في السوق حالياً يكفي لأربعة أشهر فقط، وذلك بحسب ما أعلنته رئيسة نقابة مصانع الأدوية في لبنان كارول أبي كرم والتي قالت أن هناك مخزون من الأمصال والأدوية يكفي مدة أربعة شهور، وأن مصانع لبنان تنتج 14 صنفاً من أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية. وفي حين أكدت أبي كرم أن “جميع مصانع الأدوية كذلك تعمل اليوم بشكل طبيعي” ولم تتضرّر من الانفجار كونها تقع بعيداً عن العاصمة بيروت، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سنؤمن هذه المواد لاحقاً لدى نفاد المخزون الحالي، أو توفير الأدوية التي لا يتم تصنيعها محليًا؟ فالمرفأ لم يعد خياراً.

الحديث عن محدودية مخزون الدواء، أدى إلى هلع وقام البعض بشراء الأدوية بكميات خوفاً قبل أن يرتفع سعرها أو تنقطع من السوق. وقد سجّل العديد من الأفراد حالات تثبت أنّ هناك أدوية مقطوعة في الصيدليات، والسبب غير معروف. وبرر نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة الأمر، حيث شرح أنّ انقطاع الدواء سببه تأخر شحنات بسبب فيروس كورونا، وحتى إن كان الدواء مصنّع في لبنان، فنّ مواده الأولية مستوردة من الخارج أيضاً وهي بدعم من المصرف بنسبة 85%.

وفي حديثنا مع وزارة الصحة وتحديداً المكتب الإعلامي، أكدت لي الموكلة هناك أنّ الدولة تؤمن 85% من سعر الدواء، وعلى شركة الأدوية تأمين 15% من سعره. يخبرني مدير إحدى شركات الأدوية (لم يرغب بذكر اسمه لأنه غير مسموح له بالتصريح) فلم يتم رفع سعر الدواء لأنّ الوزارة هي المسؤولة عن من تحديد السعر قانونياً. ولكن اضطرت شركات الأدوية لاعتماد خطة لتجنب المزيد من الخسائر، ويضيف: “أولاً على الصيدلية التي تطلب الدواء الدفع لحظة وصول الدواء، مع العلم أنّها كانت تدفع للشركة بعد 3 أشهر من استلام الأدوية. ثانياً، ما عدنا نعتمد أي عروضات، كنّا من قبل مثلاً نعطي علبة مجاناً مع كل 3 علب دواء. ولكن الآن، نحن نؤمن للصيدليات حسب الحاجة فقط، ولا نطرح أي كميات أكثر مما يمكن أن نؤمن.”

المشكلة هو أنّ انقطاع الدواء قد يحدث يأتي فجأة، ونحن لا نثق بقدرة الدولة على القيام بواجبها وتوفير الأدوية وخاصة للأمراض المستعصية

التأكيد على وجود الدواء لم يخفف حجم القلق لدى المرضى. “كان هناك شائعات حول انقطاع الأدوية في أول الأزمة الاقتصادية وهذا بحسب بعض الأطباء. لكن تمّ طمأنتنا من خلال جمعيات أخرى أنّ هذه الأخبار غير صحيحة، وهناك ما يكفي من الأدوية للسنة القادمة. وهذا ما حدث، فقد انتقلنا لأخذ الأدوية من الجمعيات،” يخبرني جاد، 28 عاماً، ويعيش مع نقص المناعة المُكتسَبة منذ سنتين أنه يتلقى الأدوية من البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في لبنان والذي يوفّر من خلال وزارة الصحة الأدوية للجميع في لبنان مجاناً.

ويضيف: ” أنا لا أخاف من انقطاع الدواء. مخاوفي أكبر من ذلك، وتتعلق أساسًا بعدم قدرتي على مغادرة البلد، الجميع يريد الهجرة، لكن هناك بلدان لا تستقبل مرضى HIV (بالأخص دول الخليج التي غالباً ما نلجأ لها للعمل) وهناك بلدان لا تؤمن لنا الأدوية بالمجان كلبنان. هذا الأمر يجعلني عالقٌ هنا. يوجد مخاوف من كل شيء بالبلد، لكن لا أظن أنّني أملك الطاقة لأخاف على هذا الأمر أيضاً، فانا أحاول اليوم أن أبقى على قيد الحياة، ومن دون أن أصاب بكورونا، لأنّ كورونا يصيبني بشكل أقسى من غيري.”

وبحسب مريض كلى تحدثنا معه (مريض منذ 3 سنوات)، فقد انقطع دواء Lasix (هو يستخدم في حالات احتباس السوائل في الجسم) في لبنان منذ أكثر من شهرين واضطر لاستبداله بدواء محلي، لكنه يشعر بالقلق: “أعيش بقلق مستمر، لأن أدوية الكلى قد تنقطع بأي لحظة. ابنتي لحسن الحظ تعمل في صيدلية، وهي تشتري لي علبة من كل صيدلية تذهب إليها. المشكلة هو أنّ انقطاع الدواء قد يحدث يأتي فجأة، ونحن لا نثق بقدرة الدولة على القيام بواجبها وتوفير الأدوية، بالأخص أنّ الأمراض المزمنة والمستعصية هي أكثر الأدوية المعرضة للانقطاع من السوق.”

أزمة الأدوية بدأت قصتها قبل الانفجار، فقد كان القطاع الصحي من أول القطاعات التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية، وعانت الكثير من المستشفيات من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وانقطاع في التيار الكهربائي. ورفض بعض التجار تسليم الأدوية لأن المستشفيات غير قادرة على الدفع لكون الأدوية باهظة الثمن بسبب أزمة في شحّ الدولار بالبلد. كما اضطرت الكثير من الصيدليات للإغلاق، فقد أقفلت 200 صيدلية أبوابها خلال أقل من عام، أي بمعدل 20 صيدلية واحدة تقريباً في الشهر بسبب الحال الاقتصادية وانعكاسها على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى الصيدليات.

ومنذ بداية العام، تم تسجيل ارتفاع كبير في نسبة الفقر في لبنان، بحسب تقرير أممي، حيث ارتفعت النسبة لتصل إلى 55٪ هذا العام بعد أن كانت 28٪ عام 2019. كما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع ثلاثة أضعاف من 8 إلى 23٪” في الفترة ذاتها.

لا يوجد أزمة أدوية مباشرة وواضحة في لبنان. لكن يوجد عائلات فقيرة لا تتمكن من تأمين أدويتها، يوجد مشاكل أساسية في النظام الصحي، ويوجد إهمال من الدولة. مع انتشار التوقعات بحدوث أزمة أدوية في لبنان قريبًا، هناك خوف وقلق، بالأخص أنّ تأخر الدواء حتى ولو لفترات قصيرة سيعرض حياة المريض للخطر.