“اللي بسمّعك كلمة غلط بالشارع، اشلحي من رجلك اضربيه وسبيّه ولمّي عليه الناس.” هذه كانت نصيحة والدي لتصدّي التحرش اللفظي خلال فترة المراهقة. للأسف، هذه النصيحة لا تجدي نفعًا في كثير من الأحيان، فهناك متحرشون لا يكترثون بأي مما أقوله ولا يعنيهم تجمهر الناس حولنا، فمن السهل أن يتم لومي على سبب قيامه بالتحرش وليس العكس.
أنا كأية فتاة أخرى تعيش بالسعودية تعرضت للتحرش في الكثير من المناسبات والأماكن. ولكن مؤخراً، بدأ الحديث عن التحرش بشكل أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي مع إنتشار هاشتاغات تسلط الضوء على عدد من الحوادث مثل هاشتاغ #متحرش_بمنقبه الذي يُظهر فيديو صوّره شاب وهو يتحرش لفظياً بفتاة منقبة خلال مقابلة تلفزيونية، وبعدها #تحرش_ميدل_بيست خلال المهرجان الذي أقيم بالرياض ديسمبر، ومؤخراً هاشتاغ #متحرش_المدينه الذي تصدر تويتر بعد تداول فيديو لفتاة تبكي وتصرخ داخل سيارة أجرة، بعد قيام السائق بوضع يده على جسدها.
Videos by VICE
التحرش بتعريف عام هو المُضايقة، أو فعل غير مرحب به من النوع النفسي أو الجنسي أو اللفظي أو الجسدي أو الإلكتروني. لا يوجد أية إحصائيات واضحة حول نسب التحرش بالسعودية، وقد يكون هذا مرتبط بجزء منه بخوف النساء من “الفضيحة” وأن يتم إلقاء اللوم عليها، بالرغم من العقوبة التي أصدرتها النيابة العامة بالسعودية منذ عامين، بالسجن سنتين وغرامة قدرها 100 ألف ريال حتى وإن تنازل المجني عليه عن حقه.
لم يخالط معظم الشباب في السعودية أي فتاة خارج نطاق العائلة من قبل، لهذا كبروا وهم ينظرون للمرأة كفريسة لهم، بعضهم يربطون بين الانفتاح والانحلال
عند حديثي مع عدد من الشباب السعوديين حول هذه القضية، أشار البعض أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بزيادة عدد المتحرشين أو حالات التحرش، ولكن مرتبط بوجود جو عام وداعم يسمح للكثيرات بالحديث وفضح هذه الحالات. على الجانب الآخر، قال آخرون إلى أن الارتفاع “المفترض” بحالات التحرش هو نتيجة غير مباشرة للانفتاح الذي تشهده المملكة في الفترة الأخيرة. إذا عدنا بالزمن لخمس سنوات للوراء، فسنرى أن الاختلاط كان مُحرّماً وتواجد الجنسين معاً مرفوض، وسائل الترفيه معدومة وقيود للمرأة بالحياة لا حدود لها. ولكن اليوم، أماكن الترفيه تملأ المدن، المرأة موجودة في شتى المجالات، كما لم تعد السعوديات مجبرات على لبس العباءة السوداء بعد إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإن ارتداء العباءة ليس شرطاً للمرأة السعودية، وإن المهم هو الحشمة.
محمد الموسى، 25 عاماً، واحد من الذين يوافقون على هذا الربط بين التحرش والانفتاح الذي شهدته السعودية والذي لا يزال البعض يجد صعوبة في استيعابه ويقول: “لم يخالط معظم الشباب في السعودية أي فتاة خارج نطاق العائلة من قبل، لهذا كبروا وهم ينظرون للمرأة كفريسة لهم، من الصعب تفهّمهم لهذا الانفتاح بشكل صحيح، وبعضهم يربطون بين الانفتاح والانحلال.”
عبدالله السبتي، 23 عامًا، يتفق مع محمد: “التغيّير كان سريع جداً وهذا ما جعل مشكلة التحرش تظهر بشكل علني. ثقافة المجتمع وعدم انفتاح الشباب سابقاً جعلهم غير مهيئين تمامًا لهذا التغيير. هذا بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني لديهم، فهذا له دور أيضاً في تحديد تصرفاتك.”
غالبًا الفتاة هي الضحية واللوم بكامله يجب أن يقع على فكر المتحرش. ولكن لا أنكر وجود حالات يكون فيها اللوم على الفتاة ولكنها نادرة جداً
في الواقع، قرار السماح بعدم لبس العباءة مؤخراً والخروج بلبس محتشم أثار الكثير من الجدل وخاصة بعد تناقل المغردون فيديو لشاب يبرر تحرشه بالفتاة كونها لا ترتدي العباءة، بالرغم من أن حتى المنقبات يتعرَضن للتحرش ولكن هل المرأة هي الملامة؟ يقول محمد: “غالبًا الفتاة هي الضحية واللوم بكامله يجب أن يقع على فكر المتحرش. ولكن لا أنكر وجود حالات يكون فيها اللوم على الفتاة ولكنها نادرة جداً.” أما عبدالله فيختلف مع محمد قائلا: “يقع اللوم على الفتاة بنسبة كبيرة، لا يمكن مقارنة فتاة محتشمة اللباس، بفتاة ترتدي ملابس مغرية وتضع مساحيق التجميل والعطور. بالطبع ستتعرض الأخيرة للتحرش.”
تعارض سكينة الحسن، 23 عاماً، طالبة علم اجتماع، تماماً ما يقوله عبد الله وترفض بشكل قاطع الربط بين التحرش والملابس التي ترتديها المرأة: “بغض النظر عما أرتديه، لا أحد يحق له التعرض لي بكلمة أو فعل خادش. أنا شخصياً لم أتعرض لأي تحرّش مسبقاً ولكن أعرف فتيات تعرّضن لذلك بما فيه تحرّش المحارم، ازدياد نسبة التحرش ترجع لعوامل كثيرة وليس فقط تطبيق القوانين من عدمها.”
تشرح سكينة وجهة نظرها عن أسباب التحرش بالقول: “إذا عدنا للجذور فهناك خلل واضح بالتربية الاجتماعية الأسرية، وقلة رقابة على الأبناء التي دفعتهم لملء وقت فراغهم على مواقع التواصل واكتساب سلوكيات خاطئة. كما أن هناك بعض الفتيات قاموا باستغلال تصريح محمد بن سلمان حول الخروج بدون عباءة، فأصبح هناك تمادي في اختيار الملابس.”
الفيديو الذي انتشر مؤخراً وأحدث جدلاً كبيراً للناشط السعودي منصور الرقيبة هو واحد من الأمثلة على مدى “الخلل” -بحسب وصف سكينة- في النظرة للمرأة. في هذا الفيديو يقول منصور “إن اختلاط الجنسين بالعمل يثير الغرائز الجنسية ومن لا تتأثر مشاعره تجاه الجنس الآخر عليه مراجعة طبيب نفسي أو مسالك بولية.”
المشكلة ليست بخروجي من المنزل أو بملابسي بل بعقلية المجتمع. أما أصحاب مقولة من الأفضل إنك تحتشمي وأنتِ حلاوة مكشوفة، فالأفضل لك أن تغض بصرك كما أمرك دينك
كما في الكثير من المجتمعات العربية، هناك ثقافة سائدة تضع اللوم على الضحية، ويتُربّي الولد من صغره على السلطة وأن له كامل الأحقية بالتحكم بالمرأة من خلال مقولات ذكورية كـ “إذا شفت أختك سوت غلط أضربها وربيها، وأن “الرجال ما يعيبه شي.”
“كبرت وتزوجت وأنجبت وحتى اليوم يتحكّم الجميع بما أرتديه، ربّتني أمي على الخوف من الخروج من البيت بسبب التحرش، كانت أمي تقول: العالم برا بيشوفك فريسة ينتظرها عشان يفترسها. كبرت وكبر الخوف داخلي،” تخبرني مرام خالد، 27 عاماً، ربة منزل: “ولكن المشكلة ليست بخروجي من المنزل أو ملابسي بل بعقلية المجتمع. أما أصحاب مقولة من الأفضل إنك تحتشمي وأنتِ حلاوة مكشوفة، فالأفضل لك أن تغض بصرك كما أمرك دينك.”
ولكن ماذا عن العقوبة؟ هل السجن والغرامة ستحد من التحرش؟ ترى مريم حسين، 26 عاماً، مُعلمة، أن العقوبة التي أصدرتها النيابة العامة بالسعودية ضد المتحرشين، غير كافية وتقول: “قانون العقوبات التي وُضعت للمتحرشين لا فائدة لها إذا كانت كلام فقط، يجب التشهير بالمتحرش،” وهو أمر يتفق كثيرين معها فيه، بأن التشهير هو الحل الوحيد لإيقاف التحرش.
سألت عبدالله عن رأيه بذلك وأشار إلى أن تخوفه من أن يتعاطف المجتمع مع المتحرش عند التشهير به وأضاف: “أنا مع التشهير بالمتحرش عند تكرار تصرفه أو من لديه سوابق في مسائل أخلاقية فقط، ولكن أرى أن الحل الأفضل هو إبلاغ الجهات المعنية عند التعرّض للتحرش.”
محمد أيضاً يرى التشهير سلاح ذو حدّين: “أنا مع التشهير لأنه عقوبة قاسية يستحقها المتحرش وضدها بنفس الوقت، خوفاً من فساد الشخص للأبد وفقدان الأمل من صلاحه خصوصاً بعد انتشار سمعته السيئة بين الناس.” أما سكينة فلديها رأي مختلف: “العديد من الدول تتبع سياسة التشهير بالمتحرش عبر موقع يعرض صورهم وأسماؤهم، لكنني شخصياً ضد تطبيق الفكرة في السعودية، التشهير يعني إنهاء مستقبل الشخص كامل ومن منطلق ديني يتوجّب علينا الستر على بعضنا وإصلاح الشخص. “
وتضيف: “هذا لا يعني أنني أؤيد تركه بحال سبيله. العديد من النساء اللواتي يتعرضن للتحرش يكتفين بالحديث عن المشكلة مع الأشخاص المقربين، وهذا لن يحل المشكلة. القانون موجود ولكن لا يطبّق لقلة تقديم البلاغات عن حالات التحرش. الحل هو عند تعرّض أي فتاة للتحرش عليها تقديم بلاغ للجهات المعنيّة كي يتلقّى المتحرّش العقوبة المناسبة. السكوت لن يحل المشكلة، فكما نقول “من أمِن العقوبة أساء الأدب.””