تعددت الأفلام والأحلام الضائعة واحدة.. حكايات الشباب العربي في مهرجان القاهرة السينمائي

Fatwa فتوى  (1)

تعددت الأفلام والضياع والمحاولات المتعثرة في البحث عن الأحلام الضائعة. تيمة ربما تختصر واقع الشباب العربي منعكسًا على شاشة السينما العربية في جل إنتاجها خاصة ذلك المنتمي إلى ما يعرف بالإنتاج البديل. ولعل باقة الأفلام العربية التي عرضت في مختلف تصنيفات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين التي انتهت فعالياتها قبل أيام، خير دليل على ذلك؛ فرغم تعدد موضوعات الأفلام يبقى الكفاح المستمر لأبطالها من الشباب فقط من أجل العثور على موطئ قدم ثابت وسط أمواج متلاطمة من كل حدب وصوب هو السمة الغالبة على الحكاية تلو الأخرى.

غداء العيد – لبنان

غداء العيد هو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج المسرحي اللبناني لوسيان بورجيلي (38 عامًا) وشارك في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة على مدار 91 دقيقة حول طاول غداء اجتمعت حولها ثلاثة أجيال من عائلة واحدة، الأم والأب والأبناء والأحفاد احتفالًا بالعيد، لتعكس تنويعة لما يواجهه الشباب اللبناني في حياته اليومية من ضبابية الواقع وسط عراقيل اجتماعية وسياسية واقتصادية. وبينما لا تكاد المائدة تفرغ من أطباق حتى تمتلئ بأخرى يجري الحديث بين أفراد العائلة حول الظرف الاقتصادي الخانق، وعدم الإستقرار السياسي، والطائفية التي تلتهم وحدة أفراد المجتمع. ووسط ما يبدو على السطح حديثًا عن التسامح ونبذ الطائفية وحب الوطن تتكشف رويدًا النوازع المتباينة لكل فرد من أفراد العائلة، ما بين زوجين شابين يعملان بكد في الإمارات لسنوات يعلنان أن محطتهما القادمة الهجرة إلى كندا لأن كل فرص البقاء في الوطن معدومة الأمل. في المقابل تتحطم كل دعاوى التسامح ورفض العنصرية عندما تكتشف العائلة المسيحية أن أحد أبنائها مقبل على الزواج من شابة شيعية؛ فيما يصبح المتهم الأول في نظر الجميع عن حادث سرقة وهمية الخادمة ذات الأصول الأفريقية.

Videos by VICE

ولا يتردد زوج الابنة الذي اضطر لترك عمله ليصطف في طابور البطالة الممتد في مواصلة منع زوجته من العمل رغم شهاداتها العلمية المرموقة لنوازعه الذكرية الواضحة؛ ليصدم الجميع في نهاية المطاف بأن الأموال التي حصل عليها الوالد من البلدية بحجة المكافئة ما هي إلا رشوى انتخابية تدلل على الفساد السياسي الذي يمثل خلفية المشهد. ينتهي الاحتفال العائلي بيوم العيد على تفسخ عصي على الحل يواجه فيه الجميع مصائر ضبابية يحاولون الفكاك منها بمحاولة الهروب أو التنمر على بعضهم البعض، وكأن المخرج الشاب يقدم صورة مصغرة من الواقع اللبناني وأزمة جيله حول مائدة غداء.

يوم بيروت – لبنان

على نفس المنوال وفي برنامج البانوراما الدولية لمهرجان القاهرة، يتتبع فيلم “يوم ببيروت” وهو الروائي الطويل الأول للمخرج اللبناني نديم ثابت، رحلة يوم في حياة خمسة مراهقين ينتمون للطبقة الوسطى بشوارع المدينة على أمل أن تنتهي بحضور حفل يحييه اثنين منهم في أحد بارات المدينة ليلًا. ولا تسير الرحلة في خط مستقيم بل في المسافة ما بين الصباح والمساء تبدو خطوات شخوص الفيلم عشوائية في مهب الريح، تقطعها زيارات لشقق يغيب عنها الأهل، وملاهي يسكنها تجار مخدرات صغار، وتظاهرات تأخذهم إليها أقدامهم بوعي مضطرب لصب اللعنات على المعلوم والمجهول، ودورات مياه عمومية وسلالم خلفية لبنايات وغابات وأنهار وشوارع مهجورة حالكة.

تتداخل الأصوات والحكايات المبتورة والنقاشات المصيرية الساخرة من فرط جديتها في أجواء يهيم فيها الجميع على وجوههم وسط سحب من دخان المخدر وسوائله التي تجري في الأوردة، والكثير من الجنس العشوائي والمشاعر المجهضة والمحاولات المستمرة للهروب بالجسد أو بتغييب الإدراك.

لا أحد هناك – مصر

وهي الأجواء الغرائبية ذاتها التي يغوص فيها المخرج المصري أحمد مجدي في فيلمه الروائي الطويل الأول “لا أحد هناك” والمعروض ضمن مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان القاهرة. حيث استبدلت شوارع بيروت بشوارع القاهرة خاوية على عروشها ليلًا في صورة أقرب للسريالية بينما يقطعها شخوص الفيلم الشبان جيئة وذهابًا دون نيل مبتغاهم لأنه “لا أحد هناك” سوى هؤلاء الشباب الذين يحاولون جاهدين مساعدة بعضهم البعض حتى من دون سابق معرفة بينما يتعثرون في الطريق لتتقاطع حكاياتهم بحكايات آخرين في حلكة ليلة شتوية باردة.

تكوينات تبرز الشعور العميق بالوحدة والقلق والضياع تخيم على المشاهد التي لا تنقصها القسوة في بعض الأحيان في فيلم يطرح أسئلة دون إجابات حول الواقع والمصير والمسافة الضبابية بين الحقيقة والوهم. أحمد مجدي، مخرج العمل الذي يبدو أقرب لمدرسة التجريب، صرح أنه عمل شخصي يعبر عنه وجدانيًا ويعكس نظرته للعالم.

ورد مسموم – مصر

وفي حين ينتمي “ورد مسموم” وهو الروائي الطويل الأول للمخرج المصري أحمد فوزي صالح، للسينما التأملية؛ فإن القلق الوجودي لبطليه يشتبك مع الكثير من المفاهيم والظروف الضاغطة التي تواجه الشباب العربي. لا يبتعد صالح في فيلمه المشارك في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة عن العاصمة، لكنه يختار الجانب الخلفي منها؛ منطقة المدابغ الفقيرة بالقاهرة القديمة حيث يعيش الأخوان كوكي (ميرهان مجدي)، وصقر (ابراهيم النجاري) يواجهان الفقر ومحدودية الفرص، ما يدفع صقر لمحاولة الهروب في قوارب الموت إلى أوروبا، بينما يتمحور وعي أخته التي تعمل عاملة نظافة في محل تجاري في كيفية الحفاظ على أخوها الذي يمثل لديها نموذجًا للذكر الحامي في ظل غياب الأب.

تتخلى كوكي عن أي حلم طبيعي في البحث عن فتى الأحلام رغم سنها الصغير واهبة نفسها للعمل للإنفاق على أسرتها ورعاية أخوها الشاب الذي يماثلها في العمر تقريبًا مخافة أن تفقده. فكأنها لا ترى مكامن قوتها الحقيقية لتعكس بذلك حسب تعبير مخرج الفيلم المفهوم السائد في المجتمع “ضل راجل ولا ضل حيطة” فيما لا يجد شقيقها موطئ استقرار في ظل ماكينة عمل شاقة لا ترحم ليكون حلم صقر في الهروب إلى الخارج مقابل دأب شقيقته نحو الهروب إلى الوهم ملخص الحال.

الكيلو 64 – مصر

بيد أن محاولة الصيدلي الشاب وائل، في الفيلم التسجيلي “الكيلو 64” المشارك في المسابقة نفسها، التمرد على التصورات المجتمعية لخريج كلية الصيدله والبدء في مشروعه الخاص لاستصلاح قطعة أرض في الصحراء تبوء في نهاية الأمر بالفشل بعد ثلاث سنوات كاملة من إنفاق الأموال والعزلة في الصحراء وسط أشجار الفلفل والخيار؛ ففي حين يبدو الفيلم وهو الطويل الأول لمخرجه أمير الشناوي فريدًا في تطرقه لنموذج شاب حاول مغالبة حالة الضياع سعيًا نحو إيجاد بديل حقيقي للتحقق وكسب العيش، تبدو الصعوبات التي يفرضها السوق وغياب أي دعم من الدولة أقوى من محاولاته لينتهي به الأمر مكررًا تجربة فشل والده الذي خاض التجربة ذاتها قبل عدة عقود. فكأنه لا شيئ يتغير حتى لو حاول الشباب سلك مسالك إيجابية نابذين اليأس وفقدان الأمل.

فتوى – تونس

ويتعرض المخرج التونسي محمود بن محمود في فيلمه “فتوى” بطولة غالية بن علي، وأحمد الحفيان، لقضية التغييب الفكري الذي يواجهه الملايين من الشباب العربي بفعل التنظيمات المتشددة. يحكي الفيلم قصة أب تونسي يعيش في فرنسا عائد إلى بلاده بعد تلقيه صدمة وفاة ابنه مروان نتيجة حادث دراجة بخارية، بيد أن رحلة العودة تكشف عن سلسلة من الصدمات أهمها أن ابنه طالب كلية الفنون الجميلة مات بفعل جريمة مدبرة لأعضاء تنظيم متشدد كان ينتمي إليه. لا يظهر الشاب مروان في أي من مشاهد الفيلم لكن مصيره المؤلم بداية من انضمامه لتيار دموي وانتهاء بقتله تلخص مصير الآلاف من الشبان الذين لا يحقق لهم واقعهم ما يطمحون اليه فيتحولون إلى ريشة في مهب ريح لا ترحم.

الجاهلية – المغرب

ولا يختار المخرج المغربي هشام العسري طرقًا سردية سهلة في فيلمه “الجاهلية” الذي يتعاطى مع شبكة متداخلة من أشكال القهر والتمييز المجتمعي والسياسي؛ إذ يتناول بأسلوب تجريبي حكايات متقاطعة لأشخاص عالقين ظاهريًا في حادث تاريخي واقعي جرى في التسعينيات في المغرب، حين قرر الملك إلغاء الاحتفال بعيد الأضحى بينما في العمق تعكس حكاياتهم سلسلة القهر في أي زمان ومكان. فهذا شاب يعاني من رفض عائلة حبيبته له كونه ينتمي للون مختلف، بينما تقضي بطلة الفيلم أيامها ولياليها مقيدة في سلسلة حديدية ترمز مباشرة للقيود التي تواجهها النساء في مجتمعها، ولا يبقى لشاب آخر من حلم سوى أن يعثر على شخص يساعده على الإنتحار هربًا من واقع بائس لا يملك فيه القدرة على الإختيار وهو ما يتحقق في نهاية الفيلم فكأن الأحلام المأسوية هي الوحيدة القابلة للتحقيق.

تتعدد العناوين والحكايات بل والجنسيات غير أن الهمّ على ما يبدو واحد على شاشات السينما العربية. همّ يتعلق باللحظة وبالمصير والمستقبل، ربما يحاول المخرجون العرب دق النواقيس بالحفر في الشواغل الملحة لواقع الشباب العربي في اتجاه طرحها بجدية على طاولة الحل بمشاركة الجمهور العريض عشاق السينما من المحيط إلى الخليج.