في مجتمعاتنا المُطبّعة مع العنف ضد النساء بصورة يومية، وبينما نحنُ مُنهكات في الدفاع عن حقوقنا وإنسانياتنا هنا وهناك، تطل علينا بعض النساء المشهورات بتصريحات وتعليقات مستفزة عن النساء وأوضاعهنّ. في كل موقف، بمناسبة، أو بدون، تطفو تعليقاتهنّ عنّا، تجوب الأنحاء والفضاءات الرقمية، وتنتشر وتُستخدم ضدنا. هؤلاء يضعن أنفسهنّ في موضع المرأة المُحايدة، لأنه بالطبع، كل امرأة تقف على حقوقها وحقوق غيرها من النساء هي امرأة مُتحيزة، مُتهمّة طيلة الوقت بالمبالغة والجنون وكراهية الرجال. نعم، نحنُ مُتحيزات- جدًا. مُتحيزات لحقوقنا ولكرامتنا وكرامة غيرنا ممَن لم تُسمع أصواتهنّ بفعل العنف والتنكيل الذي صادف أن يكون السواد الأعظم من ممارسيه رجالًا، سواء كانوا مُشرعين، قضاة، أقارب وأسرة، أو غرباء. وأنتنّ، لستنّ حياديات، بل كسولات عن المعرفة وعن استخدام كل الموارد والمصادر المتاحة أمامكنّ لتكوننّ نساء مُنصفات يؤمننّ أن النسوية قضايا عادلة. لذلك، جمعنا أسوأ عشرة تعليقات اتحفتنا هذا العام وقمنا بالرد عليها – قمنا بترتيب التعليقات حسب الأذى الجسدي والنفسي الذي قد تسبب به للمرأة.
المرتبة العاشرة
راما ديب: مشاركتي في هذا التحقق القصير كانت غايته التقصي حول إمكانية تلفيق شهادات ونشرها دون سند أو تدقيق
Videos by VICE
في أغسطس ٢٠٢٠، توالت شهادات من نساء عربيات تتهم الصحافي المصري هشام علّام بالاغتصاب والعنف الجنسي والجسدي وتم نشرها على مدونة مصرية تتبع سياسة المجهولية باسم “دفتر حكايات.” بمعاونة الصحفية السورية راما ديب، قام الصحافي بفبركة شهادة لامرأة تزعم تعرضها لمحاولة اعتداء جنسي منه. وما أن تم نشر الشهادة، حتى نشرّ الأخير مقطعًا على يوتيوب يوضّح فيه أنه قام بفبركة شهادة، مُقتنعًا أن وجود شهادة مفبركة سيدحض مصداقية الشهادات الأخرى ضده. وهذا ما حاولت راما مساعدته به، قبل أن تعتذر على ذلك.
الرد: نشرت راما ديب عبر حسابها بموقع فيسبوك أنها شاركت في الفيديو بهدف التقصّي عن مصداقية شهادات النساء عن تعرضهنّ للعنف الجنسي، مُتغافلة عن العنف والملاحقات التي تتعرض لها النساء جرّاء الإفصاح عن تعرضهنّ للعنف الجنسي وأن ذلك هو السبب الأول وراء لجوؤهن إلى النشر بمجهوليّة كآلية تسمح للنساء بالبوح بما تعرّضن له من عنف جنسي بدون تهديد من المعتدين، أو مقاضاتهنّ أو التشهير بهنّ وتدمير سمعتهنّ لردعهنّ عن الإفصاح. تلجأ النساء إلى المجهولية لمقاومة العنف الممأسس ضدهنّ على الصعيدين القانوني والمجتمعي. كما أن راما بمشاركتها في هذا الفيديو قد انتهكت معايير الصحافة الاستقصائية.
المرتبة التاسعة
كندة علوش: اغنية سالمونيلا، ذكية وصايعة وخفيفة الدم
بدأ عام ٢٠٢٠ بانطلاق أغنية «سالمونيلا» للمخرج الشاب تميم يونس. أثارت الأغنية غضب الكثيرات من النساء لأنها تسخر من واقعهنّ العنيف إن تجرأن ورفضنّ علاقات عاطفية أو جنسية. علّقت الفنانة السورية كندة علوش على حسابها بموقع تويتر بأن الأغنية: “ذكية وصايعة وخفيفة الدم” ومدحت تميم يونس علنًا، مُتجاهلة كل انتقادات النساء له.
الرد: أخبرينا يا كندة، هل رفضتِ رجلًا من قبل وقام بتهديدك أو ابتزازك أو مارس عنف عليكِ؟ ألم تكُن في دوائرك امرأة واحدة على الأقل تعرضت للعنف من رجل رفضته، وقالت له «لا»؟ هل هذا هو مفهومك عن خفة الدم و”الصياعة”؟ تميم يونس استخدم غنيته للسخرية من نوع الرجال الذي يلجأ للعنف لو رفضته النساء. لكن يبدو أن كندا تغافلت عن حقيقة أن هذا العنف يقتل نساء ويشوّه وجوههنّ ويدفعنّ ثمنه غاليًا من صحتهنّ النفسية وشعورهنّ الدائم بالتهديد. وكل هذا بسبب رفضهنّ للرجال.
المرتبة الثامنة
ليلى علوي: إحنا مش في مجتمع ذكوري، لو حسبنا تعدد السكان هنلاقي إن البنت أو الأنثى أكتر من الذكر
في مهرجان الجونة السينمائي هذا العام، عقدت المذيعة المصرية لميس الحديدي لقاء مع الممثلات المصريات إلهام شاهين، هالة صدقي، وليلى علوي وسألتهنّ حول النساء في السينما. أثناء الحوار صرّحت هالة صدقي: “نحن نعيش في مجتمع ذكوري،” لتُخالفها ليلى علوي الرأي: “إحنا مش في مجتمع ذكوري، لو حسبنا تعدد السكان هنلاقي إن البنت أو الأنثى أكتر من الذكر.”
الرد: بغض النظر عن عبارة “تعدد السكان” والتي قصدت بها التعداد السكاني، فإن ليلى علوي ومفهومها عن الذكورية يحتاج إلى شخص متخصص. الذكورية يا ليلى هو أن تكوني امرأة ولا تفقهين الفرق بين الذكورية كفِكر وممارسة، وبين التعداد السكاني والتوزيع الديموغرافي والجندري للسكان. لا تُحسب الذكورية بعدد النساء في مشهد ما، سواء كان على الشاشة أو كان في الحياة اليومية. إنما تُحسب بكيف تتعامل هؤلاء النساء ومدى وعيهنّ بموقعهنّ كنساء في سياقٍ ما.
المرتبة السابعة
ياسمين صبري: مفيش قضية أوي ندافع عنها
هكذا أجابت ياسمين صبري الممثلة المصرية على سؤال إن كانت تقدم أعمالًا للمرأة لدفاعها عن قضايا النساء أثناء فعاليات مهرجان الجونة السينمائي.
الرد: ميّة البطيخ، هذا هو التعبير المصري الدارج عن كم السطحية والضحالة الذي نبضت به جملة ياسمين صبري. يا ياسمين، ليس هناك قضية بالنسبة إليكِ، مفهوم. أنت امرأة مشهورة تزوجتِ لتوّك من أغنى أغنياء رجال الأعمال في مصر. لكن هناك قضايا والله. هناك قضايا والمصحف. هناك عنف أسري، عنف جنسي، اغتصاب، إنكار حقوق دستورية كالحق في أن تكون المرأة قاضية، تجاهل للعوار بقوانين تجريم التحرش الجنسي والإجهاض وقوانين الأحوال الشخصية، إضافة إلى قوانين مستحدثة تسمح بمقاضاة النساء اللواتي يرقصن على الإنترنت بتهم فضفاضة مثل هدم القيم الأسرية. تلك ليست قضايا بالنسبة إليكِ، لكنها قضايا بالنسبة إلينا.
المرتبة السادسة
نادين نجيم: المرأة الذكية اللي تخلي الرجل يحس أنه متحكم في كل شيء، بس هي اللي دايرة الدفة، لأنه طفل صغير بده يحس أنه هيك متحكم
في مقابلتها ببرنامج “قعدة رجالة” تحدثت الفنانة اللبنانية نادين نجيم عن العلاقات بين الرجال والنساء. لدى نجيم وجهة نظر وهي إن الرجال الذين يعانون من عقد النقص تجاه النساء القويّات والمستقلات، يجب علينا كنساء تدليلهم كالأطفال، بينما نحنُ نُدير العلاقات كما نشاء.
الرد: تأتي نادين نجيم من منطق الحيلة في التعامل مع الرجال، خصوصًا الذين يشعرون بتهديد لوجودهم بسبب امرأة قوية. ليس هذا بجديد. فالنساء تلجأ للحيلة دائمًا في المجتمعات الذكورية؛ توهم الرجل أنه مُتحكّم وأن له الرأي الأول والأخير، بينما هي توجهه بشكل غير مباشر لما تراه صائبًا. مع الأجيال الجديدة من النساء اللواتي كبرن على الاستقلال عن العائلة وعن آراء الناس وعن الرجال أنفسهم، لا حاجة لهنّ بالحيلة. إن لم يقبلها الرجل كما هي، وإن شعر بالتهديد منها، فلماذا ارتبط بها بالأساس؟ ولماذا ستختار هي أن تستكمل علاقة تقوم فيها بدور الأم التي تُدلل ابنها. هذا مجهود عاطفي إضافي لا يجب أن نُلقيه على كواهل النساء. نحنُ لا نُربي شركائنا من الرجال، ولسنا مجبرات على تلبية احتياجاتهم من الشعور بالتحكم والسيطرة. نحنُ نقف أمامهم ند إلى ند. ولسنا مُطالبات بتغذية شعورهم بالاستحقاق وإدارة العلاقات معنا، إنما نشاركهم حيواتنا وعواطفنا ومخاوفنا. وليس من المنطقي أن يكون الشريك هو أحد تلك المخاوف.
المرتبة الخامسة
راندا فكري: الرجال في مصر متمرمطين.. وحدث تجبر لعدد كبير جدًا من السيدات
ظهرت المذيعة المصرية راندا فِكري ببرنامج على قناة المحور المصرية بعنوان: أنت الراجل. (هههه!!) في مقابلة صحافية أجرتها مع صحيفة أخبار اليوم عن أسباب تقديمها للبرنامج، صرّحت راندا فِكري: “فكرت في أن يكون هناك منبر اعلامي للرجال في مصر لأنهم متمرمطين.. حدث تجبر لعدد كبير جدًا من السيدات، زادت طموحاتهن عن الواقع الذي يعشن فيه فهن لا يراعين ظروف أزواجهن … يمكن القول إن المرأة فى مصر تحتاج تأهيلاً على كل المستويات، والتأهيل ليس اتهامًا ولكنه تعديل سلوك.”
الرد: ما تواجهه النساء في مصر جعل منهنّ ذواتًا مُستعدة للقتال في أي لحظة. العديدات منهنّ صبرنّ كثيرًا على الإساءة، ويجدنّ في خطابات التحيز لقضاياهنّ على شاشات التلفاز إنصافًا لم يجدنه في حيواتهنّ خلف الشاشة. لذلك، يلتففنّ حول البرامج النسائية، والمجموعات النسائية المغلقة والسريّة على فيسبوك، ويجدنّ طرقًا لمساندة بعضهنّ ولو لا يعرفوهنّ شخصيًا. إن كان شعورنا بالإنصاف بسبب تلك الأفعال البسيطة تجبّر يا راندا، فماذا تُسمّين ما يفعله الرجال؟ هل هناك مُسمّي في بالك عن أفعالهم؟ عن العنف الذي يمارسونه؟ عن شعورهم بالاستحقاق على كل النساء من حولهم، وحتى الغريبات عنهم؟ أنا أعرف مصطلحًا يتماشى تمامًا مع تصريحك: أبوية.
المرتبة الرابعة
نينا عبد الملك: هي شغلتها الأولى تتكاثر. تجيب ولاد. وتربي
نشرت المغنية اللبنانية نينا عبد الملك وزوجها حسّان الشيخ فيديو عبر قناتهما بيوتيوب، يُناقشان فيه النسوية. بينما حسّان يؤكد ويُصدّق على كلام نينا، استفاضت هي في استنكار موقف النسويات والنسوية من الأدوار والعلاقات بين الرجال والنساء. حينها، أكدت نينا أن دور النساء هو “التكاثر.” لم تتعب نفسها حتى في اختيار لفظ أفضل.
الرد: ما تفوهتِ به نينا هو أساس البلاء –حرفيًا. لقد دمرت عقود من العمل النسوي رفضاً لهذه التصنيفات، وقيدت دور المرأة بالإنجاب كدور نسائي بحت، تتحمل فيه النساء عبء التربية بمفردهنّ، فيما يمارس الرجال حيواتهم بعيدًا عن هذا الكم من الضغط النفسي والعصبي والمشقة وتحمّل اللوم عن تصرفات الأطفال. بسبب هذا الدور الإنجابي للنساء وقصر الأفعال الرعائية عليهنّ، تم اعتبارهنّ مجرد أرحام، وتم تجريدهنّ من أي صفة إنسانية عدا ما يسمونه أمومة. لكن ماذا لو لم تقرر إحداهنّ الإنجاب؟ ماذا عن غير المُنجبات؟ ماذا عن الشابات اللواتي لم يتزوجنّ؟ أو مثلًا اللواتي يقررن الإنجاب خارج إطار الزواج؟ هل تختفي قيمتهنّ الاجتماعية لأنهنّ لم “يتكاثرن” بالتعبير الحيواني لمعنى التكاثر؟ نينا اختزلتِ النساء في الأرحام، واختزلتِ الرحم في الإنجاب، واختزلتِ قيمتها كامرأة في الرحم المُنجب كأن لا قيمة للنساء إلا بالإنجاب. قيمتنا الاجتماعية كنساء ليست مُستمدة من “التكاثر.”
المرتبة الثالثة
ابتسام مومني: يعني أنتم مفكرين الفنان سعد لمجرد رح ينزل في الحفل يتحرش ببناتكم وهما مثل الرجال
بعد حملة شنّتها المصريات ضد منظم الحفلات “كايرو شو” لاعلانه عن استضافة المطرب المغربي سعد لمجرد -المتهم بقضايا اغتصاب تم إلغاء الحفل المقرر في مصر. ملكة جمال المغرب ابتسام مومني نشرت عبر إنستغرام أن الداعيات لإلغاء الحفل يتخيّلن أن لمجرد سيتحرش بهنّ، لكنهنّ مثل الرجال.
الرد: بعد سخريتها من النساء المصريات، اعتذرت ابتسام مومني عبر برنامج على القناة الأولى المصرية. هذه الإساءة مُركبّة بشكل يدعو للشفقة على مومني. فهي تتخيل أن غضب المصريات مدفوع بالخوف من لمجرّد، وليس بدافع التضامن مع النساء اللواتي تعرضنّ للعنف الجنسي من لمجرّد وغيره. هذا أقل ما أمكنهنّ فعله وسط مجتمعات تحتفي بالمغتصبين، ويمارسون حياتهم فيها باعتيادية رغم اعتداءاتهم على النساء. لمجرد يتم الحكم عليه في عدة قضايا اعتداء جنسي منهم قضية في الولايات المتحدة وثلاث أحكام في فرنسا. لكنه مازال يُمارس حياته كمُطرب ويتم استضافته في الحفلات ويُصدر أغانٍ كل حين.ما هو الأمر الصعب فهمه؟ ألا ترين أنه كرجل “متهم بالاغتصاب” لا يزال يعيش حياته، فيما النساء المغتصبات يتعرضن للوم والتكذيب والتشهير؟ ما نشرته كان دعوة للاغتصاب وكأن المغتصب يغتصب الجميلات، أو مَن يراهنّ جميلات. ياعزيزتي، الاغتصاب ليس له علاقة بالجمال ومعاييره غير الواقعية، إنما علاقته وطيدة بمدى إجرام المعتدي وتصوّره أنه أقوى من المُعتدَى عليهنّ، عن مدى ثقته بالإفلات من العقاب واطمئنانه أن هناك مَن يُسانده.
المرتبة الثانية
مي الخريستي: إيه وداكي برجلك الأوتيل؟
تُعد مي الخريستي، مؤثرة مصرية أمريكية لديها ما يقرب من مليون متابع/ة على فيسبوك، من أكثر الشخصيات المُثيرة للجدل على الإنترنت. في يوليو ٢٠٢٠، ومع انفجار قضية اغتصاب الفيرمونت، نشرت مي الخرسيتي فيديو تنتقد فيه تعرّض الشابة للاغتصاب وتُلقي باللوم عليها لأنها –حسب تعبيرها- إيه وداكي برجلك للأوتيل؟
الرد: تتعرض النساء من مختلف الطبقات والفئات العمرية للاغتصاب حتى لو لم يغادرنّ المنازل. يتعرضن للعنف الجنسي في الشارع والعمل والمدرسة والبيت وحتى في غرف النوم من الزوج. لوم النساء المتعرضات للعنف الجنسي واتباعك لمبدأ لوم الضحية بدل الجاني، يؤصل لفكرة أن العنف الجنسي الواقع على النساء هو مسؤوليتهنّ. مي قامت باستخدام ذات “المنطق المعيب” الذي يستخدمه المغتصبين أنفسهم: “هي التي أتت لمنزلي.. هي التي تمشي في الشارع ليلًا.” أنتِ بذلك تُبررين الاغتصاب وتُدافعين عن المغتصب، بدلًا من الاعتراف أن للنساء الحق في فعل أيًا ما شئن ولا يحق لأي شخص الاعتداء عليهن بالقول أو بالفعل. نعيد ونكرر المُلام الوحيد في قضايا العنف الجنسي هم الجناة وليس الضحايا.
وفي المرتبة الأولى
وفاء صلاح الدين: اتربينا نشيل جزمة الراجل على راسنا
منذ إعلان ترشحها لانتخابات مجلس النواب القادمة وتتوالى تصريحات المُرشحة المصرية وفاء صلاح الدين ضد النساء، وأبرزها: “اتربينا نشيل جزمة الراجل على راسنا.”
الرد: ردّت المرشحة حول ما أُثير عنها في مداخلة هاتفية على قناة تن المصرية، قائلة أن ما نُسب إليها من تصريحات غير دقيق وإنها عندما ذكرت الحذاء، ذكرته في سياق احترام النساء للآباء! آه يا وفاء! ما كل هذه الضجة؟ ألم تتمكني من التركيز على الانتخابات والمسؤولية المقبلة عليها بدلًا من الحديث عن الحذاء والرجال، وأن تكوني ملاذًا لمئات غيرها في دائرتك الانتخابية هنّ بأمس الحاجة لتبنيكِ قانون العنف الموحد ضد النساء؟ لم يحتمل تعليقك تأويل أو توضيح، كان واضحًا ومسيئًا ينظر للنساء بدونية، ويضعهنّ في مكانة أقل من الرجال حتى لو كانوا آباء. ما يفعله تعليقك هو تطبيع مع العنف الأسري ضد النساء والفتيات، واعتبار رفضهنّ للعنف عدم احترام منهنّ. وكما تعرفين، الاتهام بعدم الاحترام يستلزم عنفًا جديدًا. أنت كرّستِ للعنف الأسري وهو أمر خطير، ولهذا تستحقين جائزة أسوأ تعليق عن النساء لعام ٢٠٢٠.
جميع هذه التصريحات تطبّع العنف الذي نواجهه كنساء في مجتمعاتنا العربية، لكنها ليست السبب في أحوالنا وأوضاعنا الاجتماعية. لا تخلق تلك التعليقات الأبوية كمنظومة عنيفة، إنما تتبعها وتُدجنّها (Internalization). فالجزء الأهم من المنظومات الأبوية والسلطوية هو تجنيد الأفراد لا إراديًا لخدمة المنظومة لا أنفسهن/م. فتقتنع فلانة أن الاغتصاب سببه النساء، وتقول علانة أن الإنجاب هو الدور الأسمى في الحياة، وتصرّح ثالثة أن المجتمع ليس ذكوريًا، وتطل رابعة بعبارات تدعو النساء للانبطاح للرجال.
النظر لمثل تلك العبارات يجعلنا نتساءل عن مدى توغّل الأفكار الذكورية في عقول النساء. بعضهنّ يلجأن للتماهي مع منظومة تعنفهنّ لأنهنّ لا يملكنّ رفاهية خوض الصراع معها، بكل تبعاته العنيفة والمؤذية. وبعضهنّ تتماهى مع المنظومة لأنها لا تتخيل نفسها خارجها؛ فهي تستمد وجودها الإنساني من قبول المجتمع لها. أخريات تتماهى مع المنظومة الأبوية لأنها تعرف أن اللواتي قررنّ محاربة تلك المنظومة، موصومات ومنبوذات من الجميع. وأخريات تتماهى مع الأبوية لأنها الخيار الوحيد أمامها.
والنسوية تقبلهنّ جميعًا، وتتضامن معهنّ جميعًا. تتفهم موقفهنّ ومن أين أتينّ بتلك الأفكار. لكننا نغضب عندما تتخذ إحداهنّ من موقفها الشخصي، موقف عام يؤثر على أوضاع النساء في العموم. نغضب عندما تُتاح مصادر معرفة وموارد لامرأة وتقرر ألا تتعمق في قضايا النساء، أو على الأقل أن تلتزم الصمت بينما تحارب أخريات. نغضب لأننا نحزن أن تخرج مثل تلك التعليقات من نساء ذوات امتيازات، ولا يُدركنّ إلى أي مدى قد تحميهنّ مواقعهن من العنف أو تخضعهنّ له.