بحسب محرّك البحث غوغل فأنّ تاريخ حمّالات الصّدر يعود للإغريقيات، فقد كن أول من استعمل هذه “القيود.” طبعاً، تغيرت وتعدلت أشكال ووظائف الحمّالات حتى وصلت إلى الأشكال التي هي عليها الآن. في منتصف القرن الماضي، بدأ استعمالها الشاسع بشكلها العصري الحالي حين بدأت النساء المهتمات بالموضة باعتمادها.
اليوم، توضح الدراسات أنّ الارتداء المطول لها مضرّ بصحة أنسجة الثديين، يضعف عضلات الصدر ويؤثر سلبًا على جودة النوم بالمساهمة بالتقليل من إفراز مادة الميلاتونين. لكن معظم النساء ما زلن يعتمدنها يوميًا عند الخروج من المنزل. فلماذا لا تتخلى النساء عن استعمالها اليوميّ رغم تذمر الأكثرية من الإزعاج والإرهاق التي تسببه؟
على مرّ العصور، تغيرت و تعدلت وظائف الحمالات مع تغير حالة المرأة الإجتماعية والموضة. الإغريقيات مثلًا كنّ يلففن القماش حول أثدائهن لتدعيمها. في العصور الوسطى، كانت وظيفة الحمالات تدعيمية وتقييدية للثديين وفي العصر الفيكتوري، بدأ تشكل شكل الحمالات المشابهة للتي نراها اليوم مع زيادة الضغط لضرورة استبدال المشدات. سبب هذا الإستبدال، كان اعتراض الأطباء على قساوة المشدات تلك على جسد المرأة من جهة، والحركة النسوية من جهة أخرى، والتي كانت تطالب بملابس مريحة وعملية أكثر للمرأة التي كانت تدخل سوق العمل مع الرجال.
Videos by VICE
في أوائل القرن التاسع عشر على الأقل، تم اعتبار الثدي والحلمات كتفاصيل “مثيرة واباحية” ويجب تغطيتها -البعض يعتبر أن هذه بداية العلاقة الإشكالية مع الرضاعة الطبيعية في الأماكن العامة. في عصرنا هذا، تستخدم الحمالات لأسباب عدة منها الرياضية والطبية، والجمالية. لكن اليوم، للحمالات أيضًا وظيفة مبطنة، وهي وظيفة اجتماعية ذكورية مفروضة من الرجال على النساء نتيجة خوف هؤلاء من الحلمات.
فعليًا، تولد معظم النساء تولد في مجتمعات ما زالت الذكورية متفشية فيها، ولو ضمنيًا. لذلك، يَفرض عليها محيطها (الأب، الأم، الإخوان، الأقارب…) منذ صغرها، كيف يجب أن تتصرف بغض النظر عن رغبتها وبتجاهل لحرية اختيارها. وبما أنّ تنميط الممنوعات والمسموحات يبدأ من عمر صغير، فهي تخضع للأوامر بلا أن تشكك، ويفرض عليها معرفة كيف تجلس وكيف تتصرف كي لا يفترض الرجال مجلسها دعوة جنسية.
يتم تلقينها ما يصح قوله وما هي الكلمات التي على الفتاة عدم التفوه بها لأنها لا يجب أن تتشبه بالرجال وتقلل بذلك من أنوثتها. تُمنع من الخروج مع الرجال خوفًا من الناس وكلامهم عن “شرفها” المتمحور بالنسبة لهؤلاء حول فرجها. ومن ثم، وخوف محيطها على هذا الـ “شرف” تمنع العودة متأخرةً إلى المنزل ليلًا فعلى “العصفورة” العودة إلى المنزل قبل غروب الشمس. ارتداء الحمّالات ينتمي إلى نفس التفكير الرجعي الناتج عن الخوف على “الشرف” فكثير من النساء يرتدين الحمالات لأنها مفروضة عليهن، وربما لو كان لهن خيار منفصل عن عالمهن الخارجي لاخترن خلعها على الأغلب.
إنّ رفض التخلي عن الحمالات ناتج عن الخوف الذي زرع في داخلهن من ظهور شكل الثديين عمومًا والحلمات خصوصًا، وكأن ذلك الشرف الذي كان قابع بالنسبة للمجتمع في فرج المرأة اتصل بحلماتها أيضًا. بذلك فإن أي امرأة تقرر عدم ارتداء الحمّالات لارتياحها الجسديّ والنفسيّ يمكن أن يتم وصمها مباشرة، ضمن مسرحية اللوم التاريخي للنساء على شهوة الرجل وإغرائها له منذ حواء وآدم حتى الآن.
وصل الأمر لحظر أغلبية الدول كشف أي جزء من الثديين بينما تحظر دول أخرى أي ملابس تكشف الحلمة كليًا أو جزئيًا، كما تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بإخفاء أو منع أي صور تتضمن الثدي أو الحلمات التي كانت يتم تصويرها بكل أريحية في اللوحات والتماثيل حتى القرن الثامن عشر.
يتم قصف النساء بصور صدور الرجال في الإعلانات بدون اعتبار هذه الصور إباحية أو جنسية، فيما يتم إضفاء الطابع الجنسي على ثديي الإناث وخاصة في المجلات مثل مجلة Playboy.
الحجة التي يُعتمد عليها لدعم قضية إخفاء الحلمات، هي أن الحلمات مرتبطة بالإثارة الجنسية، والتبرير الموجود لذلك هو “إنّ شهوة الرجل أعلى مقارنة بالتي لدى النساء.” ولتبرير الطرح هذا علميًا، يتم ربط ارتفاع الشهوانية بارتفاع مستوى هرمون التستوستيرون عند الذكور مقارنة بالإناث. ولكن هذا الطرح ليس حقيقة علمية، فهذه الدراسات لم تتناول إلا العوامل البيولوجية للشهوانية الجنسية مقصيةً الجانب النفسي والاجتماعي، وهي بأهمية توازي تلك الجسدية (لا بل ربما أكثر).
بالتالي، هذه الدراسات غير دقيقة أو حتى باطلة، ولا يمكن الإعتماد عليها لتبرير عدم قدرة الرجال على كبح جموحهم الجنسي. فماذا سيحدث لو أعلنت دراسات أدقّ أنّ شهوات الإناث أعلى من شهوات الذكور ولكنها مثبطة من قبل المجتمع الرجولي؟ هل سيتم عندها إجبار الرجال على ارتداء الحمّالات وإخفاء حلماتهم؟
الحجة المعتمدة على ارتفاع الهرمونات “الذكورية” واهية ركيكة، حيث يتم إسقاط هورموناتهم على المرأة التي يجب عليها أن تتجنب تهيجهم. بعد ذلك، وبنفاق لا يدركه الرجال، يرفهون أنفسهم بإتهام واحتقار المرأة بشدة عاطفتها الناتجة عن تقلب هورموناتها ومزاجها خلال الدورة الشهرية! ولكن، التغير الهرمونيّ عند النساء مؤقت ولا يستلزم من الرجال تغيير لباسهم وتصرفاتهم وبالتالي لجم حريتهم.
باختصار، اكتسبت الحمالات في عصرنا الوظائف التالية: إخفاء شكل الثديين والحلمتين =كبت شهوة الرجال + كبت حرية المرأة.
الحمّالات إذًا قيود للأرواح وليس فقط للأثداء، ولهذا السبب فإن المطالبة بعدم ارتداء حمالات كان من ضمن حركات تحرير المرأة منذ الستينيات حيث توقفت النساء في الغرب عن ارتداء حمالات الصدر كعمل احتجاجي، ومؤخراً ظهرت حركات نسوية تدعم هذا التوجه مثل حركات No bra وFree the Nipple ولكن هذه الحركات لم تجد موطئ قدم لها بعد في العالم العربي.
وعلى فكرة، حمالات الصدر التقليدية ليست غير مريحة فقط، بل أنها أيضاً باهظة الثمن، عدم ارتداء حمالات الصدر يمكن أن يوفر الكثير من المال، وهذا مجدداً يؤكد على العلاقة بين الشخصي والعام. طبعاً لا ننفي أن هناك أسباب شخصية تدفع النساء لشراء الحمّالات وارتدائها، ولكن هذا لا يقلل من حقيقة أنها ملبس إجتماعيّ خانق مفروض من الرجال على النساء لرفضهم كبح جموح شهواتهم وترك المرأة وحلماتها بحالها.