أن تكون بشعر أم بدون شعر، هذا هو السؤال؟ (بالاعتذار من شكسبير) هل نترك شعر جسمنا ونتقبل أنفسنا ونكسر النظرة المجتمعية الذكورية التي تحدد كيف علينا أن نبدو كنساء، أم نستمر في إزالة شعر جسمنا كما فعلت النساء من قبلنا، ونُصدق إعلانات الشركات الكبرى وما تؤكده الأفلام والفنون بأننا أجمل بدون شعر.
حلاقة شعر الجسم أم تركه أصبح موضوعاً نسوياً مهماً في الفترة الأخيرة، بحيث لم يعد ازالة شعر الجسم الطبيعي خياراً، بل استسلاماً “لمعايير مجتمعية ظالمة هدفها إخضاع المرأة” كما قرأت في أحد المنشورات. هذا الشهر، انطلقت من إنجلترا حملة لتشجيع النساء على ترك شعر أجسادهن دون حلاقة تحت عنوان”جانو-هيري” Januhairy لتشجيع النساء على “حب وقبول” شعر أجسامهن الطبيعي. مؤسّسة الحملة لورا جاكسون، 21 عاماً، وهي طالبة مسرح في جامعة إكسيتر البريطانية قالت لبي بي سي، إنها “توصلت لهذه الفكرة” بعد أن تركت شعر جسمها كما هو بسبب مشاركتها في عرض مسرحي. واضافت: “رغم أنني شعرت بالتحرر وبزيادة الثقة بنفسي، لم يستوعب بعض الناس حولي سبب ما فعلت ولم يتفقوا معي. لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله حتى نكون قادرين على قبول بعضنا البعض بشكل كامل وحقيقي.”
Videos by VICE
لم أتوقف كلية عن إزالة شعر جسمي، ولكنني أصبحت أقل قلقاً وهوساً بأن أخرج من المنزل بدون حلاقة ساقاي، أو أن يرى أحدهم الشعر فوق شفتاي
“جانو-هيري” ليست الحملة الأولى التي تدعو لتقبل شعر الجسم، في فبراير الماضي، تم إطلاق حملة في استراليا Get Hairy تحت نفس الشعار لجمع أموال لمساعدة مركز متخصص بتقديم الدعم لضحايا العنف المنزلي والاعتداء الجنسي. وبعدها تم إطلاق حملة “لا حلاقة” No Shave November في الولايات المتحدة بهدف أيضاً ترك شعر الجسم ينمو بشكل طبيعي والتبرع بالمال الذي عادة ما ننفقه على الحلاقة ومنتجات العناية بالجسم لمساعدة مرضى السرطان، وهناك غيرها الكثير. أصبح شعر الجسم طريقة الجمعيات” التي تدعي أنها خيرية لجمع المال. هناك مكان في WPP (أكبر وكالة إعلانات في العالم) لأول شخص فكر/فكرت بذلك.
ربما أكون متشككة قليلاً (ربما كثيراً) ولكن عندما يصبح الموضوع mainstream أشعر بالقلق، وأتخيل ذلك الشخص “العبقري” الذي سيقف أمام غرفة مليئة برجال يرتدون بدلاً رمادية (وامرأة واحد كي يبدو الأمر طبيعياً) ويقترح عليهم الاستفادة من هذه الحملة أو تلك لجني الملايين من الدولارات: مثلاً، هل عدم إزالة الشعر هي “الترند الجديدة” حالياً، حسناً، عظيم! لنستغل ذلك.
الشركة التي تنتج شفرات الحلاقة من ماركة بيلي كانت أول من انتبه لذلك. في إعلانها العام الماضي عن شفرة حلاقة جديدة أظهرت نساء مشعرات يحلقن شعرهن أمام الشاشة، وكانت هذه أول مرة منذ اختراع شفرات الحلاقة، التي يتم فيها إظهار نساء لديهن شعر، فجميع الإعلانات الأخرى لمواد إزالة الشعر تظهر فيها سيقان النساء ناعمة – عادة سيقان لأن السيقان كما يبدو هو الجزء الوحيد في الجسم المتفق عليه عالمياً بأنه من المسموح أن يظهر عليه شعر.
لا أخفي أن الإعلان قد قلب الموازين، وجعل ظهور شعر الجسم أمراً طبيعياً، بعد أن كان شيئاً يجب اخفاؤه والشعور بالخجل منه. أتوقع أن مبيعات شفرات بيلي قد ارتفعت بعد هذا الإعلان (انظر فقط الى عدد المقالات التي اعتبرت الإعلان حدثاً تاريخياً) مع أنه لا يشجع على عدم إزالة شعر الجسم؟ أم أنه يشجع على إزالة الشعر، ولكن بنفس الوقت تَقبله؟ شعر الجسم منيح، بس مش كتير؟
لا بد أن هذا الإعلان كان له تأثير كبير على النساء ونظرتهن لاجسادهن المتهمة دائماً وأبداً. “بعيداً عن الراحة والحرية، هناك شعور غامر من الحب وتقبل النفس، شعور لم اختبره من قبل،” تقول لينا، 27 عاماً، كاتبة من فلسطين عن قرارها بعدم إزالة شعر جسمها. بالنسبة لـ لينا، لم يكن القرار سهلاً، فقد كانت دوماً من الداعيات لازالة شعر الجسم باعتباره أمر أكثر أنثوية. “لم أكن أتقبل فكرة ترك الشعر الجسم كما هو، بدأت بإزالة الشعر في سن السابعة عشر، ولم أتوقف عن ذلك حتى العام الماضي. لم انتبه سابقاً الى أن جميع دعايات ازالة الشعر، لا يوجد فيها أي شعر لازالته. شعرت بأنه تم قد خداعي، وكأن هناك من يقرر عنا كيف نرى ونتعامل مع أجسامنا.”
أتذكر صوت وردة، ورائحة السكر المعقود، الممزوجة بالقهوة العربية التي يتم تحضيرها. إزالة الشعر لم يكن مرتبطاً بشعور الوجع، أو الضرورة المجتمعية فقط، كان هناك نوع من الحب والارتباط بالجسد أيضاً
تشير لينا الى أن قرار بسيط كعدم إزالة شعر جسمك، أصبح قضية كبيرة: “مجنونة، مقرفة، عيب، يع، هذه بعض التعليقات من العائلة والأصدقاء عندما قررت عدم إزالة شعر جسمي، هؤلاء المفترض أنهم مقربون، فتوقعي رد فعل الغرباء. الجميع ينظر إليك وكأنك من كوكب آخر،” وتضيف: “لم أتوقف كلية عن إزالة شعر جسمي، أقوم بذلك على مزاجي ولكني أصبحت أقل قلقاً وهوساً بأن أخرج من المنزل بدون حلاقة ساقاي، أو أن يرى أحدهم الشعر فوق شفتاي. تغير نظرتي لشيء بسيط كشعر الجسم، منحني شعوراً بأنني أخف، بأنني تخلصت من حِمل استهلك الكثير من وقتي وتفكيري. بالنهاية، إزالة الشعر من عدمه لا يجب أن يَعني أحد أو يؤثر على دوران الكون.”
إذن بالنسبة لـ لينا عدم إزالة شعر جسمها كانت وسيلة احتجاج ضد المجتمع والمُصنفات والقوالب الجاهزة التي وضعت فيها المرأة، وكنوع من التمرد، فقد تم استخدام الجسم والعري كوسيلة إحتجاج وتمرد منذ عقود، ابتداءً من قيام بعض الناشطين بحماية الأشجار من القطع بـ أجسامهم العارية، الى حركة “Femen” الفرنسية النسوية وغيرها.
على الجانب الآخر، هناك من يرى أن هناك موضة يتم الترويج لها كل فترة. بعد أن استفادت شركات بيع الشفرات ومواد إزالة الشعر بأنواعها، ومراكز إزالة الشعر بالليزر التي ظهرت فجأة في كل مكان. الآن يجري التركيز على شيء آخر، والأفضل إلصاقها بالنسوية، ضمن السعي لأقناعنا نحن النساء أن حاجاتنا، مشاكلنا، حلولنا، ورؤيتنا لانفسنا واحدة، وأن النسوية تناسب جميع المقاسات، في حين أنها ليست كذلك بالضرورة. هو جزء من مشكلة “العولمة” التي تلغي الحدود والاختلافات وتجعلنا نأكل ونرتدي ونفكر بطريقة واحدة.
ولكن ليست كل النساء زي بعض. النساء في الصين مثلاً لا يشعرن بالضغط ابداً لازالة الشعر، ويُنظر لشعر جسم المرأة بشكل طبيعي ولهذا لا تلقى مواد إزالة الشعر الكثير من الرواج هناك. في بعض البلاد العربية، هناك ثقافة وتقاليد بنيت على إزالة الشعر مثلاً، وموضوع عدم إزالة الشعر مرفوض من النساء أنفسهن. هدى، 38 عاماً، مهندسة من سوريا، لديها ذكريات جميلة عن عملية تحضير “السكر” “الحلاوة” أو “العقيدة” (من معقود) التي كانت تجمع والدتها وصديقاتها، يجلسن ويتحدثن ويرقصن ويزيلن الشعر. “أتذكر صوت وردة، ورائحة السكر المعقود، الممزوجة بالقهوة العربية التي يتم تحضيرها. إزالة الشعر لم يكن مرتبطاً بشعور الوجع، أو الضرورة المجتمعية فقط، كان هناك نوع من الحب والارتباط بالجسد أيضاً. لهذا لا أقوم باستخدام الشفرة أبداً، استخدم الحلاوة فقط، أشعر أنني أتواصل مع جسدي، لا أكره شعر جسمي، ولكن بالتأكيد أفضله بدون شعر. لا أرى الموضوع من منطلق نسوي، قضايانا كنساء أعقد من ذلك، ولكن الموضوع هو شخصي، بيني وبين جسدي الذي أحبه، وأحبه ناعماً، وبالتأكيد بدون شعر.”
لا أحتمل منظر الشعر. لا أستطيع إطالة شعر رأسي، فما بالك بشعر جسمي؟
ولكن هذه العادات نفسها، التي تنظر إليها هدى وغيرها بشكل رومانسي وجميل، هي نفسها التي تسببت بتشويه نظرة فتيات ونساء أخريات لأجسادهن. دعاء، 32 عاماً، طالبة ماجستير من المغرب، تقول أنها دائماً ما تعرضت للسخرية في طفولتها بسبب شعر جسمها، وأن جلسات إزالة الشعر التي كانت تقوم بها والدتها مرتبطة بالألم وكرهها لنفسها: “لم أعد أحتمل أن أرى أي شعرة، أقوم بالحلاقة بالشفرة كل يوم، وبدأت مؤخراً بجلسات ليزر. لا أحتمل منظر الشعر، لهذا أحب الشعر القصير، لا أستطيع إطالة شعر رأسي، فما بالك بشعر جسمي؟ مستحيل. أتمنى من داخلي أن أتصالح مع شعر جسمي، وأحسد كل الفتيات اللواتي يظهرهن شعر جسمهن الطبيعي.”
إذا عدنا قليلاً الى الوراء، سنرى أن النظرة لشعر الجسم لم تكن واحدة -في الحضارات القديمة كان الرجال والنساء يقمن بإزالة شعر الجسم، وتظهر عدد من المتاحف عدد من الأدوات التي تم استخدامها لذلك -ولكن بشكل عام كان هناك ربط بين الجمال وعدم وجود شعر، كما يظهر في اللوحات والتماثيل حتى اليوم.
بشعر أم بدون شعر، هذا هو السؤال. والسؤال ليس نسوياً فقط، يبدو أن المشكلة تتعلق بشعر الجسم كشعر وليس فقط كمرأة. الرجال أيضاً يعانون من ذات النظرة المجتمعية العامة (طبعاً بدرجات أخف)، هناك من يقومون بحلاقة شعر جسمهم، واولئك الذين يتعرضون للاستهزاء بسبب عدم وجود شعر على أجسامهم. دعايات شفرات الحلاقة للرجال أيضاً تظهر في معظمها رجالاً بدون شعر على الوجه أو بشعر خفيف، ولسنوات طويلة لم يكن شعر الوجه أو اللحية على الرجال محبذاً، وكان الرجل الوسيم في الأفلام الكلاسيكية العربية أو الغربية بدون شعر وجه (الشوارب موضوع تاني) في حين ارتبطت اللحية بالأشخاص السيئين، الحزانى أو homeless. في ظل كل هذه “العجقة” هل نحن حقيقة من نقرر ماذا نفعل بشعرنا وأجسامنا؟ أم أن القصة كلها تريند؟