ديد بول، الجوكر وبراد بيت في قلب رام الله

IMG_4591

مع المصور الفلسطيني شريف موسى، يمكنك أن ترى بأم عينيك “شو صغيرة الدني” فهو يعرف كيف يقرب البعيد ولديه قوة خارقة بإحضار أي شخصية معروفة إلى قلب مدينة رام الله في فلسطين. فتارًة ترى البروفيسور في رام الله التحتا، وتجد نفسك في “رام الله لاند” بينما يقف ويل سميث حارسًا على جدار عازل يحمي شبابًا يحاولون اجتيازه، أما كاليسي فيبدو أنها مصدومة بفاتورة هاتفها الشهرية.

شريف موسى، البالغ من العمر 29 عامًا، ولد في حمص في سوريا، من أم فلسطينية سورية من مخيمات سوريا، وأب فلسطيني من مخيم الحصن في الأردن، يقيم في رام الله منذ عام 2000، ودرس الصحافة والإعلام، ويعمل بدوام كامل في أحد الفضائيات الفلسطينية، يعرف نفسه بأن “عمره المهني في عالم الصورة 4 سنوات، برجه السرطان ويحب الملوخية.” 

Videos by VICE

تحدثت معه عن مشروعه الأخير وكيف خرجت الفكرة.

VICE عربية: كيف خطرت لك فكرة إدخال ممثلين معروفين في قلب رام الله؟
شريف موسى: أنا مغروم بالسينما والأعمال التلفزيونيّة، هناك مواقف معيّنة تحدث أمامي أو معي فأتخيّل كيف لشخصيّة ما من فيلم كانت لتفعل وتقول. بدأتُ أرى أن الكثير من الشّخوص في هذه الأعمال هي انعكاس وامتداد لنا، أو ما نرغب أن نكون، وأحيانًا أخرى هي شخصيّات نخاف أن نكونها أو لا نستطيع أن نكونها لظروف اجتماعيّة، فقرّرت وضع هذه الشخصيّات بيننا، أو لأكون أدق، لا وضعها، إنّما إعادة إنتاجها ضمن سياق محلّيّ رهين الظروف السّوسيو-سياسيّة؛ لتُصبح النّظرة إلى هذه الشّخصيّات نظرة إلى أيّ فرد في المُجتمع. بالطَّبع، بما يتوافق أو يتعارض مع الحُمولة النفسيّة والأحداث والحَبكة، هُنا، عبر هذا التّوظيف، انتقلت الحَبكة إلى الواقع؛ بكلماتٍ أُخرى، أصبحَ العمل الفنّيّ هو النَّاس العاديّين.

IMG_6228.JPG
ويل سميث حارسًا لشبان أمام جدار الفصل العنصري الذي يفصل رام الله عن القدس. مصدر الصورة: AP Photo/Majdi Mohammed

الفكرة لم تكن عبثية إذاً؟ 
في فيلم “Seven” ارتكب المجرم، كيفين سبيسي، جرائمَ بشعة فقط ليُحدث صدمةً للمجتمع، ليجبرهم على التوقّف والنَّظر إلى ما يحدث حقًّا حولهم. ولحسن الحظّ، أنا لست مُجرمًا سيكوباتيًا، أو على الأقل هذا ما أدّعيه، ولكن اضطررت للخروج عن المألوف في محاولة لإجبار الناس على النَّظر إلى قضايا أجدها مهمّة.  أعتقد أنهُ ليس سهلًا، خصوصًا في هذه الأيّام، الحصول على اهتمام الجمهور، عليك إجبارهم على الاهتمام، عليك منحهم شيئًا يوقفهم أمام صورة في عالم مليء بالصور.

A13B9D61-4006-4B76-82E9-A48B53AC0BE0.JPG
سبستيان وميا من فيلم “لا لاند” يرقصان في حديقة احد المنازل المهجورة في رام الله.

هل اختيارك لكل شخصية بدمجها بصورة معينة كان عشوائيًا أم مدروسًا؟  
لا شيء عشوائي، نحنُ الفلسطينيّون نشبه “ديد بول” كثيرًا، هناك الكثير من يطلب منّا أن نكون أبطالًا، بينما كلّ ما نريده هو الحقّ بأن نكون عاديّين، نحن لم نطلب البطولة يومًا، إنّما فرضت علينا في سياقات تاريخيّة ترجعُ إلى ما يزيد عن 70 عامًا، وضمن محاولات هروبنا من البطولة، نعيشُ حياة عاديّة، لذا كان “ديد بول” في السّوق أمام بائع فراولة، يُمثّلُ دور فلسطينيّ عاديّ، لكنّه مجبور على ارتداء زيّ البطولة يوميًّا.

هل يمكنك إخبارنا إلى ماذا ترمز بعض من هذه الصور…البروفيسور؟
صورة “البروفيسور” أمام البنك يُمثّل مؤسّسة الرأسماليّة في أوضح صورها في عالم نيوليبراليّ، باتت ترتبط مصالحها مباشرة بالحكومات، لتكون أداة من أدوات السيطرة على الشعوب. “البروفيسور” هُنا هو الشَّخص الذي قرر محاربة هذه المنظومة، فالهدف من سرقة البنك ليسَ الثراء، إنّما ضربه من الداخل، فبرأيي، توجيه ضربة للبنك، هو اعتراض واضح وصريح على منظومة رأس المال. 

B9615583-A497-450A-A921-7AE363723883.JPG
البروفسور أمام البنك العربي في رام الله التحتا.

والجوكر؟
صورة “الجوكر” راقصًا على الدرج في رام الله أو خارجًا بسرعة من الدّكان، هو ببساطة تعبير عن الفترة المجنونة التي نعيشها في فلسطين وفي العالم. لا شكّ أنّ هُناك خللًا حقيقيًّا في قيمنا الإنسانيّة، المجتمع الفلسطيني مجتمعٌ قاسٍ، يرفض الآخر، ليس بالمطلق طبعًا، ولكن لمجتمعنا وجه بشع يدفع العديد من الناس ليتحوّلوا بشكلٍ شبه يوميّ إلى “الجوكر” أناسٌ بخللٍ حقيقي في البوصلة الأخلاقيّة، أناسٌ يمارسون القتل، أكثر من مائة جريمة قتل العام الماضي تدلّ على مجتمع مضطّرب، ولكن حتى لا يساء فهمي، ما أحاول قوله أنّنا لسنا أفضل من باقي المجتمعات، العالم كله مكان مضطّرب. 

A1A63B09-8E5C-4A54-80DF-A16A5D5C19F1.JPG
A6A8FB5F-F0F8-483F-BD1C-6093D6D48C18.JPG
الجوكر خارجًا من دكان بسيط في شارع ركب برام الله.

ماذا عن والتر وايت، أعتقد أنها الصورة المفضلة لدي.
يرى كثيرون أن شخصية والتر وايت الشخص الخيّر، تحولت إلى شخصية “هايزنبيرغ” الشخص الشرير في مسلسل “Breaking Bad” وأن هذا التحول كان مبرراً وطبيعياً نتيجة الذل وعدم التقدير الذي تعرض له، حتى هايزنبيرغ نفسه، كان يبرر كل ما يرتكبه من أفعال بشعة. ولكن هذا ليس دقيقًا، فهو لم يكن خيرًا وأصبح شريراً، هو فقط بدأ كشخص غير مؤذي ليصبح شخصاً خطيراً، بالتالي الشخصيتين ليستا مختلفتين، انما انعكاس لبعضهما، كالنظر إلى مرآة. عندما نظر هايزبيرغ إلى نفسه فعلاً، توقف عن تبرير كل أفعاله، وأعترف لنفسه بالحقيقة. أنه يفعل كل هذا من أجل نفسه. الصورة هنا تريد من المارين أن يتوقفوا ويعترفوا لانفسهم، أننا كمجتمع وكأفراد، حين نقتل ونؤذي الأخرين، لا نفعل ذلك من أجل الله، أو من أجل العائلة، أو من أجل الشرف، أو حتى من أجل الصواب والخطأ، بل نقوم بذلك من أجل أنفسنا فقط.

IMG_5739.JPG
هايزنبرغ كبائع فراولة وموز.

كاليسي؟
“كاليسي” التي عانت سنوات من الاضطهاد والاستخفاف والاستغفال قبل تمكّنها من التَّحرّر وتحرير كلّ المضطهدين معها، لاحقًا، الله يسامحها، حرقت الكلّ. الفكرة هُنا أنّنا جميعًا نشعر، خصوصًا في الوطن العربي، أنّنا رهائن لشركات الاتصالات، وأننا نتعرّض لنهب غير مبرّر، حتّى وصلنا إلى لحظة ما شعرنا برغبة بحرق هذه الشركات لوضع حدّ لكل هذا الاستغلال.

01510EE3-7829-466B-ACC4-D305DFFEC493.jpg
صورة “كاليسي” أمام إحدى شركات الاتصالات.

أعتقد أن صورك تساعد في إحياء الشوارع الفلسطينية، وإثراء الأرشيف الفلسطيني الذي يعاني من احتيال وسرقة مستمرة؟
أعتقد أنّه من الصعب أن أقوم وحدي كفرد بإثراء الأرشيف الفلسطيني، حتى يتوفر الإثراء لا بدّ من عمل وتكاتف مؤسّساتي ضخم، وجهد جماعي، كما يفعل المتحف الفلسطيني في مشروعه على الأرشيف على سبيل المثال. ولكن أستطيع القول أنّ ما أقوم بهِ من تصوير يومي في الشارع هو أرشفة للفلسطيني العادي، أي أرشفة من قاع الهرم الاجتماعي، أرشفة شعبيّة يوميّة للنّاس العاديّين. 

“العالم يتكوّن من القصص، وليس من الذّرات.” لا أعلم من أي فيلم أو من أي كتاب هذا الاقتباس، ولكنه علق في ذاكرتي، وأظن أنها تختزل مهنتي كمصور، المصور الباحث عن القصص. أحمل الكاميرا دائمًا، أينما أذهب، في شوارع رام الله أو للقاء شخص ما. في الحقيقة الكاميرا تُشكّل، ضمن هذا السِّياق، وسيلة تسمح لي بالتقرّب من الناس، لا لالتقط صورهم، إنّما لأصنع معهم الصَّورة؛ فالصورة بالنسبة لي هي بمثابة عمل مشترك بيني وبين الشخص الموجود فيها، فأن يسمح شخص ما لي بتصويره، يعني أن يسمح لي بدخول حياته الخاصَّة والانكشاف أمامي؛ أن يسمحَ لي أن أراه وأُنتجهُ كما أرى. 

IMG_6853.JPG
براد بيت وليوناردو دي كابريو من فيلم Once Upon a Time in Hollywood في الماصيون، رام الله.

كيف كانت ردة الفعل؟
سأتجرأ وأقول أنّ أي شخص في أي مكان في العالم يستطيع أن يتفاعل مع هذه الصور، في حال كان لديه فكرة عن الشخصيّة المدموجة في الصورة، إذ لا يوجد مجتمع لا يعاني من اضطهاد مؤسّسات رأس المال والبنوك، ولا يوجد فرد لا يشعر أنه تتم سرقته من شركات الاتصال، ولا يوجد شخص بحدٍّ أدنى من الإدراك لا يرى أن هذا العالم مكان مجنون. 

7B694D55-97F1-48DD-8085-8D66B786AA23.jpg
الأمير هاري وميغان ميركل شوهدا بالقرب من بوظة ركب في رام الله، أشهر محل بوظة في فلسطين.