حان وقت التغيير. في يوم العمل العالمي للمناخ، تنشر VICE Media Group مقالات متخصصة عن أزمة المناخ الحالية.
“الشيء الذي جعلني أتبع النظام المستدام وأغير نمط حياتي إلى النباتي هو عندما أدركت أنه يمكننا الاستغناء عن تناول لحوم الحيوانات في ظل وجود بدائل نباتية عديدة تحتوي على نفس خصائصها الغذائية. كما أن المصانع التي تعمل على إنتاج وتسويق اللحوم تضر البيئة بشكل كبير من خلال انبعاثاتها ومخلفاتها السامة التي تتسرب إلى التربة والمياه وتؤثر سلبًا على صحة الأفراد والكائنات الحية.” هكذا أخبرتني رؤوم السحيباني، 26 عامًا، مدونة من المملكة العربية السعودية وصاحبة مشروع Sukkari Store، عندما سألتها عن النقطة الفاصلة التي جعلتها تهتم أكثر بالبيئة والتغير المناخي. ”لدي منصات على السوشيال ميديا مثل يوتيوب وإنستغرام وغيرها أنشر فيها نمط حياتي النباتي والمستدام الذي أتبعه بهدف المشاركة بطريقتي الخاصة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.
Videos by VICE
Sukkari Store هو متجر إلكتروني يسوق لمنتجات نباتية وطبيعية وصديقة للبيئة في المملكة العربية السعودية. تشمل قائمة هذه المنتجات المصنوعة أساسًا من مكونات قابلة للتحلل وإعادة التدوير، أدوات المطبخ والعناية الشخصية والمنزل وحتى اليوغا. هدف المشروع بالأساس، قبل الربح المادي، هو التأثير في السعوديين وزيادة درجة وعيهم بضرورة الاهتمام أكثر بالحياة المستدامة، كما تقول رؤوم: “نعتمد في تواصلنا مع متابعينا على إنستغرام على تقديم نصائح وإرشادات بسيطة بين كل فترة وأخرى حول كيفية المساهمة في الحفاظ على البيئة، أو تنزيل وصفات صحية نباتية.”
تقول رؤوم أن فكرة سكري ستور جاءت بهدف تسهيل الولوج إلى نمط الحياة المستدام عبر توفير منتجات يومية صديقة للبيئة وأخلاقية أكثر في طريقة صنعها، وتضيف رؤوم أن جميع المنتجات الغذائية التي تقدمها: “لا تستغل الحيوانات أو تضر بالموارد الطبيعية، وتأثيرها على البيئة ضئيل أو منعدم.“ ومؤخراً، أصبحت السعودية مؤخرًا تنهج سياسات مرتبطة بالبيئة تروم المساهمة في استدامة الموارد الطبيعية. فمن بين الإجراءات التي قدمتها المملكة خلال قمة العشرين الأخيرة، نجد تلك المتعلقة بتخفيف التصحر، وزيادة المسطحات الخضراء، وتحقيق منظومة الاقتصاد الكربوني الدائري الذي يهدف إلى التقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وتدويره.
رؤوم ليست الوحيدة التي يؤرقها مصير كوكبنا ومستقبلنا عليه. لقد أصبحنا نشهد حاليًا تعالي أصوات الشباب في العالم أجمع للتنديد بالسلوكات الخطيرة التي تنهجها بعض الدول والتي تهدد بشكل مباشر البيئة وتساهم في تسريع إيقاع التغير المناخي. العزة جمال، 30 عامًا من سلطنة عُمان، هي الأخرى قررت المساهمة في ترك بصمة إيجابية في العالم عبر إطلاقها لمشروع Nabatya: “من أهم المشاكل التي نعاني منها حاليًا، والتي تتجاوز استهلاك البلاستيك، هو التغيير المناخي الذي يرجع سببه إلى الاستهلاك المفرط للحوم. الحريق الذي أتى على أشجار غابة الأمازون الهائلة كان بسبب توفير مساحات شاسعة لتربية المواشي وبيعها بغية سد الاحتياج اليومي المتزايد للمستهلكين. هذه من بين الأشياء التي جعلتني أغير نمطي الغذائي إلى النباتي،” تضيف العزة.
“نباتية” هو الآخر متجر إلكتروني عُماني يشجع التسوق الأخضر عبر عرض منتجات نباتية صديقة للبيئة. تتنوع هذه المنتجات بين أدوات المطبخ، ومنتجات العناية الشخصية، وحتى المنتجات عُمانية الصنع 100٪. الهدف الرئيسي من هذه المبادرة، حسب ما جاء على لسان صاحبته هو “نشر الوعي بين الشباب في سلطنة عُمان ليعوا حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم خاصة أنني لاحظت غيابًا واضحًا للمبادرات الشبابية في هذا الشق.”
وفي حين أن أزمة كوفيد قد ساعدت في إبطاء تغير المناخ، ولكن الأمر أكبر من مجرد أشهر، بحسب دراسة United in Science، فإن الحجر الصحي الذي مر منه العالم في أشهر مارس وأبريل ومايو ساهم في انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 17٪ مقارنة بالسنة الماضية، لكن ما لبثت الأوضاع أن رجعت إلى شكلها المعهود مباشرة بعد رفع الحجر والعودة إلى العمل. ولكن العزّة تشير إلى نقطة مهمة وهي أن موجة فيروس كورونا كان لها أثر سلبي على نمط العيش المستدام. فمثلًا المطاعم التي كانت تقدم طعامها على أطباق مصنوعة من السيراميك أو الزجاج، أصبحت اليوم تستخدم البلاستيك والأواني ذات الاستخدام الواحد للحد من انتشار العدوى.
مع الأزمة الصحية التي يعاني منها العالم وتوتر الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم العربي، يتذيل التغير المناخي قائمة أولويات الدول التي أصبح همها الأكبر البحث عن الربح وإنعاش الاقتصاد كيفما كان الثمن. ولكن تحاول هذه المبادرات وضع الحفاظ على البيئة ضمن الأولويات الأساسية ضمن الإمكانيات المتوفرة. “طموحنا هو التأثير على الشباب في الوطن العربي والدفع بهم إلى الاهتمام أكثر بالحفاظ على البيئة واللجوء إلى البدائل المستدامة، وذلك عبر تسهيل الوصول إلى مثل هذه البدائل في السعودية خصوصًا، والتعريف أكثر بالمنتجات المبتكرة الصديقة للبيئة والتي لا تحتوي على بلاستيك في موادها.” تقول رؤوم: “أنا أؤمن بفكرة التأثير عبر إعطاء المثال. لا أريد فقط التكلم مع الناس وإعطائهم النصائح والموعظة، بل أفضل التحرك وتوضيح ما أقوم به للناس بشكل مباشر ليقتنعوا بأن عيش حياة مستدامة ليس بالأمر الصعب.“
عند الحديث عن الحياة المستدامة ونمط التقليل من المخلفات، فإن الأمر مرتبط مباشرة بدفع أموال إضافية على منتجات يمكن اقتناؤها بأثمنة بخسة من أماكنها المعتادة. لكن يجب التفكير في الأمر على أنه استثمار على المدى البعيد. فأنتم عندما تشترون منتجًا مستدامًا تجنبون أنفسكم إنفاق مال إضافي لعدة شهور أو سنوات حتى، لأنكم تدفعون ثمنه مرة واحدة فقط ولا تضطرون لتغييره باستمرار. طبعًا المبادرات الشبيهة بمتجري سكري ونباتية مهمة جدًا في المنطقة، لكن الأمر يتوقف أيضًا على جهود كل من الأفراد والحكومات من أجل تغيير واضح ودائم.
الفكرة نفسها كانت الأساس وراء تأسيس كون مشروع مغربي يوفر للشباب فضاءً للتعبير عن طاقاتهم وإبداعهم خدمة للكوكب، عبر تجميع وفرز وإعادة تدوير النفايات. تحت شعار “لا شيء يضيع، لا شيء يخلق، الكل يتحول” تم إطلاق المشروع التابع لجمعية الإكرام منظمة فاليانس في عام 2017 عندما لاحظ مؤسسو المشروع غيابًا شبه تام لثقافة إعادة التدوير في المغرب.
وتقول ندى الديوري، 30 عامًا، إحدى مؤسسي المشروع: “كون هو ذو طبيعة اجتماعية وبيئية في آن واحد. فهو يكوّن الشباب مهنيًا، خصوصًا الذين يعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وفي نفس الوقت ينشر الوعي ما أمكن بين ساكنة مدينة الدار البيضاء للاهتمام أكثر بفرز وإعادة تدوير نفاياتهم.” يقوم القائمون على المشروع بالتعامل مع مؤسسات خاصة ومدارس وجمعيات داخل مدينة الدار البيضاء لمدّهم بمخلفاتهم، بعد ذلك يتم العمل في ورشات محددة على فرز هذه النفايات وإعادة استخدامها لصنع أكسسوارات وأدوات ديكور وملابس. أو الاشتغال مع بعض الشركات على طلبيات خاصة كصنع أوراق جديدة من أخرى مستعملة.
ما يميز مشروع “كون” هو اشتغاله على الشِّقين البيئي والسوسو اجتماعي في آن واحد. ففي الوقت الذي يقوم فيه بإعادة دمج الشباب والنساء، خصوصًا أولئك القاطنين في الأحياء الشعبية والذين لم يكملوا تعليمهم، في المجتمع وتوفير دورات تكوينية لهم لتسهيل ولوجهم سوق العمل؛ يروم المشروع أيضًا إلى توفير منتجات بديلة مصنوعة 100٪ من مخلفات كان بإمكانها تهديد الاستقرار الطبيعي للمواطنين.
التحدي الذي تواجه هذه المبادرات يتعلق بعدم توفر المنتجات الصديقة للبيئة كما تخبرني رؤوم: “للأسف لم أصادف إلى اليوم أي مورد محلي يقوم بصناعة هذه المواد. خطتنا المستقبلية هي العمل على توفير منتجات عربية بالدرجة الأولى من أجل تشجيع الصناعة الخضراء المحلية. هذا لا يمنع القول أننا أمسينا نلاحظ تطورًا واضحًا في المنتجات المصنعة محليًا والتي تحترم المعايير البيئية الدولية.”
نفس الشيء أكدته لي العزّة عندما أخبرتني: ”عندما بدأت مشروعي سنة ٢٠١٩ كان من الصعب عليّ جدًا إيجاد موردين من عُمان أو من الخليج، ولأن مسألة الحصول على مثل هذه المنتجات في السلطنة كانت معقدة بعض الشيء، فإني كنت أضطر لاستيرادها من بلدان أخرى. في البداية، كنت أسترد هذه المنتجات من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين، ولكن مع تقدمي في المشروع واكتسابي للخبرة بدأت أنفتح أكثر على المشاريع المحلية. مثلًا الفخار موجود في عُمان منذ مئات السنين وكانت له استخدامات عديدة في المطبخ، فلماذا لا نحيي ثقافة استخدامه من جديد كبديل للأواني البلاستيكية؟” العزة في طريقها نحو التعريف أكثر بالمنتجات الطبيعية العُمانية، وخير دليل هو أن منتج “جرة الفخار العُمانية” هو الأكثر مبيعًا حاليًا على الموقع.
إيجاد موردين محليين ليس التحدي الوحيد، بل هناك أيضًا نقطة القيام بتوصيلات عديدة والبحث عن بدائل للبلاستيك من أجل تغليف وتعبئة المنتجات. تقول رؤوم: ”من أكثر الأشياء التي نعاني منها حاليًا هي توفير المنتجات بشكل دائم. نحن نحاول التقليل من كمية الشحن المضر بالبيئة وفي نفس الوقت جعل المنتجات قريبة من الزبون، وهنا تكمن صعوبة الأمر. النقطة الثانية هي أن جميع منتجاتنا يتم شحنها وتعبئتها بدون بلاستيك أو أغلفة مصنوعة من مواد مضرة، وهذا يجعلها أكثر عرضة للتلف والخدوش قبل وصولها إلى يد الزبون. لكننا مع الممارسة بدأنا نتعلم أساسيات التغليف وتسيير الشحن ليصل المنتج إلى يد العميل في أحسن حالة وفي وقت قصير.“
من جهتها تخبرني العزّة: “دائمًا ما أشترط على شركائي عدم تضمين البلاستيك في منتجاتهم أو حتى في التغليف، ويمكنني أن أتنازل تمامًا عن الشراكة إذا لم يحترم المصنع هذا الشرط. وفيما يخص التغليف، فإنني أعتمد أكثر على الكرتون أو أي مادة أخرى قابلة للتحلل. بالنسبة للتوصيل، وحتى نقلل من انبعاثات الشحن، فإننا نجمع الطلبيات ونوصلها إلى أصحابها دفعة واحدة.“
يحتفل العالم هذا العام بأسبوع المناخ وسط ظروف بيئية واقتصادية وسياسية خاصة. ولكننا مُلزمون أكثر من أي وقت مضى بتغيير سلوكاتنا ونمط حياتنا إذا أردنا لمنطقتنا أن توفر للأجيال القادمة أدنى شروط العيش الكريم المتمثلة في الماء الصالح للشرب والطعام. فحسب ما جاء في تقرير للأمم المتحدة يسلط الضوء على الأوضاع البيئية وتداعياتها الاجتماعية على الوطن العربي، فإن 14 دولة من أصل 20 المهددة أكثر بالجفاف وشح المياه تقع في المنطقة العربية. أضف إلى ذلك أن نسب قطع أشجار الغابات تزداد بنسبة 4٪ كل سنة في منطقتنا بسبب استهلاك الفحم النباتي المفرط لإنتاج الوقود وكذا صنع وتصدير الصمغ العربي.
تقول ندى: “لقد عانى الوطن العربي كثيرًا من مجموعة من المشاكل، خصوصًا السياسية منها ولكن التغيير قادم وقد يشمل أيضًا الزعماء والقادة. كل ما أرجوه هو أن تتضمن عملية الإصلاح الجانب البيئي وأن تضع ضمن أولوياتها إدراج حلول خضراء ومستدامة. أرى أن الشباب في الوطن العربي صار صوته مسموعًا أكثر وله رأيه في جميع مناحي الحياة. نحتاج إلى شخص واحد على الأقل لإعطاء الشعلة الأولى وبدأ النقاش بشكل أكثر جدية حول الموضوع. لا أطيق الانتظار لأكتشف من ستكون غريتا تونبرج العربي القادم.”
ولمن يود ترك بصمة إيجابية في محيطه والمساهمة بطريقته في الحد من مشاكل التغير المناخي، تخبركم ندى: “شعاري في الحياة هو قلل، أعد استخدام، أعد التدوير. أحاول ما أمكن التقليل من كمية نفاياتي، وأعيد استعمال أي شيء وفور تلفه أعيد تدويره لاستغلاله في أعمال أخرى. قد تبدو هذه الأفعال بدون قيمة، لكن تأثيرها كبير جدًا على البيئة.”