صراع النصوص في المسرح الكويتي: بين تقليد الغرب وتوعية الأطفال

Article Main Illustration -2023-02

مع تأسيس مسرح الأطفال على يد مؤسسة البدر في أواخر السبعينات، حرص أصحاب المؤسسة على ضرورة خلق مسرح مخصص للطفل في الكويت بعد أن آمنوا جميعاً بأن مسرح الأطفال هو خير معلم للأخلاقيات والمثل العليا.

تعد مسرحية “السندباد البحري” ١٩٧٨ أولى ثمرات التجربة المسرحية لمؤسسة البدر في الكويت، وهي تستند إلى قصة أسطورية من قصص “ألف ليلة وليلة.” كانت المسرحية من إخراج الراحل منصور المنصور، وكان من المفترض أن يخرجها المرحوم صقر الرشود، الذي يعتبر من الأيادي والعقول الداعمة للمسرح في الكويت والخليج . اشتهرت المسرحية بأغنية “بلادنا حلوة” والتي أصحبت أيقونة غنائية ولاتزال خالدة حتى يومنا هذا.

Videos by VICE

يمكن القول أن مسرحية السندباد البحري كانت الأساس والنقطة الأولى لانطلاق مسرح الطفل في الكويت، وبعدها توالت مسرحيات أخرى مثل “أ ب ت“، و”البساط السحري” و”سندريلا.”

شهد مسرح الأطفال في الكويت تنوعًا واضحًا خلال أواخر السبعينيات والثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات. وكانت معظم النصوص التي قُدمت للأطفال تُكتب من الصفر، سواء كانت هذه النصوص أصلية أو مقتبسة من قصص عالمية ، أو من “ألف ليلة وليلة”، أو من قصص الأخوين جريم Brothers Grimm.

cinderella huda hussain-01.png
مشهد الزفاف من مسرحية السندريلا”، ١٩٨٣

سندريلا الفرنسية تخترق الماضي الأسطوري في زفاف كويتي وأغنية “هب السعد”

ولابد من الإشارة إلى أن معظم الكتاب والمنتجين كانوا يحرصون على إضفاء بعض الملامح الشرقية على المسرحية في حال كان نص المسرحية مقتبس. ومن الأمثلة على ذلك مسرحية “سندريلا” ١٩٨٣ لمؤسسة البدر. تميزت المسرحية بالسمات العربية والكويتية دون أن تبتعد كثيرًا عن النسخة الأوروبية الأصلية. على سبيل المثال، تم استبدال فكرة الساحرة بشخصية “أم الخير”، وهي امرأة فقيرة ساعدتها سندريلا، فترد الجميل بإعطاء سندريلا فستانًا لامعًا ترتديه لحفلة الأمير.

وفي المشهد الأخير من المسرحية، تم تجسيد حفل الزفاف على شكل “الجلوة”، حيث جلست الفنانة هدى حسين على كرسي في منتصف المسرح، وكانت  محاطة بمجموعة من الممثلين يرفعون شالًا مزينًا بخيوط ذهبية فوق رأسها، ويمسكون بأطرافه الأربعة. وقام الممثلون بأداء أغنية “هب السعد”، ويمكن سماع بعض الزغاريد هنا وهناك، مما أضفى طابعًا يجعل المسرحية أكثر قرباً  من بيئة الطفل الكويتي أو الخليجي بشكل عام. 

استمرت الحركة المسرحية في الكويت، وخاصة مسرح الطفل، حتى يومنا هذا بشكل كبير وملحوظ، حيث تعددت شركات الإنتاج والفرق المسرحية مثل مسرح Back Stage للفنان محمد الحملي، مسرح شركة زين، مسرح Trend Production للفنان بدرالشعيبي، وشركة KATWEEL Productions لعبدالله عبدالرضا، وغيرهم. ويمكن مقارنة نسبة إقبال الجمهور على المسرح الكويتي بمسارح “بروودواي”، إذ أن دولة الكويت لا تزال محط أنظار دول الخليج وأيضاً الدول العربية، من ناحية ما يُقدم على شاشة التلفاز خلال شهر رمضان أو على المسرح خلال الأعياد. 

Let it Go يا هدى حسين

مع استمرار الحركة المسرحية في الكويت، تأتي أعياد الفطر والاضحى زاخرة ومزدحمة بمسرحيات الطفل، لدرجة أنه لا يمكن إحصاء عدد المسرحيات التي تقدم كل سنة. وتتنوع هذه المسرحيات بين ما هو هادف ويتبع رؤية ورسالة وقيمة تربوية محددة، وما يتم إعداده بسرعة، مما يؤدي إلي اللجوء إلى الاقتباس المباشر من قصص وأفلام أو مسلسلات نالت على شعبية ونسبة مشاهدات عالمية مؤخراً، مثل مسرحية  “مووانا” ، و”كرويلا”، و”وينزداي.” 

في رأيي، الاقتباس المباشر “copy paste” في مسرح الطفل تحديداً جريمة بحق الطفل ومخيلته، حيث يمكن أن يخلق مجتمعًا يلجأ إلى تقليد كل ما يقدمه الغرب، ويتجاهل القيم والأخلاق التي زرعها مجتمعنا في الأعمال المسرحية قبل الغرب في مطلع القرن الماضي.

الواوي وبنات الشاوي fayeegh abduljaleel.png
الشاعر الراحل ”فائق عبدالجليل ” مؤلف مسرحية “الواوي وبنات الشاوي”، ١٩٨٩

ومن الأمثلة على ذلك مسرحية “الواوي وبنات الشاوي” عام ١٩٨٩، وهي من تأليف الشاعر الشهيد فائق عبد الجليل وإخراج نجاة حسين. مهما كتبنا عن هذه المسرحية، فلن نمنحها حقها، لأنها تعاملت مع مبادئ وقيم وأخلاقيات سبقت حتى منظور ورؤية الإعلام الغربي في ذلك الوقت.

ناقشت المسرحية قضية تمكين المرأة، والمساواة بين الجنسين، والنهوض بالمرأة كصانعة قرار.وفي بداية الفصل الثاني، يتناول المشهد الأول حداد القرية على فقدان “الشاوي”، وهو والد الشقيقتين “شمسة” و”قمرة.”

لم يتمكن أهل القرية من  ايجاد شخص بديل يقوم بمهمة رعي الأغنام الشاقة تحت أشعة الشمس الحارة. تقرر الشقيقتين أن يقمن بهذه المهمة رغم اعتراض أهل القرية الشديد عليهم لكونهن  فتيات شابات في مقتبل العمر، وهذا العمل يتطلب رجل قوي البنية. ولكن مع إظهار الأختين تصميمهن وشجاعتهن وثقتهن في خوض هذه التجربة، وافق أهل القرية، ورددت الأختان: “احنا بنات الشاوي قدها، مثل النبتة بهذا البر.” 

على رغم من أن سياق القصة في المسرحية يبدو سوداوياً، إلا أنها تتناول أهمية مفهوم حب العائلة، وبالتحديد حب الأختين لبعضهن واستعدادهن للتضحية بدون مقابل. عندما تفاقم مرض الشقيقة الصغرى “قمرة”، احتارت الشقيقة الكبرى “شمسة” في إيجاد الحل لشفاء أختها، لأنها لا تستطيع توفير الدواء اللازم بسبب فقرهم. وانتشر المرض في القرية وأصدر أهلها تعميماً يطالبهم بالعزل في منازلهم للحد من انتشار العدوى

في المشهد الأخير من المسرحية تضحي “شمسة” بأغلى ما لديها وهو شعرها الناعم الطويل من أجل شراء الدواء لعلاج أختها التي كانت بين الحياة والموت.

تأثير تصوير الشخصيات النسائية في أفلام الأطفال الغربية 

عندما نقارن ذلك مع الاعمال الغربية وبالتحديد استوديوهات والت ديزني للرسوم المتحركة التي حصلت حتى الآن على النصيب الأكبر من الاقتباسات في مسرح الطفل الكويتي، نرى أن تطور دور المرأة في شخصيات ديزني النسائية جاء متأخراً بعض الشيء.

يمكن رؤية بداية هذا التطور بوضوح في فلم Brave إنتاج سنة ٢٠١٢، مع بطلة أكثر حداثة “ميريدا”، الأميرة الاسكتلندية المفعمة بالحيوية، التي عجزت عن تحقيق الصورة النمطية لأميرات ديزني من خلال رفضها وكسرها لقوانين الزواج التي وضعها لها والديها.

وفيما يتعلق بقضية الأسرة، نلاحظ أن أغلب أفلام ديزني الأخيرة تناولت قصصًا تدور حول أفراد الأسرة وتؤكد على أهمية دور الأسرة في حياة الإنسان. كما تسلط الضوء على قوة روابط هذه العلاقة من خلال إظهار الحب الحقيقي بشكل غير مشروط، بعيدًا عن الرومانسية المبتذلة وانتظار الأميرة البائسة للفارس الوسيم الذي يخلصها من الظلام وتعيش معه في حب و سعادة إلى الأبد.

Huda Hussain Frozen- Elsa.png
مشهد “فروزن” من مسرحية “توتة والقردة شيتا”، ٢٠١٧

نجد أقرب مثال لهذا في فيلم Frozen انتاج سنة ٢٠١٣ الفيلم الحاصل على جائزتين أوسكار، والذي بدأ بنهضة جديدة لديزني، وغير رؤية، مسار ومفاهيم أفلام الرسوم المتحركة إلى يومنا هذا. حيث تم إعادة صياغة النص الأصلي للقصة الخرافية؛ ملكة الثلج” للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، وجعلها قصة تتوافق مع مفاهيم الجمهور المعاصر. وكان السبب في نجاح هذا الفيلم هو جوهره الذي لم يتمركز على صراع الخير والشر، لأن هذا لا يحدث في الحياة الواقعية، ولا على مبدأ الحب والكراهية. بل ركز على العلاقة بين الشقيقتين وحبهم الحقيقي لبعض رغم الاختلاف الذي بينهم، فشخصية الملكة إلسا تمثل الخوف إذ كانت خائفة من نفسها ومن قواها الخارقة، وشخصية الأميرة آنا تمثل الحب، رذ بسبب إهمال  أهلها لها كانت تقع في حب أي شخص يقترب منها.  

وهنا يقع العتب على الفنانة “هدى حسين”، فمن غير المتصور أن تجسد شخصية “الملكة إلسا”من فيلم “فروزن” في مسرحية “توتا والقردة شيتا” سنة ٢٠١٧، مستندة على الشعبية الواسعة التي كانت تحظى بها الشخصية بين الأطفال، واستخدامها كطعم لاستقطاب الجمهور. وهي نفسها الفنانة التي أدت دور ابنة راعي الأغنام “شمسة” في مسرحية “الواوي وبنات الشاوي” مع كل تلك القيم التي سبقت  توجه الغرب آنذاك.

نعم، صناعة مسرح الأطفال لازالت مستمرة، ولكن إلى أين؟

يشهد المشهد الفني في الكويت حالة من التدهور والتراجع في أغلب أعمال مسرح الطفل، وغابت الفرق الأهلية التي تدعمها الدولة عن المشهد المسرحي، وانشغلت بالصراعات على مقاعد الرئاسة. وبدلاً من ذلك، ظهرت مؤسسات خاصة كثيرة يديرها أسماء جديدة لا تعرف شيئًا عن ثقافة مسرح الأطفال. الهدف الأساسي لهذه المؤسسات هو الكسب، لذلك أختلط الحابل بالنابل، دون مراعاة القيم التربوية التي من المفترض أن تخاطب الطفل والعائلة بأسلوب جميل.

أنا لست مع من يقول إن الفن الحقيقي في الكويت مات مع موت الكبار الذين قدموا لنا فناً حقيقًا، ولست مع من يطالب بإعادة مسرح الطفل الكويتي كما كان في السابق. فالطفل الذي نشأ ونما في ظل التكنولوجيا المعاصرة مثل الآيباد، والذي يهوى ثقافة التيك توك، لم يعد هو نفس الطفل الذي كان يستمتع بمشاهدة أفلام الكرتون على شاشة التلفاز. أنا مع تطور المسرح وما يتم تقديمه على خشبة المسرح من كتابة نص وأداء ممثلين و موسيقى والديكور المتناسب مع تفكير الطفل الحديث. 

Zain Children's Theatre.png
مسرحية “لا شيء أبداً كزين”، ٢٠٢٣

ظهرت في السنوات الأخيرة صور إيجابية لمسرح الطفل  الكويتي، وبرزت أعمال وأسماء مسرحية ذات جودة عالية، وعلى رأسها المنتجة مي الصالح التي تقدم عروض مذهلة كل سنة مع شركة زين، بالأخص آخر مسرحية قدمت هذه السنة “لا شي أبداً كزين”، وهي مسرحية غنائية من تأليف هبة مشاري حمادة، ألحان إيهاب عبدالواحد إخراج “سمير عبود”، ومن إنتاج شركة Joy Productions. على الرغم من أن المسرحية مقتبسة من قصة The Wizard of Oz، إلا أن إعادة كتابة هبة مشاري للقصة أضافت اسلوبًا عربيًا وشرقيًا جميل جداً للمسرحية. 

نلاحظ ذلك جيدًا في تصميم الأزياء وفي مفردات الأغاني كما لو كنت تشاهد القصة من منظور عربي جديد تمامًا. المسرحية برأيي متكاملة من جميع النواحي، وتتوافق مع أسلوب الطفل العربي من هذا الجيل. القضايا التي ركزت عليها المسرحية، مثل أهمية الوطن، والبحث عن الذات، ومفهوم الصداقة والتنمر.أعتقد أيضاً أن أنسنة كلمة “زين” وجعلها الشخصية الرئيسية في المسرحية، تعتبر سياسة عبقرية، حيث ممكن أن تبني ولاء للعلامة التجارية لدى الطفل منذ الصغر. كما أضفى استخدام التقنيات الحديثة وتصميم المسرح الدائري لمسة دافئة وسحرية على الجمهور.

Jassom and Mesheri.png
مسرحية “جسوم ومشيري”
Barbie.png
مسرحية “باربي”، ١٩٩٠

هل يمكن إنقاذ أطفالنا اليوم؟

لدينا مجموعة كبيرة من الكُتَّاب والأفراد الموهوبين الذين يمكن الاستفادة من مهاراتهم لضمان اختيار الشخص المناسب للدور المناسب، بهدف تحقيق المتعة والفائدة بالدرجة الأولى والارتقاء بمسرح الطفل في الكويت. وإذا كان هناك قصورًا في الوقت للتحضير للأعمال المسرحية بسبب انشغال الممثلين في الأعمال التلفزيونية خلال شهر رمضان، فمن الممكن ببساطة التحضير لتقديم العمل المسرحي في العام التالي، بدلاً من تحويل الطفل إلى سلعة رائجة بين صالات العرض. 

الطفل الكويتي هو صاحب نصيب الأسد فيما يقدم من عروض مسرحية كل سنة، ولذلك يجب أن يكون هناك خط يوجه القواعد والقيم الأخلاقية التي تحددها النظرة التربوية. وعلى غرار ما قال الكاتب الأمريكي مارك توين: “مسرح الأطفال هو معلم الأخلاق والقيم العليا.”