عندما يُستخدم جسدك كسلاح لأذيتك

يمتلئ الانترنت بقصص تؤذي فيها الفتيات والسيدات نفسها محاولة الوصول لشكل يقبله المجتمع، بدءاً من تناول أقراص فقدان الوزن السريع والعمليات الجراحية لنفس السبب أو العمليات التجميلية والمستحضرات غير الآمنة. في الكثير من الحالات، ترتبط هذه التجارب بقصص تعنيف بسبب الجسد، وهي الترجمة الأقرب التي استطعت ايجادها لمصطلح الـ bodyshaming بمعنى استخدام العنف اللفظي لانتقاد سمة جسدية لدى شخص وإشعاره بالعار نحو جسده بسببها مثل الوزن، الطول أو القصر، لون البشرة، أو عيب خلقي.

قد يتخذ نطاق هذه “الجريمة” ذات الأثر النفسي البالغ الاذى صورة النقد المهذب ومروراً بالتحرشات اللفظية والتعليقات في شوارعنا الخانقة. ولكن قد يصل الأمر لأقصى درجات الإيذاء حين يمارسه مقربون كسلاح نفسي، وبالطبع يتم تغليف هذا السلاح بمسميات أخرى تدل على شدة الاهتمام وعمق الحب وهو الأمر الذي يترك الضحية عالقة في دائرة يصعب كسرها ويتسبب بتشوه نفسي كبير. علاقة الإنسان بجسده علاقة معقدة، وخاصة الإناث، أضف لهذا العبء الأكبر: إناث في مجتمعات تتبنى ثقافة أن كل ما هو أنثوي دنس وعار وعلى رأس القائمة الجسد. منذ الطفولة، سبق تكويني الجسماني سني الفعلي، ولم يكن هذا العبء مفرحاً لي كما قد يكون لبعض البنات، بل على العكس ترك هذا لي صورة سلبية للغاية عن جسدي، شعرت أن أنوثتي التي بدأت تتشكل هي خطأ لابد أن أداريه، لا أن أستمتع بجماله، وأتم هذه الحلقة الإساءات الجسدية والتحرش الجنسي الذي تعرضت له عبر السنين في الشارع و تعليقات العائلة الأوسع أني (كبرت) بلهجة تحمل التحذير في نغماتها كونهم جزءا من مجتمع يعاقب المرأة فقط لكونها امرأة.

Videos by VICE

كنت أشعر بالعار من جسدي، كأنه حاجة عيب، يجب أن أخجل منه وأضطر لمداراته قدر ما يمكن

حملت هذا العبء لسنين متعمدة مداراة جسدي قدر ما يمكن، طبقات كثيرة، ملابس واسعة بأكمام طويلة، على أمل أن أصبح غير مرئية. في مرحلة ما، قررت تغيير ذلك والتخلص من ثقافة العيب ناحية جسدي، تطلب الأمر سنيناً ومجهوداً فائقا واكتئاباً عميقا وإطلاعاً مكثفاً على كيف تعامل الثقافات الأخرى مع الجسد وصراعات داخلية مع ما ورثته ثقافياً وحرباً ضروساً على التقاليد كلفتني وقتا لا يستهان به من وقت وعمق علاقاتي العائلية. تدريجياً، اختلف شعوري بالذنب والعبء وتوصلت الى أن الجسد مكون طبيعي للإنسان وليس من حق أحد تحديد شكله أو استغلاله ضده ليؤذيه بأي شكل. ومن ذلك وصلت إلى المرحلة الأهم في حياتي وهي أن أحبه أن أحب جسدي. هذا الاكتشاف “الخطير” جعلني أشعر بنوع من المسؤولية تجاه الفتيات الأخريات اللواتي قد يعانين من ذلك وتحدثت لعدد من النساء اللواتي تعرضن لنفس النوع من التعنيف النفسي بسبب أجسادهن وكل واحدة منهن لديها قصة شبيه بقصتي.

الصورة من فليكر

يارا، 34 عاماً، والتي تعمل كأخصائية علاج صعوبات النطق لدى الأطفال هي واحدة من العديد من الفتيات اللواتي تعرضن لتعنيف لفظي لسنوات طويلة بسبب وزنها. يارا، والتي عانت من الوزن الزائد منذ طفولتها كانت مادة للسخرية في المنزل مع أن أسرتي كلها تعاني من نفس المشكلة، ولكن كونها الفتاة الوحيدة تم دائماً الربط بين وزنها وبين صعوبة إيجاد شريك حياة، وهو الأمر الذي أثر أيضاً على علاقتها مع خطيبها الأول، والذي استخدم نفس أساليب التعنيف اللفظي معها، كما تقول. “كنت أعيش في عذاب دائم بسبب التعذيب اللفظي المستمر من قبل عائلتي منذ الطفولة، كانوا يدعونني بالـ بقرة وغيرها من المسميات المؤذية التي صكها المجتمع لأصحاب الوزن الزائد. كنت أشعر بالعار من جسدي كأنه (حاجة عيب) أخجل منها وأضطر لمدراتها قدر ما يمكن، وبطريقة ما كنت أشعر أن معهم حق بانتقادي،” تقول يارا والتي تشير الى أنها وجدت صعوبة كبيرة في الارتباط والتعامل مع الرجال بسبب كرهها لجسدها وبالتالي نفسها. “كان أول شخص خُطبت له يمارس نفس الطريقة ضدي، خسرت الكثير من وزني تحت ضغطه ولكنني استمريت في كره جسدي ومهما فقدت من الوزن لم يعد كاف لي،” تقول يارا وتشير إلى أنها سرعان ما اكتسبت ضعف هذا الوزن بعد فسخ خطوبتها. “فسخنا الخطوبة بسبب الاختلافات في الترتيبات المادية رغم تساهل أهلي معه ولكنه لم يوافق عليها، هذا السبب المعلن لكني كنت أعلم السبب الحقيقي وراء الفسخ وهو مظهري بوزني الزائد الذي لم يدخر هو وأسرته تعليقا عليه.”

اكتشفت أن زوجي كان يشعر بالإحراج من ظهوري معه في الأماكن العامة ويتجنب الذهاب الى أي من المناسبات العائلية لنفس السبب

بعد هذه التجربة، فقدت يارا ما “تبقى” من ثقتها بنفسها وقبلت بعدها الزواج من أول شخص قابلته مكتفية “بأنه رَضي بها.” ولكن الأمور لم تتحسن بعد الزواج: “اكتشفت أن زوجي كان يشعر بالإحراج من ظهوري معه في الأماكن العامة ويتجنب الذهاب الى أي من المناسبات العائلية لنفس السبب.” يارا تدرك حجم المخاطر الصحية التي يتسبب بها الوزن الزائد، ولكن تجربتها مع انقاص الوزن تركت أثراً كبيرا في نفسها بحيث لا تستطيع حتى التفكير بعمل “دايت” جديد. “لم أحاول مرة أخرى اتباع أي طريقة لانقاص وزني لأني أدركت أني لن أكون موديل أبدا ومن يريد تركي سيجد الحجة المناسبة. يئست خصوصاً أن الطعام هو متعتي الوحيدة رغم أني أشعر بالذنب بعد كل وجبة أتناولها وأكره جسمي حقاً. أستمر في زواجي ومعي طفلتين الآن، كما أستمر في حبي للطعام. تعلمت أن أستمتع وحدي بكل شيء ولا أطلب من زوجي مرافقتي لأي مكان.”

شيماء، 40 عاماً، تتحدث عن الأزمة النفسية التي مررت بها عقب وفاة والدها والتي أدت إلى زيادة مفرطة في الوزن. شيماء تقول أنها لا تخرج للشارع منذ أكثر من عشر سنوات: “أعرف أن حجمي مبالغ فيه ولن أجد ملابسا تناسبني أو تبدو جيدة علي مهما تصفحت عبر المواقع، وأعرف أنني لن أتزوج لنفس السبب. أنا محظوظة أن أسرتي لم تشعرني يوم بهذا رغم أني عانيت منه في المدرسة والجامعة حيث تعامل معي الكل بعنف شديد بدءا من الزملاء وحتى المدرسين رغم تفوقي لأني “تخينة وشكلي وحش.”

تقول الدكتورة ريبيكا بيرل، أستاذة مساعدة في علم النفس في الطب النفسي بجامعة بنسلفانيا أنه “عندما يشعر الناس بالخجل بسبب وزنهم، فإنهم على الأرجح يتجنبون التمرين ويستهلكون المزيد من السعرات الحرارية للتعامل مع هذا التوتر.” كما أشارت الدكتورة ريبيكا لدراسة نشرت في نشرت في مجلة “السمنة” التابعة لجمعية السمنة أجرتها الدكتورة بيرل وزملاؤها من مركز الوزن واضطرابات الأكل في جامعة بنسلفانيا،الدكتورة ريبيكا لدراسة نشرت في نشرت في مجلة “السمنة” التابعة لجمعية السمنة أجرتها الدكتورة بيرل وزملاؤها من مركز الوزن واضطرابات الأكل في جامعة بنسلفانيا، الى أن الأشخاص الذين يكافحون السمنة يواجهون نمطية عامة على أنهم كسالى وغير كفوئين ويفتقرون إلى الإرادة وتقع على عاتقهم مسؤولية الوزن الزائد.

تستخدم النساء البوديشيمنج في مجتمعاتهن فيما بينهن في شكل إصدار تعليقات غاية في السخافة على مظهرهن الخارجي بشكل متواصل في نوع من المنافسة المفتوحة

ما لا نعرفه جميعا أن الرجال أيضا لديهم نوع من البوديشيمنج فيما بينهم في مجتمعهم المغلق و هو يدور حول سؤال (هل أنا جيد جنسياً وكافياً لشريكتي؟) وهو نوع شائع فيما بين الرجال و يندر أن تستخدمه سيدة ضد شريكها. في المقابل، تستخدم النساء البوديشيمنج في مجتمعاتهن فيما بينهن في شكل إصدار تعليقات غاية في السخافة على مظهرهن الخارجي بشكل متواصل في نوع من المنافسة المفتوحة التي يمكننا رؤيتها بوضوح في مجتمعات النوادي ومجموعات أمهات أطفال المدارس، بالطبع هذا يساعد على حدوث البوديشيمنج داخل المنزل أيضا على مستوى الأسرة إلى جانب دور الميديا على اختلاف أشكالها في تصدير صورة الأنثى المثالية الشكل بمعزل بعيد تماما بل ومتناقض عن فكرة قبول الجسد بشكل عام أيا كان شكله وأهمية هذه الفكرة على المستويين الفردي والمجتمعي.

نسمة، 25 عاماً، تعمل كموظفة كتابية بأحد المستشفيات والتي عانت من مرض السكر في طفولتها لا تزال تعجز على الرد على سخرية الآخرين من وزنها. “زرت طبيب لعلاج السكر بصحبة إحدى قريباتي قبل فترة، وبرغم أني لم أكن المريضة، تطاول علي الطبيب بصيغة السخرية قائلا (اطلعي على الميزان خلينا نضحك شوية، انتي لازم تتنسفي) احتبست دموعي ولم اتمكن من الرد. حتى الآن وبعد ما يقرب الـ 15 سنة من التعرض لهذا المضايقات المتعمدة أعجز عن الرد عليها.”

الصورة من فليكر

هدى، 32 عاماً، عانت أيضاً خلال بداية علاقتها بشريكها العاطفي الحالي، بسبب زيادة وزنها لظروف صحية. “كان دائم الضغط علي بشأن إنقاص وزني ودائما ما كنت أتجاهله أو أرد بعدوانية، لأني أرى أن هذا أمر شخصي وحساس للغاية وأنه لابد أن يحبني في كل حالاتي.” قانت هدى بإنقاص وزنها “لأسباب صحية وأخرى تخص العمل وعلاقتها بنفسها” كما تقول ولكنها تقول: “يؤلمني قدر ما يفرحني أن شريكي أصبح يراني أجمل مبرراً أن الوضع الأول (بوزن زائد) لم يكن أنا.” هدى تقول أنها لا تزال تعيش شعورا مضطربا للغاية “بشأن علاقتها بجسمها وصورتها عنه وهذا يؤثر تباعاً على ثقتها بنفسها وتعاملها مع الآخرين. “قبل زواجي لم أختبر كوني مع شريك يهتم بشكل الجسد مثل هذا من قبل، بل أشعرني من سبقه بكمالي الجسدي بما يراه الآخرون عيوبا. تعليقاته الدائمة على تغيير تفاصيل جسمي يشعرني أني مطالبة أن أكون مانيكان من أجل سباق لا أريد دخوله آو أعرفه، وأحيانا أخري يشعرني أنه يريد جعلي نسخة من زوجته السابقة التي كانت نحيفة بمقاييس المجتمع المصري ومع الوقت تسلل لي شك أنه لم يخرج من قصته معها بعد وامتد هذا ليؤثر على كل علاقتنا، وبالطبع أصبحت أكثر حساسية تجاه أي ملاحظة منه حول أي موضوع وبالطبع يتحول الأمر إلى رد فعل عنيف مني كلما تطرق لموضوع الريجيم أو صالة الألعاب الرياضية أو وزني و لو بدأ الأمر بشكل إيجابي.”

نظرة نورا، 29 عاماً، الى جسدها تسببت في قبولها خيانة زوجها بسبب كرهها لجسمها، “أعلم أن هذا ليس صحيحاً، ولكن جسمي بكل هذه الشحوم وعلامات التمدد والعيوب جعلني أشعر أن خياراتي محدودة. بعد طفلتين أصبح الانفصال أصعب وفرصي أقل في أن أجد شريكا قد يحترمني بغض النظر عن جسمي وشكله. وتضيف نورا بأسى: “يشاهد زوجي أفلاما إباحية في وجودي ويعُيرني بأن هذا هو المفترض أن تكون عليه النساء. كنت أضحك في البداية ولكن لم أعد أستطيع تحمل المرارة وابتلاعها، فبدأت الهجوم المضاد عليه بنفس الطريقة. تحولت الحياة بيننا إلى مبارزة بين اتنين يريدان إثبات أن أحدهما أسوأ. انتصاري أمام نفسي كان أني وجدت عيوبه الشكلية لأني أعرف العيوب الأخرى جيداً، تحول شعوري ناحيته إلى فتور مثلما أشعر ناحية نفسي انتقل إلى إهمال أبنائي لأنهم جزء منه.”

ويعلق الدكتور أحمد أبو الوفا، الطبيب النفسي ومسؤول العلاقات العامة بالأمانة العامة للصحة النفسية على ما تعيشه نورا بالقول: “تمر السيدات بأزمة نفسية بعد فترة من العلاقة الجسدية مع الشريك وخصوصا المتزوجات، وبنسبة أكبر يحدث ذلك بعد خصوصا بعد الحمل و الولادة الأولى أو التغيرات الجسدية الكبيرة ، حتى ولم تتعرض لضغط من الزوج تبدأن بالشعور بأنهن لم تعدن جيدات كفاية كسيدات وأن للرجل المبرر للخيانة. وهنا يلعب نوع شخصية الزوج دورا كبيرا في قيادة الأمور، فإذا كان مريضا نفسيا (سوسيوباث) بشكل ما يبدأ في إصدار تعليقات صغيرة متتالية أو كبيرة بشأن جسدها لتضخيم شعورها بالخجل والذنب وشعورها السئ ناحية نفسها من أجل الحصول على امتيازات أكبر لنفسه خارج البيت.”

اُستخدم جسدي من قبل الكثيرين كوسيلة لتعنيفي والنيل مني وتقليص قدراتي منذ الصغر تارة بادعاء محدوديته البيولوجية وأخرى باستخدامه لإيذاء روحي. بعد محاولات كثيرة، توقفت عن السماح للآخرين بإيذائي باستخدام جسدي منذ فترة طويلة، في البداية كان الوعي للفكرة ثم محاولة تطبيقها ومنع هذا الأذى، لم يكن هذا سهلا خاصة أن جزء مني قد تربى على هذا وأصبح يشارك فيها حتى في أضعف الصور من خلال الشك في صواب رأيي بشأن الأمر في مقابل من يحاول إيذائي. لكن الوعي بالأمر والوقت والتدريب على المقاومة يحققان الكثير.