عن المكياج باعتباره أداة تنميط/ قهر ضد النساء: أو لماذا لا أحب وضع المكياج

kevin-laminto-LL1vA5sUs6g-unsplash

كل صباح يجب أن أستيقظ على الضجة التي تحدثها أختي وهي تتزين أمام المرآة، أعرف أن هذه العملية ستستمر لما لا يقل عن ربع ساعة، فأغطي وجهي وأعاود النوم. في كل مرة نستعد فيه سويًا لنخرج إلى أي مكان، تأخذ أختي وقتها في وضع المكياج والتدقيق في أحمر الشفاه والآي لاينر، والبلاشر، بينما أنا أرتدي ملابسي في خمس دقائق بالضبط. أنا لا أحب المكياج ولا أعرف أصلاً كيف أضعه على وجهي، في مناسبات معينة قد أضع أحمر للشفاه، وربما أتهور وأضع بعض الماسكارا. أحب طلاء الأظافر، ويمكنني أن أصرف نقودًا كثيرة لشراء ألوان مختلفة منه، أما فيما يتعلق بباقي مستحضرات التجميل فأنا كسولة ولا اهتم.

ولكن ما السبب؟ هل أنا حقاً لا أحب المكياج؟ هل الموضوع مجرد كسل أم أنه مرتبطة بالوصمة المجتمعية بمن تضع المكياج؟ أو أنه مرتبط بنسويتي واعتبار أن مستحضرات التجميل هي في غالبها شكل من أشكال الذكورية التي تفرض على النساء صورة جمالية معينة.

Videos by VICE

لا أنكر أن عدم اهتمامي بالمكياج قد يكون مرتبطاً بالنظرة السلبية للمكياج في عائلتنا، فأبي يراه “قلة أدب” وبرأيه المكياج مسموح فقط في الأفراح أو “زينة المرأة لزوجها فقط.”

لهذا، أمي لم تضع المكياج قط، إلا في فرحها، وانصاعت لوجهة نظر أبي في أن المكياج وسيلة للفت أنظار الرجال، وقامت بتطبيق ذلك علينا نحن أيضًا -أنا وأختي. تغيرت الأمور قليلاً بعد وفاة أبي، بدأت أختي الصغرى تضع بعض ملامح الزينة البسيطة على وجهها، على الرغم من رفض أمي ومشاجراتها معها طوال الوقت.

أعرف عشرات النساء اللاتي لا يضعن المكياج لأسباب لا تتعلق بالضرورة برغبتهن الشخصية. في أحد الأفراح الريفية، كانت إحدى قريباتي ذات الخمسة عشر ربيعًا تمسك بإصبع روج، وشهدت توبيخ أمها لها، وعندما سألتها “وفيها ايه داحنا في فرح! قالت لي هي بتحطه لمين؟ الواحدة تحط المكياج لجوزها وبس.”

وفي مناسبة أخرى، في إحدى الجلسات العائلية مع قريبة لنا تضع بناتها المكياج الصارخ، كنت أتحدث معها لتقنع أمي بأن المكياج شيء عادي وأن تترك لأختي مساحة من الحرية في وضع المكياج، لكن صدمني ردها بأنها تعترف أن وضع المكياج هو “غلط” ولكنها توافق عليه على على مضض “حتى تتزوج بناتها أسرع.” هذه كانت وجهة نظر أمي في تشجيعي على وضع المكياج، عكس تعاملها مع أختي، والسبب، “حتى أجذب عريسًا.”

ولكن حتى في الأعراس وضع المكياج ليس دائماً مقبول. في واحد من حفلات العرس التي دعيت لها، فوجئت أن العروس بدون مكياج، وفهمت من أقاربها أن العريس حينما ذهب لأخذها من الكوافير أجبرها أن تمسح كل المكياج الذي على وجهها.

المكياج إذاً ليس فقط أداة للزينة، ولكنه قد يستخدم كوسيلة للعنف ضد النساء واضطهادهن، وهو كذلك أداة تمييز للنساء، فيتم وصف النساء بأنها “محترمة أو غير محترمة” حسب كمية المكياج الذي على وجهها. حاولت تفكيك المواقف المتعلقة بالمكياج بين الحرية الشخصية وبين اعتباره أداة للتمييز والتفرقة. من خلال حديثي مع عدد من النساء، كان الخلاف واضحاً حول رأيهن بالمكياج.

تقول لي مديرتي عندما لا أضع مكياج، هتفضلي جعفر كده!

شيماء عاطف، 26 عامًا، أخصائية تحاليل، لا تضع المكياج لأسباب دينية تتعلق بأن المرأة لا يجب أن تتزين إلا أمام محارمها كما تخبرني: “لا ارتاح في وضع المكياج، لأنني أشعر أن ذلك أشبه باعتراف بأنني ليست جميلة، والمكياج أداة للتجميل وأنا لا اشعر بالحاجة لذلك. كما أخشى من وجهة نظر بعض الرجال الذين يعتقدون أنها وسيلة للفت الانتباه.”

أما رزان أكرم، 26 عامًا، مصممة جرافيك، فهي لا تحب وضع المكياج لأنها لا تشعر بالحاجة لذلك: “لا ارغب بإرهاق بشرتي، واحب الحرية التي تأتي من عدم وضع أي ميكب آب، مثل أن أضع يدي على خدي أو مسح حبات العرق بمنديل إن لزم الأمر. وضعت المكياج ثلاث مرات فقط في مناسبات معينة.”

ميرنا سامح، 27 عامًا، التي تعمل كموظفة خدمة عملاء في إحدى الشركات، تجد أن هناك تفرقة ظاهرة في التعامل معها والتركيز مع وضعها للمكياج: “تقول لي مديرتي عندما لا أضع مكياج، هتفضلي جعفر كده! ايه ده مفيش أي ميكب! أتعلمي من زميلتك. وحينما أضع مكياج أجد تعليقات مليئة بالإطراء على مثل “أيوه كدا خلي الأنوثة تظهر.””

تشير دراسة إلى أن النساء اللاتي يرتدين الكثير من المكياج على أنهن “أقل إنسانية وأقل دفئًا وأقل أخلاقية” مقارنة بالوجوه التي كانت بلا مكياج. ولكن في المقابل، تشير دراسة أخرى إلى أنه يُنظر إلى النساء اللواتي يرتدين المكياج أنهن أكثر كفاءة وقدرة وموثوقية وودودة من النساء اللواتي لا يضعن المكياج. (الدراسة تم تمويلها من قبل شركة Procter & Gamble).

في الحالتين، تظهر هذه الدراسات كيف يتم تعيش المرأة حياتها على حبل مشدود باستمرار “بين أن تعتني بنفسك ومظهرك ولكن ليس كثيراً، “أن تكوني لطيفة، لكن ليس لطيفًة جدًا، أن تكوني جذابة، لكن ليس جذابة جدًا. أن تضعي المكياج، ولكن ليس الكثير من المكياج.”

هناك وصمة مرتبطة بالمكياج، لا نستطيع تجاهلها، النساء اللواتي يتجولن بوجه خالي من المكياج يشعرن بالضغط لوضعه، والنساء اللواتي يضعن المكياج يشعرن بالضغط لعدم وضعه، باعتبار أنهن “لا يظهرن طبيعيات” أو يحاولن الارتقاء إلى مستوى جمال معين. المكياج جزء لا يتجزأ من الخطاب حول معايير الجنس والجنس والجمال.

أنا أدعو لتطبيع استخدام المكياج حتى اللامع منه كالجليتر في النهار والليل للنساء والرجال

في المقابل، هناك نساء تتعامل مع المكياج كأداة قوة ودليل على الحرية. رهف تاج الدين، 28 عامًا، صيدلانية وفنانة مكياج، تقول: “المكياج بالنسبة لبعض النساء، أشبه بالمكافأة التي نعطيها لأنفسنا لكي نغير من الحالة أو المود، مثل ارتداء فستان جديد مثلاً.”

نورة سليم، ٣٣ عاماً، مترجمة، ترى أنه يتم تحميل المكياج دلائل وصفات أكثر مما يستحق. وتضيف: “المكياج محايد بشكل لا يصدق. مجرد ألوان ومساحيق، لا أرى أن الأمر يستحق الكثير من التحليل. أنا أدعو لتطبيع استخدام المكياج حتى اللامع منه كالجليتر في النهار والليل للنساء والرجال. لماذا تختار أن تبدو باهتاً شاحباً على أن يكون وجهك  مشرقاً، وخدودك حمرا؟” وتضيف سليم: “لأكون واضحة، النسوية كما أراها هي أن تكوني نفسك وأن تشعري بالرضا عن نفسك. هناك القليل من الأمور التي تشعرنا بالرضا في هذه الحياة، إذا كان المكياج بينها، ما المشكلة؟”

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هناك فائدة رأسمالية من بيع المرأة مفهوم “الرضا عن النفس” من خلال مستحضرات التجميل. حب الشباب، التجاعيد، عدم تناسق لون البشرة، شعر الجسم – كلها تعتبر “عيوب” من قبل صناعة التجميل التي تحرص على الاستفادة من شعور النساء بأنهن غير كافيات أو غير جميلات ويحتجن دائماً إلى “تعديل” والمكياج له دور أساسي في ذلك.

تعترض النسويات على قواعد المظهر التي تتطلب أو بالأحرى تجبر النساء على الامتثال لمعايير معينة من أجل أن يتم قبولهن وبالتالي تشيئهن. أحدهم هو وضع المكياج لأنه يجعل المرء يبدو خالياً من العيوب. في حين أن الاعتراض صحيح، إلا أنه غالبًا ما يمتد لاستهداف النساء اللاتي يضعن المكياج، لأنه يعتقد أنهن محصورات في مفهوم إملائي للجمال.

لكن الأمر قد يكون مختلفاً في العالم العربي، فالمكياج أمر غير مقبول اجتماعيًا تمامًا، هناك فتيات وفئات تُعنف بسبب وضعها المكياج ولا يملكن حرية التصرف في أجسادهن، بالإضافة إلى أن المكياج لم يعد يقتصر على النساء فقط، بل أصبح الأمر يرتبط بالرجال، والمثليين والدراغ كوين وغيرهم من الفئات.

في الوقت الذي تزداد فيه شركات مستحضرات التجميل بالتأثير علينا بالحيل التسويقية وبمعايير الجمال التي تخدم الرأسمالية ويقودون حربًا تجارية – نحن الخاسرات فيها- تظهر حملات أخرى تدعو لقبول أنفسنا كما نحن، وهناك حركات تشجع النساء على الظهور بدون مكياج، على اعتباره “تمكينًا لها.”

كل امرأة حرة في اختيارها دون أن يتم تنميطها أو تصنيفها، ودون أن تُتهم بالمبالغة أو يتم تقديم إطراء بقول أنها جميلة بدون مكياج أو حتى شجاعة

بين هذا وذاك، قد يكون العامل الذي يحدد موقفنا من هذه المعايير هو مدى رضانا عن أنفسنا، وحرية تقرير ذلك- والذي يمكن أن يكون وجهًا طبيعيًا أو مكياجًا. النسوية في النهاية تدافع عن وكالتك الفردية individual agency، وحقك بالاختيار.

ضمن هذا الإطار، يتم النظر للمكياج كأداة تزيين فقط، كل امرأة حرة في اختيارها سواء كان وضعه أو إزالته دون أن يتم تنميطها أو تصنيفها، دون أن تُتهم بالمبالغة أو يتم تقديم إطراء بقول أنها جميلة بدون مكياج أو حتى شجاعة. المكياج هو أداة ووسيلة قد تختار النساء وضعها وقد ترفضها تمامًا، كل ذلك يجب أن يكون تحت بند الاختيار الشخصي لا أكثر.

لذلك على الرغم من عدم حبي للمكياج، إلا أنني لا أرى أن وضعه يتعارض مع النسوية، يمكن أن نحمل أفكارًا نسوية وثورية ونرتدي الكعب العالي ونضع أحمر الشفاه، ففي النهاية الأمر يتعلق بسيطرتنا على حياتنا وتحكمنا فيما نفعل، نحن صاحبات القرار في أن نخرج اليوم بدون مكياج أو أن نضع شوية ماسكارا.