عن تسليع أجساد النساء في عالم الرياضة

1627447324017-final6100dc379e0ee9002960b2e1865583

“أنه لأمر مروع أن يتم تغريمنا لأننا قررنا عدم اللعب في ملابسنا الداخلية.” هذا ما قالته اللاعبة النرويجية توني ليرستاد، بعد قرار الاتحاد الأوروبي فرض غرامة على فريق كرة اليد النرويجي للسيدات بقيمة 1،500 يورو لارتداء اللاعبات سراويل قصيرة بدلا من البكيني. السراويل القصيرة اعتبرها الاتحاد “ملابس غير لائقة.”

مع كل مناسبة رياضية تشارك فيها النساء يثور الجدل حول جسد المرأة ومدى ملاءمة هذا السروال وذاك البكيني في سياق المسابقة. ولأن أولمبياد طوكيو تحيطنا أحداثها من كل جانب هذه الأيام، طفت على السطح كثير من الأخبار التي تتحدث عن عقاب النساء لأنهن لم يسرن على هوى السلطة الذكورية التي تحكم العالم.  إن التاريخ الحديث للأولمبياد تكثر فيه حوادث التمييز ضد النساء، فمنذ نهايات القرن التاسع عشر منعت النساء من المشاركة في أولمبياد ١٨٩٦. وفي الدورة التالية شاركت ٢٢ امرأة في مقابل حوالي ألف رجل. 

Videos by VICE

إن معضلة الرياضة والجندر لا تختلف كثيرًا عن أي قضية تخص علاقة المرأة بكل المنظومة السلطوية التي يحكمها الذكور، لكنها تصبح أكثر بروزًا في الرياضة لأنها تعيد الحديث عن سرديتين نمطيتين، شكل الجسد والقدرة على الفعل الجسدي. وسنجد أن شكل الجسد تظهر فيه الأزمة دائمًا لأن جسد المرأة ليس ملكـًا لها وحدها، بل ملك لكل من حولها، مساحة للإعلان، وساحة للتعليقات التي تضعه في إطار معين لمعايير الجمال. الذكورية عالمية، والذكر هو مؤسسة كاملة يحمل أفكارًا سلطوية تتحكم في مصير المرأة. المؤسسة نراها في اتحادات الألعاب الرياضية، والمؤسسات الدينية والإعلام والإعلانات …حتى وصل الأمر لفرض عقوبات على عضوات فريق نسائي رأين أن أجسادهن ملك لهن، وليس مساحة للإعلانات أو للتسليع.

مَنْ فرض العقوبة؟ الاتحاد الدولي لكرة اليد، والتبرير ساذج جدًا، عن احترام قواعد اللعبة التي يحاول الاتحاد الدولي الارتقاء بها ومن بينها الزي الرياضي. ماذا عن الرجال الذين يمارسون نفس الرياضة؟ الفرق صارخ لدرجة الكوميديا، فالرجال يرتدون سراويلاً تشبه لاعبي كرة القدم، وإذا نظرنا للرجال في معظم الألعاب سنجد أن أزياءهم غير كاشفة لأجزاء كبيرة من الجسد عدا ألعاب معينة مثل كمال الأجسام. لماذا هذا التمييز إذًا؟ هل البيكيني سيجعل حركة المرأة أفضل والشورت سيعيقها؟ التفسير بالنسبة لي واضح: اللذة البصرية للجمهور، والجمهور هنا أراه أيضاً ذكر. اللذة البصرية منشأها هذه النظرة المتفحصة التي تتأمل تفاصيل جسد المرأة بداية من الزي مرورًا بحركة الجسد في الهواء. نظرة يمكنها خلق مساحات واسعة من التخيلات الجنسية – fantasies لدى الرجال. 

إن الاختلاف في شكل ووظيفة الملابس الرياضية بين الذكور والإناث هو تمييزي على أساس الجندر بشكل واضح وصريح. اللعبة قواعدها واحدة، ولا تختلف علاقة المرأة مع الكرة عن الرجل. ولكن لماذا تختلف القواعد مع الزي إذًا؟ وإذا كان على اللاعبات احترام قواعد اللعبة والقوانين الراسخة، فلماذا لا نفكر بطريقة مضادة ونسأل: لماذا لا تغير الاتحادات الرياضية القواعد بما يتناسب مع احترام حرية اللاعبات في ارتداء الزي الذي يمنحهن الراحة والثقة أثناء اللعب؟  لماذا لا نقول ببساطة إن ارتداء الرجال لسراويل فضفاضة في معظم الرياضات له علاقة بطبيعة العضو الذكري الذي قد يتأثر بالملابس الضيقة وقد يؤثر على احتمالات القدرة الجنسية عند الرجل؟ ولو أن هذه الفرضية خرافة، فليرتدي الذكور ملابس كاشفة وضيقة إذًا. دعوة من هذا المكان أن يرتدي اللاعبون الرجال البيكيني ويشاركوننا مشاعرهم تجاه هذه التجربة عندما يتفحص الجمهور أجسادهم. 

ماذا لو تخيلنا أن اتحادات الرياضات تدار من قِبل نساء؟ هل سيكون نمط التفكير هذا؟ الإجابة هنا تكمن في كلمة السياسة- politics، وهي كلمة وإن بدت مستهلكة ومكررة، إلا أنها موجودة في كل شيء، بدءًا من العلاقات بين الدول إلى التحكم في أجساد النساء من خلال الرياضة. ومن السذاجة- في ظني- أن نتجاهل البعد السياسي المرتبط بالجسد، وتحديدًا جسد المرأة في الرياضة. فالفعل الذي قام به الاتحاد الدولي لكرة اليد هو فعل سياسي واضح، ولا علاقة له بمسألة احترام القوانين، كما أن هذا الفعل يتعارض مع كل القيم التي ترددها المنظمات الدولية عن المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء. التكافؤ مبتور منذ مولده، فهو نظري فقط ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع إلا مع وجود إرادة سياسية من المؤسسة نفسها، أو مقاومة سياسية، وهذا ما قامت به النساء في النرويج، وكذلك الرياضيات الألمانيات اللواتي قررن بدلات كاملة للجسم Unitards، خلال أولمبياد طوكيو، بهدف محاربة إضفاء الطابع الجنسي على رياضتهم.

الإعلام الذي يتعامل مع النساء هو ذكوري كذلك، وإذا تابعنا تعليقات بعض المذيعين على المنافسات النسائية، فقد نجدها تصل لدرجة التحرش والسخرية والتمييز دون مواربة. في العام الماضي، تعرض منتخب مصر النسائي لكرة القدم لحملة سخرية وكراهية واضحة على منصات التواصل الاجتماعي، لماذا؟ لأنهن نساء قررن اقتحام عالم لعبة كرة القدم التي نعلم أنها منذ بدء الخليقة: لعبة الذكور فقط.

إذا نظرنا للدراسات الخاصة بالمشاركات النسائية في الرياضات المختلفة سنجد أن أحد أسباب إحجام النساء عن ممارسة الرياضة من الأصل يرتبط بالخوف من تعليقات الآخرين عليهن، وتحديدًا التعليق على أجسادهن، كما أن دور المرأة تجاه الأسرة مَثَّل السبب الآخر لإحجامهن عن المشاركة. هذه التفسيرات تتماشى مع الكراهية التي يبثها الرجال تجاه النساء، وتبثها كذلك بعض النساء تجاه بعضهن بعضاً بسبب الذكورية المتسربة إليهن حتى عند التعامل مع أنفسهن. من بين الوقائع التي انتشرت مؤخرًا خلال أولمبياد طوكيو، ظهور مدرب جودو يصفع لاعبته، وقد وجه الاتحاد الدولي للجودو تحذيرًا للمدرب، لكن اللاعبة دافعت عن مدربها، وقالت إن هذا أحد وسائل “التحفيز لها.”

مثال آخر لحالة الكراهية التي يمارسها العالم تجاه النساء الرياضيات، ما حدث مع بطلة الجمباز الأولمبية سيمون بايلز التي انسحبت من منافسات أولمبياد طوكيو، بسبب صحتها النفسية. وبايلز، واحدة من أعظم لاعبي الجمباز في كل العصور، كانت قد تحدثت عن الآثار طويلة المدى للاعتداء الجنسي الذي تعرضت له على يد طبيب فريق الجمباز الأمريكي السابق لاري نصار، الذي تم الحكم عليه لمدة 176 عامًا بتهمة التحرش الجنسي بمئات من لاعبات الجمباز. 

وفي حين قامت بعض الصحف بدعم بايلز ودعم قرارها، كان هناك الكثير من الرفض كذلك، واعتبر بعض المحافظين في الولايات المتحدة أن انسحاب بايلز خيانة لوطنها. حدث ذات الشيء مع لاعبة التنس اليابانية نعومي اوساكا، التي قررت الانسحاب من بطولة فرنسا المفتوحة وعدم مشاركتها في المؤتمرات الصحفية بهدف حماية صحتها النفسية، وكان رد رئيس الاتحاد الفرنسي للتنس إن منظمته ستعاقب أوساكا. في المقابل، عندما انسحب روجيه فيدرير، أحد مشاهير لعبة التنس من المشاركة في الأولمبياد بسبب آلام في ركبته، تعاطف العالم مع البطل.

الصحة النفسية والذهنية لا تقل في قيمتها عن أي إصابة جسدية، كيف يمكن لأي إنسان أن يقدم مردودًا إيجابيًا في رياضة دون ذهن صافٍ؟ في الواقع، ما تقوم به هؤلاء النساء في مجال الرياضة هو أمر رائع وضروري وصحي ويجب الاحتفال به. محاربة تسليع الجسد، وتطبيع الحديث عن الصحة النفسية في الرياضة سيؤثر إيجابياً على الجميع – ومن بينهم الرجال – ونامل أن يفتح الباب لإعادة تشكيل هذه المؤسسات السلطوية الذكورية إلى مؤسسات إنسانية في المقام الأول.