“كنت جالسة في مكتبي، وفجأة شعرت بأن قلبي يخفق بسرعة كبيرة لدرجة أنني لم أستطع التنفس، كنت خائفة للغاية؛ اتصلت على الفور على صديقتي لأخذي إلى المستشفى لأنني كنت مقتنعة بأنني مصابة بنوبة قلبية،”هكذا تصف متسلقة الجبال اللبنانية والمؤثرة في مجال الصحة النفسية غيدا أرناؤوط، 32 عاماً، تجربتها الأولى مع نوبات الهلع panic attacks قبل عدة سنوات.
غيدا كانت من الأوائل الذين يتحدثون عن تجربتهم مع القلق المرضي على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن صفحتها على انستغرام حيث يتابعها أكثر من 40 ألف شخص، فلا يزال الكثير منا غير منفتح تماماً حول الحديث عن صحتنا النفسية، وفكرة الذهاب إلى معالج نفسي، أو التحدث عن مشاعرنا داخل نطاق العائلة والاصدقاء فما بالك أمام المئات من الملايين. الصحة النفسية هي واحدة من تلك الموضوعات التي غالباً ما يتم تجاهلها، أو التي من المتوقع أن تتعامل معها وتجعلها تختفي بهدوء. بالطبع أنا أقوم بالتعميم هنا، لكنني متأكدة من أن العديد منكم يمكن أن يوافقني في ذلك، وهذا هو التحدي حين يتعلق الأمر بالصحة النفسية، فالوجع لا يمكن إصلاحه وعلاجه مثل العظام المكسورة، وفي أن الأعراض قد تكون مؤلمة تمامًا مثل الآلام الجسدية.
نوبة الهلع التي أصابت غيدا، رفعت من حدة مستوى القلق والتوتر لديها، حيث كانت تشعر بالقلق باستمرار من أن تعاودها النوبة مرة أخرى. بعد ذهابها لمختص نفسي وتعلم كيفية التعامل مع نوبات الهلع، الأعراض والأسباب المحتملة، انخفضت نوبات الهلع عند غيدا، لكن الشعور بالقلق من تكرار هذه النوبات لا يزال موجوداً.
“تعرضت لنوبة هلع شديدة الأسبوع الماضي، كنت غاضبة حقاً وشعرت بالإحباط من حدوث هذه النوبة، لكنني أعلم أنني بحاجة إلى قبول هذا الأمر بدلاً من محاربته، إنها رحلة مستمرة للشفاء،” تقول غيدا وتضيف: “ولكنه أمر مُحبط للغاية، ألا نعرف لماذا تحدث هذه النوبات في المقام الأول.. أنت لا تعرف بالتحديد ما هو سبب هذه النوبات، وهذا الجزء الأكثر إزعاجًا.” ولكن في بعض الأحيان يمكن لـ غيدا أن تعرف أسباب نوبات الهلع: “عندما تعرضت لنوبة هلع مؤخراً، كنت أسافر كثيرًا وأعمل كثيرًا وبالكاد أنام. شعرت كأنها طريقة لجسمي وعقلي ليخبرني أنه يجب علي أن أهدأ.”
Videos by VICE
إذا كنت مريضًا تذهب إلى الطبيب، فلماذا لا ترى الطبيب عندما تشعر أنك لست بخير نفسياً وليس فقط جسدياً؟
إلى من تتوجهي عندما تصيبك هذه النوبات؟ سألت غيدا: “في البداية لم أقم بالتوجه إلى أي شخص، شعرت أنني يجب أن أخفي هذا الأمر؛ خفت أن يعتقد الناس أنني مجنونة، لكن في النهاية أخبرت والدي وأصدقائي المقربين والذين كانوا أكبر داعمين لي على الإطلاق، وأنا ممتنة للغاية لذلك. وبعدها قررت أن أرى معالجًا نفسياـص محترفًا حتى أتمكن من فهم كيفية التعامل مع هذه النوبات، وتعلمت الكثير من خلال العلاج السلوكي المعرفي (CBT).”
سألت غيدا لماذا تأخرت في الذهاب الى معالج نفسي بعد نوبات الهلع الأولى؟ “للأسف، في مجتمعاتنا، تعتبر الصحة النفسية من التابوهات الكبيرة، إذا ذهبت إلى دكتور أو مختص نفسي تُوصَف على الفور بأنك مجنون. وهذا خطأ كبير في رأيي، الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، إذا كنت مريضًا تذهب إلى الطبيب، فلماذا لا ترى الطبيب عندما تشعر أنك لست بخير نفسياً وليس فقط جسدياً؟ أعتقد أننا بحاجة إلى التوقف عن إطلاق هذه الإحكام.”
آه “الحُكم على الآخرين” تلك هي القضية، ويمكنني أن أتخيل أن التواجد في المجال العام أمر صعب بما فيه الكفاية، وإذا قررت الحديث عن أي أمر خاص أو شخصي، فالأمر قد يصبح أصعب، فقد يصفق لك البعض، ولكن هناك أيضاً من سيحكم عليك. ولكن المشكلة لن تختفي بدون متابعة وعلاج، حيث تقدّر منظمة الصحة العالمية أن واحد من كل أربعة أشخاص في العالم يعاني من اضطرابات نفسية في فترة ما من حياته، في حين يعتبر الإكتئاب والقلق النفسي من الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً في العالم. في العالم العربي يعاني حوالي 4% من السكان من الإكتئاب والقلق. وخلصت دراسة أجريت عام 2017 ونُشرت في مجلة “Plos One” العلمية إلى أن معدلات القلق المرضي في النساء -في الثلاثينات من العمر -تصل إلى ضعف المعدلات التي لدى الرجال.
“نحن بشر، وأن نكون بشر يعني أن لدينا عيوباً، هذه الصورة غير الواقعية للكمال غير موجودة،” تقول غيدا وتضيف: “من الطبيعي أن نشعر بعدم الأمان وأن يكون لدينا مشاعر غير مفهومة وشعور دائم بالقلق. عندما تحدثت عن صحتي النفسية على صفحتي على انستغرام دُهشت من عدد الأشخاص الذين تحدثوا لي عن تجاربهم أيضاً. بالنسبة لي هذه هي أهم نقطة، أن تعرف أنك لست وحدك الذي تعاني، وهذا يجعل التعامل مع الأمر أسهل كثيرًا.”
أنا فقط استمع لهم، وأشارك خبرتي الخاصة معهم وأنصحهم برؤية مُعالج أو طبيب نفسي لأنني لست محترفة ولا أستطيع تقديم العلاج لهم
“لقد حان الوقت لكسر المحظورات والتابوهات حول الصحة النفسية،” تشدد غيدا وهذا هو بالضبط ما فعلته، لقد تحدثت عن ذلك: “عندما قررت مشاركة هذه التفاصيل الشخصية جداً مع العالم، شعرت بالتحرر فلم أعد بحاجة الى أن أختبئ بعد الآن.” غيدا تستخدم منصتها كمساحة يمكن لمتابعيها الحديث عن تجاربهم الشخصية: “أتلقى الكثير من الرسائل من الأشخاص الذين يخبرونني عن مشكلاتهم في الصحة النفسية، أنا فقط استمع لهم، وأشارك خبرتي الخاصة معهم وأنصحهم برؤية مُعالج أو طبيب نفسي لأنني لست محترفة ولا أستطيع تقديم العلاج لهم،” تضيف غيدا التي أنشأت مجموعة خاصة على فيسبوك تسمى I’m Anxious and I Know It’ – أنا قلق وأعرف ذلك” لكي يكون لدى المتابعين مساحة آمنة للتحدث عن تجربتهم مع القلق.
طبعاَ، لا يمكننا أن ننفي أن وسائل الإعلام الاجتماعي نفسها لها دور في زيادة اضطرابات القلق، ووفقًا لجمعية القلق والاكتئاب في الولايات المتحدة لا يستطيع ما يقرب من 20٪ من الأشخاص الذين لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي الانتظار أكثر من ثلاث ساعات دون التحقق من التحديثات على حساباتاتهم المختلفة.
أصبح بإمكاننا الآن معرفة عدد الساعات التي قضيناها على أجهزة الآيفون الخاصة بنا، مما قد يعطينا إشارة عن الطريقة التي نعيش بها حياتنا من خلال هواتفنا الذكية الصغيرة. ولكن لا يتعلق الأمر فقط بوجود علاقة بين وسائل الإعلام الاجتماعي وصحتنا النفسية، ولكن أيضاً مدى إدراكنا للحاج الى الابتعاد عن كل ذلك من فترة لأخرى. “عندما بدأت بتسلق الجبال لأول مرة، كانت طريقة لأضع نفسي في وضع خارج نطاق راحتي،” تقول غيدا “والمدهش هو أنني وجدت نفسي أشعر بالأمان في تسلق الحبل على مسافة 25 مترًا أكثر من الجلوس على الأريكة. أن أكون في الخارج، في الهواء الطلق بالنسبة لي هو أفضل علاج لي، إنها طريقة للتواصل مع الطبيعة ومشاعري الحقيقية وفصلها عن كل ما هو غير حقيقي.”
لكن هذه هي المشكلة، العالم الرقمي واقعي إلى حد كبير، إنه ملموس، ومؤثر وليس من السهل الهروب منه على الإطلاق. “لا شك أن العيش في هذا العالم السريع الذي يتوقع منّا أن نكون مثاليين في كل شيء هو تحدي كبير لنا كأشخاص. وأيضاً كوننا محاصرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تعرض لك سوى حياة “مثالية” لكل من حولك وتجعلك تشعر بأنك في حاجة إلى الاستمرار في الحركة دائماً. ولكن يجب أن تعلم أن هذا ليس حقيقياً، بالطبع إنه لأمر رائع ومدهش أن تحقق المثالية ولكنه ليس ضرورياً.” ببساطة، لا تقارن حياتك بحياة بالآخرين.
قد ينسى الناس أنه بإمكانك فقط أن تختار أن تعيش حياة بسيطة مع الأشخاص الذين تحبهم من دون كل هذا الضغط، تقول غيدا في النهاية: “علينا أيضاً أن نتذكر أنه “لا بأس ألا نكون بخير.”