فتيات اليوم وأمهاتهن… كيف ستختلف التجربة؟

لا بدّ أننا جميعاً بلا استثناء قد مررنا في مرحلة ما بتجربة مع أحد والدينا جعلتنا نقول “لن أربي ابني أو ابنتي بهذه الطريقة” ضمن محاولتنا الفطرية ربما في التعلم من تجارب وأخطاء من سبقنا. مع ذلك يجد المعظم نفسه في النهاية وقد تحول إلى نسخة مطابقة لوالديه ويتابع تربية أطفاله بنفس الأسلوب. إن أردنا تخصيص الحديث عن علاقة الأم وابنتها بالذات، سيطالعنا مباشرة المثل الشعبي “طب الجرة ع تما بتطلع البنت لإمها.” المثل الذي تناقلته لأجيال معظم الثقافات العربية بل ويحظى بموافقة الغالبية، لا يبدو منسجماً كلياً مع جهود فتيات اليوم في خلق واقع جديد يتناسب مع تطلعاتهن وآمالهن أكثر مما يخضع للاتباع الأعمى لتقاليد المجتمع وممارساته. في يوم الأم، سألنا عدد من الشابات العرب عن أشياء تربين عليها وانتقلت لهن عن طريق أمهاتهن، ويرغبن في تغييرها أو عدم تمريرها إلى بناتهن.

ريما، 20، طالبة جامعية

تصوير ايفان/فليكر

VICE عربية: الى أي حد تشبهين أمك؟
ريما: كتير، كتير (تضحك). ولكن بالشكل الخارجي فقط، أحياناً أشعر أنني نسخة مصغرة من والدتي، طريقة كلامها، لون عينيها، حتى ملابسها، بدأت أحب الفساتين بسببها. فهي دائماً ما ترتدي فساتين لينين بيضاء أو زرقاء. في الشخصية نشبه بعض في شيء واحد وهو حبنا للبوظة، عدى عن ذلك، نحن عالمين مختلفين، هي تحب الروايات والافلام الرومانسية والموسيقى الهادئة، لا تجادل في أي شيء، من السهل أن تقول نعم لأي شيء لأنها لا تحب أن تؤذي مشاعر الآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب نفسها ومشاعرها. أكره ذلك جداً فيها. أنا عكسها تماماً.

Videos by VICE

تحبين أن تكوني مختلفة عنها؟
الموضوع ليس قراراً بقدر ما هو ضرورة (تقول مع غمزة عين). لا أستطيع العيش في عالمها الهادئ، أحب موسيقى الميتال، أحب أن أجادل في كل شيء، لا أقول نعم إلا بعد نقاش وأخذ ورد، وأكيد أنني أضع نفسي ومشاعري قبل الآخرين، لست شخص سيء، ولكن لا أستطيع أن أضع نفسي في المنزلة الثانية وأتوقع ذلك من الآخرين أيضاً. أحب أمي ولكني أحاول أن أبقى بعيدة عنها في بعض الأمور والتصرفات لأننا في كل مرة نلتقي نختلف في كل شيء، لا اريد لابنتي في المستقبل أن تشبهني بالضرورة، ولكن على الأكيد لا أريدها أن تشبه والدتي.

وصال، 27، مهندسة طبية

وصال- الصورة مقدمة منها
وصال على اليسار واختها مع والدتهم -الصورة مقدمة من وصال

ما الذي لم يعجبك بأسلوب تربية والدتك لك؟
من خلال تربيتها لنا كانت أمي تحاول تعليمنا وجوب أن نكون مثل الجميع. أن نتبع خيارات الجماعة سواء في العمل أو الزواج. أو حتى كيف نرتدي ملابسنا وكيف نقدم القهوة للضيوف. أتفهم خوفها بالطبع وأتفهم منبعه وأحترم تجربتها، ولكنني أعتقد أنني لن أمرر لابنتي مقياس الجماعة هذا، بل لن يكون لها مقياس لتصرفاتها وخياراتها سوى ما تريده هي والنتائج المترتبة عليه.

رغم وعي أغلب الفتيات اليوم باختلافات كل جيل عمن سبقه، نجد أن الكثيرات ما زلن يكررن التجربة ذاتها مع أولادهن. برأيك ما الذي يجعل التغيير شديد الصعوبة بالنسبة لهن؟
سلوك طريق مختلف أمر صعب ويحتاج الكثير من الجهد والتضحية. لذا قد نختار لا إرادياً الخيار الجاهز المعتاد دون أن نشعر فنجد أنفسنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها وندعوها المسار الطبيعي للأشياء. ربما نخشى أيضاً على أولادنا من تجربة التغيير فنذهب إلى ما جرى تجريبه سابقاً لنجنب أطفالنا مواجهة صعبة مع المجتمع لا نتمنى أن تنتهي بخسارتهم أو أذيتهم.

ديانا، 28، ربة منزل وأم لطفلتين

ديانا- الصورة مقدمة منها
ديانا مع والدتها – الصورة مقدمة من ديانا

أنتِ اليوم أم لطفلتين صغيرتين، كيف اختلفت تجربتك كأم عن تجربة والدتك؟
شخصياً أختلف مع والدتي في العديد من الأمور المرتبطة بالطباع والشخصية رغم أن علاقتنا جيدة، لذا أغلب ما تعلمته منها لن أمرره إلى أولادي (تضحك). أمي ابنة جيل حاول الخروج عن تقليدية من سبقه، ونجحت هي في أن تعيش كما أرادت رغم تحديات المجتمع وأن تحافظ على شخصيتها المستقلة دون أن يؤثر عليها أحد. لذا حاولت أن تطبق معنا أسلوباً عصرياً في التربية وأن تمنحنا مساحة كافية من الحرية ولكن ذلك للأسف طريقة تربيتها لم تنسجم كلياً مع المجتمع الذي نعيش فيه إن أردنا أن نكون صريحين. هذا الأمر جعلني أعي أن الحرية التي يجب أن أعطيها لأطفالي يجب ألا تكون مطلقة بل مرتبطة بمرحلتهم العمرية والمجتمع الذي يواجهونه. إذ لا بد أن يمتلك الطفل في المقام الأول الوعي لاستخدام هذه الحرية. أثناء نشأتي واجهت ما قد أسميه العطاء الصحيح في الوقت الخاطئ وهذا ما سأكون حذرة فيه مع طفلتيّ.

يبدو لي أنك لم تكوني سعيدة كلياً بما قد تتمناه أغلب الفتيات في أن يمتلكن أماً عصرية ومنفتحة؟
أولاً وأخيراً أنا أحترم تجربة والدتي وخياراتها كامرأة قوية تحب الحياة. ولكنني شعرت أن ذلك كان له تأثير سلبي علينا أنا وأختي في مرحلة ما من ناحية الجو العائلي لذا أحاول أن أكون أكثر حذراً في موازنة استقلاليتي ودوري كامرأة إلى جانب دوري كأم فلا يكون أحدهما على حساب الآخر. الاهتمام بأطفالي بكافة جوانب حياتهم وأداء واجباتي كأم لا يقلل من اعتباري كامرأة معاصرة. هناك أمر إضافي تعلمته من علاقتي مع والدتي وأحاول اجتنابه في تربيتي لبناتي، هو عدم تدخل أحد في حياتنا الشخصية وكيفية تربيتي لهم. في طفولتي كان للجميع رأي في أسلوب تربيتي تفاصيل حياتي الخاصة مما سبب لي نوعاً من التشتت. أعتقد أن خصوصية كل بيت يجب أن تبقى مقدسة. وأي رأي قد يطلبه الأهل من أحد يجب أن يتم بشكل سري ومعزل عن الأطفال.

زين، 27، صيدلانية

زين- الصورة مقدمة منها
زين مع والدتها وأختها – الصورة مقدمة من زين

ما هو أكثر ما أثر عليك سلباً أو أزعجك بطريقة تربية أمك لك؟
عملت أمي منذ تخرجها من الجامعة في محكمة تعنى بقضايا الأحداث، مما أكسبها عقلاً بوليسياً وقلقاً بدوام كامل. وبسبب خوفها المتواصل والمستمر علينا، علمتنا أن الابتعاد عن المجموعة يعرض الفرد للخطر، وأن تقبل وجهة نظر الأغلبية هو الخيار الأكثر أماناً. حاولت أن تزرع في أذهاننا فكرة أن المغامرات دائماً ما تذهب بأصحابها نحو الهاوية، وأن على الطُموح أن يبقى تحت سقف السائد والمقبول اجتماعياً وإلا فسيرجع على صاحبه بخيبات الأمل المتلاحقة.

ستتجنبين هذا الخوف والقلق الزائد في علاقتك مع ابنتك يوماً ما؟
إذا حظيت بطفلة في المستقبل سأحاول أن أشجعها على خوض التجارب والخروج من دائرة الأمان، كي تكون الشجاعة فطرة لديها بدل الخوف من الآخر. برأيي العيش الدائم في الخوف لا يمكن أن يعود بفائدة على أحد.

نور، 25، طالبة جامعية

نور- الصورة مقدمة منها

ما أكثر ما تأثرت به من والدتك؟
لعل أكثر ما تأثرت فيه بوالدتي كان محاولاتها اللامنتهية في إرضاء من حولها، وإن كان ذلك على حساب نفسها وراحتها. قد تلغي في سبيل الآخرين أي اعتبار لذاتها وتضعهم دوماً في مقدمة الأولويات. أبسط الأمثلة على ذلك ربما كانت طريقة تعاملها مع ضيوفنا، فمهما طالت مدة مكوثهم أو زيارتهم لنا لم تكن تسمح لهم بأن يساعدوها في أبسط الأعمال اليومية، بل تفعل كل ما بوسعها لإسعادهم. ربما هذا أبسط مثال عن الفكرة، ولكن المبالغة في تصرفات كهذه على بساطتها تركت تأثيراً هائلاً على جوانب من شخصيتي.

كيف يمكنك أن تمنعي انتقال هذا إلى ابنتك مع الأيام؟
سأعلم ابنتي أن تحب ذاتها وتعطيها حقها من التقدير، وأن يكون هذا من أساسات بناء شخصيتها المجتمعية. سعادتها هي أيضاً لا بد أن تكون أولوية لا تتخلى عنها للآخرين.

نور، 24، مدرّسة لغة انكليزية

كيف تصفين علاقتك مع والدتك؟
علاقتي بوالدتي كانت علاقة قاسية بصراحة. ومؤخراً بات يتخللها عدم الاحترام لخيارتي الشخصية أو حتى أي مراعاة لمشاعري إلى درجة اضطررنا بعدها إلى قطع التواصل. لذا تعلمت من هذه التجربة وجوب تقبل الأخرين مهما اختلفوا عني واحترام تجربتهم وخياراتهم حتى إن لم أتفق معهم. وهذا ما سأتابعه مع ابنتي.

إذاً ترين أنك ستكونين قادرة على تقبل اختلاف ابنتك عنك؟ حتى لو كان اختلافاً جوهرياً كتوجهها الديني أو الجنسي؟
طبعاً، أنا بدأت بتطبيق الاختلاف على نفسي أولاً وسعيت لتكوين حياة مستقلة وحرة ومختلفة رغم كل الضغوط ورغم الثمن الباهظ التي تدفعه فتاة من مجتمعنا لذلك. لذا بالتأكيد سأشجع ابنتي وأساندها أياً كانت خياراتها.