“مُعقدة (It’s complicated) يا كبيرة،” هكذا وصف طارق أبو كويك “الفرعي” العلاقة بين أعضاء فرقة 47Soul، والتي تعد اليوم من أبرز المجموعات الموسيقية الفلسطينية، والتي تضم بالاضافة الى طارق كل من ولاء سبيت (ابو الوليف/آلات إيقاع، غناء)، حمزة أرناؤوط، (الجهاز/جيتار وغناء) ورمزي سليمان (زي ذا بيبول أو زين الناس/غناء وموسيقى إلكترونية). تأسست الفرقة في العاصمة الأردنية عَمان عام 2013 ومنذ ذلك الحين تمكنت من تحقيق نجاح باهر من خلال المزج بين الإيقاعات الشعبية والموسيقى الغربية، والجمع ما بين الدبكات والجوبي والمجاويز الالكترونية، وتركت علامة مختلفة في ساحة الموسيقى العربية المستقلة. بكل بساطة، تمزج الفرقة انواعاً موسيقية بطريقة ذكية، لم تكن لتعرف مدى انسجامها وجمالها قبل سماعك لأغانيهم.
التقيت 47 سول خلال زيارتهم للعاصمة الإماراتية أبوظبي للمشاركة في مهرجان “برزخ” في مركز الفنون بجامعة نيويورك أبوظبي، ضمن جولتهم الموسيقية للترويج لألبومهم الجديد “وعد بلفرون.” أربع شباب يمثلون فلسطين بكل تناقضاتها وحقيقتها، فهي تضم أعضاءً من الشّتات الفلسطيني وفلسطينيي أراضي 1948، فيما يأخذك اسم الفرقة الى الحياة عام 47 قبل نكبة عام 1948 وتأسيس إسرائيل، بلا حدود وبلا إحتلال. كل عضو من الفرقة يحمل تاريخاً موسيقياً مهماً، حمزة أرناؤوط هو جيتاريست ومنتج موسيقي عمل مسبقًا ضمن فريق أوتوستراد، واحد من الفرق الأردنية المعروفة، والأمريكي الفلسطيني رمزي، مؤلف لمزيكا السول وعازف اورج شرقي، ولاء، موسيقي ومسرحي أحد مؤسسي حركة الدبكة التي تمزج الريجي والراجا، وطارق، إيقاعيست ورابر وأحد مؤسسي فرقة المربع الأردنية.
Videos by VICE
فكرنا في البداية أن يتم اللقاء في الخارج، مع سيجارة، فجميع أعضاء الفرقة من المدخنين، لكننا بطريقة ما انتهينا في غرفة داخل مركز الفنون بجامعة نيويورك أبوظبي، تجمعت الفرقة حول طاولة مستطيلة، وحاولنا تعويض السيجارة بالقهوة. طريقة حديث كل عضو من الفرقة يظهر جمال الاختلاف الذي يجمعهم، بين ولاء، 31، الذي كما يصف نفسه “بحب يسمع” وطارق 34، “بحكي كتير” رمزي “الهادئ” 30، (I have a lot of catching up) كون أن اللغة العربية ليست لغته الأم، وبين حمزة 35 “المتشكك” الذي أسس وطارق الفرقة بشكلها الأولي. هي “علاقة مبنية على الإحترام والجَدل،” كما وصفها رمزي.
في البداية لم أستطع سوى أن اُبدي اعجابي بإسم الألبوم “وعد بلفرون” هو لعب على الكلمات يشير الى وعد بلفور (الرسالة المشؤومة التي أرسلها وزير الخارجية البريطانية آرثر جيمس بلفور عام 1917 إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين). ومن سخرية القدر أن ألبوم الفرقة الجديد (الثاني بعد البومهم الأول “مقدمة الشامستيب” الذي أطلقهم للعالم العربي) لعبت بريطانيا دوراً أساسياً فيه ايضاً. “أغاني الالبوم تمت كتابتها في عدة أماكن جغرافية،” يقول ولاء، “ولكن 40 بالمئة منها تم استلهامها من بلفرون تاور،” وهي عمارة شمال لندن تواجدت فيها الفرقة خلال التحضير للألبوم.
يكمل ولاء فكرة عنوان الألبوم الذي يضم ثمانية أغاني: “كنا بتلك الفترة مشردين وعم بندور على بيت، ولقينا محل يُضبنا، وبالصدفة كان اسم العمارة بلفرون تاور، ومن هون بلشت الفكرة، كان في شعور بعدم ثبات أو عدم الاستقرار، فنحن في لندن وفي العمارة لوقت معين، كل هذا أثر على وحي الكتابة والتلحين والأفكار.”
توقعت أن التحضير للألبوم بين أربع موسيقين من خلفيات مختلفة سيكون درامياً بعض الشيء مع وجود “ايغوهات للصبح” (lots of egos) كما أشار طارق مازحاً، ولكن أكد الجميع على أن العملية كانت ممتعة مع “شوية اختلاف” فقد قاموا بتطوير طريقة لكتابة الأغاني والألحان بشكل جماعي: “طريقتنا كتير socialist ممكن اي حدا يعلق على كلمات وألحان الشخص التاني، بصير في نقاشات لحد ما نتفق،” يقول طارق. بنظرة سريعة على أغاني الالبوم سترى انها تجمع ما بين الواقعية والسخرية من الواقع نفسه كما في أغنية رف الطير: “مشي الصَف ومشي السير، شوف البوست، واعمل share، طمن أهلي إننا بخير و like صغير بيكفينا.” أو أغنية “حبيت القمر” والتي تقول: “حبيت القمر طِلع القمر اصطناعي، شميت الوَرد طلع الوَرد بلاستيكي، يقطع هالعمر ما أسهل فيه خداعي… طرت انا في السما٬ تبحبش عاللي ببالي، بسرعة انصدمت بمشروع استيطاني.”
من الالبوم وكلماته، انتقلنا للحديث عن عدد الفرقة الحالي وإمكانية إضافة أعضاء جدد، واحممم “أصوات نسائية،” وخاصة أنه يبدو من كلمات أغاني انهم معنيين بالتأسيس لشيء مختلف من خلال اختيار الحديث بإسم الجنسين، كما في مقدمة الشامستيب والتي تقول “ابن العين، ابن النهر، ابن النبع وابن البحر، ابن الزينكو والزنقة، هاي الزقة وهاي إحنا… وبنت العين، بنت النهر، بنت النبع وبنت البحر، بنت الزينكو والزنقة، هاي الزقة وهاي إحنا.” ”
“هاي المرة 17 اللي بننسأل هذا السؤال،” يقول طارق مؤكداً أن قرار إضافة مغنية للفرقة مبني على “الحاجة ما رح اعملها علشان لازم لانه هيك بنكون politically correct.” ولكنه إعترف بوجود خطة للتعاون مع فنانة قريباً دون اعطاء مزيد من التفاصيل. لا ينفي طارق أن اختيار صورة الألبوم تسببت ببعض الجدل، حيث أشار البعض الى أن “صورة الألبوم كلها شباب مثلاً، بس هدول مش شباب، هدول ناس، human beings.”
“الفرقة مفتوحة أمام كافة الاحتمالات،” يقول حمزة ويتوسع للحديث عن صعوبة دخول المجال الفني بالنسبة للمرأة: “المرأة العربية مقموعة وليس لها وجود في الفن مقارنة بالذكر، بين عشرة رجال، يوجد فتاة واحدة في الوطن العربي، هذه صناعة ذكورية.” أما ولاء فكان لديه فكرة مختلفة، ففي حين أنه أعترف أن هناك توقعات كبيرة من الجمهور منهم كفرقة وهو يفهم ذلك، إلا أنه يتمنى أن تحفز 47 سول شابات عربيات “ليعملوا فرقة صبايا يغنوا ويوقفوا على المسرح ويلعبوا مجاويز ودبكات، ليش لأ.”
توسعنا في النقاش ودخلنا في موضوع التحديات التي تواجه الفرقة. التحدي الأول هو المشاكل المادية، بحسب حمزة، “المشاكل المادية هي أول مشكلة وآخر مشكلة.” فيما أشار طارق الى أن هناك مشاكل لوجستية للفرقة التي تضم اليوم سبعة أفراد: “كل ما تمشي لقدام، المصاريف تبعك بتعلى وبتزيد.” وهناك طبعاً مشاكل الحصول على فيزا سواء لدخول بلد عربي أو أجنبي. يقول طارق إلى أن اختيارهم للندن مرتبط بحصولهم على فيزا فنية هناك، وجاء القرار بعد عدة جولات في بريطانيا: “اذا دخلت الموسيقى علشان تعمل مصاري معنى ذلك انك فاشل او في شي غلط، بس ممكن تعمل مصاري من الموسيقى ولكن الطريق طويلة، فيها تضحيات كمان،” يقول حمزة.
ما هي هذه التضحيات؟ “هناك تضحيات في كل المجالات، عايشين في بريطانيا، بعيد عن الأهل، شو اكتر من هيك،” يقول حمزة، ويوافقه طارق، “الشاب عربي يكون موسيقي full time هاي لحالها تضحية.” أما رمزي فيشير إلى بعد آخر وهو كيفية الوصول للجمهور العالمي: “الكثير من الجمهور الذي يستمع الينا لا يفهم معنى كلمات الاغاني، قد يرقصون على الأغاني ولكنهم لو فهموا الكلمات كانوا ليبكون. هذا هو التحدي، الوصول الى الجمهور من خلال الكلمات والألحان والتأكد من ما تعنيه هذه الكلمات.”
تحول الحديث إلى كلمات الاغاني واللحن ومدى ارتباطنا بها، وفيما أشار حمزة إلى أن عدم فهم الكلمات لا يحد من علاقته مع الموسيقى، قال طارق إلى أن “الكلمات مش تذكرة لحب الاغنية بالمرة،” أما رمزي فأكد أن “فهم اللغة نفسها لا يعني أنك تفهم ما تعنيه الكلمات.” ماذا عن الموقف السياسي والأخلاقي لفرقة أو فنان معين هل يؤثر على الطريقة التي نراهم أو نسمعهم فيها؟ تحدث طارق عن الفرقة الانجليزية المعروفة Radiohead الذي وصفهم طارق بالعباقرة، ولكن موقفهم الرافض لحركة مقاطعة إسرائيل BDS وإصرارهم على العزف في اسرائيل العام الماضي غَير من الطريقة التي ينظر بها الى الفرقة، وتساءل اذا كان أعضاء الفرقة (المعروفة بكلماتها التجريدية) أنفسهم يفهمون الكلمات التي يقومون بغنائها. أما رمزي فأشار أنه في هذا الوقت “أصبح من الصعب التفريق بين الفنان كفنان وبين موقفه الشخصي.”
كان سؤالي الأخير عن فلسطين التي في قلوبهم وفي أغانيهم، وعن اذا كانت تمثل عبئاً عليهم في بعض الأحيان. تحدث ولاء عن ذلك الخط الرفيع بين الحديث عن قضية فلسطين وبين استغلالها، وتحدث عن لقاء شاهده لـ ساهر عوكل، مصمم الأزياء الفلسطيني، الذي فاز بالموسم الثاني من برنامج “يروجيكت رانوي” الشرق الأوسط حول قراره بأن لا يستخدم التطريز الفلسطيني لأجل أن يستغل القضية “فهو لم يرد أن يركب الموجة، واحترم التطريز الفلسطيني ولم يستخدمه للنجاح، للوصول فقط.”
طارق إعترف أن البعض يتهمهم بأنهم يستخدمون الدبكة “علشان نتشعبط على القضية، كتير صعب عليهم يفهموا انو بنحب اللي بنعمله، انا لو بدي أعمل شي أسهل كان أسست فرقة دبكة.” هذا النقاش حول ما هو متوقع من الفلسطيني، وإن كان على الفلسطيني يجب أن يؤكد على فلسطينيته في كل مناسبة، قد يزيد عن الحد: “مش ممكن نسأل صاحب مطعم همبرجر برام الله ليش ما بتعمل مُسخن (أكلة فلسطينية تقليدية)، ما أنت فلسطيني؟” يقول طارق. الكلمة الأخيرة كانت لـ رمزي الذي أكد على ضرورة أن يكون هناك سياق: “إذا كنت تعيش في بالتيمور وليس لديك تدفئة، فأكيد أنك ستُغني عن ذلك، ما بنقدر ما نغني عن فلسطين، فلسطين مرتبطة بحياة الكل. فلسطين لها دخل في كل العالم، لما يدخلوا في التفاصيل رح يكتشفوا أن مشاكل العالم والرأسمالية والكولونيالية مرتبطة بفلسطين، وأن فلسطين جزء من مشاكلهم،” يشير كل من حمزة ورمزي. هل نخاف إذا ما حكينا عن فلسطين بكل لحظة، انو تضيع القضية؟ “ما بتضيع، مستحيل تضيع،” يقول ولاء، ويهز الجميع رأسهم بالموافقة.