لن تقدم فرنسا اعتذاراً للجزائر على جرائم الفترة الاستعمارية.
أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رفضه الاعتذار عن الانتهاكات التي ارتكبتها بلاده في الجزائر قبل إصدار التقرير الذي يقيم كيفية تعامل فرنسا مع ماضيها الاستعماري في الجزائر.
Videos by VICE
وقال مكتب الرئيس الفرنسي: إنه “لن يكون هناك توبة/ندم ولا اعتذار” على الجرائم التي ارتُكبت خلال حكم الجزائر.” وكان ماكرون نفسه اعتبر الاستعمار بأنه “جريمة ضد الإنسانية” في تصريحات في العاصمة الجزائرية في 2017.
وقد احتلت فرنسا الجزائر لمدة 132 عامًا، ونال الجزائريون استقلالهم عام 1962 بعد حرب استمرت سبع سنوات واتسمت بفظائع وجرائم وتعذيب. وقد طالبت الجزائر اعتذارًا رسميًا عن الفظائع التي ارتكبتها فرنسا، ولكن بدون نتيجة.
التقرير الذي جاء بتكليف من ماكرون وكتبه المؤرخ بنجامين ستورا يقدم قائمة من التوصيات بما في ذلك إنشاء لجنة “الحقيقة والذاكرة” وتوسيع طريقة تدريس الاستعمار في المدارس الفرنسية وإحياء ذكرى ثلاثة تواريخ مهمة في تاريخ البلدان المشترك. وجاء في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية أن “الرئيس يريد أن تسمح هذه المبادرات لبلدنا بإلقاء نظرة واضحة على جراح الماضي، لبناء مصالحة بمرور الوقت.”
لا تزال مسألة التوبة والاعتراف بعنف الاستعمار قضية خلافية للغاية في فرنسا، وليس فقط بين أنصار اليمين المتطرف الذين دافعوا تقليديًا عن الماضي الاستعماري لفرنسا. وفي عام ٢٠٠٥ سن البرلمان الفرنسي قانون تمجيد الاستعمار، والذي يرى بأن استعمار فرنسا للجزائر وغيرها من المستعمرات “جلب الحضارة إلى هذه الدول.”
وقال أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر، الدكتور العكروت خميلي، لموقع “أصوات مغاربية” أن فرنسا ترفض تقديم اعتذار لعلمها بأن “مسألة الاعتذار تترتب عنها خطوات أخرى أهمها التعويض. ويبدو أن فرنسا لا تريد أن يتكرر ما حدث بين إيطاليا وليبيا، حين قدمت إيطاليا تعويضات لليبيين بعدما اعتذرت عن ماضيها الاستعماري.” وأضاف: “إذا كانت المصالحة التاريخية تعني في منظور الفرنسيين الاستعلاء على الضحية وبقاء العقدة الاستعمارية فهذه ليست مصالحة، لأن المصالحة تعني أيضا الندية في التعامل مع الوضع.”
ويعتبر استعمار فرنسا للجزائر واحد من أكثر الاستعمارات دموية، فقد كشفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن عدد ضحايا الحقبة الاستعمارية للجزائر بين 1830 و1962 “بلغ 10 ملايين شهيد.”
وتشير تقارير إلى قيام فرنسا باستخدام مواد كيمائية على غرار البلوتونيوم في تنفيذ تجاربها النووية على الجزائريين مما أدى إلى مقتل 42 ألف جزائري وظهور عدة أمراض سرطانية وجلدية وتنفسية لسكان المناطق التي شهدت هذه التجارب، التي صنفت في خانة الجرائم ضد الإنسانية. كما قامت فرنسا الاستعمارية بسرقة رفات للمقاومين بعدما جرى التنكيل بهم وقطع رؤوسهم، وتم عرض جماجمهم بالمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس منذ 1849. وقد استعادت الجزائر العام الماضي رفات وجماجم 24 مقاتلاً قتلوا خلال الحرب.
ويشكل مصير الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم نقطة خلاف بين البلدين، إذ يرى ماكرون ضرورة سماح الجزائر لهؤلاء بالعودة إلى وطنهم، الأمر الذي ترفضه الجزائر بشدّة.
وفي عام ٢٠١٨ قام ماكرون بمنح وسام الشرف، أعلى وسام مدني في فرنسا، للجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا في الحرب ضد ثورة التحرير في بلادهم والذين يعتبرون “خونة” بنظر الجزائريين ويطلق عليهم إسم “الحركي” والذي يعني العميل أو الخائن.
لماذا يجب على فرنسا الاعتذار
الاستعمار الفرنسي والأوروبي بشكل عام، مسؤول بشكل مباشر عن العبودية والعنصرية والتدمير الثقافي وأحيانًا الإبادة الجماعية لجميع البلدان التي قاموا باستعمارها. الاعتراف بانتهاكات الاستعمار والاعتذار عنه يعني أن الدول المستعمرة تعترف بمسؤوليتها عن جرائمها التاريخية في هذه البلدان.
ولكن تقديم اعتذار عن التاريخ الاستعماري لا يزال يشكل موضوعاً للخلاف. البعض يرى أن جيل اليوم لا ينبغي أن يُحاسب على سلوك أسلافهم. ولكن في المقابل، يجادل آخرون أن الجيل الحالي لم يرتكب الجرائم فعليًا، إلا أن الكثيرين لا يزالون يجنون ثمار امتيازات الاستعمار مقارنة بالشعوب التي احتلوها. وكون هذه البلدان الاستعمارية السابقة أصبحت في قائمة البلاد المتطورة له جذوره أولاً وأخيراً في استعمارهم لبلدان أخرى ونهب خيرات هذه البلاد.
المطالب بالاعتذار ليست جديدة، وهي عادة ما ترتبط كذلك بتعوضيات، اعتذر الرئيس الأمريكي رونالد ريغان للأمريكيين اليابانيين المحتجزين في سياق الحرب العالمية الثانية، تلقى كل ضحية على قيد الحياة مبلغ 20،000 دولار كتعويض. كما قامت ألمانيا بتقديم الاعتذار عن الهولوكست وقدمت تعويضات لإسرائيل. كما قام رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني بتقديم اعتذار لليبيا عن 30 عامًا من الحكم الاستعماري ووافق على دفع 2.5 مليار جنيه إسترليني كتعويضات.
الاعتذار عن الاستعمار هو أمر أساسي وضروري لدراسة التاريخ في ضوء جديد وبشكل عادل وغير عنصري، وهو يعني الكثير، وليس فقط مجرد كلمات فارغة كما يحلو للبعض الادعاء -لهذا لا تزال الكثير من الدول ترفض أن تعتذر. ولكن يتفق الجميع على أن الاعتذار لا يحدث في فراغ ولا يجب أن يكون فقط كلمات- بل يجب أن يرافقه الكثير من التغييرات التي تهدف إلى المصالحة بين المستعمِرين والمستَعمرين بداية من تغيير المناهج الدراسية ونهاية بإزالة الآثار التي تخلد ذكرى الشخصيات التاريخية العنصرية.