فيلم “صالون هدى”.. ميساء عبد الهادي بطلة بلا منازع

Hudas-Salon-HERO

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الفائتة بردود أفعال غاضبة على فيلم “صالون هدى” الفلسطيني والذي قام بإخراجه هاني أبو أسعد بينما قامت ببطولته كل من ميساء عبد الهادي، منال عوض، وعلي سليمان. الغضب كان لسببين، الأول مشهد قصير تظهر فيه الممثلة منال عوض (هدى)  بتجريد ميساء عبد الهادي (ريم) من جميع ملابسها بمساعدة شاب (سامر جرادات) عاري الجسد بهدف تصويرهما في وضع “مخل” بهدف ابتزازها وإيقاعها في فخ التخابر مع الإسرائيليين. والسبب الثاني هو اعتبار أن الفيلم قام بتسيطح الواقع الفلسطيني وضعف مستوى الفيلم ككل.

ملاحظة: السطور التالية تضم حرقاً لأحداث الفيلم.

Videos by VICE

“صالون هدى” هو صالون تجميل نسائي تملكه أم منفصلة تمكّن الاحتلال الإسرائيلي من إيقاعها في فخ العمالة بأن هددها بفضح بخيانتها لزوجها مع رجل آخر، فرضخت وعملت معهم، ثم وافقت أن تجنّد إمرأة واحدة كل ثلاثة أشهر عن طريق تخديرهن ثم التقاط صور عارية لهن برفقة شاب يتقاضى مبلغاً مادياً مقابل ذلك. تختار هدى النساء “اللي جيزانهم خرا” (أزواجهن) كهدف لها، فهي تقصد أنها تختار النساء اللواتي لن يتلقين الدعم اللازم إذا أخبروا شركائهن وعوائلهن أن أحداً ما بحوزته صور عارية لهن. وهذا ما نراه في المشهد الذي تظهر فيه ميساء عبد الهادي (ريم) بعد أن ترى صورها عارية مع رجل آخر وتقول لهدى باكية متوسلة أن زوجها لن يصدقها “انتي عارفة يوسف، مش رح يصدقني.”

يناقش الفيلم ذو المائة دقيقة قضية عمل المخابرات الإسرائيلية المستمر على تجنيد المزيد من الفلسطينيين كعملاء، ولكنه يركز على فئة النساء اللواتي يتم استغلال الضغط الاجتماعي عليهن؛ فإما التخابر مع الاحتلال وإما “الفضيحة.”

لم يعط الجمهور الفيلم فرصة للمشاهدة والنقد، بل أطلق البعض على الفيلم إسم فيلم “إباحي فلسطيني” بسبب مشهد تم تجريد امرأة غائبة عن الوعي من ملابسها، وهو مشهد من المفترض أن لا يثير إلا مشاعر الحزن والغضب، وليس أي مشاعر أخرى. وجود إسم هاني أبو أسعد على الفيلم زاد من وتيرة الغضب، لا سيما بسبب مشاركته السابقة في إنتاج فيلم “أميرة” المثير للجدل والذي يتحدث عن تهريب نطف الأسرى من السجون، والذي إنتهى الأمر بوقف عرضه تحت ضغط الجمهور وعوائل الأسرى الفلسطينيين.

لدي عدة مشاكل مع “صالون هدى” الأولى هي أن أبو أسعد قام بتقديم نسخة خالية من مشهد “العري” ليتم عرضه في البلاد العربية، بينما أبقى المشهد في النسخ التي سيتم عرضها في المهرجانات والدول غير العربية، وهذا قرار يحمل الكثير من التناقض. فهو إما أن يكون مقتنعاً بضرورة وجود مشهد وأنه مهم للسياق الدرامي وإما لا. كما أن حذف هذا المشهد بالذات هو إتفاق ضمني من أبو أسعد أنه وصي على الجمهور، وأن أجساد النساء هي المشكلة، وليس قهر المجتمع لها. شاهدت النسختين، ورأيت في النسخة المعدة للجمهور العربي شرخاً يجعل القصة غير مفهومة. 

بعض الحوارات في الفيلم بدت ضعيفة وهزيلة وفشلت في صقل حقيقي للشخصيات بطريقة تجعل المشاهد يرتبط معها. الشخصيات غير الرئيسية والتي كانت تقوم بمشاهد مهمة مثل مشهد حرق الشاب الذي كان يشارك مع هدى في تصوير الفتيات كان أداؤها ضعيفاً بطريقة أثرت على سير الأحداث من وجهة نظري -عدى عن اختيار قتل الشاب حرقاً من الأصل، وهو ما شبهه البعض بأساليب داعش وليس الفلسطينيين. البعض نشر على مواقع التواصل صوراً توثق سرقة أبو أسعد لأفكار من مشاهد من أفلام غير عربية وزجها في الفيلم كذلك. كما أن قصة وجود صالون نسائي قام باستخدام الفتيات بهذه الطريقة في أي فترة من مراحل النضال الفلسطيني هو إدعاء لم تثبت صحته.

بالنسبة لي، البطلة الحقيقية في هذا الفيلم كانت ميساء عبد الهادي التي نجحت بتجسيد دور المرأة الخائفة من خذلان زوجها إذا عرف بأمر الصور، ودور الأم الخائفة من خسارة ابنتها بسبب جرم لم تقترفه، ولكن بسبب وجودها في مجتمع “لن يصدقها.” نجحت ميساء في تقديم صورة المرأة الفلسطينية التي تشبهنا بملامحها وردات فعلها. أما بالنسبة لهدى (منال عوض) فقد كان تمثيلها ممتعاً ونجحت في إخراج نفسها من الأدوار الكوميدية التي اعتاد الجمهور على رؤيتها فيها. علي سليمان، الذي قام بدور المقاوم والمحقق لم يعجبني، حواراته كانت هزيلة ولم تنجح في تقديم علي كممثل قوي أو حتى تقديم الشخصية بطريقة أصيلة. 

القضية الأساسية في الفيلم برأيي ليس عري الفلسطيني وضعفه، بل بشاعة الاحتلال الذي يستخدم كافة الطرق غير الأخلاقية للإيقاع بالفلسطيني. جميع الفلسطينيين في الفيلم ضحايا، وإسرائيل هي الجاني. المخابرات الإسرائيلية تعمل على ايقاع الفتنة والانقسام بين أفراد الشعب الواحد طوال الوقت، وقد اختارت محاربته بأدوات مرتبطة بثقافته وعاداته، وهذا ما يجعل النساء ومؤخراً المثليين هدفاً له ضمن أدوات التوظيف الاستعمارية.

ضمن هذا الإطار، فإن اختزال الفيلم في هذا المشهد -وإعادة إرساله على تطبيقات المراسلة المختلفة- هو دليل حقيقي على أن خوف المرأة من خذلان المجتمع لها إذا تم نشر صور عارية لها وإن كانت مفبركة هو خوف مبرر فعلاً. هل سيدعم أي رجل ممن غضبوا من وجود هذا المشهد إمرأة من عائلته إذا ما تعرضت لنفس الموقف؟ كما أن الهجوم الذي نالته منال وميساء لقيامهما بتمثيل هذا المشهد لم يكن بحجم الهجوم الذي تلقاه الممثل الذي شارك فيه رغم أنه كان عاري الجسد أيضاً. 

إستغلال إسرائيل للتكنولوجيا لمراقبة كل فلسطيني يعيش على أرض فلسطين أو حتى خارجها هو قضية تستحق تسليط الضوء عليها فعلاً، ولكن هذا لم يحدث في الفيلم. فأنت ترى الفلسطيني الذي تم جره إلى العمالة، لكنك لا ترى المحتل الذي يسخر كل طاقاته لاستغلال ومراقبة الفلسطينيين سواء بكاميرات يزرعها هنا وهناك، التجسس على مكالماتهم، متابعة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة نقاط ضعفهم التي يمكن أن يصل إليهم من خلالها، وغيرها الكثير من الأساليب التي تتبعها أجهزة المخابرات الإسرائيلية. ربما يعود إختيار المخرج عدم إظهار هذه الآليات إلى صعوبة الحصول على تمويل للأفلام التي تستهدف إسرائيل بشكل مباشر أو ربما لأن المخرج أراد أن يصور الإحتلال المتغلغل في حياة الفلسطيني دون الحاجة لرؤية جندي واحد في الفيلم كخيار فني.  

في الفيلم تتحدث هدى عن أن معظم النساء اللاتي قامت بتصويرهن لم يطلبن مالاً مقابل المعلومات بل طلبن تصاريح مغادرة تمكنهم من السفر للخارج أو زيارة أهلهن وأقاربهن في القدس أو داخل مناطق الـ ٤٨. كان من المهم الإشارة في الفيلم لنظام التصاريح الذي تفرضه إسرائيل يقيّد كل تحركات الفلسطينيين، بحيث يحتاجون إلى التقدّم للحصول على إذن خاص لدخول إسرائيل والقدس والداخل لأي سبب، بما في ذلك العمل والرعاية الصحية، والزيارات العائلية وزيارة المواقع الدينية. هذا النظام العنصري يجعل من الحصول على تصريح واحد من سابع المستحيلات، حيث يتم رفض طلبات أغلبية الفلسطينيين للحصول على تصريح “لدواع أمنية.” والأمر أصعب على فلسطيني قطاع غزة، حيث يتم منعهم من السفر إلى الخارج أو إلى سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في رحلتي إلى غزة قبل عدة أشهر، تقدمت بطلب تصريح مغادرة إسرائيلي عن طريق وزارة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية. عندما ملأت الطلب كان يجب علي أن أرفقه مع رقم هاتف، فأخبرني الموظف هناك أنني يجب أرفق رقم هاتفي أنا ولا يجوز أن أرفق رقم أي أحد آخر من عائلتي. أنا أعرف جيداً لماذا يطلب هذا الطلب من جميع المتقدمين، ذلك ببساطة لأن المخابرات الإسرائيلية قد تتجسس على مكالمات المتقدمين قبل إعطائهم موافقات أمنية للمرور من الحاجز. عشت الأيام التالية وأنا أعلم أنه ربما هناك ضابط  يتجسس على مكالماتي، وكان هذا بالنسبة إلي شيء يشبه صوت الطائرات الإسرائيلية فوقي، والدبابات الإسرائيلية على الحدود من حولي، جميعها أجزاء حقيقية لشيء أكبر اسمه الاحتلال الذي نشعر أنه يسيطر على أنفاسنا في غزة حتى وإن كنا لا نراه.

أخبرتني صديقتي ذات مرة أنها عندما تقدمت لطلب تصريح للسماح لها بالذهاب من غزة للقدس من أجل العلاج، طلبت المخابرات الإسرائيلية مقابلتها داخل حاجز إيرز (الذي يفصل بين غزة وإسرائيل) كشرط للنظر في طلبها، وهو ما يحدث مع الكثيرين. هناك سألها الضابط عن إسم شخص ما وماذا تعرف عنه، أخبرته أنها لا تعرف أحداً بهذا الاسم، فقال لها أنها تعرفه وكانت في زيارة لمنزل عائلته قبل أيام قليلة، وهو ما حدث فعلاً. عادت صديقتي إلى غزة لتتلقى بعد ذلك رفضاً لطلب التصريح. 

القضية المهمة التي يتطرق إليها الفيلم، هي أهمية وجود حاضنة وطنية ومجتمعية لأولئك الذين يتعرضون لهذا النوع من الابتزاز في حرب استخباراتية قوية وواضحة. ففي نهاية الفيلم، تتصل “ريم” التي نجت من محاولة إنتحار بضابط المخابرات الإسرائيلي “موسى” الذي وضعت هدى رقم هاتفه في جيب فستانها، طلباً منه أن يساعدها في استصدار تصريح يسمح لها بالسفر إلى الأردن قبل أن يعرف الجميع بأمر الصور. لكنها بعد ذلك تتلقى مكالمة هاتفية من مقاوم فلسطيني يعرض عليها أن تنصب فخاً لموسى بهدف الإمساك به بعد أن يطمئنها أنه قام بحرق جميع الصور.

لا شك أن مناقشة القضايا التي تتشابك فيها السياسة مع القضايا المجتمعية مهم في ظل توسع الحرب الاستخباراتية الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال، قامت منصة نتفليكس في العام 2017 بعرض مسلسل وثائقي بعنوان “داخل الموساد” يتحدث فيه ضباط وعملاء موساد إسرائيليين سابقين عن عملياتهم العابرة للحدود ضد الوجود الفلسطيني، وتجنيد العملاء عن طريق ابتزازهم واستغلال حاجاتهم. وعليه، وطالما أن إسرائيل مستمرة في عرض روايتها للجمهور، يصبح وجود روايات فلسطينية جيدة وصادقة مهم وضروري بقدر مقاومة الاحتلال على الأرض.