“علاء الدين”.. الأمنيات تتحقق على الشاشة فقط

علاء الدين

يسأل علاء الدين الجني عن أمنيته، فيرد الجني أنه يريد التحرر من قيوده، وماذا بعد أن يتحرر؟ سيصبح إنساناً. أمنية الجني الذي يستطيع خلق كل شيء هو أن يصبح إنسان، تخيلوا السذاجة؟ في عالم يعيش مآسي وحروب أهلية ومجازر وتطهير عرقي وأزمات اقتصادية، لماذا يريد الجني أن يصبح إنساناً؟ هذا المقطع ليس الشيء الوحيد الذي سيثير التساؤلات لديك في فيلم “علاء الدين” الجديد من بطولة ويل سميث، مينا مسعود وناعومي سكوت. فخلال ساعتين ستكون أمام مجموعة من الصور التقليدية المعتادة عن الشرق الساحر في عيون الغرب الذي يأتي منذ قرون ليستكشف الجديد عن حياة الملوك والسلاطين المترفة التي يحكمها السيف والذهب وعالم الحريم الغامض وأسرار الرقص الشرقي المثير ودنيا التوابل.

فيلم علاء الدين والمصباح السحري، القصة الآسرة التي خلبت عقولنا منذ الطفولة في فيلم الكرتون الشهير من إنتاج ديزني عام 1992 أعيد إنتاجها بعد أكثر من ربع قرن من خلال ممثلين ومواقع تصوير عربية منها الأردن وبإضافة Computer Generated Images. قصة الكرتون الأولى كان من المفترض أن تقع أحداثها في بغداد، في اقتباس من فيلم “لص بغداد” إنتاج سنة 1940، لكن السياسة تدخلت، في هذا التوقيت كانت حرب الخليج الثانية قد وقعت، وقبلها بسنوات حرب الخليج الأولى، وكانت العراق طرفاً في الحربين، مما جعل اختيار العراق غير مقبول لدى صناع الفيلم حينها، فجاء الاختيار الخيالي لسلطنة (أجراباه).

Videos by VICE

لا شك أن ويل سميث والمخرج جاي ريتشي كانا سبباً كافياً لمشاهدة الفيلم، وخاصة في ظل الاهتمام الإعلامي العالمي ببطل الفيلم المصري الكندي مينا مسعود، الذي يظهر في إنتاج هوليوودي ضخم وصلت ميزانيته لحوالي 183 مليون دولار أمريكي، وإيراداته إلى ما يتخطى 600 مليون دولار خلال الأيام القليلة الماضية. ريتشي، المخرج البريطاني قدم أعمالًا جيدة خلال السنوات العشرين الماضية منها “ثنائية شيرلوك هومز” بطولة روبرت داوني جونيور، وفيلم “Lock, Stock and Two Smoking Barrels” وفيلم “RocknRolla” إلا أنه لم يقدم شيئاً استثنائياً في فيلمه الجديد. ربما تكون الألوان والرقصات هي المتعة البصرية الوحيدة في فيلم “علاء الدين” إلا أنها ليست شيئاً مبتكرًا فالروح الهندية قد بدت واضحة في تمازج ألوان الملابس أو حركات الرقص- وهو أمر يعبر عن جهل كبير.

1560411002415-d6fuyiuuyaaq76t
ويل سميث بدور الجني- ديزني

يمكن تفسير إخراج ريتشي لهذا العمل بحبه للقصة الكلاسيكية التي أسرت عقول الملايين حول العالم، فكم من مخرج أعاد إخراج أعمال أخرى فقط لأسباب شخصية تتعلق بالنوستالجيا الخاصة بالفيلم الأصلي، وهذا ما قاله ريتشي نفسه “هناك مساحة جيدة للعمل هنا، فأنت تريد أن تحافظ على حنينك للفيلم القديم، وفي نفس الوقت هناك حاجة للتعديلات والإضافات، لكن هذه الإضافات يجب أن تكون جديدة وتستحق الوجود على الشاشة.” تعليق ريتشي لا يبدو متحققاً في الفيلم بشأن الإضافات أو التجديد، وحتى عندما ذكر أن جزءًا مهماً من رؤية الفيلم الجديد كان يتعلق بإعطاء صوت ومساحة أكبر للأميرة ياسمين، إلا أن هذه المساحة لم تكن كافية وسط مساحات الأدوار التي قام بها الذكور.

كانت ياسمين طوال الفيلم هدفًا للصراع بين الذكور سواء والدها أو جعفر الذي أرادها أن تخدم أهدافه السياسية أو حتى علاء الدين الذي رأى فيها أميرة فاتنة يصعب الوصول إليها

فخلال الفيلم والقصة التي لم تتغير في نظرتها تجاه المرأة، كانت الأميرة ياسمين في النهاية مفعولاً به سواء في علاقتها بوالدها الذي كان يريد تزويجها من أمير اسكتلندي، أو بعد ذلك في رفضه أن تكون حاكمة للبلاد لأنها أنثى، وعندما اقتنع الوالد في النهاية بقدرة ابنته على الحكم منحها خاتمه فصارت سلطانة بمنحة من أبيها، وليس لأنها في الأساس قادرة على الحكم. كانت ياسمين طوال الفيلم – إلا فيما ندر من مشاهد- هدفًا للصراع بين الذكور سواء والدها أو جعفر (مروان كنزاري) الذي أرادها أن تخدم أهدافه السياسية أو حتى علاء الدين الذي رأى فيها أميرة فاتنة يصعب الوصول إليها في إعادة لقصة الأطفال التي رُويت لنا، الشاطر حسن وست الحسن، إلا أن الأميرة هنا هي مَنْ ذهبت للص الوسيم في نهاية القصة وقبلته وسط العامة، لتعلن عن قدرتها على إتخاذ القرار.

1560410844424-tmp_c89o9q_2824733bff1aae94_Aladdin5cc39fa239a44
نعومي سكوت في دور الأمير ياسمين -ديزني

الفيلم الجديد قبل عرضه صنع ضجة إعلامية كبرى، وعلى الرغم من هذا لم تأت القصة بأي ابتكار، وأداء الممثلين لم يكن استثنائياً، وإن كان كنزاري (جعفر) أفضل الممثلين تجسيدًا لدوره، وحتى مينا مسعود -The Prince charming/cute thief- لم يكن أكثر من وجه وسيم على الشاشة تقف أمامه أميرة جميلة، ناعومي سكوت. شخصيات الفيلم لم تتطور بما يتناسب مع الواقع الحالي، مجرد كرتون مرسوم على ورق وكأنه 1D، رغم أننا نرى بشرًا على الشاشة.

الفيلم لم يخيب ظن المشاهد في أن يرسم صورة المشرق الساحر بنفس الشكل النمطي. نمطية ساذجة ومكررة

الملفت للنظر في اختيار شخصيات الفيلم أن ديزني حاولت أن تبتعد عن الصور النمطية في اختيار الممثلين الذين يكونون في الغالب أمريكيين ذوي بشرة بيضاء، فقد اختارت ديزني هذه المرة الجني ممثل أمريكي ذو بشرة سوداء، وعلاء الدين ممثل كندي من أصول مصرية، وجعفر ممثل هولندي من أصول تونسية، والأميرة ياسمين بريطانية من أصول أوغندية هندية، والسلطان ممثل إيراني -وكأن ديزني تقول لنا: لقد اخترتُ ممثلين “شرقيين” حتى تصبح القصة حقيقية، مشرقية الطابع. ولكن هذه “الخلطة” لم تغير شيئاً في النظرة الاستشراقية التي حملها الفيلم.

1560411107873-tmp_ZJ0u1a_1f6ee9f7b2f745a8_Aladdin5ce46e15b32ea
مروان كنزاري بدور جعفر، ومينا مسعود بدور علاء الدين -ديزني

فالأغنية التي يبدأ بها الفيلم بصوت ويل سميث (الجني) تغيرت عن فيلم الكارتون سنة 1992 فقد كانت الأغنية القديمة تقول: “إنني قادم من بلد بعيد، حيث يتجول فيه هودج الجمال، حيث تُقطع فيه الآذان، إذ لم يعجبهم وجهك. إنها رؤية بربرية، لكنه الوطن.” تم حذف هذه الكلمات الحادة والعدائية بعد عرض الفيلم حينها بسبب الانتقادات الكثيرة التي وجهت للأغنية. ولم تنس ديزني ذلك في نسخة 2019 فحذفت الكلمات الخاصة بلون البشرة وتقطيع الأذن، والممارسة البربرية التي استبدلت بالفوضوية. والفوضوية في الفيلم الجديد ارتبطت بتعدد الثقافات والألسنة في هذه المنطقة، على اعتبار أنها فوضى إيجابية خلاقة وفق المفهوم الأمريكي للشرق الأوسط الجديد.

الفيلم لم يخيب ظن المشاهد في أن يرسم صورة المشرق الساحر بنفس الشكل النمطي. نمطية ساذجة ومكررة اعتبرها إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق” نموذجاً يعاد تعريفه وإنتاجه بالنسبة من قبل الغرب عن الشرق. هذا الشرق – وفق الرؤية الغربية في كتاب سعيد- غرائبي وغير اعتيادي، صنعته رحلات المؤرخين الغربيين والرسامين والمترجمين والشعراء بعد جولاتهم العديدة للمنطقة، خاصة في ظل أفضلية اقتصادية وسياسية للغرب مقارنة بالشرق الواهن منذ القرن الثامن عشر.

ما يمكن قوله بالنسبة لفيلم علاء الدين، أو القصة الأصلية في ترجمة أنطوان جالان ما ذكره سعيد في كتابه “أن الاستشراق رؤية سياسية للواقع الذي تأسس على الاختلاف بين المألوف (أوروبا، الغرب، نحن)، والغريب (المشرق، الشرق، هم).” فرغم محاولات ديزني في الفيلم الجديد أن تبتعد أن الرؤية الاستشراقية للمنطقة إلا أنها لم تخرج من الفخ، ربما عن قصد، حتى يظل ذلك السحر المشرقي محققاً للأرباح، وجاذباً للجمهور الغربي والشرقي كذلك بعد خروجه من قاعة السينما. فالافتتان الذي خلب عقول ملوك أوروبا وحكامها تجاه المشرق منذ ثلاثة قرون ويزيد، بات راسخاً لدى كثير من المشرقيين أنفسهم ولكنه افتتان بكيفية رسم الغرب صورته عنا في المشرق، مع الفارق أن الأمنيات في الفيلم دوماً تتحقق.

تأتي هذه النهايات لإرضاء الجمهور الذي لا يريد أن ينكسر خاطره ويرى الحبيبان قد فرقت بينهما الدنيا، رغم أن الحياة تعج بقصص الفراق والقلوب المحطمة، لكن هذا سحر السينما، نافذة للهروب من الواقع

أسطورة الحب من أول نظرة تعتبر واحدة من الكلاسيكيات التي صنعتها ديزني على مدار تاريخها، فعلاء الدين وياسمين وقعا في غرام بعضهما البعض من أول لقطة، ويمكن قياس ذلك على أمثلة أخرى عديدة في عالم ديزني. هذا الحب اللحظي لا يتوقف، بل ينتهي بسعادة زوجية، مما يجعل الأمر بسيطاً للغاية بالنسبة لأي مشاهد غيرمرتبط بالواقع الذي نعيشه الآن، ليس هذا فقط بل إن الزواج يتحول في نهاية الفيلم، مثل كثير من الأفلام، لغاية ينشدها البطل والبطلة، فتكون النهاية دوماً بمشهد العُرس وهذا ماحدث مع ياسمين وعلاء الدين. بالطبع تأتي هذه النهايات لإرضاء الجمهور الذي لا يريد أن ينكسر خاطره ويرى الحبيبان قد فرقت بينهما الدنيا، رغم أن الحياة تعج بقصص الفراق والقلوب المحطمة، لكن هذا سحر السينما، نافذة للهروب من الواقع.