في الذكرى الأولى لانفجار بيروت، المخرجة اللبنانية جيسيكا منصور تتحدث عن فيلمها القصير “سكون”

Stillness Final

في الذكرى الأولى لانفجار بيروت الذي دمّر أجزاء كبيرة من المدينة وهجّر الآلاف وقتل المئات، ما زلنا نشعر وكأن الإنفجار حدث أمس. لم نشعر أن الوقت قد مر، لأنّ التحقيقات لم تنصفنا، والمساعدات لم تصلنا، والحال تسوء أكثر إقتصادياً ومعيشياً وأمنياً. منذ 4 آب، ظهرت عدّة أعمال فنيّة ودرامية تعكس ما جرى في هذا اليوم أو ربما تعكس الشعور المشترك الذي ما زال من الصعب أن نتخطاه حتى يومنا هذا. 

من الأفلام التي نقلت ما حدث في هذا الانفجار المدمر بشكل مقرب، فيلم Stillness أو “سكون” من كتابة وإخراج جيسيكا منصور ومن إنتاج بلكون وBerytech foundation. الفيلم هو عبارة عن لقطات للمناطق المدمرة من الانفجار بالإضافة إلى رسائل صوتية أو Voice Notes  أرسلها أشخاص حقيقيون بعد الانفجار على واتسآب لأصدقائهم وعائلاتهم. 

Videos by VICE

يظهر الفيلم مشاهد حقيقة التقطت بعد أقل من شهر من الانفجار، والرسائل الصوتية الحقيقية قد تكون أشدّ من مشاهد تمثيلية من تلك التي عرضت بعد أسابيع من الانفجار على بعض المنصّات. الفيلم يستمر لحوالي دقيقتين وهو من نوع mini short film، ومع هذا تمكن من أن يفي بغرض نقل الصدمة الجماعية وإيصال الرسالة من دون اللجوء إلى مشاهد أكشن أو قصّة محدّدة أو مشاهد دماء وصريخ مفتعل. 

Jessica Mansour - photo 1 copy.jpg
جيسيكا منصور.

VICE عربية: مرحبا جيسيكا. لماذا أردت صناعة هذا الفيلم بالذات؟ 
جيسيكا منصور:
كانت مسيرة مؤلمة، من أوّل يوم تحضير حتى آخر يوم تحضير. كان تحدٍ كبير أن نختار مواقع تصوير، لأنّ بيروت كانت مدمّرة بأكملها، وأن نقرر القصص التي نريد سردها من خلال الصورة والصوت. 

كان من المستحيل أن أبقى صامتة، الحدث كان ثقيلاً جداً، وعلمت أنًها كانت فرصة كي أوصل وأطلق الصدمة الجماعية التي مررنا بها في بيروت. تلقيت اتصالاً من المنتج داني شمعون وسألني إن كنت مهتمة بكتابة فيلم قصير، وشعرت أنّ حان الوقت كي أخرج هذه الصدمة وكل المشاعر المسجونة داخلي. كنت أشعر انّ جميع الأشخاص كانوا يحملون المشاعر ذاتها ويريدون التعبير عن الأمور عينها. رغم صعوبة تنفيذ الأمر، علمت أنّ فيلمي كان يحمل رسالة معينة ويريد عكس صوت واضح. كان من الضروري أن أعبّر عن نفسي، والصمت لم يكن خياراً أبداً. أنا ممتنة بالفعل لأنّني عملت مع فريق رائع. فريق وضع كل طاقته قلباً وروحاً في العمل. 

Stillness Jessica Mansour.00_00_20_24.Still003.jpg

هل شعرت بالتردد في لحظة ما خلال العمل على الفيلم؟
بالعكس. كان هناك لحظة مفصلية بالنسبة إلي حينما كنت أعمل على الفيلم، وهذه اللحظة قد تلخص ما أردت أن أعكسه من خلال هذا الفيلم. بعد حوالي شهر من الانفجار، وحينما كنت أحضّر للفيلم وأجري المقابلات وأقوم بالبحث، اندلع حريق في المرفأ يمكن القول أنّه أعادنا لتلك اللحظة. كان هناك توتر وقلق، بدأت الناس تركض خوفاً، وشعرت وكأنّنا نعيد عيش الكابوس مجدداً. كنت أعيش لحظات من الخوف والضياع، وكنت أحضّر نفسي للأسوأ. بعد دقائق، توقف الحريق والأجواء عادت إلى طبيعتها. هنا قلت لنفسي، من المستحيل أن تعكس الكلمات ما رأيت وشعرت، نقل الصورة والصوت هي الطريقة الأفضل لنقل ذلك. وهذا أعادني إلى يوم الانفجار، الجميع عاش التجربة من أولها وكأنّ كل شيء سيحدث مرّة أخرى. قصة الفيلم بدأت من خلال فكرة التركيز على الحقيقة (أو الواقع) وإيصالها بتجرّد ووفاء كامل، أي التركيز على تجارب الناس يوم 4 آب. 

حينما شاهدت الفيلم، شعرت بقلق شديد، وكانت المشاعر قوية جداً كادت أن تصيبني بنوبة هلع. هل تعتقدين أنّه ما زال الوقت باكراً لنعكس هذه الصدمة بالأخص أنّنا لم نتمكن من الشفاء كلياً منها مع غياب تحقيق عادل؟ هل تعتبرين أنّ هذا الفيلم للناجين أو المجرمين؟ 
يعكس فيلم Stillness قصص حقيقية، ولهذا هو قاسٍ، وسيبقى قاسٍ على الجميع. كانت تجربة الإنفجار مؤلمة جداً لنا جميعاً، لكن مرّ عام كامل على الحدث ومن المهم أن نبقي هذه الذكرى حيّة. هذا الفيلم هو جزء من قلبي، هو خاص وشخصي جداً وأردت أن يتمكن كل من يشاهده من أن يشعر بما شعرت به بيروت يوم الانفجار. الأمر فطر قلبي حقاً، هذا الفيلم هو لكل شخص يحب هذا البلد كي يتذكر دائماً ما جرى وكي يسعى للعدالة والتحقيق المنتظر، أي كي لا ينسى.

Stillness Jessica Mansour.00_01_11_19.Still004.jpg

كيف كانت حالتك النفسية خلال العمل على هذا الفيلم؟
كان هناك لحظات من التفكير والتأمل مررنا بها جميعاً كشعب عاش صدمة. أحيانً كان لا بدّ من أن يسود الصمت الذي يأتي بعد الصدمة. خلال التصوير كان هناك الكثير من مشاعر الألم والأسى، لكن كان هناك سلام. ويمكن القول أنّ من هنا أتى عنوان Stillness أو “سكون.” كان هناك في قلبي شعور من الأمل حتى خلال الظلام الذي كنّا نعيشه. أنا حقاً أؤمن أنّ هناك ضوء ينبت من غبار الخراب، ونحن الآن في السكون. 

File_004.jpeg
كواليس الفيلم.