شهد حي الجريف غرب بالخرطوم حالة من الرعب والخوف مطلع أكتوبر الماضي، حيث دخلت مليشيا الدعم السريع منازل الحي واعتدت جنسيًا على إحدى نساء الحي. أثار هذا الحدث حالة من الذعر لدى سهام حسن مصطفى عندما حاول عناصر الميليشيا دخول منزلها في الثاني من أكتوبر، فامتنعت عن فتح الباب خوفًا من تكرار نفس المصير لها ولأطفالها الصغار. ولكن لم تتوقع أن تكون العواقب الواضحة لرفضها فتح الباب هي إصابتها برصاصتين قاتلتين عبر نافذة منزلها، ما أدى إلى فقدانها حياتها أمام أفراد عائلتها.
منذ اندلاع الحرب في السودان كرست سهام جهودها لمساعدة النساء الأخريات، حيث انضمت كمتطوعة في غرفة الاستجابة النسوية بالقريف غرب وجمعية نساء المنطقة الخامسة التي تعمل على تقديم الدعم النفسي والمجتمعي والمادي للنساء المتضررات من الحرب في المنطقة.
Videos by VICE
جاءت حادثة مقتل سهام بعد أيام من اغتصاب عضوة في غرفة طوارئ بحري شمال الخرطوم، في الثامن والعشرين من سبتمبر أثناء عملها التطوعي في حصر الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من النزاع العسكري بالمنطقة.
وفي الأشهر الأخيرة، شهدت حوادث اغتصاب نساء في السودان تكرارًا بشكل مروع من قبل ميليشيا الدعم السريع. نقلت وسائل إعلام سودانية عبارة عن تصريحات لسليمي إسحق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والتي تشغل منصباً حكوميًا، تفيد بأن حالات الاغتصاب ارتفعت إلى ١٣٦ منذ بداية النزاع، حيث سُجلت ٦٨ حالة في ولاية الخرطوم، بينما توزعت الحالات الباقية في ولايات جنوب وغرب دارفور.
اختطاف ودعارة قسرية
أكدت نون كشكوش، عضو غرفة الاستجابة النسوية بالخرطوم، والتي تعمل على تقديم الدعم القانوني والخدمات الصحية والنفسية لضحايا العنف الجنسي من النساء أو العنف المبني على النوع، فأكدت لنا أنه بعد اندلاع الحرب زادت حالات الاغتصاب وخاصة في منطقة بحري بالعاصمة السودانية الخرطوم، وهناك حالات من العنف المبني على النوع في النطاق الأسري والضغط النفسي الممارس على الإناث من قِبَل الآباء والأزواج، وما ترتكبه القوات النظامية من عنف ضد النساء وتحرش جنسي، كما حدث في فض اعتصام القيادة العامة واعتصام القصر الجمهوري بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر، بجانب حالات حدثت خلال المواكب بالخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.
تقول نون: “إن ما يصلنا من اعتداءات هو جزء بسيط مما يحدث في الواقع، بسبب الخوف من الوصمة أو وجود الضحايا في مناطق النزاع. تحدث معظم حالات الاغتصاب بالتناوب ولا يرتكبها فرد واحد. تمر العديد من ضحايا الاغتصاب بأول ٧٢ ساعة من تعرضهن للحادث دون تلقي الرعاية الطبية ومضادات الفيروسات مثل الالتهاب الكبدي الوبائي والإيدز والمضادات الحيوية.”
تشير نون إلى أن السودان به سبع ولايات متأثرة بالحرب مثل دارفور، وكردفان، والخرطوم، والتي تشهد أعلى معدلات العنف والخطف والدعارة أو الخدمة القسرية لقوات الدعم السريع، في ظل غياب الحكومة. ويبذل المجتمع الدولي قصارى جهده لتوفير الممرات الآمنة والرعاية الصحية للنساء والدعم النفسي للضحايا.
ارتفاع نسبة التحرش الجنسي والاغتصاب الجماعي في الولايات
مع تواتر الأنباء المأساوية حول حوادث اغتصاب النساء في السودان وتصفيتهن جسديًا، ومع ارتفاع وعي المجتمع النسائي بأن الحروب تُشاطر كفاحها النساء باعتبارهن ضحايا رئيسيات، قامت ناشطات سودانيات بإطلاق تحذير حول خطورة الوضع ورصد جرائم الحرب التي يتعرض لها جسد النساء. تعد آلاء عبد الله واحدة من هؤلاء الناشطات، حيث تعمل كناشطة نسوية وسياسية ومؤسِّسة لمبادرة “سودانيات ضد الحرب.” تهدف هذه المبادرة إلى تقديم دراسات منهجية حول تأثير الحروب على حياة النساء في السودان وتشكيل تحالف نسوي للضغط من أجل إيقاف الحرب وتبني مواقف أكثر توجيهًا نحو قضايا النساء والتركيز على مطالب العدالة للنساء الضحايا للاعتداء الجنسي.
وتؤكد آلاء أن معدل العنف الجنسي ضد المرأة في السودان ارتفع بشكل كبير جدًا، لكن ثقافة الشرف والعار تمنع الكثير من النساء من البوح، وهذا يشمل الاغتصاب الجماعي في مناطق النزاع في الخرطوم ودارفور، والإجبار على التحرش الجنسي. وفي مناطق سيطرة الدعم السريع بالخرطوم ومنطقة دارفور غربي السودان، وتحديدًا ولاية غرب دارفور الجنينة، يتم اختطاف النساء للعبودية الجنسية وإجبارهن على القيام بالأعمال المنزلية مثل الطبخ والتنظيف. وتنتشر عمليات اختطاف النساء في الخرطوم، خاصة اللاتي يعملن في القطاع غير المنظم، مثل بائعي الشاي والمواد الغذائية في الشوارع، مشيرة إلى أن بعض السكان المحليين يدعون بوجود أسواق في دارفور غربي السودان لبيع النساء المختطفات.
وبحسب آلاء، فقد تعرضت نساء قبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور لاستهداف ممنهج يصل إلى حد التطهير العرقي من قبل المليشيات المتحالفة مع قوات الدعم السريع، وشتى أشكال العنف الجنسي والنفسي، والاغتصاب الجماعي وقتل أطفالهن أمامهن.
وتحمل عبير محمد طه، مؤسسة أصوات المدافعات في المرحلة الانتقالية في السودان، وهي شبكة من المدافعين عن حقوق المرأة، الأطراف المتنازعة المسؤولية عن أعمال العنف.
وتشير عبير إلى وجود العديد من حالات الاغتصاب ضد النساء، وكان المعتدون في الحالات المبلغ عنها رجال مسلحين يرتدون ملابس مدنية أو رجال مسلحين يرتدون زي الدعم السريع. وتشير إلى أن نسبة العنف ضد المرأة تصاعدت منذ بداية الحرب، في ظل غياب السلطات وصعوبة الحصول على المعلومات وتوثيق الانتهاكات.
النساء هن الضحايا الرئيسيات للحرب
وفقًا لعفراء خليفة، مؤسسة اتحاد النساء الديمقراطي في السودان، يتنوع أشكال العنف التي يتعرضن لها النساء في السودان، حيث يتحمل المجتمع والسلطة الذكورية والقوانين والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى أطراف النزاع مسؤولية هذا العنف. يتنوع العنف بين العنف المنزلي واللفظي والجسدي والتحرش والاغتصاب، ويمكن أن يكون المعتدي في هذه الحالات أحد أفراد الأسرة أو أحد أطراف الصراع المسلح، سواء كانوا من الجيش أو مليشيات الدعم السريع، كما يحدث في مناطق مثل الخرطوم وغرب دارفور. وتشير إلى وجود حالات للضحايا التي تم استقبالهن في مراكز الإيواء في ولاية القضارف. وتضيف أن هناك أيضًا العنف الاقتصادي الذي يتعرضن له نتيجة للهروب أو رحيل رب العائلة، والعنف القانوني الناتج عن عدم وجود عدالة خاصة في القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية.
تقول عفراء: “عمومًا في عنف حاصل على النساء في كل أنحاء ولايات السودان المختلفة رغم القوانين التي تحمي النساء، لكن يظل العنف عليهم قائم وبصورة موجعة جدًا. ممكن نقول أن النساء هم أكبر متضرر من الحرب في السودان. هم الضحايا.”
وتوضح عفراء أنه تم إطلاق منصة ومكاتب إلكترونية للتبليغ عن حالات الاعتداء والعنف، بجهود المجتمع المدني الذي يعمل على توعية المرأة بحقوقها وكيفية المطالبة بها. وتخصص بعض الحركات النسوية مكاتب داخل دور الإيواء لرصد الانتهاكات والحد منها.
أسيل أبو ذر، مسؤولة النوع الاجتماعي والشباب في المبادرة السودانية لحقوق الإنسان، ترى أن النساء في السودان مهددات بالتحرش والاغتصاب والاعتقال والخطف، وأن دارفور التي لم يتوقف الصراع بها، كانت الكثير من حالات الاغتصاب من قِبل عناصر الدعم السريع أو الجنجويد. لكن مع اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣، تصاعدت وتيرة العنف ضد النساء خاصة في الخرطوم ودارفور.
وتشير أسيل إلى أنه في الماضي كانت هناك محاولات لتحقيق العدالة للضحايا، لكن بعد النزاع الحالي أصبح من الصعب على الضحايا الإبلاغ، بسبب عدم وجود جهات لتلقي البلاغات وغياب نظام قضائي ورقابي. وتشير إلى أن طرفي الصراع كانا على رأس السلطة، وبالتالي يصعب عليهما توجيه الاتهامات لمن ينتمي إليهما.
جهود التوثيق والتبليغ عن هذه الحوادث
“تجمع كنداكات جنوب الخرطوم” هي واحدة من الحركات النسوية في السودان لدعم وحماية المرأة. تقول المسؤولة الإعلامية للحركة: “تم تشريد النساء في السودان، إما لاجئات أو نازحات، أو وسط القصف والرصاص والمدافع والمضادات الجوية. وتم استغلالهن كدروع بشرية، وتعرضن للتحرش والاغتصاب، إضافة إلى الظروف المعيشية القاسية، وعدم الدفع من رواتب شهرية، وانقطاع الكهرباء والمياه، وندرة الدواء أو غيابه، وارتفاع أسعار الخدمات الصحية في مناطق الحرب.” وتشير إلى أن الكثير من النساء الناشطات في المجتمع المدني يلعبن دورًا رئيسيًا في هذا السياق.
ووفقًا لسليمى إسحاق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل بالحكومة، فقد تم توثيق ١٤٦ حالة اغتصاب منذ بداية الحرب وحتى شهر أكتوبر. وقعت هذه الحوادث في ولايات إقليم دارفور الخمسة، بالإضافة إلى ولاية كردفان وولاية الخرطوم مع مدنها الثلاث. تركزت معظم البلاغات المسجلة على حالات الاعتداء الجنسي في غرب السودان، وكانت هذه البلاغات، إلى جانب وقوع المجازر، سببًا في تقديم والي إقليم دارفور طلبًا إلى المحكمة الجنائية.
وكان قد كشف كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في ١٤ يوليو عن عمليات نهب وحرق منازل وإعدامات خارج نطاق القضاء، موجهًا تعليمات لمكتبه “من أجل إيلاء الأولوية للجرائم ضد الأطفال والجرائم الجنسية والعنف القائم على النوع الاجتماعي.”