قصص نساء غير متزوجات مع كفالة الأطفال في مصر

m-t-elgassier-G_acucnTJNw-unsplash

“لم يأت قرار الكفالة فجأًة، ولكن حلم ظل يكبر معي منذ زيارتي المدرسية الأولىَ لدار أيتام قبل 25 عامًا، تعلقت بأطفال الملجأ وسألت مُعلمتي ينفع يجوا معايا البيت؟” هكذا تبدأ ياسمينة الحبال، 40 عامًا، قصتها كأول مصرية غير متزوجة تكفل طفلة في منزلها في ٢٠٢٠.

ياسمينة التي تعمل مُوظفة بأحد مكاتب الأمم المتحدة بالقاهرة وتعيش بمفردها، تخبرني أن علاقتها بالدار استمرت منذ تلك الزيارة، وقامت بكفالة ثمانية فتيات في الدار (بمعنى توفير المال لهن للدراسة وغيرها من الضروريات). ولكن ياسمينة لم ترد أن تتكفل بهن عن بعد فقط، ولكن هذا لم يمكن ممكناً، فالقانون كان يسمح فقط للنساء المطلقات أو الأرامل بكفالة الأطفال في المنزل.

Videos by VICE

عرفت مصر نظام الأسر البديلة منذ عام 1959، وهو يقوم على إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية خاصة مجهولي النسب بعائلات يتم إختيارها وفقاً لشروط ومعايير تؤكد صلاحية الأسرة وسلامة مقاصدها لرعاية هؤلاء الأطفال دون إستغلال لهم أو لمصالح ذاتية . 

مؤخراً، أجرت وزارة التضامن الاجتماعي تغييرات على شروط الكفالة باللائحة التنفيذية لقانون الطفل المصري كان آخرها القرار الوزاري رقم ١١٠٤٣ لسنة ٢٠٢٠، وشملت تعديلات ضرورية وأساسية على عدة مسميات خاطئة من بينها تغيير وصف “لقيط” لـ”معثور عليه”، و”مجهول النسب” لـ”كريم النسب.” كما شمل القرار تعديل بعض الشروط، منها أن يكون أحد الزوجين مصريًّا وليس الاثنين، وخفض سن الأسر من ٢٥ سنة لـ٢١ سنة.

وسمح القرار بحصول الأسر على الوصاية الكاملة للطفل بعد اجتياز تقييم من الوزارة، كما سمح بمنح الطفل الاسم الأول فقط للأم في خانة الأم في شهادة الميلاد، وإضافة لقب العائلة أو اسم الأب الأول في خانة الأب في شهادة الميلاد. 

وكان من بين أهم التعديلات هو اتاحة الفرصة لغير المتزوجات مالا يقل عن ثلاثين سنة لكفالة طفل والذي كان يقتصر على الأرامل والمطلقات فقط.

ياسمينة تقول أن جميع محاولاتها بكفالة فتيات بمنزلها كانت دائماً ترفض، لكونها عزباء، ولكن التعديلات جاءت لصالحها: “انتظرت كثيرًا، حتى تعرفت من خلال صفحة يلا كفالة بأن لوائح قانون الطفل تغيرت وأصبحت في صالحي.”

“ماما ياسمينة” كما تحب مناداتها بدأت أول خطواتها الرسمية في الكفالة باستمارة عبأتها على الموقع الإلكتروني لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية ومن ثم مقابلة لجنة الوزارة – المُكونة من 18 عضو في تخصصات مختلفة كالصحة النفسية، التضامن، الشؤون القانونية، الأزهر- والإجابة عن الأسئلة المُكثفة لمعرفة أسباب رغبتها في الكفالة وقدرتها على تحمل هذه المسؤولية، وتقول: “ماذا لو تزوجتي، ماذا سيحدث للطفلة، كان هذا أحد أسئلة اللجنة الحكومية، اندهشت من السؤال في الواقع وكانت اجابتي “دى بنتي، لو العريس رفضها هو اللي يمشي.”

نجحت ياسمينة في استكمال أوراقها الرسمية للكفالة، وحصلت على موافقة وزارة التضامن الاجتماعي للبحث عن طفلة حديثة الولادة كما ترغب: “كنت عايزة طفل صغير بالعمر أشعر كأنني ولدته من رحمي، كل تجاربه في الحياة تبدأ معي.”

قامت أحد دور الرعاية بالسويس بإرسال تفاصيل طفلة عمرها أسابيع قليلة، وأرسلوا صورتها وبمجرد رؤيتها تقول ياسمينة أنها شعرت كما لو  My heart missed a beat وتضيف: “كانت جميلة ورقيقة للغاية وقررت كفالتها. بقيت اتابعها لمدة 3 شهور، لأن الوزارة تمنع كفالة الاطفال قبل هذا العمر. في أكتوبر الماضي جاءت لتعيش معي في المنزل، واخترت لها اسم غالية وعمرها الآن 6 شهور.”

على الرغم من أن القانون تغير، إلا أن النظرة المجتمعية السلبية لا تزال هي نفسها فيما يتعلق بكفالة طفل من قبل مرأة غير متزوجة. الرفض بالبداية جاء من والدها، كما تخبرني ياسمينة: “أبي رفض الفكرة تمامًا شكًلا ومضمونًا، وبدأ يسرد عليَ الأمثال الشعبية المتخلفة مثل “يامربي في غير ولدك، يا باني في غير ملكك.” وإن كفالتي لطفلة سًيقلل من فرصي للزواج، واستخدم كرت الدين وقال أن التبني حرام، ولكني أجبته التبني حرام ولكن الكفالة حلال، نحن لا نغير نسب الفتاة لعائلتنا. لم يقتنع، وهو يرفض زيارتي منذ وصول غالية للمنزل.”

مبررات الرفض سمعتها ياسمينة من أختها كذلك: “لقد قامت أختي بسرد كل مشاكل الزوجة المفروسة من أبنائها مثل: تربية الأطفال مسؤولية كبيرة، كيف ستدفعين مصاريف المدارس، ستحرمين نفسك من السفر والخروج مع أصدقائك، نحن نشعر بالملل من أولادنا الذي انجبانهم، لماذا تبحثين عن مسؤولية جديدة؟”

وتضيف ياسمينة في ردها على اختها: “لم أتردد في الإجابة بإنِني قادرة على تحمل هذه المسؤولية، لأنني اؤمن أن الأطفال الأيتام مكانهم الطبيعي البيوت وليس الملاجىء، وبنتي غالية وأخواتها بدور الرعاية لم يفعلوا ذنبًا ليوصمهم المجتمع وينبذهم. وأنا مقتنعة بأن تربيتي لغالية ستكون على الثقة بالنفس والإستقلال، ومن سيقول لها كلمة مسيئة تجرحها سأضع أصبعي في عينه.”

اخيرًا، اقتنعت اخت ياسمينة بأنها قادرة على العناية بطفل، “أصبحت الآن تسأل عن غالية قبل السؤال عني.”

ما تعرضت له ياسمينة، حصل بشكل أكثر تعقيداً مع مروة إبراهيم، عند كفالة ابنها يحيى فقد كان عليها الاختيار بين الاستمرار بالوظيفة أو ضياع حلمها المنتظر منذ سنوات في كفالة طفل.

تقول مروة، 42 عامًا، والتي تعمل موظفة بمؤسسة حكومية مصرية أنه مع انتشار الموجة الأولى من جائحة كورونا العام الماضي واجهت أزمة في الحصول على الاجازة الرسمية مدفوعة الأجر المخصصة للأمهات ذوات أطفال أعمارهم أقل من 12 سنة التي أقرتها الدولة آنذاك، لكونها تعتبر “أم حاضنة.”

لم يكن هذا التمييز سوى حلقة في سلسلة مليئة بـ التعسف والبيروقراطية واجهتها مروة لإثبات حقها في الحصول على إجازة كما تخبرني: “كل خطوة كانت تثقل روحي، هذه المحاولات والرجاء للموظفين من مكتب لآخر للحصول على حقي في الأجازة للعناية بإبني الرضيع، وردود الفعل التهكمية. ولن أنس ماقالته إحدى الزميلات “مينفعش ترجعيه دار الأيتام” ارجع إيه هو فستان،” تتسأل مروة بغضب واندهاش.

يأست مروة من مماطلة اللجان ورفض المؤسسة لإعطائها أجازة سنوية بدون مرتب من أجل رعاية الطفل؛ خاصة بعد قرار الدولة بعودة كل الموظفين/ات للعمل. وتضيف: “واجهت أزمة أخرى مع استمرار غلق الحضانات حماية للأطفال في ضوء الإجراءات الاحترزاية، وكنت اصطحب يحيى أحيانًا معي للمكتب وهو ما أثار انزعاج الموظفين، في النهاية هو مكان عمل وليس حضانة، أفهم ذلك. وبعدما طرقت كل الأبواب للحصول على حقي القانوني كأم تريد أن تتفرغ لرعاية رضيعها وفشلت، تقدمت باستقالتي.”

تقول مروة أنها لم تندم اطلاقًا بعد الاستقالة “خسرت الوظيفة وكسبت يحيى.” وتضيف: “لم أكفله لأعرضه للإهمال وعدم العناية، لدي معاش أمي وأبي الراحلان، ولكن ماذا عن موظفات أمهات حاضنات لا يتمتعن بذات الإمكانيات؟ الكفالة حق يكفله القانون المصري، ولكن التطبيق على أرض الواقع محبط ومليء بالعراقيل والوصم والتمييز وتظل تلاحقنا جملة واحدة (أنتِ لست أمًا).”

وعن أهمية تعديل القانون ليسمح لغير المتزوجات بالكفالة، ترى مروة أن التعديلات الأخيرة على القانون بمثابة “متنفس جديد، فهناك الكثير من النساء المستقلات ماديًا وناجحات وقادرات على تحمل مسؤولية طفل بمفردهن.” أما ياسمينة فتعتير أنها “خطوة جيدة جدًا وفرصة لتحقيق حلم الأمومة لمن ترغب من النساء بدون ربطها بالزواج والإنجاب.” وقد قامت ياسمينة بتدشين صفحة “ماما ياسمينة” لنشر ثقافة الكفالة والتوعية بأهميتها في مصر ومواجهة الأفكار النمطية التي تمنع ملايين النساء من القيام بهذه الخطوة.

وبسؤالها عما تغير في حياتها بوجود يحيى، تقول مروة: “حياتي تغيرت 180 درجة، أصبح محور كل حياتي، وأعطاني إحساس عارم بالسعادة، ومنحني دافع لأعيش الحياة وجعلني أهتم بصحتي من أجل الاهتمام به، رغم أن عمر يحيي لا يتجاوز العام والأربع شهور، الإ انه يعطيني إحساس قوي بالعائلة والسند. واكتشفت إنه يُعطيني أكثر ما اعُطيه من حنان ومحبة، ولم يعد يشغلني تنمر أو وصم من الجيران أو الزملاء، بل أصبح هدفي الوحيد التخطيط لمستقبل يحيى ولحياة أفضل من الحضانة وصوًلا للجامعة.”

وعن الحياة مع غالية، تقول ياسمينة: “كل شيء أصبح يدور وينُظَم من أجل غالية. مشاركتها حياتي وتفاصيل يومها ممتعة جدًا، خاصة مع بقائي في العمل بالمنزل هذه الفترة بسبب ظروف كورونا. غالية أصبحت بنتي وصديقتي، وأحلم لها بحياة جميلة تعيش فيها سعيدة وحرة.”