بدأت مأساة العالقين في غزة تتفاقم سنة بعد الأخرى منذ سيطرة حركة حماس على معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية بعد طرد السلطة الفلسطينية بالقوة العسكرية في حزيران 2007. وأدى انسحاب الوفد الأوروبي وهو الطرف الثالث في “اتفاقية المعابر” التي أبرمت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 2005 إلى حدوث إرباك كبير على المعبر والذي يمثل المنفذ الوحيد للخروج من سجن غزة الكبير، كما يطلق عليها البعض، نتيجة للحصار الإسرائيلي على القطاع وإغلاق المعبر البري الآخر المخصص للأفراد الذي يربط غزة بإسرائيل.
منذ ذلك التاريخ سمحت السلطات المصرية بفتح معبر رفح، والذي يقع عند مدينة رفح بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في مصر، أمام الفلسطينيين بشكل استثنائي لمرور بعض الحالات الإنسانية، حيث لعبت العلاقات السياسية المتذبذبة بين حركة حماس التي تسيطر قطاع غزة والنظام الحاكم في جمهورية مصر العربية دوراً جوهرياً بين تقديم التسهيلات على عمل هذا المعبر تارة أو تعقيدها تارة أخرى.
سكان القطاع المحاصر وجدوا أنفسهم ضحايا هذه التجاذبات وأصبحت حياتهم مرتبطة بفتح وإغلاق هذا المعبر، فيومياً هناك الآلاف من العالقين في قطاع غزة الذي يحاولون منذ سنوات الخروج للعلاج أو الدراسة أو العمل أو حتى الهروب من واقع هذا الشريط الساحلي المحاصر. التقينا عدداً من هؤلاء العالقين على معبر رفح من الناحية الفلسطينية و سألناهم عن تأثير إغلاق المعبر على حياتهم ومستقبلهم:
Videos by VICE
“أعاني من شلل في الجزء السفلي من جسدي وبتر في ساقي اليمنى وأنا عالقة على معبر رفح منذ عام وأحاول السفر إلى جمهورية مصر العربية من أجل العلاج، ساقي اليسرى مهددة بالبتر بعد انتشار مرض الغرغرينا فيه. كل شهر أقضي حوالي عشرة أيام في المستشفى، وفي كل مرة يتم بتر جزء من قدمي في محاولة للسيطرة على انتشار المرض في باقي الساق. الله يفرجها.”
حنان برهوم، 35 عاماً، خيّاطة ومتطوعة في فريق للتطريز ضمن مؤسسة لذوي الاحتياجات الخاصة، تسكن مع والدتها في وسط مدينة رفح
“كل ما أريده هو أن أتمكن من السفر كأي مواطن عادي فأنا أحاول الخروج من غزة عبر معبر رفح منذ عام 2013، وخلال عملي كمصور فوتوغرافي قمت بتغطية حرب غزة عام 2014 ويوميات حصار قطاع غزة وحصلت على العديد من الجوائز الدولية ولكني لم أتمكن من السفر لاستلامها.
مؤخراً حصلت على فيزا هولندية بعد أن تمت دعوتي لحضور معرض صور شاركت فيه مع فنانة هولندية تدعى ماريانا قَدمت إلى قطاع غزة بعد حرب 2014 لإقامة مشروعها الفني الذي قام على تحويل حطام بيت تعرض للقصف إلى تحف فنية، حيث قمت بتوثيق تجربتها بعدستي على مدار ستّة شهور. بعد أن اجتزت الإجراءات الصعبة للحصول على فيزا من السفارة الهولندية في القدس في شهر سبتمبر هذا العام وبدأت التجهيز للسفر، ها أنا اليوم انضم الى آلاف العالقين والمنتظرين لفتح معبر رفح.”
عز الزعنون، 25 عاماً، مصوّر فوتوغرافي، يعيش مع عائلته المكونة من 14 فرد، في بيت يقع على أطراف مخيم الشاطيء في الشمال الغربي لمدينة غزة
“آخر مرة تمكنت من السفر خارج غزة كانت في العام 2013 بعد رحلة قصيرة في إيطاليا، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم مازلت أحاول الالتحاق بعائلتي التي تتوزع بين مجموعة من الدول الأوروبية. حصلت مؤخراً على فيزا من السفارة الاسبانية لزيارة أختي التي لم التقي بها منذ سبع سنوات، ولكن حال معبر رفح بيني وبين تحقيق هذا الحلم، وأقيم حالياً في شكل مؤقت مع عائلة أخي عبد العزيز في شقة سكنية في حي النصر وسط مدينة غزة. منذ عام 2014 حصلت على أكثر من فيزا، ولكن في كل مرة كانت تنتهي مدة السفر المحددة بالفيزا قبل أن يصلني الدور على معبر رفح. تعبت يا الله.”
زكية البيومي، 23 عاماً، ناشطة في مؤسسات المجتمع المدني
“حصلت على معدل 90% في امتحان شهادة الثانوية العامة فرع علمي في عام 2016 وفي نفس العام بدأت بتجهيز نفسي للسفر من أجل الدراسة في ألمانيا، وقمت بإنجاز جميع المعاملات اللازمة لذلك كما أنهيت جميع المستويات الأولى من صف اللغة الألمانية وتمكنت بالفعل من الحصول على فيزا ألمانية إلا أنني لم أتمكن من السفر نتيجة لإغلاق معبر رفح، وانتهت المدة القانونية المحددة للفيزا.
اضطررت بعد ذلك إلى تغيير وجهتي نحو جمهورية مصر العربية بعد حصولي على قبول في تخصص الطب البشري من جامعة الزقازيق، والآن أنا بانتظار فتح معبر رفح منذ عدّة شهور. أنا أبتسم رغم الضغوط النفسية الكبيرة التي أعيشها منذ حوالي سنة، فمستقبلي كله على المحك. قتلني الإنتظار.”
عبد الله الغول، 20 عاماً، طالب، يعيش مع عائلته في الحي السعودي أقصى غرب مدينة رفح
“غادرت غزة أثناء الحرب الأخيرة، وتمكنت من إتمام جميع الاجراءات للحصول على الجنسية المصرية في عام 2014 ثم عدت إلى قطاع غزة من أجل الزواج بعد قصة حب استمرت لسنوات حيث نجحت بالارتباط بزوجتي فلسطين بعد القيام بحملة إلكترونية طلبت فيها مساعدة أصدقائي حول العالم للمشاركة في تكاليف العرس.
منذ ذلك العام وأنا أحاول العودة إلى مصر من أجل الإقامة هناك أنا وزوجتي إلا أن إغلاق معبر رفح يقف حائلاً أمام ذلك، الوضع في غزة لا يُحتمل، فلم أستطع إيجاد أي فرصة عمل منذ تخرجي من كلية الهندسة من جامعة فلسطين في 2013، وأعمل حالياً كمصمم جرافيك حر عبر الإنترنت لتوفير الحد الأدنى من المصاريف اليومية ولكن الأوضاع صعبة وخاصة أنني سأستقبل مولودي الأول خلال شهور، أحتاج إلى الخروج من غزة وإيجاد عمل جيد.”
عبد الحكيم زغير، 30 عاماً، مهندس معماري عاطل عن العمل، يقيم مع زوجته فلسطين في شقة سكنية تقع في حي تل الهوا غرب مدينة غزة
“أعاني من مشاكل صحية في العينين منذ عدة سنوات وحاولت معالجة المشكلة في مستشفيات غزة ولم تتحسن حالتي، فقد انقسمت آراء الأطباء بين أن ضرورة إجراء العملية في أسرع وقت وبين التخوف من إجرائها خشية من أن أفقد بصري، عندي تخوف شديد من إجراء العملية في غزة فهناك عشرات الأخطاء الطبية التي سمعت عنها، مشكلتي تتعلق بالنظر، أي أن حالتي حساسة جداً وكل يوم تتفاقم المشكلة بشكل أكبر وتضعف الرؤية، فأنا أعاني من انحراف القرنية ومياه بيضاء خلقية.
منذ حوالي سنة وأنا أحاول السفر عبر معبر رفح من أجل العلاج، قمت بتعبئة عشرات المعاملات البيروقراطية من أجل الخروج للعلاج في مستشفيات جمهورية مصر وحصلت على نموذج تحويلة خارجية غير طارئة من قبل دائرة العلاج بالخارج، ولكن لم أتمكن من الخروج حتى الآن ولا زلت بإنتظار فرصة المرور عبر معبر رفح منذ أعوام.”
إيمان الحاج، 28 عام، بكالوريوس محاسبة، تعمل عبر الإنترنت كمحررة ومديرة محتوى من بيتها الكائن في حي النصير وسط قطاع غزة
“حصلت على شهادة الثانوية العامة – فرع أدبي بمعدل 84.7% عام 2016 وخلافاً لرغبتي التحقت بكلية التربية قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر بغزة، ولكني لم أتوقف عن المحاولة من أجل نيل فرصة للدراسة في الخارج في أحد أقسام الصحافة والإعلام خارج قطاع غزة وحصلت مؤخراً على منحة مقدمة من الحكومة التركية، وعلى قبول في جامعة الأناضول التركية.
وافق أخي هشام على مرافقتي في السفر بعدما طلبت منه ذلك، حيث وجد هو الآخر في ذلك فرصة من أجل تحسين ظروف حياته، فبعد أن أنهى دبلوم في التصميم والمونتاج من كلية العلوم والتكنولوجيا ظل عاطلاً عن العمل وهو يرغب أيضاً في السفر للحصول على فرصة عمل تناسبه، ومنذ شهور نتقاسم ضغط الترقب والانتظار.
بنيت كل مستقبلي على هذه المنحة، فقد تركت الدراسة في قسم اللغة الإنجليزية هنا في غزة، وأنتظر موعد سفري، واخترت هشام لمرافقتي من أجل مساعدتي في سنواتي الأولى على الاستقرار، وعلى الغربة، فهو هاديء ومتفهم وعنده تجربة وأنا أثق به. لا نزال ننتظر فتح معبر رفح من أجل السفر منذ شهر يوليو الماضي.”
رزان وهشام أبو عساكر، 19، 26 عاماً، طالبة ومصمم جرافيك