كيف أتحرر من أهلي المتدينين؟ وهل أعود لعلاقة toxic؟ نصائح من القلب المكسور

Heartbroken6

أنا أسكن في كندا. وحيداً…

ترعرعت في عائلة متدينة جداً، كنت أذهب إلى المسجد يومين في الأسبوع حتى أتممت السابعة عشر، وأحفظ من القرآن الكثير، لكنني لست بَتولاً، وأشرب الخمر، وأحياناً أتناول بعض الماريجوانا لتساعدني على النوم. كل هذا وعائلتي لا تعلم شيئًا.. هُم في وادٍ وأنا في وادٍ، في كل مرة أتحدث مع أمي تسألني: “كيف صلاتك؟”، “هل صليت اليوم؟”، “من يَتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.” أنا لا أتقي الله، وأعتقد أن حياتي في كندا كانت أفضل مخرج حصل لي، وأعمل براتب أفضل وأعلى من جميع أصدقائي وإخواني الذين “يتقون الله”.. هناك صراع دائم في عقلي، هل ما أفعله صحيح؟ الماضي ما زال يلاحقني، وكل قصص جهنم والنار التي سمعتها منذ نعومة أظفاري تأتي لي على شكل كوابيس. دائماً ما أقارن نفسي بأصدقائي في كندا، لهم حياتهم الخاصة، ولا أحد يتدخل بما يعتقدون، لهم حرية في التعبير، ولهم استقلالية.

Videos by VICE

هناك سؤال دائماً ما يراودني، بلاد المسلمين مملؤة بالفقر والدم والظلم والقهر، مع كل الالتزام بالدين الذي يمارسون، بينما “بلاد الكفار” مملؤة بالحب والسلام واحترام الآخر، وحرية التعبير.. أسئلة صعبة، تسبب لي الأرق كل يوم مع العلم أنني أتحدث لمعالج نفسي مرة كل أسبوعين، تم تشخيصي بـ PTSD.

صديقي المُرْهَق،

أتفهم مشاعرك تمامًا، وأشعر بالأسف للإرهاق والضغط والحيرة الذين يطاردونك. للأسف يا صديقي إن مجتمعاتنا غارقة في التدين الشكلي، الذي يهتم بالمظهر، والعبادات، وحزمة تصرفات معينة ترضي من حولك بالأساس، دون اهتمامٍ بجوهر الأديان (وكل فلسفة شبيهة تحاول تفسير الحياة وتنظيمها)، وهو أن نكون أشخاصًا أفضل، غير مؤذيين، ونعيش باتساق وتوازن، وسلام مع النفس والعالم. للأسف أيضًا فإن الهجرة لا تكفي أحيانًا لنتحرر من هذا العبء، وجذورك قد تطاردك، وتكدر حياتك، كما يحدث معك الآن.

جزء كبير من صراعك النفسي يأتي من تعارض تربيتك المتدينة المغلقة كطفلٍ، مع انفتاحك على الحياة كرجل بالغ، واكتشافك واستكشافك، لحقائق جديدة. شعورك بالارتباك طبيعي، ومر به كثيرون من شباب جيلنا، البعض اكتئب، والبعض شعر أن الحياة لا تستحق أن تؤخذ بجدية، ولنستمتع بالممكن منها، والبعض شعر بالهلع لانهيار كثير من قناعاته واكتشافه زيفها أو قصورها، لكن الكل -صدقني- لم يندم قط على خوض هذه الرحلة. لا أحد يندم على تمتعه بعقل منفتح للأسئلة، وبحثه عن إجابات، لأنه سيكسب نفسه في نهاية المطاف، سواء أعادته تلك الإجابات لأفكاره القديمة باقتناع، أو تغيرت قناعاته ١٨٠ درجة لهذا أؤكد لك: اترك لعقلك العنان، تساءل كما تحب، ابحث عن إجابات ترضيك وتشعرك بالطمأنينة. لا توجد إجابات نموذجية صالحة للجميع، ولا رؤية دينية (أو فلسفية) هي الصواب المطلق الوحيد، كل ما يجب أن تحرص عليه هو إنسانيتك. ألا تضر أو تضار، وألا تكون مؤذيًا، أو معتديًا، أو مسيئًا. هذا أهم شيء في العالم، وفيما عداه يمكنك أن تنغمس الحياة وتخوض تجاربها كما شئت، لتحدد مواقفك منها، ورغباتك واختياراتك الحقيقية، ولا تهتم برأي أي شخص آخر في هذا.

من الجميل أنك تعيش وحدك، وتتمتع بدرجة من الاستقلالية -المكانية على الأقل- بعيدًا عن أهلك، لكن ربما عليك السعي لاستقلالية كاملة عنهم. ابدأ بوضع حدود واضحة بينك وبينهم، وحدد ما لا تقبله، وما ترفض أن تناقشه، أو تُسأل عنه، واكسب حقك في الاستقلالية النفسية بعيدًا عن الضغوط والأسئلة التي تشعرك بالتلصص على حياتك ومحاصرتك، وسيؤهلك هذا للاستقلالية الفكرية التي ستقودك إلى إجاباتك الخاصة. وضع الحدود في جميع العلاقات أمر مهم، ولا يعني هذا أنك لا تحب أهلك أو أنك تقسو عليهم، لكن الحب لا يعني أن تترك قلبك مشاعًا للأذى. احم نفسك، ومن يحبك لن يتجاوز حدوده معك ويؤذيك بالتأكيد.

تابع جلسات العلاج النفسي، وتحدث مع طبيبك عن وضع حدود مع أهلك، فسوف تفيدك ملاحظاته في اختيار الوسيلة الأنسب والأقل ضغطًا عليك. أشعر بالامتنان لأنك في بيئة آمنة تهيئ لك الحرية والحماية لتخوض رحلتك الفكرية بسلام، وأؤكد لك أنك ستصل للراحة والاستقلالية التي ترغب فيها، الأمر فقط مسألة وقت، امنح نفسك هذا الوقت لتفكر وتتحرر من القالب المفروض عليك، ولا تقسو على نفسك أو تجلدها، فحتى لو كنت ترتكب أخطاءً فهذا حقك تمامًا. من حقنا أن نجرب ونخطئ لنتعلم ونحسن الاختيار لاحقًا، هذه هي الحياة الحقيقية، وكل إيمان لم يبن على شكٍ لا يعوَّل عليه. الوعي دائمًا مرهق، مؤلم، لكنه يوصلنا لأنفسنا الحقيقية، ويجعلنا نكسب حياتنا، واختياراتنا، وننتهز الحياة لأقصى درجة، ولا نُضيّع عمرنا أسرى مخاوف وأفكار، أغلبها لا يخصنا، ولسنا مقتنعين بها حقًّا. ستكون بخير بالتأكيد، أيًّا كانت نتيجة رحلتك، ستكسب نفسك بلا شك.

كنت بحب واحد لمدة سنتين بس كانت العلاقة toxic جداً فتركته، وصارلي سنتين ونص تاركاه، حاول يرجع كتير بس أنا كنت أرفض. في السنتين ونص هادي أنا ما تعرفت على ولا حدا جديد، ما كنت جاهزة لسى، وكنت خايفة كمان إنه ارجع أوقع بنفس الغلط.. السؤال هو: تنصحيني أدخل في علاقات وأحاول أتعرف على ناس جديدة؟ ولا الحب الصح بيجي في وقته؟ أنا عايشة في مجتمع عربي، والضغط النفسي عليا كتير عشان صرت ٢٥ سنة ولسى ما تزوجت. أنا طبعاً رافضة فكرة إن الزواج له عمر، بس بتعرفي كيف المجتمعات العربية بتفكر.. شكراً.

صديقتي المترددة، 

من سخافات الحياة في مجتمعاتنا الظريفة هو الضغط الذي يحيطنا به الجميع في أبسط تصرفاتنا وحقوقنا، وحين يتعلق الأمر بحياتنا العاطفية، يتحول هذا الضغط إلى جحيم..تساؤلات لا تنتهي، وابتزاز عاطفي، وإلحاح وسماجة. لماذا لم تخطبي بعد؟ لماذا لم تتزوجي بعد؟ “مفيش حاجة جاية في السكة”؟ “هاتي بيبي عشان تفرحي بيه”.. “يالا شدّي حيلك عشان تخاويه”.. وهكذا وهكذا، هؤلاء المتطفلون لن يختفوا من حياتك إلا عندما يتأكدون أنك غارقة تمامًا ودخلت “الساقية” بلا فكاك. دعك منهم، أنتِ على حق.

اختيار شريك حياة يتوافق معنا ليس أمرًا سهلاً في بيئة سوية وعادلة. كسيدات عربيات نحن محاطات بالذكوريين، والمتحرشين، والمسيئين، والمستغلين، أو ذوي العقليات التقليدية غير المتوافقة معنا. العثور على رجل طيب متحضر وسط هذا صعب، والعثور عليه لا يعني أنه سيكون نصيبك فببساطة يمكن ألا تتوافق شخصياتكما..لا أحد سيتفهم هذا. أحسنت صنعًا بالانفصال عن حبيبك السابق وتخلصك من علاقة مؤذية لا تناسبك، وما حدث بعدها من عزوف عن الارتباط شيء طبيعي وصحي، فمن المهم أن تمنحي نفسك فرصة للتعافي، وإعادة التفكير، ومعرفة ما تريدينه حقًّا في حياتك العاطفية، ومستقبلك عمومًا.

هذه إجابة سؤالك.. ما الذي تريدينه حقًّا؟ كامرأة عازبة لديك كثير من الاختيارات، بوسعك المواعدة لمجرد المرح وقضاء وقت طيب مع شخص لطيف ترتاحين له، ويمكنك المواعدة بغرض أن تجدي علاقة تسير إلى تطور ما، وبإمكانك انتظار الحب حتى تشعرين بانجذاب ناحية شخص بعينه، وبإمكانك البحث عن شخص يرغب في بناء عائلة لتسكشفا معًا إمكانية توافقكما من عدمها. الزواج ليس له سن معين ولا تاريخ صلاحية فعلاً، لكن هل الحب الحقيقي يأتي في وقت بعينه حتى لو لم نسعى له؟ لا أحد يدري قطعًا، البعض يبحث والبعض ينتظر.

كل الاختيارات جيدة ومقبولة، فافعلي ما يريحك ويناسب طاقتك النفسية، لأننا لسنا في سباق مع أحد، ولسنا مضطرين لفعل شيء ضد رغبتنا لنحظى بقبول اجتماعي، وما يناسبك لا يناسب غيرك. وأيًّا كان اختيارك، استمتعي بحياتك. نحن لا نملك الحب ولا الزواج لأنه أمر قدري خارج عن إرادتنا، لكننا نملك اختيار سعادتنا، وملء حياتنا بكل التفاصيل الممتعة، والأشخاص الذين يحبوننا ونحبهم. الحب والزواج عامود واحد ضمن أعمدة كثيرة تقوم عليها حياتنا كأشخاص ناضجين، ولن يستوعب هذا الأشخاص الذين يقيمون حياتهم كلها على عامود واحد، لأنه لو انهار سينتهي كل شيء.

هاي.. أنا مشكلتي بصديقتي المقربة لأنه حرفيا كل المراحل عم نساوي نفس الشي، يعني (نفس المدرسة، نفس المستوى، نفس القصة، ونفس الـcv) يعني ما بقدر احس حالي إني غير أو ما حدا بيشبهني بسببها، وهو ما يصيبني بالإحباط. بالأول ما كانت مشكلة كبيرة بالنسبة إلي بس بعدين بلشت أتضايق لأنه رح ناخد نفس الفرص وما في اختلاف. ما حابة أبعد عن صديقتي بس كيف بدي أتغير لشي أحسن أو غير؟

صديقتي الباحثة عن التميز، 

الرغبة في الاختلاف والتميز حافز مهم جدًّا بالنسبة لنا كبشر، فهو يدفعنا نحو أحلامنا، ولتطوير أنفسنا، وصقل مهاراتنا، وكثيرًا ما يغير عالمنا الصغير كأشخاص، والكبير كمجتمع إنساني. مشاعرك مقبولة تمامًا، وتحدث كثيرًا، لكن انتبهي من أن تأخذك إلى الجانب المظلم. كل شيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وشعور الرغبة في التميز إذا تطرّف قد يورثك مشاعر سلبية ثقيلة مثل الإحباط والضيق، وعدم الرضا عن نفسك وحياتك واختياراتك، ومقارنتك لنفسك ولمن حولك، خصوصًا في عصرنا الحالي. السوشيال ميديا تعرض لنا طوال الوقت “الصورة المثالية” التي يصدرها الآخرون عن أنفسهم، ما يورثك شعورًا خادعًا بالفشل، ويجعلك راغبة في الاختلاف بأي طريقة، فتتأثر صحتك النفسية وعلاقاتك، وقد تخسرين أشخاصًا تحبينهم، أو تعيشين وأنت تكنين لهم مشاعر غير لطيفة، تُخرِّب نفسيتك بلا داعي.

مقارنة النفس بالآخرين يمكن أن تكون حجر عثرة في طريق تطوير أنفسنا ونضجنا، وتتسبب لنا بمتاعب نفسية عدة، لأننا نقارن أسوأ ما فينا بأفضل ما يُظهره الآخرون عن أنفسهم، أو تحرمنا القدرة على تقييم أنفسنا بعدالة، وإدراك تميزنا الحقيقي، وتهدر طاقتنا في مشاجرة عقلية قد نخسر فيها احترامنا وتقديرنا لذواتنا، ولا نكسب شيئًا غير الضيق والاستياء، من أنفسنا وممن نقارن أنفسنا بهم.

فلنتحدث عن مشكلتك الشخصية بالتفصيل.. أنتِ لم تذكري سنك ولا موقعك من الحياة، لكنني أتوقع أنك صغيرة السن، تخرجين للعالم حديثًا وبدأت لتوك بتقديم سيرتك الذاتية للعمل، ومن هنا جاءت المقارنة القصوى مع صديقة طفولتك، وشعورك بأن كلاكما صورة للأخرى.. هذا ليس حقيقيًّا لأن اختلاف شخصياتكما عنصر مهم جدًّا ستترتب عليه حياتيكما لاحقًا. من الطبيعي جدًّا أن تكون لك صديقة تشاركك كل شيء حتى هذه المرحلة من حياتك، لأنكما ما زلتما صغيرتين، فلا بأس أن تحملا نفس الشهادة والـCV، لكن هذا لا يعني أنكما نفس الشخصية، ولا يعني هذا أن الأمور ستبقى كذلك إلى الأبد. أنتِ الآن على أعتاب العالم الكبير، بمجرد أن تبدأ كل منكما في مسارها المهني سيختلف كل شيء. سيختلف تخصصكما، واهتماماتكما، وطرق تعاملكما مع الأمور، وتوجهاتكما في العمل، قد تنتقل إحداكما لبلدٍ أخرى، أو تتزوج، أو تأتيها منحة، أو أو… كل شيء ممكن.

ماذا تفعلين لتكسري دائرة التشابه؟ افعلي شيئًا تحبينه، وتطوري في مجالك، واخرجي لعالم أوسع.. دورات تدريبية تصقل مهاراتك، أو تعلم لغة جديدة، أو حتى درجة علمية أعلى، أو كورسات أونلاين في تخصص جديد يفتح لك طريقًا لوظائف أفضل. سيقودك هذا بالتأكيد لحياة مختلفة، مهارات وخبرات متنوعة، وأصدقاء وعلاقات أوسع. حين يحدث هذا ستكتشفين أننا كبشر متشابهون جدًّا، ومختلفون جدًّا، والمسارات الواحدة التي نخوضها لا تنتهي دومًا بنفس النتيجة، وتفكيرنا المتشابه لا يوصلنا لنفس الاستنتاجات، عندها ستحبين نقاط التشابه والاختلاف بينك وبين الجميع. لا بأس لو كنت فعلاً تشبهين شخصًا آخر، لأننا لسنا في سباق، ولا داعي لأن نضغط أنفسنا في مسابقة وهمية. لا تخسري صديقتك أبدًا لمجرد أنكما متشابهتان الآن، بل شجعيها أيضًا على أن تتبع ما يثير شغفها لتتطور في مجال تحبه، ومع تقدم العمر بكما سيكون هذا شيئًا مطمئنًا وحنونًا تسعدان به، وستقدّران كثيرًا ما حدث بعدما تفرقت بكما الطرق، وحظت كل منكما بحياتها الخاصة المثيرة ومتنوعة التفاصيل.

كل الحب والحرية،