على الرغم من فوائدها الجمة على الصحة النفسية والجسدية، بل وسعادتنا أيضًا، إلا أنه وللأسف تبقى علاقات الصداقة موضوعًا مهمشًا، أو على الأقل ليس بنفس درجة أهمية الزواج وروابط الدم. نحن -جيل الألفية- أكثر جيل يعاني من الوحدة، هذه حقيقة. وما يزيد من تعقيد الوضع هو تقدمنا بالسن وتفاقم مسؤولياتنا التي تنزل بثقلها على قلوبنا مزيحة بذلك أي وقت إضافي للتفكير في ربط علاقات خارجية أو استثمار أي جهد إضافي. لم نعد أولئك الأطفال الصغار الذين كان يتطلب منهم الأمر أن يظهروا إعجابهم بحقيبة ظهر زميلهم بالفصل حتى تتمخض عن هذه الملاحظة علاقة قوية ومتينة مليئة بالحب الخالص والتضحيات البريئة.
لقد أثرت جائحة فيروس كورونا على حياتنا اليومية وغيرت أنماط علاقاتنا الاجتماعية. الحجر المنزلي والعمل عن بعد والتقليل من التواصل الجسدي ما أمكن مع المحيطين بنا وسع الهوة أكثر بين الناس وجعلنا نعيد ترتيب أولوياتنا، وأصبح من الصعب الالتقاء بأصدقاء جدد. بحسب الدراسات، يستغرق متوسط الوقت الذي يجب قضاؤه مع شخص ما قبل اعتباره صديقًا لنا ٥٠ ساعة، فيما يتطلب الصديق الحقيقي ٩٠ ساعة.
Videos by VICE
صحيح أن هذا وقت كثير، لكن بالرجوع إلى فوائد الصداقة في المساهمة في سعادتنا وتحصيننا من الأمراض النفسية، ربما علينا أن نعيد النظر في أولويات حياتنا. بما أنني شخص منطوٍ بطبعي ولا يتعدى عدد أصدقائي المقربين أصابع اليد، بحثت في الأمر أكثر وقررت سؤال بعض الأشخاص الذين يتوفرون على أصدقاء كثر في حياتهم عن الخلطة السحرية لتكوين أكبر قدر ممكن من الصداقات والحفاظ عليها عبر الزمن.
القيام بالخطوة الأولى وعدم انتظار الآخر
“طريقتي في البقاء على تواصل والقيام بالخطوة الأولى، هذا هو سري. أبادر دائمًا للاتصال بأصدقائي أو الأشخاص الذي أود أن أعمق علاقتي معهم، وبعث رسائل بين الفينة والأخرى بمناسبة أو بدونها للإطمئنان عليهم. طبعًا يمكن أن يصبح الأمر مرهقًا في بعض الأحيان، لكنني أعلم في قرارة نفسي أنني بهذه الطريقة أضمن الحفاظ على صداقاتي. هذه الصداقات هي ما يدوم مع الوقت. أخبرك هذا عن تجربة.” –حمزة، ٢٧ عامًا، باحث
التردد على نفس المكان
“أعتقد أن السر هو اختيار مكان أشعر فيه بالارتياح مثل مقهى أو صالة رياضة أو مكتبة، والتردد عليه باستمرار من أجل الاستئناس بالمحيط والأشخاص العاملين به، يصبح شيئًا فشيئًا من السهل التأقلم مع مرتادي هذا المكان وتستمر عملية التواصل وتكوين علاقات جديدة بصورة أكثر سلاسة. الموضوع بسيط، كيف كنّا نكون صداقات من قبل؟ عبر قضاء وقت طويل معًا في نفس المكان، المدرسة أو النادي، هكذا نحن نرى نفس الوجوه مرارًا وفي نفس المكان، وبالتالي كانت العملية تمر بشكل طبيعي دون تخطيط أو تنمق. لماذ إذًا لا نرجع إلى التقنيات التي كنا نعتمدها في طفولتنا، والتي ساعدتنا كثيرًا عندئذ لإيجاد أصدقاء كثر.” –أمين، ٢٧ عامًا، مقاول
تحويل العلاقات الافتراضية إلى صداقات حقيقية
“أنصح بالذهاب إلى أماكن جديدة فيها ناس من مختلف الثقافات والتجارب والتقرب منهم وفتح حوارات معهم. ثقي بي، كل مكان جديد هو مشروع لتكوين صداقات. كما أنني أحاول دوماً نقل العلاقات الافتراضية إلى صداقات حقيقية إذا كانوا بنفس البلد أو خلال السفر، مواقع التواصل الاجتماعي تجمع الكثير من الأشخاص الذين لديهم نفس أفكاري أو أحب النقاش معهم ومجادلتهم. نجحت في تكوين صداقات حقيقية ومتينة بهذه الطريقة.” –وفاء، ٢٥ عامًا، صحفية مستقلة
عدم الاستهانة بالأنشطة الموازية أيام الدراسة
“ما ساعدني على توسيع دائرة أصدقائي ومعارفي هو أنشطة وملتقيات الجامعة. لقد نشيطة أيام الدراسة وأقضي جل وقتي في المساعدة على تنظيم وتأطير الأنشطة الموازية، هذا الأمر جعلني أحتك بمجموعة من الأشخاص والمشاهير والمؤثرين الذين يشاطرونني نفس درجة الاهتمامات. هكذا مع الوقت أصبح أصدقائي يعرفونني على أصدقائهم وهكذا دواليك، حتى وجدت نفسي داخل دائرة غنية بالمعارف والأصدقاء. كما أن وجودي النشط على فيسبوك حيث أكتب بعض الخواطر والمقالات القصيرة قربتني من الكثير من الأشخاص الذين يراسلونني، ويعلقون على ما أكتب سواء على الخاص أو في المجموعات الفيسبوكية التي كنت أنشط بها، وقد تحولت صداقتي مع البعض منهم إلى علاقات متينة خارج العالم الرقمي.” –ريم، 28 عامًا، مديرة مشاريع رقمية
لا تضيع الفرصة
“أهم شيء بالنسبة لي من أجل تكوين روابط صداقة جديدة هو الرغبة أولًا بالالتقاء والتعرف على أناس جدد. أنا شخصيًا أهوى التواصل مع أشخاص مختلفين عنّي كلما أتيحت لي الفرصة لذلك، سواء في إطار عملي أو شخصي. لا أضيع أي فرصة تظهر أمامي لخلق علاقة صداقة محتملة مع الغرباء. ما يحفزني أكثر لخوض غمار التجربة في كل مرة، هو ذلك الفضول الذي يرافق المراحل الأولى لاكتشاف الشخص الآخر ومقارنة ما تعلمته عنه بالفكرة التي كونتها عنه سابقًا. كما أنني أجد متعتي في تقديم المساعدة بكل ما سمحت به طاقتي وذلك رغبة مني في تسهيل تعزيز العلاقة بيننا. إنها طريقتي المعتمدة من أجل طمأنتهم وبناء جسر ثقة بيننا.” – مروة، ٢٧ عامًا، مسؤولة مبيعات
حفلات البيت
“ليس هناك ما هو أفضل من عزومة البيت لبناء وتوطيد العلاقات والصداقات. في مناسبة وبدون مناسبة، أقوم بدعوة أصدقائي وزملائي بالعمل إلى لمة بالبيت، قد تكون دعوة عشاء بسيطة أو دعوة لحضور فيلم أو مباراة أو مسلسل على نتفليكس أو فقط ترتيب “جلسة جدل” لتبادل الأفكار في أمر معين. ودائماً أطلب من أصدقائي أن يحضروا شخصاً إضافياً معهم. هذه الجمعات في البيت تخفف من توتر من اللقاءات في الخارج، وتقرب الجميع من بعض بشكل سلس وبدون ضغوط. لا أدعي أنني الأفضل في تنظيم هذه الجمعات، ولكن الأمر لا يحتاج للكثير من التنظيم، يمكن لكل شخص أن يحضر طعامه أو مشروبه معه. المهم هو تبادل الأفكار والنقاشات والإقتراب من بعض وتطوير صداقات حقيقية وقريبة من القلب.”
– ماجي، ٣١ عاماً، كاتبة
قول آيوه
“السر في تكوين الصداقات هو أن تقول الكثير من الـ yeses، تروح معي علي الجيم؟ ليه لا، نروح هايكنغ، أكيد. تروح معي على عيد ميلاد زميلي في العمل، ايوه بحب جداً. كلما لبيت دعوات أكثر، وقلت نعم أكثر من لا، كلما كونت صداقات أكثر. تروحي مَعرض اليوم؟” -ميلاد، ٢١ عاماً، باريستا
تطوير الثقة بالنفس
“أول خطوة للتمكن من كسر الجليد مع الطرف الآخر وتجربة الدخول في علاقة صداقة محتملة معه هي تطوير الثقة بالنفس. هذا شيء لا نولد به، لكننا نكتسبه من خلال التجارب ودروب الحياة. ما يخيفنا أكثر في البدء في أي علاقة هو الرفض أو الأحكام المسبقة. لا يمكننا أن نحكم على علاقة بالفشل حتى قبل أن تبدأ، كما لا يمكننا أن ننتظر دائمًا من الآخر أن يأتي إلينا أولًا. لما لا نذهب نحن نحوه؟ في مثل هذه الحالات، أطلب دائمًا من زبائني أن يسألوا أنفسهم “ما أسوء ما يمكن أن يحدث؟ أن لا يحصل توافق مع هذا الشخص؟ على الأقل ستعرف أنكما لم تكونا مقدرين لبعض ولن تستثمر وقتًا طويلًا على هذه العلاقة.”
تقول الدكتورة ليلى العمراني، معالجة نفسية وأخصائية علاقات، على ضرورة التمكن من التقنيات التي تساعد على اكتشاف وتطوير صداقات جديدة، مثل الجرأة والشجاعة للقيام بالخطوة الأولى وخلق جو آمن للدخول في حوار مع الشخص الآخر، وتضيف: “من أجل تكوين صداقات متينة، يجب تعلم الإنصات وسماع الطرف الآخر.”
hang out مع أشخاص اجتماعيين
من بين الطرق التي تراها الدكتورة العمراني ملائمة للأشخاص الذين يعانون من الخجل أو القلق الاجتماعي هي التعرف على شخص واحد منفتح واجتماعي لتسهيل عملية تعرفنا على أصدقاء إضافيين وخروجنا شيئًا فشيئًا من عزلتنا: “من المهم أيضًا أن يضم محيطنا القريب صديقًا اجتماعيًا بطبعه يعرف الجميع ويشارك في مختلف الأنشطة. بهذه الطريقة يصبح من السهل توسيع دائرة معارفنا والتعرف على أصدقاء آخرين محتملين، خصوصًا اننا نكون في محيط يُشعِرنا بالأمان برفقة هذا الشخص الذي نعرفه ونرتاح له.”
في نفس الوقت، ترى الدكتورة العمراني أنه من المهم عدم الانغماس وسط العالم الافتراضي وجعل الشاشة تفرقنا عن صداقة حقيقية محتملة، يعني أنه يجب أخذ قرار الالتقاء بأصدقائنا الافتراضيين فور تعرفنا عليهم حتى نرى حقيقتهم التي يمكن أن تحجها عنّا شاشة الهاتف. “أصدقاؤنا هم الأشخاص الذين يمكننا لقائهم والتفاعل معهم ومشاطرتهم اهتمامات حقيقية وملموسة.“
التحلي بالمرونة
بحسب الدكتورة العمراني، فإن خوفنا من المجهول هو ما يمنعها من خوض التجارب الجديدة وخصوصًا التعرف على أناس جدد. وترى أن الطريقة المثلى للتغلب على هذا الخوف هي وضع خطة واضحة المعالم لما نبحث عنه من هذه العلاقة. مثلًا تكوين صداقة مع شخص ما من أجل التعرف على أناس جدد، أو تعلم مهارة جديدة أو قضاء وقت ممتع بعيد عن الضغوطات. وتضيف: “ما يخيفنا أكثر في أي تجربة جديدة هو جهلنا لما ستؤول إليه الأمور. نحن نخاف من خيبات الأمل وتضييع الوقت على الشخص الخطأ. من هنا تأتي أهمية تحديد أهداف العلاقة قبل المباشرة بها، لكل منا حياته ومشاكله وتفهم الأمر يجعل يجعل الآخر يتقرب منّا ويرتاح لصحبتنا. يجب التحلي بالمرونة والانفتاح مع الآخر. هذه هي أسس أي علاقة متينة.”
تغذية العلاقة وتقويتها
أخيرًا وليس آخرًا، ليس المهم تكوين صداقات، ولكن المهم الحفاظ عليها. نستطيع مقابلة أي كان لأول مرة وترك انطباع حسن لنا لديه، لكن إن لم تتم تغذية هذه العلاقة وتطويرها فإنها ستضمحل وتموت.