كيف كانت ردة فعل أهلي عندما علموا أنني مثلي الجنس

E4pwj-8XIAAMxf6

“كنت أعيش حرباً داخلية بيني وبين نفسي. لم يكن لدي خيار، كان علي أن أخبرهم.”

يقول المخرج اللبناني سليم مراد، 33 عاماً، عن اللحظة التي قرر بها الإعتراف لأهله بمثليته الجنسية بعد سنوات من الصراع الداخلي ومحاولاته المستمرة لإخفاء حقيقته أمامهم. ناقش مراد ردة فعل أهله وكيف تقبلوا هويته الجنسية في فيلمه This Little Father Obsession (٢٠١٦) ويعترف أن علاقته مع أهله تغيرت لسنوات بعد اعترافه بمثليته، وإن كان يعتبر نفسه من ضمن “المحظوظين” باعتباره لم يتعرض للنبذ والرفض من عائلته كما يحدث مع كثيرين في مثل حالته.

Videos by VICE

“أخبرت أهلي بهويتي الجنسية في عمر الـ 21. ردة فعلهم لم تكن الغضب بل شعور طاغٍ بالحزن. تغيرت علاقتي معهم لسنوات قبل أن تعود الأمور لطبيعتها. وأنا أقدر الجهد الهائل الذي قام به أهلي لتقبلي كما أنا،” يضيف مراد في مقابلة مع VICE عربية.

 “أنا متقبلك، بس ما تجرب تغيرني، بس ما في قلك برافو عليك، أنا بعتبرها لعنة.” يقول الأب طوني لولده بلهجة غاضبة في أحد مشاهد الفيلم، رداً على إصرار مراد الحديث عن مثليته الجنسية. كما يناقش مع فكرة الإنجاب وأن مثليته تعني أنه لن يكون لديه أحفاد. ويجيب الأب مازحاً: “وبلا الولاد يا خيي، شو إنت أمبراطور النمسا وبدك تسلم العهد، خلص هيك صارت.”

تدور غالبية أحداث الفيلم في منزل مراد في نقاشات يومية بين الأب والأبن غالباً فيما الأم تبقى صامتة معظم الوقت: “أمي كانت تعلم جيداً أن هذا تمثيل. كانت تلعب دور “bridge over troubled water” كما تقول الأغنية، فهي لعبت دور المياه التي ترطب أجواء الصراع بيني وبين والدي.” على الرغم من الرفض في البداية، يقول مراد أن أهله تقبلوه في النهاية ووقفوا معه عندما كان بحاجة لهم، وخاصة خلال الفترة الصعبة التي عاشها بعد انفصاله عن حبيبه.

E4A38lHUcAE1DTH.jpeg
لقطة من فيلم سليم مراد، تظهر سليم ووالده في الطفولة.

تشير دراسات إلى أن الأشخاص الذين اعترفوا بمثليتهم الجنسية لأهلهم كانوا أكثر عرضة للطرد من المنزل والتشرد بالإضافة إلى الصراع مع الأمراض النفسية والتفكير بالانتحار. ويشير خبراء إلى أن ردود الفعل السلبية للآباء في هذه الحالات تخف مع مرور الوقت؛ أول عامين هما الأصعب. كما أن هناك فروق في ردود الفعل بين الأم والأب، كذلك تختلف ردة الفعل حسب الجنس – إبن أو إبنة. في هذه الشهادات نستمع لقصص شباب وشابات من لبنان والسعودية اعترفوا لأهلهم بمثليتهم الجنسية، ولماذا فضلت روعة من العراق الإبقاء على الأمر سراً حتى اللحظة.


*ليلي، 29 عاماً

VICE عربية: كيف اكتشفت ميولك الجنسية؟ وهل أخبرت أحد عن ذلك، أم عشت مع الأمر لوحدك؟
في صغري كان الجميع يطلقون علي “علي صبي” فقد كان شعري قصيراً كالصبيان. في الرابعة عشر من عمري، جربت أن أقيم علاقة مع أحد الشباب، ولكن لم أشعر بالانجذاب له كما كنت أشعر تجاه الفتيات. لم أفهم ما الذي يحدث معي، كنت في صراع نفسي، وشعرت بالحزن والغضب بنفس الوقت، فميولي الجنسية معيبة دينياً ومجتمعياً. بدأت بتقبل من أنا في عمر الـ ٢٣.

طوال هذا الوقت أخفيت هويتك عن أهلك؟
طبعاً، إخفاء الأمر عن أهلي كان الأصعب، لم أخف من ردة فعلهم بقدر خوفي من ردة فعل المجتمع المحيط على أهلي، والخجل الذي سيشعرون في حال تم فضح هويتي الجنسية على العلن. والدي حتى اليوم لا يعلم أنني مثلية. ولكن والدتي تعلم، فقد كنا أكرر طوال الوقت بأنني لا أريد الزواج، مما جعلها تشك بالأمر.

كيف أخبرتها بالنهاية؟
واجهتني والدتي بالأمر في يوم من الأيام، ولم أستطع الإنكار. والدتي متدينة، وبالنسبة لها كوني مثلية يخالف عقيدتها، ولكنها “غطت” عليّ، ولم تخبر أبي أو أخوتي. ولكنها أصرت على أن “أتوقف عن كوني مثلية” واضطررت أن أوعدها بذلك وأكذب عليها. أمي لم تكن غاضبة مني بقدر ما كانت حزينة، وهو ما أجبرني على إنكار نفسي أمامها كي لا تموت حزناً.

كيف علاقتكما الآن؟
المثير بالأمر أن والدتي أصبحت تدافع عن المثليين وحقوقهم عندما يتم فتح الموضوع في المنزل، لكنها تتحاشى فتح موضوع مثليتي معي. هي تعرف أنني “لا أزال” مثلية، ولكنها تعيش حالة إنكار، ولا تريد مناقشة ذلك معي. علاقتي جيدة مع أهلي، ولكن إنكار هويتي الجنسية بشكل دائم يضع علي عبء نفسي كبير. أكبر دليل على حالة الإنكار والعيش في العتمة، هي أنني أتحدث معك وأنا في الظل، تحت اسم مستعار.


محمد، 25 عاماً

متى اكتشفت ميولك الجنسية، وكم كان صعباً عليك اخفائها داخل المنزل؟
في عمر الـ 17 اكتشفت نفسي، وتأكدت أنني أحب الشباب، ويستهونني جنسياً، وإن كنت لا أشاركهم أي من اهتماماتهم في الرياضة وغيرها. كانت تعنيني أحاديث النساء عن التبرج والشعر والملابس، وأحب ارتداء ملابس النساء ووضع الميك أب، وكان أبي يضربني عندما يراني أقوم بذلك، بينما تقوم أمي بالتغطية علي. أول علاقة لي كانت في عمر الـ 12 مع قريبي، ومثلما كل المراهقين الذين يخفون أثر أول سيجارة عن أهلهم، وينظفون أسنانهم ويزيلون الرائحة… نفس الشيء كان بالنسبة لي. كنت أجلس مع قريبي في البيت وكأننا أصدقاء مقربين ليس إلا. طوال الوقت، كنت أشعر بالرغبة بإخبار أخبر أمي وأبي بحقيقة ميولي الجنسية، فكتم الأمر كان يجعلني أعيش بخوف مستمر من كشف أمري، أردت فقط إخبارهم لارتاح.

هل أخبرتهم بالنهاية؟
أعتقد أنهم يعرفون من سنين طويلة ولكنهم ينكرون ذلك. حاولت التلميح لوالدتي بالأمر، وكانت تبدو متقبلة للفكرة، فيما يقوم والدي بالشتم عندما أحاول فتح موضوع المثلية الجنسية في المنزل. في النهاية، علموا بمثليتي عندما قام حبيبي بإخبارهم بذلك بسبب خلافي معه. ورغم أن أمي أكثر تديناً من والدي، إلا أنها كانت أكثر تقبلاً لي، ربما بسبب حبها لي، لا أدري. والدي لا يتحدث معي في الموضوع أبداً، ويتعامل وكأنه لا يعلم شيئاً. في الواقع، ما فعله حبيبي السابق كان مفيداً، كنت سأستمر بالعيش في الخفاء ربما لسنوات طويلة، ومعرفتهم بالأمر، حتى لو أنهم لا يتحدثون أو يعترفون بذلك أمامي يشعرني بالراحة.


سارة، ٣٤ عاماً

لماذا الاسم المستعار؟
من المخيف أن أصرّح عن ميولي الجنسية الحقيقية، فقد يعرضني ذلك لخطر كبير لدرجة أنه قد يفسد حياتي.

متى اكتشفت هويتك الجنسية؟
لقد عانيت كثيرًا عندما اكتشفت أنني مثلية، وأنني أحب النساء، حاولت أن أمنع نفسي عن هذه المشاعر بكل ما أمكنني، حتى أنني حاولت الانتحار 3 مرات، لم أكن أعيش حقيقتي، كنت أكذب على نفسي وأعيش بالوهم الذي خلقه المجتمع. وكان الشعور بالعذاب والخجل ورفضي لنفسي مرهقاً بشكل كبير جسدياً ونفسياً.

كيف كانت ردة فعل أهلك عندما علموا بمثليتك؟
كان الإفصاح عن هويتي الجنسية هو أفضل شيء أفعله لنفسي. كانت هذه هويتي، ولم أعد أريد الإدعاء والكذب والعيش بالخفاء. ولكن عندما أخبرت والدتي بذلك، طردتني من المنزل، لم يكن لدي مكان أذهب إليه، كان الأمر فظيعًا، ووضعني في مواقف كانت أكثر خطورة بكثير من بقائي في المنزل. لقد كان الأمر خطيرًا حقًا بالنسبة لي، لولا دعم إخوتي الذين تقبلوني كما أنا وحاولوا مساعدتي.

هل تحسنت العلاقة مع والدتك الآن؟
كي أعود إلى المنزل كان علي أن أكذب على والدتي وأخبرها أنني “تغيرت.” كان الأمر مهينًا وغير إنساني. أعلم في قلبي أن هويتي الجنسية ليست خطيئة، ولكني كنت ولا أزال أشعر بالعجز، وهو ما جعلني الأمر أفكر بالانتحار مرة أخرى، أشعر وكأنني شخص مزيف وأعيش حياتي من أجل الآخرين. في النهاية، سيبقى المثليون يعانون من هذه الأزمة الوجودية. طالما أن المثلية لا تزال مُجرمة وطالما لا تزال الأديان ورجال الدين يحاربونها، ستستمر الحرب الداخلية بين الأهل والأولاد.


روعة، ٣٣ عاماً

لماذا تخفين هويتك؟
أتحدث معك اليوم تحت اسم مستعار، لأنني لا أستطيع أن أعيش حياتي على العلن، ليس خوفاً من المجتمع، بل بسبب الخوف من خسارة أهلي الذين أحبهم رغم اختلافاتنا، الخوف هو اختفائهم من حياتي عندما يعلمون بأني كوير.

لماذا تستمرين بإخفاء هويتك عن أهلك؟
أعيش في بلد، وأهلي في بلد، لذلك أستطيع إلى اليوم إخفاء هويتي الجنسية عنهم. الآن أنا بعلاقة ثابتة ومستقرة مع فتاة، ولكن من دون علم أهلي طبعاً، وخوفي هو من الأهل وعليهم، أخاف عليهم من المجتمع، من أقربائهم الذين سيحكمون علي، وبطبيعة الحال عليهم، لا أريد أن أضعهم في هذا الموقف، لذلك قررت الابتعاد عنهم، بما أنني لا أستطيع مشاركتهم حياتي وعواطفي وحقيقتي.

كيف تصفين علاقتك معهم الآن؟
عند كل اتصال من أمي يصيبني القلق، فأنا مضطرة أن أخفي صفة شريكتي التي أسكن معها، وأضعها في خانة صديقتي. أما عن الزواج فعلي دائماً أن أخلق صورة الفتاة التي لا تريد الزواج والاستقرار، ولكنني أفكر بالاستقرار يومًا ما، وربما الزواج، ولكن ليس على طريقتهم، بل على طريقتي. أخاف كذلك أن يأتوا لزيارتي، لأنهم سيتفاجئون بشكل حياتي التي أعيشها بعيداً عن القيود الاجتماعية والدينية. المتعب في الأمر هو أن الكذب وإخفاء من أنا ربما لن ينتهي أبداً. ولكل من يعيش في الظل، أقول لكم/ن: لستم وحدكم.

-جميع الأسماء مستعارة حفاظاً على سلامتهم/ن.