لا يوجد وظائف للخريجين الجدد. الوظائف موجودة ولكن لا نستطيع إيجاد المهارات المناسبة. هذا هو النقاش الذي تسمعه بين الباحثين عن عمل، وبين الشركات التي تبحث عن موظفين. طبعاً، كل طرف لديه أسبابه المنطقية، فالبطالة بين الشباب العرب تعتبر من الأعلى في العالم، وهذا أمر لا تستطيع الشركات إنكاره. ولكن من جهة أخرى، نرى الكثير من الإعلانات لشركات تبحث عن موظفين بمؤهلات لا يملكها الكثير من الخريجين والموظفين الجدد. الشركات تلقي باللوم على النظام التعليمي الذي لا يؤهل الطلاب لسوق العمل، والجامعات تلوم الشركات على عدم استثمارهم بالموظفين من خلال برامج التدريب. هل نحتاج تعليم أقل ومهارات أكثر؟ أم المشكلة أعمق من ذلك وتتعلق أولاً وأخيراً بعدم توفر الوظائف؟ للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، تحدثنا الى ديما نجم، المدير العام لمؤسسة التعليم من أجل التوظيف في الإمارات والتي تعمل على منح الشباب العرب المهارات والفرص المناسبة لبناء مسار مهني.
VICE عربية: كثيراً ما يشتكي أرباب العمل من الفجوة بين ما يتعلمه الطلاب في الجامعات والمهارات المطلوبة منهم في سوق العمل. في رأيك، أين هي المشكلة بالضبط، وما هو المطلوب لسد هذه الفجوة التعليمية؟
ديما نجم: نعاني في العالم العربي من أزمة بطالة كبيرة بين صفوف الشباب والشابات بمتوسط بطالة يعادل 25% بالمئة والذي يعد الأعلى عالميًا في فئة الشباب، ولا شك أن وجود فجوة في المهارات بين ما تخّرجه الجامعات وما يطلبه سوق العمل هو واحد من أسباب ارتفاع نسب البطالة. صحيح، هناك فجوة أو عدم توافق بين الطلب في سوق العمل والتخصصات المتوفرة في الجامعات. ولسد تلك الفجوة يتوجب علينا دراسة سوق العمل وفهم المهارات المطلوبة والتي غالبًا ما يشتكي منها أصحاب العمل. أعتقد أنه من الضروري أن تقوم المؤسسات التعليمية بمعرفة تلك المهارات والعمل على إدراجها ضمن متطلبات النجاح الأكاديمي إضافةً إلى المراجعة المستمرة للتخصصات الموجودة لردم هذه الفجوة. لا شك أن مسؤولية خلق بيئة تنظيمية تضمن التواصل المستمر بين أنظمة التعليم وسوق العمل على الجهات الحكومية ولكن وبنفس الأهمية تتحمل الجهات الموظفة المختلفة من مؤسسات حكومية ومؤسسات القطاع الخاص من جهة والمؤسسات التعليمية من جهة أخرى مسؤولية إنجاح تلك البيئة من خلال التواصل الفعال والجاد لتجنب خلق تلك الفجوة.
Videos by VICE
يتحمل المجتمع والعائلة نفسها قدرًا كبيرًا من المسؤولية أيضاً نتيجةً لفرضه توقعات معينة وعدم تقبله لوظائف قد تكون بالغة الأهمية في سوق العمل كالوظائف في قطاع الضيافة ومبيعات التجزئة
وما يجدر التأكيد عليه في هذا السياق هو الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه شركات القطاع الخاص من خلال دعمها للمواهب المحلية بإعطاء الفرصة للشباب حديث التخرج وتنمية وصقل مهاراته من خلال التدريب والتطوير المهني؛ فدعم المواهب المحلية لا يندرج تحت بند المسؤولية المجتمعية فحسب وإنما يشكل استثماراً ناجحاً تأتي عوائده من خلال عمالة محلية ذات تكلفة أقل واستمرارية أطول في العمل- وهذا ما يؤكده شركائنا في توظيف الشباب. ويتحمل المجتمع والعائلة نفسها قدراً كبيراً من المسؤولية أيضاً نتيجةً لفرضه توقعات معينة وعدم تقبله لوظائف قد تكون بالغة الأهمية في سوق العمل كالوظائف في قطاع الضيافة ومبيعات التجزئة. ولهذا غالباً ما نلجأ في مؤسسة التعليم من أجل التوظيف إلى القيام بحملات توعوية لتغيير نظرة المجتمع تجاه قطاعات معينة وتوعية الشباب والشابات لفرص العمل والتقدم في تلك القطاعات، من أحدثها حملة التوعية التي قامت بها مؤسسة التعليم من أجل التوظيف الأردنية للتوعية بأهمية الوظائف في قطاع الضيافة في الأردن وتشجيع الشباب والشابات على الالتحاق بهذا القطاع البالغ الأهمية.
ما هي المهارات (المهنية والشخصية) التي يفتقر إليها معظم الخريجين الجدد عندما يتعلق الأمر بسوق العمل؟
غالباَ ما تتراوح المهارات التي لا يمتلكها أو يتمكن منها المتخرجون الجدد بين مهارات أساسية للحصول على عمل مثل كتابة السيرة الذاتية، وطرق ووسائل البحث عن عمل، وكيفية إجراء مقابلات العمل، إلى مهارات أساسية في سوق العمل مثل مهارات التواصل الفعال، والثقة بالنفس، وأخلاقيات العمل، والعمل ضمن فريق وغيرها من المهارات التي تعتبر ذات أهمية كبرى ليس فقط للحصول على عمل وإنما للحفاظ على هذا العمل أيضاً والتطور الوظيفي والتألق ضمن أفراد فريق العمل الواحد. كما تعتبر مهارة الإبداع والتفكير الخلاق خارج الصندوق من أهم المهارات الصاعدة في يومنا هذا والتي تساهم بشكل كبير في تطور الشبان والشابات الوظيفي. مع الأسف، لا يزال النظام التعليمي في عالمنا العربي يعتمد بشكل كبير وبأغلبيته على تلقيم المعلومات في بيئة صفية تعتمد على الاستماع والتلقي بدلاً من المشاركة وإبداء الرأي. هذا ما يؤدي إلى تخريج جيل من الشباب والشابات غير متمكن من المهارات التي ستأهله للنجاح في سوق العمل ولا يملك الثقة الكافية لإبراز إمكاناته أو النجاح في الحصول على عمل.
يتوجب على الباحثين عن عمل أن يكونوا أكثر درايةً بأنفسهم ومهاراتهم بهدف التمكن من المهارات التي يمتلكونها أو تعلم مهارات يشكل عدم وجودها نقطة ضعف أو سبب في عدم حصولهم على فرصة عمل
في هذه الحالة، ما هي نصيحتك للخريجين الجدد الذين تعملون معهم؟ ما هو الدعم الذي تقدمونه لهم؟
النصيحة الأولى التي أقدمها للشباب والشابات في مستهل حياتهم المهنية هي البدء في العمل وعدم الجلوس في انتظار الوظيفة المثالية أو وظيفة الأحلام. الخبرة التي يحصل عليها الخريجون الجدد من الوظيفة الأولى لا تقدر بثمن. النصيحة الثانية هي أن يستمروا بالتعلم فعالمنا في تغير مستمر وعلى الإنسان الذي يسعى للتميز لتحقيق أهدافه أن يستمر بالبحث عن المعرفة وتعلم كل جديد في مجال عمله. بالإضافة إلى التعلم المهني واكتساب الخبرة العملية يتوجب عليهم أن يكونوا أكثر درايةً بأنفسهم ومهاراتهم بهدف التمكن من المهارات التي يمتلكونها أو تعلم مهارات يشكل عدم وجودها نقطة ضعف أو سبب في عدم حصولهم على فرصة عمل.
وهذا ما نسعى لتحقيقه في مؤسسة التعليم من أجل التوظيف من خلال عملنا مع الشابات والشبان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث نوفر فرص اقتصادية للشباب العاطل عن العمل عن طريق برامج تدريبية مثل برنامج التدريب والتوظيف، وبرامج تطوير القدرات للحصول على وظيفة، وبرنامج ريادة الأعمال. وقد تم تُصمَّيم برامج التعليم من أجل التوظيف “وفق احتياجات سوق العمل” حيث ندرّب الشباب على المهارات التي يبحث عنها أصحاب الأعمال اليوم، والمهارات التي يتطلعون لإيجادها مستقبلاً. وفي المقابل، تلتزم الشركات بتوظيف خريجي برامج مؤسسة التعليم من أجل التوظيف بعد استكمال البرامج التدريبية. ولضمان تحقيق أثر مستدام وشامل، نقيّم نجاحنا وفقًا لمعدلات توظيف خريجي المؤسسة وليس وفقاً لأعداد المتدربين فحسب.
ما الذي يتطلبه الأمر للحصول على الوظيفة التي نريدها؟ ما هي توصياتك عندما يتعلق الأمر بالتقدم لوظيفة؟ وما هي أكثر الأخطاء شيوعًا؟
كن مستعداً قدر الإمكان. إذا كنت تعلم الهدف المهني الذي تريد الوصول إليه فعليك البحث جيداً في متطلبات النجاح في تلك المهنة، ومن ثم الاستعداد لتلك المتطلبات بتنمية المهارات اللازمة خلال المرحلة الدراسية وليس بعد التخرج عندما تكون الضغوطات كبيرة للحصول على عمل وهذا ما قد يسبب فقدان الفرصة عند إجراء مقابلة العمل أو عدم تعدي المرحلة التجريبية في بعض الحالات. تطوع في شركة مشابهة أو حاول قدر الإمكان أن تحصل على تدريب في الشركة التي ترغب العمل فيها خلال سنوات دراستك.
خطأٌ آخر يتوجب عدم الوقوع فيه ألا وهو التحدث بسوء عن مديرك أو مكان عملك السابق، فمديرك الجديد لا يرغب بأن تذكره بسوء في مقابلاتك القادمة
ومن النصائح العملية التي يمكن أن تساعد خلال مرحلة البحث عن عمل والتقدم لعمل يمكن أن نذكر الاستعداد للمقابلة بصورة جيدة والتمرن عليها مع الأصدقاء أو الحصول على تدريب متخصص من قبل الخبراء. أما السيرة الذاتية فيتوجب أن تكون خالية من الأخطاء وتحتوي على المعلومات اللازمة لتقييم مهارات المتقدم للعمل وإنجازاته ويتوافر اليوم الكثير من النماذج الجاهزة والتي يمكن الحصول عليها على الإنترنت. ومن الأخطاء التي قد تكلّف الشخص فرصة العمل هو عدم التحضير للمقابلة وعدم المعرفة الجيدة للجهة التي يتقدم للعمل بها والمهام التي يتوجب عليه أداؤها في تلك الوظيفة. أما ما يتوجب على المتقدم للحصول على عمل تجنبه تماماً نذكر عدم الدقة والتأخر عن موعد المقابلة- هذا بالطبع مؤشر سيء لما ستكون عليه كموظف في ذلك المكان ولن يرغب أي مسؤول موارد بشرية أو صاحب عمل بإعطائك فرصة أخرى. خطأٌ آخر يتوجب عدم الوقوع فيه ألا وهو التحدث بسوء عن مديرك أو مكان عملك السابق، فمديرك الجديد لا يرغب بأن تذكره بسوء في مقابلاتك القادمة.
يتغير سوق العمل بسرعة، لكن نظام التعليم لا يلحق بالركب، وفقًا للخبراء. ما السبب؟ وما هي أكثر الشهادات الجامعية عديمة الفائدة الآن؟
حتى يتمكن النظام التعليمي من مواكبة التطور السريع الحاصل في سوق العمل يتوجب عليه أن يكون أكثر ليونة واستجابة للتغير بالإضافة إلى ضرورة تواجد نظام تواصل فعال كما ذكرنا سابقاً بين منظومة التعليم وسوق العمل لتتمكن تلك المنظومة من استشراف المستقبل ووضع خطط مبنية على واقع واتجاهات سوق العمل. ومن العوامل الهامة في تحفيز منظومة التعليم لإيلاء أهمية قصوى لتوقعات نمو الوظائف في سوق العمل هو وضع معيار سرعة التوظيف للخريجين الجدد ضمن قائمة المعايير لتقييم جودة المؤسسة التعليمية وهو أمر معيار لا نشاهده في أغلب الحالات.
ولتحديد الشهادات والتخصصات عديمة النفع ننصح الشبان والشابات بدراسة سوق العمل ومعرفة التوجهات الاقتصادية لبلدانهم حيث تختلف التوقعات الوظيفية من بلد إلى أخر ومن منطقة لأخرى ضمن البلد الواحد في بعض الأحيان. ولكن بشكل عام، من الوظائف التي يتوقع أن ينخفض حجم سوق العمل فيها بصورة كبيرة حسب المنتدى الاقتصادي العالمي يمكن أن نذكر المحاسبة، وإدخال البيانات، ووظائف المساعدة الإدارية، وخدمة العملاء وأمناء الصندوق والمستودعات وغيرها من الوظائف التي يمكن استبدالها بأدوات الذكاء الصناعي والتي يشهد تطورها تسارعاً غير مسبوق.
لا تزال الشهادة الجامعية تحمل قيمة عالية وتشكل متطلباً للعمل في الكثير من الشركات، وعلى الرغم من ذلك فهي ليست العامل الوحيد للنجاح في مهنة ما
في المقابل، ما هي التخصصات التي لها مستقبل؟
بالنظر إلى التوجهات الحالية لسوق العمل يمكن أن نتنبأ بمجموعة من الوظائف التي ستشهد استقراراً في الطلب عليها ومجموعة أخرى جديدة تماماً على سوق العمل. من الوظائف التي ستشهد استقراراً وسيبقى لها أهمية في المستقبل يمكن أن نذكر البرمجة وتطوير أنظمة الحاسب والتطبيقات الرقمية والمستشارون الماليون ومدراء الموارد البشرية والهندسة الكهربائية وهندسة الطاقة. أما بعض الوظائف الناشئة نذكر هندسة البيانات الكبيرة وتحليلها ومختصو الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي وأخصائيو أتمتة الإجراءات وأمن المعلومات. إنّ معرفة توجهات سوق العمل تمكننا من اختيار التخصصات الجامعية والمهنية المرتبطة بالوظائف التي تشهد استقراراً أو حتى تلك التي نتوقع أن يتزايد عليها الطلب مستقبلاً.
ومن النصائح التي نقدمها للشبان والشابات فيما يتعلق باختيار التخصص الجامعي أو المهني هو تقييم مهاراتهم وامكاناتهم بالدرجة الأولى، ومن ثم النظر إلى توقعات النمو الاقتصادي وسوق العمل لاختيار التخصص الذي يتناسب مع تلك الإمكانات. وقد يواجه الكثير منهم ضغطاً من أسرهم أو أقرانهم لاختيار اختصاصات قد لا تكون متوافقة مع المعايير التي ذكرناها، لذلك أنصحهم بإجراء البحث والتزود بالمعلومات اللازمة قبل الأخذ بنصيحة محيطهم.
نحن اليوم نعيش في عالم مليء بما يسمى بالمؤثرين، حتى أن أعلنت الإمارات أعلنت مؤخرًا عن دبلوم متخصص. في ظل هذا الوضع، يزعم البعض أن الشهادات الجامعية لم تعد مفيدة. هل ما زلنا بحاجة إلى شهادة جامعية للنجاح في الحياة؟
لا تزال الشهادة الجامعية تحمل قيمة عالية وتشكل متطلباً للعمل في الكثير من الشركات، وعلى الرغم من ذلك فهي ليست العامل الوحيد للنجاح في مهنة ما. الموهبة هي أمر بالغ الأهمية للنجاح في أعمالنا ومن يملك الموهبة يمكنه اليوم صقلها من خلال الكم الكبير من الدورات والموارد العلمية المتوفرة على شبكة الإنترنت. ومن هنا تبرز أهمية تدريب أجيالنا الصاعدة على مهارة التعلّم الذاتي. فمن خلال التعلّم الذاتي يمكن أن يتمكن الشاب أو الشابة من اكتساب المعرفة الضرورية لإتقان العديد من المهن دون الحاجة لشهادة جامعية. ومن الأمثلة على ذلك يمكننا أن نذكر التسويق الرقمي، والتصميم، وتحليل البيانات وغيرها. فعلى سبيل المثال تبحث كبرى شركات التقنية العالمية على الموهوبين في البرمجة وتقصي الثغرات الأمنية بغض النظر عن شهاداتهم الجامعية. هذا التطور الكبير في نقل المعلومات وتوفر المحتوى التدريبي يشكل فرصة كبرى للشباب الموهوب والذي تنقصه الفرصة وربما الإمكانات لإثبات مواهبه وصقلها.