لماذا لم يتم إدراج الفوط الصحية في سلة المواد المدعومة من الحكومة اللبنانية؟

LP2

“لقد قرر الوزراء وضع الحليب الكثيف المحلّى ضمن المواد المدعومة في السلة الغذائية، ولكن ليس الفوط الصحية، على فكرة الحليب المحلى ليس بأهمية الفوط الصحية،” تشير إليسار، 33 عاماً، التي تعمل في مجال المبيعات، إلى قرار الحكومة اللبنانية الأخير بتحديد السلع الأساسية لدعمها، بدون أن يشكل ذلك الفوط الصحية وتضيف: “من خلال عدم وضع الفوط الصحية ضمن هذه السلة، الدولة تخبرنا بشكل غير مباشر أنّه لا يهمها الصحة النسائية أو تعتبرها ثانوية بشكل من الأشكال، ولكن ماذا نتوقع من هذه الحكومات، لقد اعتدنا على هذه الخيبة.” إليسار، التي قل راتبها إلى النصف بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان، تقول أن كل فلس أصبح مهم جداً بالنسبة لها: “اليوم أنا أعيش براتب وصلت قيمته إلى 112$، أشتري ما أحتاج إليه فقط، وطبعاً لا ينتهي الشهر من دون اللجوء إلى أختي كي ترسل لي القليل من المال. فمئة دولار من أختي في أميركا تساوي 800 ألف ليرة، أي راتبي الشهري.”

في الوقت الذي يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة، أثرت على جميع القطاعات فيما انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق أمام الدولار، قررت الحكومة اللبنانية مؤخراً تحديد عدد من السلع الأساسية لدعمها بمعنى تأمين المواد الأساسية بسعر منخفض من بينها اللحوم والحليب معجون الأسنان، المحارم الورقية، والأهم شفرات الحلاقة الرجالية. في المقابل لم يتم إدراج الفوط الصحية في هذه السلة وهو ما تم اعتباره نوعاً من التمييز الجنسي. وزارة الاقتصاد اللبنانية ردت بالقول أنها قامت بدعم “المواد الأولية الصناعية الداخلة في صناعة الفوط الصحية وذلك دعماً للانتاج الوطني على حساب السلع المستوردة من الخارج.”

Videos by VICE

هناك شركة واحدة فقط تصنّع فوط صحية في لبنان، وهي شركة سانيتا التي تصنع فوط “برايفت.” اليوم يبلغ سعر عبوة البرايفت 7،000 ليرة أي 5$ على السعر القديم المعتمد بالرواتب (1,500 ليرة) و1$ على السعر الجديد المعتمد في السوق فقط (كان سعرها 3،500 ليرة) وهو سعر لا يختلف عن براندات عالمية أخرى مثل Always وNana. المشكلة ليست بسعر الفوطة فقط، المشكلة الأساسية هي أن الأسعار ارتفعت فيما بقيت الأجور التي بقيت كما هي. الحد الأدنى للأجور في لبنان وصل اليوم إلى 675,000 ليرة أي 400 دولار بالسابق، و85 دولار اليوم حسب السوق، و177 دولار حسب تسعيرة البنك (3,800 ليرة للدولار). تخيل أن يصل مدخولك الشهري لأقل من مئة دولار، كيف ستحدد أولوياتك وما الذي ستشتريه ذلك الشهر؟

توفر الفوط الصحية وزيارات الطبيب النسائي، هذه حقوق أساسية للمواطن وليست رفاهية

في ظل هذا الوضع، أصبح سعر المنتجات الوطنية كالمستوردة، وهو ما لا يوفر الكثير من الخيارات للنساء. قد يسأل أحدهم لماذا الفوط المحلية لم تعد أرخص من المستورد؟ سؤال منطقي، السبب هو أن المواد الأولية هي أصلاً مستوردة، وثانياً تكاليف الصناعة أصبحت أكثر مع أزمة المازوت والبنزين.

رشا، 23 عاماً، التي تعمل في مجال السوشيال ميديا وتأخذ راتب مليوني ليرة (الذي كان يساوي 1,300$ قبل واليوم يساوي 250$) ترى أن مشكلة الفوط الصحية أمر يتم تجاهله من قبل الوزراء ورجال السلطة لأنه لا يعنيهم مباشرة: “هؤلاء يرون أنّ يكون سعر عبوة الفوط الصحية 3،000 ليرة أمر عادي لن يؤثر على أحد. لكن لنحسب كم على كل عائلة أن تدفع كل شهر؟ العائلة التي تحصل على حوالي مليوني في الشهر سيدفعون 40 ألف شهرياً للفوط الصحية- مقابل 17 ألف سابقاً، أي ضعف السعر. نحتاج كنساء علبتين من الفوط الصحية كل 28 يوماً تقريباً. تخيلي عائلة مؤلفة من عدة نساء؟ ما الذي سيتبقى من الراتب؟”

مشكلة ارتفاع الأسعار لا تتعلق فقط بالفوط النسائية ولكن أيضاً كل المنتجات النسائية الأخرى كمزيل العرق والشامبو وكريمات الوجه، والكثير من السلع الأخرى. تخبرنا ندى، 29 عاماً، التي تعمل كمصممة غرافيك، أنّها اشترت كميات كبيرة من كل شيء قبل ارتفاع الأسعار: “اشتريت فوط صحية من السوبرماركت التي تعتمد على التسعير القديم، واشتريت عبوات من مزيل عرق بسعر معقول قبل أن يرتفع سعره. لقد أمنت نفسي لبعض الوقت، لكنّ هذا مجرد حل مؤقت. مطالبنا اليوم لا تتعلق فقط بالسلع النسائية، بل بكل شيء، ولكننا نعلم أنّ الدولة لا يهمها المواطن، لو أرادت السلطة أن تنفذ مطالبنا، لكانت سعت لإعادة أموالنا المحجوزة في المصارف.”

أما رنا، 24 عاماً، والتي فقدت وظيفتها وتعيش مع عائلتها حالياً فتقول: “لقد كان هذا أسوأ ما يحدث لي، فقدت وظيفتي وسط هذه الأزمة. والدي يعطيني المال، وأشعر بالخجل من ذلك. بالنسبة للفوط الصحية، ما زلت أستخدم الماركة ذاتها من الفوط الصحية، لأنّ جميع الأسعار بين المحلي والمستورد متشابهة. أحاول أحياناً أن أبحث عن سوبرماركت لا يزال يبيعها على الأسعار القديمة، وأحاول أن أتأقلم مع هذا الوضع وأخفف قدر الإمكان من السلع التي أشتريها. لم أشعر بحجم الأزمة خلال الحجر المنزلي لأنّها كانت فترة توفير بامتياز. لكن مع فكّ الحجر، الأمر مختلف، ما نعيشه حالياً كتير صعب.”

بدأت العمل في مطعم كنادلة كي أشتري حاجياتي الشخصية على الأقل. لم يعد راتب أبي وأمي يكفيان

رهف، 20 عاماً، وهي طالبة في الجامعة اللبنانية تشير إلى أنها اضطرت للبحث عن عمل: “بدأت العمل في مطعم كنادلة كي أتمكن من شراء حاجياتي الشخصية على الأقل، فالراتب لا يكفي لأكثر من ذلك. راتب أبي وأمي لا يكفيان، فنحن 4 أولاد. بالطبع الفوطة الصحية حاجة وأولوية ولا يمكن التوفير في هذا الأمر.” مايا، 27 عاماً، فتقول أنّ مشكلتها ليست فقط بالفوط الصحية، ولكن بغلاء الأسعار الذي شمل كل شيء. تعاني مايا من مشكلة تكيس المبايض وتشير إلى إرتفاع سعر كشفية الطبيب: “كل زيارة للطبيب تكلفني اليوم 260 ألف ليرة لبنانية، علماً أنّ تسعيرة الدولة 100 ألف ليرة لزيارة الطبيب، أي أنّ الضمان الصحي لا يغطّي أكثر من هذا. توفر الفوط الصحية وزيارات الطبيب النسائي، هذه حقوق أساسية للمواطن وليست رفاهية.”

بعض النساء لا ترى مشكلة بعدم إدراج الفوط الصحية ضمن سلة الدعم، وترى أنه من الطبيعي أن يرتفع سعرها مثلها مثل أي سلعة أخرى، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد: “الحكومة بررت أنّها ستدرج المواد الأولية في السلة وأنا أرى هذا تفكير منطقي،” تقول نادين، 45 عاماً، التي تعمل كمختصة في التسويق الألكتروني وتضيف: “الأسعار ترتفع ونحن نعلم أنّ الحكومة ليست السبب وحدها وهناك عوامل أخرى معظمها عوامل وجهات خارجية. أنا حالياً أحصل على جزء من راتبي بالدولار، لكن أعلم أن هذا الوضع مؤقت، وقد يتغير في أي لحظة.”

في محاولة للتعامل مع أزمة ارتفاع أسعار الفوط الصحية، يتم الترويج لأكواب الدورة الشهرية كحل. فبدلًا من استخدام الفوط الصحية، تقوم العديد من النساء في العالم باستخدام أكواب الدورة الشهرية المصنوعة من مادة السيليكون أو اللاتكس، والتي تعمل على جمع الدم بدلًا من امتصاصه مثل الفوط. بعض هذه الأكواب من الممكن استخدامها أكثر من مرة، حيث يتم تنظيفها وتعقيمها قبل إعادة استخدامها، مما يعني أنها أقل سعراً وثانياً جيدة للبيئة. لكن هذه الأكواب ليست موجودة بكثرة في السوق، فلا تزال الفوط الصحية هي الخيار المفضل للنساء، كما أن هناك وصمة مجتمعية مرتبطة بهذه الأكواب -مثلها مثل التامبون- بخصوص الحاجة لإدخالها إلى منطقة المهبل.