مضت عدة أشهر منذ اكتشافي لعالم مجموعات منظّري المؤامرة على برنامج “تلغرام” للمحادثات، وهو تطبيق يتيح درجة مرتفعة من الخصوصية، ويمكنكم أن تتخيلوا مدى جاذبيته بالنسبة لأشخاص يعتقدون بأن العالم كلّه يتآمر للنيل منهم.
مجموعة قادتني إلى أخرى، وتهت في أحداث هذا العالم وأفكاره الكثيرة والمعقدة. سمعت الكثير من الرسائل الصوتية، وقرأت وشاهدت الكثير من الفيديوهات، ويمكنني وصف ما يحدث هناك بالعالم الموازي، فجميع الحقائق التي نعرفها، هي مجرد أكاذيب بالنسبة لهم. هناك الأرض مسطحة بالطبع، وفيروس كورونا غير موجود، والحُكام هم نوع من السحالي وإنجازاتنا البشرية مهما طلعت أو نزلت فهي غير موجودة أساساً. والغريب أن قادة هذه المجموعات يتحدثون بصوت من امتلك الحقيقة المطلقة.
Videos by VICE
سأدعكم الآن مع 10 أمراً تعلمته من متابعتي لنحو 12 مجموعة عربية، يتابعها الآلاف. هناك اختلاف بين هذه المجموعات، فبعضها متدين وبعضها لا يؤمن بالأديان مثلاً، لكن هناك بعض السمات المشتركة بينها. وأحذركم/ن، سيكون هناك الكثير من علامات التعجب في هذا المقال.
**لا وجود لفيروس كورونا.
**استخدم بعض رواد الـ”تلغرام” فيديوهات الـ”تيك توك” التي يؤدي خلالها عاملي المجال الصحي بعض رقصات، لينشروها على أنها دليل لخلوّ المستشفيات من مرضى مصابين بفيروس كورونا، لينتقلوا من ذلك إلى مشاركات ينفون من خلالها وجود الفيروس، وأن الناس لا يمرضون بسببه ولكن لأنهم يعانون من أمراض صحية أخرى. في رأي هذه المجموعات، فيروس كورونا هو أزمة مفتعلة جرى التخطيط لها منذ زمن طويل جداً، وذلك لأسباب تتنوع بحسب المجموعة: إما قتل جزء من البشر لخفض عدد السكان، أو لدفع الناس لأخذ اللقاحات التي هي عبارة عن شرائح للتحكم في أدمغتنا، أو لنشر الخوف بين الناس والقضاء على العلاقات الإنسانية -بعض المجموعات مقتنعة بكل هذه الأسباب معاً.
كشخص فقد أحد أفراد أسرته بسبب الفيروس، وشاهدت الوضع المأساوي في المستشفيات مع ذروة توارد المرضى وقلّة الأماكن المتاحة، وهناك مليارات مثلي، عانوا لإيجاد سرير فارغ ليستقبل أحد أحبائهم، فهذه النظريات أزعجتني على مستوى شخصي. لقد تجاوز عدد ضحايا الفيروس حتى الآن ستة ملايين شخص عالمياً، وهؤلاء يستحقون منّا على الأقل أن نعترف بما حصل لهم.
**اللقاحات هي سموم أو شرائح تتحكم بنا.
**فيما كان قادة هذه المجموعات يتخبطون في تفسير وجود الفيروس ومنشأه، وجدوا في سرعة تطوير اللقاحات (التي حدثت بسبب برامج أنفق عليها مليارات الدولارات، وجهد ووقت لا نهائي من علماء ومخبرين ومتطوعين) دليلاً لتفسير كل شيء. بالنسبة لهم، سرعة تطوير هذا اللقاح، دليل على خطة شريرة تهدف لوضع شريحة تتبع في أدمغة البشر، أو جرعات سم تعطى لنا لقتلنا على البطيء، أو للتغطية على نشر أبراج 5G التي صممت لقتلنا (هذه النظرية بدأت تفقد زخمها الآن)، والبعض الآخر يبالغ في الأمر، ويرى اللقاحات كسحر أسود وضع للتحكم بروحنا في العالم الآخر.
تقول صاحبة مجموعة تحمل عنوان “علياء جاد هوليستيك” (يتابعها27,238 شخص)، وهي طبيبة مصرية سويسرية، أن “اللقاحات هي ميكروبات مبرمجة.” وهناك من يدعي أن اللقاح يحتوي على أجنّة متوفية أو مادة أكسيد الغرافين بهدف “التحكم في إرادة” الناس من خلال الخصائص المغناطيسية.
كل واحدة من هذه المجموعات تجد الأخبار التي توافق مزاعمها، فمثلاً منهم من يأتي بالأخبار المتداولة عن مساعي شركة “نيورالينك” التابعة لإيلون ماسك (التي لم تنجح حتى الآن) بوصل الكمبيوترات بالأدمغة البشرية كدليل على ذلك. وهناك من يحاول إثبات وجود مخطط شرير لقتل البشر وتقليل عددهم من خلال اللقاحات، والتي يقولون أنها تتسبب بـالعقم والضعف الجنسي. وبعض المجموعات المتطرفة تقول بأن جميع من أخذ اللقاح سيتوفى في غضون أعوام قليلة.
هذه المجموعات تتجاهل بالطبع حقيقة أن هناك بالفعل دراسات جرت ولا تزال تُجرى على اللقاحات وآثارها الجانبية، وأنه تم إيقاف بعض منها في بعض الحالات مع بدء حملات توزيع اللقاحات، لحين التأكد من سلامتها. فاللقاحات لم تكن منيعة عن الانتقاد بأي حال.
**السحالي يحكمون العالم.
**بقدر ما تبدو هذه الجزئية كوميدية، لكنها تُناقش بكل جدية ضمن عدد من المجموعات. في العالم الموازي الذي يعيش به أصحاب المؤامرة، فنحن نعيش في عالم تحكمه مجموعة من الفضائيين الذين يشبهون السحالي أو الزواحف، ولكنهم يتنكرون بشكل بشري. وأصل هذه النظريات تعود لديفيد آيك، وهو لاعب كرة قدم بريطاني، اعتزل اللعبة وعمل في الإعلام لفترة، ثم قال إن هدف وجوده على الأرض هو تمرير رسالة من العالم الآخر. توسعت هذه النظريات مع انتشار وباء فيروس كورونا، حتى أن مارك زوكربيرغ اضطر بأن يبرر بأنه ليس سحلية في أحد الفيديوهات. وصل هذا الفكر متأخراً إلى العالم العربي، لكنه كسب اتباعاً مؤخراً.
واحدة من المجموعات تضع لمحة شرقية على هذه النظرية، فتقول بأن هؤلاء السحالي هم من الجن. وفقاً لمروجي هذه النظرية فإن ملكة إنجلترا مثلاً هي “سحلية متنكرة” وأن هناك عروق وأجناس بأكملها من البشر لا يستحقون أن نتعامل معهم كبشر، فتقول صاحبة مجموعة “دراسات في العمق” (يتابعها 6،190 شخص): “الحرب العرقية على سكان الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال اللقاحات، تؤكد ما قلته سابقاً بأن العرق الأبيض هو عرق سحالي.” بينما تصف أخرى الأوروبيين “بأنهم عرق سحالي هجين.” وفيما نصارع في العالم ضد مشاكل التمييز ضد السود وضد المرأة والمثليين، يبدو أنه علينا التعامل الآن مع التمييز ضد “السحالي المتنكرة” وهي فئة فضفاضة ويصعب تحديدها.
**افعلوا عكس ما يُقال لكم.
**وفقاً لرواد مجموعة “كن مستعداً – المُعلم الأكبر” فإن العالم يُحكم من خلال منظمات شريرة تهدف للتحكم بنا، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية. ترى هذه المجموعة أن علينا القيام بعكس كل ما يُنصح به من الخبراء. مثلاً بما أن المنظمات الصحية توصي بالكشف المبكر عن السرطانات، والابتعاد عن التدخين، وبأن المريض بالضغط عليه تناول عقاقيره، يرى هؤلاء بالمقابل أنه يجب فعل عكس كل ذلك تماماً. لأن جميع هذه النصائح هدفها تدمير البشرية وليس حمايتها. وإذا دعت هيئة مالية ما المستثمرين للتحوط بعملة معينة “نطّ” هؤلاء ونصحوا متابعيهم بالعكس لأن البنوك برأيهم ستنهار على كل حال، وسنعود لنظام المقايضة.
**كل الاختراعات هي “سحر أسود.”
**بينما يسخر هؤلاء من المُلقحّين والعلماء والجميع -ما عداهم طبعاً- يقولون أيضاً أن كل الاختراعات البشرية من الطائرات لأجهزة الهاتف، ما هي إلا سحر أسود يمارس علينا من قبل الفئة الحاكم، وأن جميع التطورات التقنية تهدف لتسهيل التحكم بنا من قبل القوى الشريرة في كل الأوقات. الميكرويف مثلاً تم اختراع من أجل إضعاف طاقتنا وقدرتنا على الثورة عليهم. تقول أحدهم من مجموعة “تأسيس الكابلا – سديم” (يتابعها 6,153): “لم تعد الماسونية بحاجة للأديان للسيطرة واستعباد البشر. غرست فيكم سحر أسود يستطيعون أن يسيطروا الآن عن بعد حتى لو كنتم في مجرة أخرى.”
وهناك مجموعات أخرى تدعي بأن الأشرار سوف ينزعوا منّا الإنترنت في وقت ما، وهو ما سيعيدنا للعصور الوسطى. ولكن، بعد أخذ ما يريدونه منّا نحن البشر ذوي الأرواح، وهي طاقتنا الفريدة التي يسرقونها من خلال السحر الأسود الموجود في هذه الأجهزة.
**لا يوجد إنجازات بشرية.
**هذه الجزئية محزنة، فتبعاً لكل ما ذكرت سابقاً يمكنكم التوصل بأن جميع الإنجازات البشرية من علوم واختراعات وأدب وموسيقى وأفلام وطب هي كذبة بالنسبة لهذه المجموعات. بحسب واحدة من هذه المجموعات فإن الفئة الحاكمة تتبع لنظام يديره الأعور الدجال الذي يسعى لحكم الكون كله. ولذلك فإن كل منتج حولنا، يتبع لقوانينه، حتى أن الحكّام والرؤساء ما هم إلا دمى يحركها هذا النظام الشرير.
يقول صاحب مجموعة “كوف ليكس” (يتابعها 4،141 شخص): “هناك تجربة من وكالة ناسا تهدف لتأسيس حكومة عالمية يتحكم بها خلال المسيح الدجال من بينها توحيد جميع الأديان في دين عالمي واحد.” وتقول أخرى معلقة: “خطة الدجال مستمرة، وخطتنا مستمرة للانفصال عن نظامه.” يرى هؤلاء أن هناك مخططات شريرة تهدف لإنشاء نظام عالمي جديد أو نظام الدجال كما يطلقون عليه، سيكون فيه البشر عبيد للكائنات الأخرى الحاكمة بعضهم يسميهم السحالي، والبعض الآخر يطلق عليهم مافيا الخزر، ويبدو أنهم جميعاً يتقاتلون للسيطرة علينا. وهناك من يورد الكثير من الأسماء لقبائل فضائية (الأشهر فيالق الأنوناكي) التي تتقاتل على السيطرة علينا نحن البشر طمعاً في طاقتنا.
**الصحفيون كلهم أشرار، وكل ما يظهر على التلفاز هو رسائل لبرمجتكم.
**بالنسبة لمنظّري المؤامرة، الصحفيون جميعهم يتبعون لنظام السحالي ويجتمعون بشكل دائم معهم لوضع خطط للتحكم بالعامة. كصحفية عملت في عدد لا يستهان به من المحطات التليفزيونية أؤكد لكم أني لم أجتمع مع سحلية ولا مرة واحدة! هل يعقل أن هذه الاجتماعات كانت تتم بدوني. أما عن الدراما والسينما، فكل جزئية بها تتضمن رسالة موجهة لبرمجتك على أمر معين والتحكم بعقلك. يأخذ هذا الفكر الاتجاهات الثقافية السائدة والتي تتغير حسب العصور، مثل الاتجاه الإعلامي اليوم للإضاءة على قصص المثليين في الإعلام الغربي حالياً، ليضعوه في إطار المؤامرة المدروسة والترويج. لكن الأمر لا ينحصر في مثل هذه التوجهات الكبرى، بالنسبة لهم فإن الإعلام هو وسيلة لتمرير الرموز الماسونية.
**ترامب وبوتين.. أمل العالم.
**فيما تختلف آراء هذه المجموعات حول موقفهم من القادة العالميين، ولكن هناك إجماع على أن دونالد ترامب (نعم! هذا الرجل الأشقر الثري) يريد مصلحة الكوكب، ونحن نتحدث هنا عن مجموعات عربية، لناطقين بالعربية منها: “فيغانيك تريك، الباحثون عن الحقيقة، الحقيقة كما اكتشتفها، نجوم الكريب وغيرهم. كذلك هناك بعض من الإجماع على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذين يرون فيه المُخلص. يقول أحدهم: “يواصل بوتين تفكيك مفاصل الدولة العميقة” ويضيف آخر: “كفاك يا سيد بوتين واستر عرض الفضائيين” مهللاً لبوتين ومازحاً في نفس الوقت. بعض المجموعات ترى أن بوتين سيقضي على ما يسمى بـ”العصابة أو المافيا الخزرية” وكلمة “خزر” تشير باللغة إلى عرق من البشر، ترجع تسميتهم تاريخياً إلى إمبراطورية في القرن السابع كانت في شرق أوروبا. على الأرجح يستخدم منظرّوا المؤامرة التسمية للإشارة إلى العرق الأبيض عموماً.
إيلون ماسك هو موضع اختلاف في هذه المجموعات، البعض يراه شخصاً يريد أن يكشف الماسونية لكنه يتعرض للضغط الشديد من قبل النظام العالمي، ويقولون أنه يوجه ضربات حادة للدولة العميقة. وقد زاد هذا التوجّه عندما نشر ماسك تغريدة يُلمح بها بأنه قد يلاقي حتفه بظروف غامضة، لكن يبدو أن هؤلاء لم يسمعوا مقابلة الملياردير حين قال أنه غالباً ما يغرّد أثناء جلوسه على المرحاض. في المقابل، هناك من يرى إن ماسك هو مجرد دمية في النظام العالمي الهادف للتحكم بالبشر، أو روبوت يتم تحريكه عن بعد.
**تجاهل فئة 1٪ وركز على بيل غيتس.
**يكره منظرو المؤامرة بيل غيتس كثيراً، حيث يقولون عنه الشيطان ويزعمون أنه يريد أن يحجب الشمس عنّ البشر، وذلك في إطار ما يقوم به لمكافحة تغيّر المناخ. كان غيتس تحدث مراراً على موضوع الأوبئة من قبل (هو لم يكن الوحيد في ذلك، لكنه الأشهر) وهو ما جعل منظري المؤامرة يرون أنه من المخططين لها، وإلا فكيف يحذر منها قبل وقوعها؟ مع أن هناك دراسات عديدة كانت نشرت من قبل عن موضوع الأزمات الصحية ووجوب الاستعداد لها، لكنها لم تكن تعطى الاهتمام الكافي.
يقول هنا أحد رواد مجموعة “نجوم الكريب” (متابعيها 2,198 شخص): “هل تعلم ما هو الإسم الأصلي لمؤسسة بيل غيتس ومليندا الخيرية؟ معهد بيل وميليندا للتحكم بالزيادة السكانية” في إشارة لنوايا غيتس لإبادة البشر. ويقول أحدهم مشاركاً مقطع يتحدث فيه غيتس عن خطر الأوبئة: “قبل سنة حذركم من جائحة الجدري، هذا الإرهابي البيولوجي، هذا الشيطان، قلنا لكم أن الحرب العالمية الثالثة في بدايتها.”
مع ذلك، هناك تجاهل بشكل عام لفئة الواحد بالمئة الذين يملكون معظم ثروات الكوكب، وتجاهل أكثر للأثرياء العرب. وبصراحة لقد خيّب منظّري المؤامرة أملي في هذه النقطة، فإذا كنت تعتقد بمؤامرة فعليك النظر لهؤلاء أولاً.
**سننتقل إلى أبعاد أخرى.
**قريباً (لا يوجد موعد محدد) إلا أنه وفقاً لهذه المجموعات المجموعات ومنها “آرتيمس” (يتابعها 9,249) فإن “الفئة المختارة” ستنتقل قريباً إلى أبعاد أخرى أفضل، بينما نبقى نحن “القطيع” في هذا البعد السيء وهو البعد الثالث. تنشر صاحبة مجموعة “علياء جاد هوليستيك” (يتابعها 27,237 شخص): “نحن في آخر اللحظات من هذه الحضارة ثلاثية الأبعاد.. من يرغب المجيء إلى بر الأمان في اللحظة التي تدور فيها الأرض على محورها للوصول لبعد أعلى… لا يزال هناك وقت قصير للنائمين عن الحقيقة.” بينما تصف صاحبة مجموعة “دراسات في العمق” المشككين بهذه النظريات بأنهم “كائنات ممسوخة عالقة في الأبعاد الأدنى.”
أخيراً، بعيداً عن أي سخرية، أتمنى أن يرى هؤلاء الأشخاص أن الأمل الوحيد لنا بشرية يكمن هنا، في هذا البعد، مع أنه صعب ومعقد ويحوي الكثير من المشاكل، إلا أننا نحرز تقدّم بالصورة الكبيرة جداً، قد يكون بطيئاً لكنه موجود. والمشكلة الأبرز في فكر نظريات المؤامرة قد يكون هو نسف الأمل تماماً، فنحن في عالمهم محكومون، ونعيش في كذبة كبيرة، ويبدو هذا واقع مظلم جداً، ينفي إنجازاتنا البشرية ويُسخف من كل نصالاتنا لخلق مستقبل أفضل. وإذا كان من شيء نتمنى أن نقوله لهم فهو: أبقوا معنا في هذا البعد، وساعدونا على تحسينه.