لا زلنا نقيم في شقق مشتركة مع أهلنا وبالكاد نجني ما يسد رمقنا، نعيش حياتنا الاجتماعية على الإنترنت. نعرف جيداً كيف يجب أن تكون حياتنا في هذا العمر، لأننا تعلمنا ذلك من آبائنا الذين تزوجوا عندما كانوا في سننا، وأصبح لديهم أطفال وسيارة بباب خلفي بعد بضع سنوات من زواجهم. لكن ماذا عنّا نحن؟ نحن جيل الألفية، الذي يمكن اعتبارنا بالغون نعيش طفولة معلّقة. ما الذي سيحدث بعد 20 عاماً عندما نكون جميعنا قد بلغ منتصف العمر تقريباً؟ ماذا يحدث عندما يكبر جيل الألفية؟
قد تتبادر إحدى الصور إلى الذهن في الحال: شخص في الرابعة والثلاثين، مثقلٌ بمشاكل تتعلق بصحته العقلية، ويعيش في شقة صغيرة بإيجار شهري، ويمضي وقته في التنقل على تطبيق Tinder للمواعدة، ويكتب بعض التغريدات عن الشعور بالوحدة. ولكن قد لا يكون هذا ما سيحدث لك بالضرورة. من بين عشرات الأكاديميين والعلماء والاقتصاديين الذين راسلتهم بالبريد الإلكتروني، لم يبد معظمهم رغبة في وضع فرضيات حول شكل المستقبل الذي ينتظرنا، على الرغم من أن هذه المشهد البائس ربما ليس بعيداً عن الواقع من نواح كثيرة.
Videos by VICE
إننا نعيش الآن في عوز وقد لا يكفي ما سنجنيه لاحقاً في حياتنا لسد رمقنا. يقول ريان بورن، رئيس السياسة العامة في معهد الشؤون الاقتصادية إن جيلنا سيبلغ الأربعينيات “بثروة أقل بكثير، وسيكون أكثر فقراً من الأجيال السابقة. هذا النقص في الثروة بشكل جزئي سيعني أن أبناء جيل الألفية لن يمتلكوا مساكنهم الخاصة، لأنهم سيكونون قد أنفقوا الكثير مقابل الإيجار.”
نتوقع أن يعتمد الشباب حين وصولهم الثلاثينات أو الاربعينات من عمرهم على ذويهم بشكل كبير وقد يبقون في منزل أهلهم
يتفق خبير الأجيال جيسون دورسي مع ذلك بقوله: “نتوقع أن يعتمد الشباب حين وصولهم الثلاثينات أو الاربعينات من عمرهم على ذويهم بشكل كبير. قد يبقون في منزل أهلهم حتى بعد وصولهم للأربعينات وسيقوم آباؤهم بدفع فاتورة هواتفهم المحمولة. هذا سيولد ضغطاً على الجيل الأكبر سناً.”
إن كنت تعتقد أنك كنت ترزح تحت ضغوطات كبيرة حين كنت في العشرينات من عمرك، فانظر إذن إلى آخر عهد الثلاثينات وأوائل الأربعينيات من العمر. يعتقد بورن أننا سنصل إلى مرحلة ندرك فيها خطورة وضعنا؛ ويوضح ذلك قائلاً: “تكمن الخطورة في أنّ كثيراً من أبناء جيلنا عند وصولهم للاربعينيات عمرهم، سيعتريهم هلع افتقارهم لثروة تكفي نفقات تقاعدهم بعد 30 عاماً.”
هل سنجاري مستويات معيشة ذوينا وثروتهم التي جمعوها؟ وفقاً للخبراء الاقتصاديين الذين تحدثتُ معهم: الجواب قد يكون لا. يقول دورسي: تكمن “المشكلة في أننا سنظل نلاحق الكثير من الأشياء التي تنشدها الأجيال الأخرى، لكنها أشياء ستصبح بعيدة المنال أكثر وأكثر.”
ليس العثور على الحب هو أكثر ما يخشاه البعض، ولم نؤجل فكرة الزواج كلياً ولكننا قد لا نستطيع الحصول على أي منهما. يقول دورسي وآخرون تحدثت إليهم أن من المحتمل أن نستمر في الشعور بالإحباط والحزن. ونظراً لعدم قدرتنا على تحمل نفقات إنجاب الأطفال، فإننا سنتطلع في هذا العمر إلى إنجابهم في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات. “إن وجود أطفال في أواخر الثلاثينات من العمر أمر أكثر صعوبة، وينطوي على مخاطر أكبر، ونعتقد أنه سيكون هناك الكثير من الضغط في ذلك الوقت للزواج وإنجاب الأطفال،” يقول دورسي.
سيقع العبء النفسي على عاتق النساء اللواتي ستجد بعضهن أنه لا ينبغي لهن إنجاب أطفال، ولكن هذا العبء سيشعر به المجتمع بأسره. تقول الدكتورة إيمي كالر، أستاذة البنية الاجتماعية في جامعة ألبرتا لـ VICE، إنه إذا توقفت النساء عن إنجاب الأطفال “فسنلاحظ انهيار النشاط الاقتصادي الذي يتطلب وجود الأطفال والآباء، ومتاجر للأطفال ومربيات ومراكز الرعاية النهارية، ثم المدارس الابتدائية ورياضات الأطفال، وسنصبح معتمدين بشكل كامل على المهاجرين لنحفظ وجودنا كدولة، وسنرى المزيد من الجهود لجذب المهاجرين – الشباب منهم.”
أن نساء الغد هن أكثر ما يشغل بال الدكتورة كارول إيستون، الرئيسة التنفيذية لصندوق الشابات Young Women’s Trust الذي يدعم ويمثل النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و 30 سنة ويتقاضين أجراً منخفضاً أو يعملن دون أجر في إنكلترا وويلز: “السبب في أن النساء سيكافحن أكثر في نظرنا هو أنهن سيتقاضين أجوراً أقل خلال حياتهن، ومن المرجح أن يعلقن في وظائف غير آمنة منخفضة الأجر، والأهم من ذلك كله أنهن قد يحتملن عبء تقديم الرعاية لأفراد الأسرة.”
كلما تم التعامل مع مشاكل الصحة العقلية بشكل أسرع، كلما زادت فرص التعافي وأن نتمتع بصحة عقلية أفضل في المستقبل
لن يتمكن أي شخص على الإطلاق من التنبؤ بما ستبدو عليه صحتنا العقلية ورفاهنا بعد 20 عاماً من الآن، ولكن من المحتمل أننا سنظل جيلًا يتسم بالشعور بالقلق واعتلال الصحة العقلية، على الرغم من انفتاحنا فيما يخص مناقشة هذه المواضيع. ولكن يجب أن نشعر بالقلق إزاء انتشار الأمراض العقلية في العشرينات من العمر، وكقاعدة عامة، كلما تم التعامل مع مشاكل الصحة العقلية بشكل أسرع، كلما زادت فرص التعافي وأن نتمتع بصحة عقلية أفضل في المستقبل.
تقول الدكتورة ليزا أوربان المختصة بعلم النفس السريري: “إن ترك الأعراض دون علاج لا يؤدي إلى معاناة غير ضرورية للفرد فحسب، بل يتداخل مع بناء حياة غنية ذات معنى.” وفيما يتعلق بالقلق الذي يقول جيل الألفية إنه ينتابهم في العشرينات من عمرهم، تقول أوربان: “يكون الدماغ طيّعاً في أوائل سن البلوغ، ويمكن للتعرض المبكر للإجهاد في بيئة ما أن يؤثر على صحة الشخص العقلية. تعلمَ الشباب كيفية تطوير استراتيجيات التكيف في وقت مبكر، قد يعني أنهم يصبحون أكثر كفاءة في التعامل مع الإجهاد، وهذا ما قد يمنع أو يخفف من أعراض الصحة العقلية في المستقبل.”
في منتصف العمر البائس، يمكننا أن نتطلع إلى تقاعد طويل على الأقل، أليس كذلك؟ لا ليس تماماً، لأننا حينئذ سنعمل لفترة أطول من أي جيل قبلنا، وسنقدم الدعم للأطفال الذين تأخرنا في إنجابهم، وهي مشكلة يفاقمها عزم الحكومة على جعلنا نعمل إلى أن نشرف على الموت. يقول بورن: “سيتوجب رفع سن التقاعد عند الدولة بشكل كبير بسبب شيخوخة السكان.” من المقرر أن يتم رفع سن التقاعد إلى 66 في أكتوبر من عام 2020 في كندا، وبموجب المقترحات الحكومية الحالية، سيتم رفع السن إلى 67 في الفترة بين عامي 2026 و 2028، وإلى 68 بين عامي 2044 و 2046. لا نعرف إلى أي مدى يمكن أن يرتفع هذا السن.
يبدو كل هذا كئيباً للغاية، لكننا كجيل لا نعيش في فقاعة، ولا يمكن تجاهلنا، وقضية امتلاك السكن ونقص المدخرات والصحة العقلية وما إلى ذلك إذا لم يتم إيجاد حلول لها، ستصبح عبئاً على الدولة. تقول راشيل لورانس من مؤسسة New Economics Foundation إن التفكير فيما سيحدث إن لم نصل إلى حل لجميع هذه المشاكل أمر سيء للغاية، وأعتقد أنه إذا لم نجد حلاً لمعظمهما، فسيحدث انهيار اقتصادي وكساد كبير. وتضيف أن اقتصادنا برمته قائم على الديون، وإن كان أبناء الجيل غير قادرين على شراء عقار لأنفسهم أو لأطفالهم، في حين تبقى الأجور منخفضة بشكل غير عادل؛ فإن ذلك سيكون أشبه “بقنبلة موقوتة.”
متى تنتهي فترة المراهقة الطويلة؟ هتتوقع دورسي بأننا سنشعر أننا وصلنا إلى سن البلوغ عندما نبلغ سن الأربعين، وأنا أميل إلى موافقتها الرأي، لكن كل ما نعرفه على وجه اليقين هو أن ما يعنيه “سن البلوغ” وكيف يتم تعريفه سيتغير كلياً مع جيلنا الحالي.
لن يعني تجاوز سن الثامنة عشر شيئاً في المستقبل القريب سوى ذريعة لحضور حفلة والقدرة على شراء مشروب دون الحاجة إلى هوية مزورة. وقد لا يعني “كونك بالغاً” امتلاك منزل أو إنجاب طفل بعد الآن. تماماً مثلما قام آباؤنا بتحديد المعايير الخاصة بفكرتنا حول ماهية سن البلوغ، سنقرر ما الذي يعنيه كونك بالغاً بالنسبة إلى الجيل Z وما بعده.
ظهر هذا المقال بالأصل على VICE كندا