بدأت الفنانة السورية نور بهجت، 29 عامًا، مسيرتها الفنية بشكل رسمي بدخولها كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، بعد أن قضت طفولتها تحب الرسم وتمارسه، تعلمت التصوير/ الرسم بالألوان بشكل أكاديمي في الكلية، وبدأت رحلتها الفنية بعد التخرج. رسومات نور فيها تصورات عميقة عن الحياة، ليس العمق في معنى الرسومات وحسب بل في طريقة عرضها أيضًا، لا نجد نور تكتفي بنمط واحد من الرسومات أو موضوع واحد تتحدث عنه في لوحاتها، بل نرى ثراء في موضوعاتها الفنية فتارة تتحدث عن النساء بحيواتهن المختلفة، وتارة عن الحياة الاجتماعية والكورونا والحرب وتارة عن الصوفية، لا يتوقف إبداع نور عند اللوحات فقط بل نراها ترسم فيديوهات قصيرة أيضًا. تواصلت مع نور عبر الإيميل لأتعرف عليها أكثر وعلى فنها.
VICE عربية: لوحاتك تبدو فلسفية في مكان ما وتحوي الكثير من الأفكار والرموز.
نور بهجت: نعم، تختلف الفكرة باختلاف العمل بالنسبة لي كل لوحة لها رموزها وعالمها الخاص، ولكن إحدى الأفكار العامة التي لطالما عملت عليها هي علاقة الأنظمة الحديثة بالطبيعة وتأثيرها على الإنسان، عبرت عن هذا الموضوع بمجموعة أعمال فيها الكثير من الخيال والرموز بعنوان الكوكب المبرمج، فمثلًا إحدى الأفكار التي عملت عليها في سياق ارتباطنا بالحداثة هي رسم لجنين يخرج حبله السري من آلة وآلة أخرى تنفث في رأسه الدخان؛ و هذا الترميز المقصود منه هو ارتباطنا الوثيق بالتكنولوجيا ودخولها في تفاصيل حياتنا الطبيعية و اليومية. في عمل آخر نجد الإنسان يتحول إلى إنسان آلي والعصفور يتحول لعصفور آلي أيضًا، وفي مشهد الطبيعة الغني يتحول الإنسان إلى غريب و يشاهد كل ما حوله يتأثر بهذا التغيير، كما عملت على الحياة البحرية والمدن و على فكرة ترابط كل شيء ببعضه كما عملت على مواضيع متعلقة بالمرأة، وفيها رموز واضحة لمعاناة المرأة من قمع وكبت في مجتمعاتنا. لطالما أعجبت بإسقاط الكثير من الأشخاص لقصصهم الشخصية على لوحاتي، حين يشرحوها لي من وجهة نظرهم. أحب أن أُجرب كل أنواع الفنون وليس الرسم فقط، مثل الرقص والغناء ولدي الفضول لتعلم أشياء جديدة. ولكن يظل الرسم هو مكاني الأمثل والمريح الذي ألعب فيه.
Videos by VICE
كيف أثرت الحرب السورية عليك فنيًا؟
توقفت عن الدراسة في السنة الثالثة من دراستي الجامعية بسبب الحرب، ثم هربت من الوضع المتأزم بالسفر مع أهلي إلى دبي، وبعد عام عُدت لدمشق مرة أخرى لقضاء سنتي الدراسية الأخيرة ثم تخرجت بتفوق، وبالرغم من أني لم أواجه ربع المصاعب التي واجهها غيري من الفنانين السوريين داخل سوريا في أحداث الحرب الصعبة، ولكن بقى تأثير الحرب موجود في فني خصوصًا في الأعمال ما بين عامي ٢٠١٤ و ٢٠١٥، حيث كانت تطغى حالة من الرهبة والحزن على الأشخاص الذين غالبًا ما يرتدون اللون الأسود كما عملت على مجموعة فيها بعض الرموز المتكررة و هي الجمجمة كرمز للموت، والكرة الأرضية كرمز للأنظمة. ويظهر في إحدى اللوحات سقوط الكرة الارضية من قاعدتها ووقوف الغراب على رأس الأنثى التي انحنت و ارتدت الرداء الأسود.
وفي لوحة أخرى تقف النساء الأرامل والبنات اليتامى يتشحون بالسواد، ويظهر الغراب كذلك بالقرب من المرآة التي هي رمز للانعكاس وأقصد هنا بوجود المرآة هو أن أثر هذه التعاسة سوف ينعكس سلبًا على المتسببين فيها. في لوحة أخرى تمسك فيها الأنثى بخيط مربوط بمرآة حقيقية مثبتة على اللوحة موجودة بين ذئبين هائجيين، وهنا يقف المتفرج ليجد انعكاس وجهه بين الذئبين المتوحشين. أردت أن أجعل من مشاهد اللوحة توضيح لموقف المواطن السوري في الحرب التي عبرت عنها بالذئاب.
كيف قضيت فترة الحجر الصحي وهل غير من رؤيتك لنفسك والعالم؟
بسبب إجراءات الحجر الصحي وكورونا، للأسف لم أستطع أن أذهب لمرسمي كالعادة، ولكن الجانب المضيء في الأمر أنني بدأت برسم فيديوهات ديجيتال بطريقة الستوب موشن، يبدأ العمل دائمًا من سكيتش/رسمة لصورة معينة غالبًا ما تكون داخل غرفة و كل مرة تُكبر الصورة تظهر الصورة الأكبر، إذ أنه دائما هناك صورة أكبر لكل مشهد، في هذه النوعية من الفيديوهات، بالاضافة إلى أن فكرة العمل على رسم فيديو مختلفة تمامًا عن رسم لوحة عادية، لأنني أضيف عامل الوقت الذي يساعد على توضيح حالة عامة أو شعور يستطيع أن يتفاعل معه المتلقي عاطفيًا ويشعر بالألفة. للفن بشكل عام أدوار متنوعة تختلف باختلاف وجهة نظر الفنان، بعض الفنانين يميلون إلى توثيق الحدث لكي تبقى الصورة كما هي للأجيال القادمة، البعض الآخر يميلون إلى مناقشة بعض القضايا عن طريق الرموز التي تثير فضول المتلقي بإضافة خياله ووجهة نظره داخل العمل كما أفعل أنا، للفن دور توعوي وإنساني وثقافي دائمًا في حياتنا اليومية.
ما هي التحديات التي تواجهك كفنانة في عالم ما بعد الكورونا.
أعتبر نفسي محظوظة لأنني لطالما قُبلت بالاحترام والدعم لكوني فنانة، وهناك دعم للمواهب الأنثوية وصوتها الحر وهذا ما أقدره جدًا. مجرد أن يفهم المشاهد الرسالة المقصودة من أي لوحة و يُبدي رغبته في واقتنائها ومشاهدتها كل يوم داخل منزله هذا كفيل بإدخال السرور على قلبي، وحلمي أن يحدث ذلك مع شريحة كبيرة من الناس ويصل فني لمختلف متاحف العالم. التحديات التي تواجهني فهي نفس التحديات التي تواجه العاملين في مجال الفنون بشكل عام، وهي أنها مهنة صعبة وغير مستقرة لعدم وجود دخل ثابت وللأسف، ولا يوجد عندنا وعي أو اهتمام بحال الفن و الفنانين في العالم العربي؛ إذ أن هناك تقصير واضح في توثيق مسيرة أسماء كبيرة في الفن التشكيلي العربي مثلًا مما يؤدي إلى نسيانها عبر التاريخ.
يمكنكم مشاهدة المزيد من أعمال نور على انستغرام