مراهقون يروون قصصهم مع “محاولة الانتحار”

Suicide

“أتأخرنا عليكي عشان كان عندنا حالة انتحار”.. لم أكن أتخيل أن أتلقى هذا الرد الصادم من إحدى الصفحات المتخصصة في الدعم النفسي خلال عملي على الموضوع المتعلق بمحاولات الانتحار لدى المراهقين، فعلمت أن إحدى الحالات التي لا تتجاوز 27 عامًا، انتحرت نتيجة موجة من الاكتئاب الحاد أودت بحياتها تاركة رسالة “وصلوا رسالتي أنا مش مسامحة كل إللي أذوني”.

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عامًا، وذلك دليل على استفحال ظاهرة الانتحار لدى المراهقين، في هذا الصدد أكدت الدكتورة ماريا عبدالحسيب، إحدى مؤسسات مجموعة “مش لوحدك..للمشاركة والدعم النفسي” على فيسبوك، أن نسبة المراهقين لدى الصفحة كبيرة ويمثلون 35% وأكثرهن إناث، وكذلك الفئة التي تسيطر عليها شكوى الميول الانتحارية تتراوح بين 16 و22 عامًا، مبررة ذلك بأن المراهقين أكثر عرضة لعدوى الانتحار مقارنة بالفئات العمرية الأخرى.

Videos by VICE

غياب الاهتمام

وفيما يتعلق بشكاوى المراهقين ممن لهم تجارب انتحارية سابقة الواردة على صفحة (مش لوحدك)، وفقًا لما روته مؤسسة الصفحة، يأتي الإحساس بالاغتراب الدائم داخل الأسرة في مقدمة الأسباب وهو ما أكدت عليه قصة نهى محمود، 19 عامًا.

تقول نهى: “لكِ أن تتخيلي أنني يتيمة الأب والأم رغم وجودهم على ظهر الدنيا، ولكن منذ الصغر تركوني عند جدتي، ولم أشعر يومًا برغبتهم في تواجدي وسطهم، فوجدت نفسي طوال الوقت مهمومة بالبحث عن الاهتمام وجذب الانتباه؛ لذا كنت أتعلق بأي شخص حتى ولو كان سيء السمعة لدرجة أنني أعلق صور لهؤلاء الشخصيات في غرفتي. في الصف الأول الثانوي انتقلت إلى مرحلة العلاقات العاطفية المفرطة فأصبحت ملاذي الآمن بأنني مرغوبة، ليس ذلك فقط بل كنت أُمثل قيامي بالانتحار للفتِ انتباه من حولي فقط، ذات يومًا تحول المسلسل إلى حقيقة وحاولت الانتحار بالفعل عندما منعني والدي من الذهاب إلى المدرسة وعدم الإنفاق عليّ رغم قدرته المادية، بدعوى أنني (بتاعة مشاكل ومليش لازمة في الدنيا)، وتناولت كافة الأدوية الخاصة بجدتي! ولكي أن تتخيلي أن زوجة عمي هي من ذهبت معي للطبيب ووالدي ووالدتي امتنعوا، وقالوا (تموت في ستين داهية!)، قررت منذ هذه اللحظة أن أترك المنزل واستقل في سكن بمفردي، وبدأت بالعمل في كوافير وهذه أفضل وسيلة آمنة لحياتي”.

الكبت

“نشأت في أسرة سلفية متشددة، فكانت كلمة الحرام هي الإجابة على جميع اسئلتي، كما أجبروني على ارتداء العباءة والخمار منذ بلوغي 14عامًا، ولم أنسّ الاتهامات بالتكفير والضرب المبرح من والدي عندما ضبط معي شريط كاسيت لعمرو دياب، بالإضافة لذلك لم أتلق درسًا خصوصيًا لمنعي من الخروج وقطع علاقتي بجميع أصدقائي حتى لا يفسدونني! كما حرمت من الملابس الملونة وأصبح الأسود هو اللون الرسمي، وأتى الموقف الذي فجر كافة هذه التراكمات، عندما صمم والدي من حرماني من المراجعة النهائية لمادة الدراسات الاجتماعية، فتناولت 20 قرصًا من حبوب ضبط ضربات القلب، ونتج عن ذلك سقوطي في غيبوبة لمدة 15 ساعة دون أن يشعر أحد من عائلتي، وخلال الامتحان فقدت وعيي، وظلت محاولات الانتحار مثل ظلي؛ خاصة خلال المرحلة الثانوية عندما أصبت بحالة اكتئاب حاد، وحاولت مساعدة نفسي وذلك بالهروب من المدرسة من وراء أهلي والذهاب إلى المكتبة.” مروة محمد، 28 عامًا

التنمر

“بدأت معاناتي منذ المرحلة الابتدائية، وظل مشهد يرافقني طوال حياتي عندما قاموا زميلاتي في الفصل بسرقة أكلي ومطاردتي والتنمر عليّ بسبب زيادة وزني، وعندما تخيلت أن أسرتي ستكون طوق النجاة حدث عكس ذلك بل ضاعفوا هذه المعاناة بمعايرتي الدائمة بوزني الزائد، فقدت ثقتي بنفسي وسيطر عليا إحساس واحد (أنا مش أنثى)، فلم أجد مفر سوى الانتحار، وبالفعل قفزت من الشرفة لكن لم تنتهِ حياتي، وكانت النتيجة تصميم والدتي على الذهاب إلى شيخ القرية ليطرد العفاريت والجن من جسدي، وهذه معاناة أخرى جعلتني أُقدم على الانتحار مرة ثانية، فلجأت أمي إلى المعالج النفسي وخضعت لرحلة العلاج منذ أربعة أشهر ولكن ما زالت الأفكار تراودني، لأن العالم كله أشرار لا مكان به للطيبين” -منى السيد، 18 عامًا.

جلد الذات

“أدرس بكلية الطب ومتفوق دراسيًا، والدي يعمل سائق تاكسي، ونشأت في أسرة فقيرة، لذلك لم يفارقني الشعور بالذنب والإحباط لحظة، بسبب النفقات الكبيرة لدراسة الطب، ومعاناة والدي من أجل الوفاء بنفقات دراستي التي كان يحلم بها، وهذا هو الجانب الآخر لمعاناتي، إذ أنني تخليت عن حلمي بالالتحاق بكلية العلوم، واختيار الطب لأحمل لقب طبيب من أجل والدي. منذ ولدت أحقق رغبات من حولي، وأشعر دائما أن أسرتي بالكامل تحب الطبيب ولا تحب شخصي، ووسط كل هذه المعارك التي أعيشها مع نفسي قررت خلال فترة امتحاناتي بالفرقة الثانية الانتحار بجرعة كثيفة من الدواء، ولم أدري بنفسي سوى وأنا بالمستشفى، صمم أهلي أن أذهب إلى الطبيب النفسي، فذهب لتحقيق رغبتهم فقط”. محمد علي، 19 عامًا.

الحكي بداية التعافي

تتعدد أساليب الدعم النفسي للمراهقين الذين يعانون من محاولات الانتحار، ويعتبر تكنيك الحكي من أهم الأساليب الداعمة، وفي هذا الصدد قال محمد عبدالفتاح، مؤسس فرقة بيت الحواديت، إن كافة ورش الحكي التي قدمها كانت تضم مراهقين حاولوا الانتحار، لافتًا إلى أن الحكي وسيلة مساعدة إلى جانب رحلة العلاج النفسي الذي يقوم بها الأطباء، وعن مراحل الدعم بالحكي، أوضح “عبدالفتاح” أنه لم يلجأ للحديث عن المشكلة مباشرةِ ولكن تتم عبر عدة مراحل حتى يصل صاحب المشكلة إلى المساحة الآمنة، ومن ثم يحكي عما يدور بداخله سواء أمام الجميع أو بمفرده.

وعن المعايير الحاكمة للورش بين مدرب فن الحكي، أن من أهمها عدم إصدار الأحكام وعدم إظهار الاعتراض والتعليق وعرض النصائح لتوفير الساحة الآمنة لصاحب المشكلة، واستشهد بشخص تحت عمر العشرين سبق له محاولة انتحار، بأنه في البداية رفض الحديث نهائيًا بل عبر الجلسات كسر حاجز الخوف وحكي أمام الجميع، وطلب حضور الورش معي بشكل دائم.

“الورشة الجاية عندي بعنوان هل قمت بمحاولة انتحار فاشلة؟” يقول عبدالفتاح، مشيرًا إلى أن ظاهرة الانتحار تزداد يومًا بعد يوم لذا خصص الورشة القادمة لمناقشة هذا الموضوع، وتتضمن الورشة التدريب على كتابة الحكاية الشخصية، ثم تقديمها للآخرين عبر وسيط سواء بشكل مباشر (مسرحيًا) أو بشكل غير مباشر كالكتابة أو الفيديو.

وهذا لم يبعد كثيرًا عما تقدمه أيضًا صفحة وجروب “مش لوحدك ..للدعم النفسي”، إذ قالت مؤسسة المجموعة التي دُشنت في أبريل 2017 أنهم يعملون على خلق بيئة آمنة لمشاركة المشاكل والأزمات النفسيّة، وفتح باب النقاش حولها بين الأعضاء؛ لإدخال ونشر فكرة العلاج الجماعيّ في المجتمع، وتعتبر الصفحة حلقة وصل بين المعالجين النفسيّين والمرضى.