منذ ثلاث سنوات وأنا أتابع حملات ومشاريع تنشر خطورة العادات اليومية لنا على كوكب الأرض ومنها شراء الحقائب البلاستيكية أحادية الاستخدام ورميها في الشوارع والأنهر والبحار. في الفترة الأخيرة في مصر، بدأ عدد من المشاريع بحملات على وسائل التواصل الاجتماعي الحديث عن أهمية الوعي البيئي والحث على التبرع بالمخلفات البلاستيكية للتخلص منها بطريقة آمنة للمجتمع. قررت التواصل مع عدد من هذه المشاريع لأتعرف على مدى نجاح هذه المشاريع على أرض الواقع، وهل حققت أي شيء ملموس على الأرض.
المشروع الأول الذي توجهت إليه هو Go Clean الذي تأسس منذ ثلاثة أعوام، ويعتمد على أخذ مخالفات الورقية أو البلاستيكية في المقابل يحصل المتبرع على مبلغ من المال. استهلم محمد حمدي، 31 عامًا، مؤسس Go Clean فكرة المشروع من العادات الخاطئة التي تتعلق بكيفية التخلص من المخلفات البلاستيكية وعدم الإهتمام بإعادة تدويرها. “فكرة إعادة التدوير لا تزال غير متعارف ولا تلقى شعبية في مصر، لهذا كانت الفكرة أن نذهب للناس لتجميع مخلفاتهم البلاستيكية، بدلاً من أن نتوقع منهم أن يأتوا إلينا.” ويضيف محمد: “في البداية كان التركيز على جمع المخالفات من المصانع فقط، وفي نهاية فبراير 2019 بدأت المبادرة بالذهاب إلى المنازل والشركات والسفارات لجمع المخلفات البلاستيكية وإعادة تدويرها.”
Videos by VICE
يشير محمد أن المشروع لاقى نجاحًا وإهتمامًا منذ انطلاقته “لأن فكرة المشروع قائمة على المنفعة المتبادلة” ويقول: “نحن نغطي حالياً أكثر من 12 منطقة في نطاق محافظة القاهرة، كما نتلقى أكثر من 90 طلب لجمع المخلفات البلاستيكية وغيرها في اليوم من جهات مختلفة ويتم إعادة تدويرها بصورة آمنة. حيث نقوم بفرز المخلفات ثم إرسالها إلى مصانع إعادة التدوير تابعة لوزارة البيئة المصرية.”
وقد كشفت دراسة أعدتها وزارة البيئة المصرية في أكتوبر 2019 أن أكياس البلاستيك تُعتبر بمثابة “قاتل خفي” وتفوق فى خطرها الأوبئة والحروب، حيث تتسبب في قتل طفل كل دقيقة حول العالم. وكشفت الدراسة أن مصر تنتج سنوياً 16.2 مليون طن من النفايات، يشكل البلاستيك 6٪ منها، أي نحو 970 ألف طن من النفايات البلاستيكية سنوياً ويتم إعادة تدوير 45٪ فقط من هذه المواد وإعادة استخدام 5٪، فيما يتم حرق 50% من النفايات البلاستيكية التى تُترك بدون جمع فتخضع لعمليات حرق بطرق ضارة. وتقدمت الدراسة بمقترح قانون لحظر استعمال الأكياس أحادية الاستخدام ودعم مواد التغليف القابلة لإعادة التدوير.
هناك تحديات إدارية في تنفيذ المشاريع المتعلقة بالحفاظ على البيئة بشكل أمن وحضاري، ذلك بالإضافة إلى تحديات مالية، سواء تنظيم حملات توعية، أو توزيع الصناديق الخاصة بإعادة تدوير البلاستيك والزجاج والورق تحتاج إلى ميزانية ليست بسيطة
ومنذ منتصف سبتمبر 2019 تعكف وزارة البيئة في مصر على إعداد مخطط للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، حيث تم تخصيص 6 ملايين يورو للمصانع المنتجة للبلاستيك لدعم إنشاء خطوط إنتاج الأكياس القابلة للتحلل. كما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن حملة جديدة تحت شعار “اتحضر للأخضر” في بداية العام الحالي وهي أول حملة وطنية لنشر الوعي البيئي، وتستهدف تغيير السلوكيات وحث المواطن على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية لضمان استدامتها.
ولكن على الرغم من أهمية هذه المبادرات، يشير الدكتور ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ وعضو مجلس الطاقة العالمي، في مقابلة هاتفية إلى أن التحديات التي تواجه البيئة في مصر معقدة: “هناك تحديات إدارية في تنفيذ المشاريع المتعلقة بالحفاظ على البيئة بشكل أمن وحضاري، ذلك بالإضافة إلى تحديات مالية، سواء تنظيم حملات توعية، أو توزيع الصناديق الخاصة بإعادة تدوير البلاستيك والزجاج والورق تحتاج إلى ميزانية ليست بسيطة. كما أن هناك مشكلة في التوعية، فمناهج التعليم في مصر لا تهتم بالحديث عن البيئة وكيفية المحافظة عليها.”
في ظل هذه التحديات يبدو أن المبادرات الشبابية هي واحدة من الحلول لرفع التوعية والإهتمام بالبيئة. في نوفمبر 2018 قامت زينب طلعت، 36 عامًا، والتي تعمل ستايلست في مجال الإعلانات، بحملة “كفاية بلاستيك” وهو مشروع فني هدفه نشر الوعي لدى المصريين بخطورة استخدام البلاستيك وضرره الكبير على البيئة.
استلهمت الفتاة المعروفة بـ zi الفكرة أثناء زيارتها للهند، حيث تخبرني أنها دُهشت بندرة استخدام الأكياس البلاستيكية هناك، إذ يقوم السكان باصطحاب أكياس من الأقمشة معهم خلال تسوقهم، وهناك تدابير صارمة للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية. بعد عودتهل لمصر، بدأت زينب العمل على حملتها للتوعية من خطورة البلاستيك ومحاولة الوصول لأكبر شريحة من المجتمع من خلال جلسات تصوير مع فنانين مشهورين، وكان الفنان أحمد مجدي الأكثر تحمسًا. حققت حملة “كفاية بلاستيك” نجاحاً لافتًا وخاصة بعد نشر الفنان أحمد مجدي لجلسة التصوير، بالإضافة إلى الحديث عن الحملة وأهدافها في الصحافة والبرامج التليفزيونية، كما دعم عدد من النجوم الحملة من خلال وضع دبوس من مخلفات البلاستيك في مهرجان الجونة السينمائي.
البعض يرى أن هذه الحملات البيئية هي رفاهية، ولكن خطر المخلفات البلاستيكية هي مشكلة حقيقية تهددنا جميعًا صحيًا واقتصاديًا. نحن ننفق الملايين لإستيراد وإنتاج البلاستيك الضار على حسب بناء المستشفيات وإعادة إعمار العشوائيات
“بعد نجاح جلسة التصوير الأولى قررت عمل جلسات تصوير أخرى، ولكن الدعم المالي كان سبب في توقف الحملة،” توضح زينب وتضيف: “قررت في النهاية تصنيع دبابيس من المخلفات البلاستيكية التي أجمعها من أصدقائي ومعارفي. وتتراوح أسعار الدبابيس من 100 جنيهًا إلى 200 جنيهًا. أحاول جمع الأموال من خلال بيع هذه الدبابيس لمواصلة ما بدأته.”
تقول زينب إن رغم نجاح الحملة إلا مازال هناك بعض الصعوبات: “البعض يرى أن هذه الحملات البيئية هي رفاهية أو ترويج للفنان، ولكن خطر المخلفات البلاستيكية هي مشكلة حقيقية تهددنا جميعًا صحيًا واقتصاديًا. نحن ننفق الملايين لإستيراد وإنتاج البلاستيك الضار على حسب بناء المستشفيات وإعادة إعمار العشوائيات مثلاً.” وتستشهد زينب بدراسة لـ مركز تكنولوجيا البلاستيك تشير إلى أن المصريين يستهلكون 12 مليار كيس بلاستيك سنوياً.
تحاول شركة جرينش أيضاً تغيير هذا الواقع، من خلال رفع جودة منظومة إعادة التدوير في المجتمعات المهمشة. وقد قامت الشركة مع عدد من الشركاء بـ تصنيع ماكينة تقوم بإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية بوقت قصير، كما تقول ريم جبر، 23 عامًا، المسؤولة الإعلامية، والتي تشرح أن ماكينة precious plastic تقوم بإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية في 5 دقائق: “نحن نعمل حالياً على توفير هذا الماكينة في عدد من الجمعيات والمنظمات الأهلية، بهدف إعادة تدوير البلاستيك وتصنيع مواد جديدة يمكن بيعها والاستفادة منها.”
رغم أهمية هذه الحملات التوعوية، إلا أن الدكتور ماهر يرى أنها نقطة في بحر ويضيف: “التحديات الموجودة كبيرة جداً، وهذه الحملات تأثيرها ووصولها محدود. هناك حاجة إلى دعم هذه الشركات الشبابية من مؤسسات الدولة حتى يكون تأثيرهم واضح وفعال. وهناك ضرورة للتركيز بشكل أكبر على المخاطر البيئية لطريقة حياتنا الغير مسؤولة فيما يتعلق بكيفية التخلص من النفايات، وكيفية الحفاظ على البيئة.”