مقابلة مع سندس شبايك.. أول مُنسقة للمشاهد الحميمية في العالم العربي

مقابلة مع سندس شبايبك، أول مُنسقة للمشاهد الحميمية في العالم العربي

“شعرت بالإهانة والاشمئزاز والغضب من برتولوتشي وبراندو عقب تصوير المشهد.” هكذا عبرت الممثلة الراحلة ماريا شنايدر في حوار لها مع The Daily Mail البريطانية عن استيائها من تصوير مشهد الاغتصاب بفيلم Last Tango In Paris. وقد اعترف المخرج الإيطالي برناردو برتولوتشي أنه تآمر عليها مع الممثل مارلون براندو لتصوير مشهد دون علمها وموافقتها. وأضاف: ” فكرة مشهد الإغتصاب أتتني أنا وبراندو في صباح يوم التصوير، كنا نريد أن تظهر ردة فعل ماريا كفتاة عمرها ١٩ عاماً وليس كممثلة.”

أثارت تصريحات برتولوتشي موجة غضب وهجوم شديد من مشاهير هوليوود ومواقع التواصل الاجتماعي آنذاك عام ٢٠١٦، خاصة أنه لم يبد ندم على الطريقة البشعة التى صور بها المشهد. وفي العام التالي كانت هوليوود على موعد لشهادات مرعبة لانتهاكات داخل مواقع التصوير واعتداءات جنسية منسوبة للمنتج والمخرج الأمريكي هارفي واينستين تحت شعار حملة Me Too تزامن معها استحداث وظيفة “منسقة الحميمية”، وتُكلّف صاحباتها الإشراف على إعداد المشاهد الجنسية في الأفلام والأعمال التلفزيونية، وتقديم المعدات لحماية الأعضاء الجنسية للممثلين ومناقشة مبدأ الموافقة مع صانعي الأفلام.

Videos by VICE

سندس شبايك هي كاتبة ومخرجة ومدربة تمثيل مصرية تقيم في برلين. لديها أكثر من ١٢ عامًا من الخبرة في العمل مع الممثلين وغير الممثلين، وتسهيل ورش عمل سرد القصص، وتوثيق الحكايات الشخصية، وإخراج العروض المسرحية للنساء والقصص القائمة على النوع الاجتماعي. وتعد شبايك أول منسقة للمشاهد الحميمية في العالم العربي.

في مقابلة مطولة، تحدثنا مع مع سندس شبايك، عبر منصة زووم، لنعرف منها أكثر عن طبيعة هذه المهنة الحديثة، وأهميتها وكيف سيكون مستقبلها على خريطة صناعة الأفلام العربية .

حصلت سندس على منحة Voices that Matter عام ٢٠٢١، وأكملت في أكتوبر الماضي درجة الماجستير في الإخراج في مدرسة Metfilm في برلين. ومن أفلامها “هي في برلين”،The Night Before و” فتاة .”

VICE عربية : أهًلا سندس. بالضرورة ابدأ معك بسؤال من هو منسق المَشَاهِد الحميمية؟

سندس شبايك: المنسق هو شخص مُدرب يتم تعيينه من قِبل شركة الإنتاج أو المخرج لدعم تصوير وتصميم آي مشاهد بها درجة ما من الحميمية أو الحساسية، ويكون حلقة الوصل بين الممثلين/ات والمخرج والإنتاج.

دوري كمنسق مشاهد حميمية مثل دور مصمم المعارك stunt coordinator، الذي يتم استدعاؤه لتصميم أحد المشاهد التى تتضمن معركة ما أو قفزة لممثل من مكان مرتفع، وتكون مهمته التأكد أوًلا هل الممثل موافق أم يرغب في إحضار دوبلير. ولو موافق يتم الاتفاق معه على كيفية تصميم الحركة وتنفيذها بشكل يحميه ولا يعرضه للخطر.

ماهي وظيفتك كمنسقة للمشاهد الحميمية ؟

المشاهد الحميمية تحتاج لشخص متخصص ليس فقط لتصميمها، لكن لتنسيق صناعتها دون أن يتعرض فريق العمل سواء ممثلين/ات لأي ضرر أو انتهاك وحماية حدودهم/ن الشخصية، ومن مهامه التأكد من موافقة الممثلين/ات على أي مشاهد قبل التصوير، وعدم تعرضهم/ن لآي ضغط أثناء التصوير لتنفيذ مشاهد غير متفق عليها مسبقًا. المنسق مسؤول أيضًا عن وضع ضوابط أمان وبروتوكولات واتفاقيات السلامة مع الممثلين/ات والمخرج وفريق الإنتاج لحماية طاقم العمل بأكمله.

المنسق شخص دارس ولديه خبره لدعم الممثلين/ات قبل وبعد التصوير نفسيًا، وتقنيًا وفنيًا في صناعة وتصميم المشاهد الحميمية. قبل العمل في هذه المهنة، كان ذلك يتطلب دراسة معمقة في عدة فروع، منها الحصول على شهادة التدريب على الإسعافات الأولية للصحة النفسية. وبالمناسبة، فإن المنسق يدعم الممثل نفسيًا في مشاهد لا تُصنف حساسة أو حميمية، مثل رفض إحدى الممثلات التصوير في أحد الأيام، لإنها حضرت بالصدفة تصوير مشهد آخر تضمن حريقًا، فذكرها باحتراق صديقها منذ شهر ووفاته.

by mohamad el-hadidi.jpg
تصوير محمد الحديدي.

لحظة هنا ..كيف تُصممين بيئة تضمن حماية الممثل/ة من الانتهاك؟

دوري كمنسقة في تصميم هذه المشاهد يبدأ من قراءة السيناريو كامًلا الذي يُرسله لي المخرج أو شركة الإنتاج قبل البدء في التصوير، ثم احُدد المشاهد التي أراها تضم محتوى حميمي. وأقوم بعد ذلك بما يسمى تقييم المخاطر Risk assessments لتحديد أي مشاهد تحتاج بروفات وكذلك غيرها من الملاحظات التي أناقشها مع المخرج. والمخاطر هنا مختلفة، لإن الانتهاكات يمكن حدوثها بدون وعي طول الوقت، وهذا موجود في كل العالم وليس عربيًا فقط. مازال لدينا عدم وعي بثقافة الحدود أو مفهوم التراضي consent. حتى الأن لا نفهم أن شخص يضع يده على كتفك غير مقبول إلا إذا كنت موافق وليس لديك مشكلة مع ذلك، لإن رفضك لهذه اللمسة يعني تحرش. وهذا لا نستوعبه حتى الآن في عالمنا.

هل تعطينا مثال حي عن تصميم أحد المشاهد الحساسة؟

نعم، فليكن مشهد الاستحمام الشائع كما ذكرت سابقًا ومن الأمثلة على ذلك مشهد الممثلة ناهد السباعي في الفيلم المصري “علي معزة وإبراهيم” للمخرج شريف البنداري. دوري كمنسقة لتصميم هذا المشهد الحساس، هو الحصول أولا على الموافقات من الممثل/ة. وطرح هذه الأسئلة على المخرج ومساعده: ما هي المدة التي يستغرقها تصوير المشهد؟ وما هي درجة الحرارة المتوقع تصويره فيها؟ ماهو شعورها تجاه العمال المحيطين بها في التصوير، والمسافة التي تقطعها من موقع التصوير لترتدي “الرووب” بعد صراخ المخرج CUT؟ في مثل هذه المشاهد الحميمية والحساسة أطالب أن يكون موقع التصوير مغلق closed set أى التصوير بأقل عدد من طاقم العمل، ومنع التصوير الفوتوغرافي أو الدخول بهاتف محمول لمنع أي انتهاكات يتعرض لها الممثل/ة.

فيما يتعلق بالتراضي consent، كيف تكون موافقة الممثل/ة مستنيرة لتصوير مشهد حميمي أو حساس، وهل يحق لهم التراجع عنها يوم التصوير؟

هناك جلسات تجمعني مع المخرج بعد قراءة السيناريو لفهم رؤيته في تصوير المشاهد الحميمية أو الحساسة، وكل مشروع يختلف عن الآخر. فمثلًا هناك سيناريو مكتوب فيه ممثلة تقف تحت الدش ولكن غير موضح مالذي سيظهر من جسدها، وما هي زاوية الكاميرا، وأين سيكون مكان التصوير، وغيرها من الأسئلة. عندما أصل لإجابات عنها، أنقلها للممثل/ة ومعرفة هل يوافق عليها، أم هل لديه ملاحظات معينة.

ودوري كمنسقة مشاهد حميمية أو حساسة هو التأكد من موافقة الممثلين/ ات ليس على السيناريو فقط بل على كل مرحلة من مراحل الإنتاج. فهناك موافقة نحصل عليها من الممثلين كل يوم وكل لحظة وقبل تصوير الshot، ومن ثم يستطيع فعًلا الممثل التراجع عن مشهد معين في يوم التصوير. ودوري هنا هو البحث عن حلول مبتكرة مع الممثل والمخرج للوصول إلى تكنيك معين لتصوير المشهد بطريقة تناسب ويوافق عليها الممثل/ة، وليس دوري تعطيل الإنتاج بل دفعه للسير بسلاسة قدر الإمكان دون حدوث انتهاك للممثلين/ات.

by alaa el kamhawi.jpg
تصوير علاء القمهاوي.

ولكن ما الذي يضمن الأ تخنق وظيفة منسق المشاهد الحميمية العملية الإبداعية؟ أنتِ تطلبين من المخرج تصوير المشهد بزاوية وحركة معينة للكاميرا. كيف نخلق مشهد حميمي وغير مزيف في ذات الوقت؟

بالعكس دور المنسق لا يتعارض مع المخرج، بل وجوده يَدعم رؤية المخرج/ة للمشاهد الحميمية، من خلال تصميم وتنفيذ المشاهد مع الممثلين/ات بعد الاجتماع معه والتعرف على رؤيته. أنا موجودة لتسهيل عمل المخرج ولفهم مايريده وتنفيذه بدون حدوث انتهاكات للممثلين/ات من خلال استخدام أدوات وعوازل مختلفة توضع بين الممثلين/ ات خاصة للمشاهد الحميمية أو الحساسة.

والصراحة المشاهد التي تُصور بدون منسق هي التي تخرج على الشاشة مُزيفة وليس العكس، لأن المخرج يطلب من ممثلين غرباء “يبوسوا بعض” بدون مقدمات . فنرى مشهد في حالة تشنج مفتعل، ومن ثم تظهر القُبلة على الشاشة أو الحضن بصورة فقيرة فنيًا، لأن هناك أكذوبة في صناعة السينما تقول ” اترك الممثلين/ ات يرتجلوا وهيخرج المشهد حقيقي.” ولكن مفيش حاجة اسمها كده اصًلا. لن يستطيع الممثلين الارتجال دون معرفة حدودهم ويشعروا براحه تجاه بعض، وكيف يلمس بعضهم الآخر، تاريخ الشخصيات، ونوع البوسة أساسًا. فالبوسة العابرة، غير بوسة لشاب وفتاة مراهقين على الكورنيش، وأيضًا غير بوسة رجل وامرأة متزوجان. كل هذه التفاصيل هي التي يناقشها ويُدرب المنسق للمشاهد الحميمية الممثلين/ات عليها.

ما المقصود بالأدوات أو العوازل التي تُستخدم في تصميم المشاهد الحميمية؟

منسق المشاهد الحميمية مثل مصمم المعارك، يقوم بتزييف المشهد بحرفية شديدة ليظهر على الشاشة وكأنه حقيقي. والعوازل أو barriers تساعدنا فى ذلك وهي متنوعة مثل سجادة اليوجا نقصها لتصبح بين الممثل والممثلة، أو نضع بينهما كرة متحركة للحفاظ على الحدود بينهما حتى لا تلتصق أجسادهما أثناء تصوير مشهد حميمي يجمعهما في السرير، ونحن لا نشاهد هذه الكرة على الشاشة. ويحدث هذا غالبًا في الأفلام الغربية حيث يظهر الممثلون عراة في السرير هم يحتضنون بعضهم البعض، ولكن دون أن تلامس أجسادهم بعضهم البعض بسبب هذه العوازل. هم ليسوا عراة فى الواقع بل يرتدوا ملابس خاصة بهذا المشهد وكأنهم عراة. وتحفظ هذه الملابس حدودهم أو الأجزاء التي لايرغبوا في إظهارها سواء أمام الكاميرا في موقع التصوير .

وكذلك تصوير القُبلة على الشاشة يتم بعد تدريب طويل أقوم به كمنسقة مع الممثلين/ات والاتفاق على حركة الكاميرا وزاوية التصوير مع المخرج وذلك من خلال طريقة إمساك الممثل لوجه الممثلة. دورى كمنسقة مشاهد حميمية المساعدة في إخراج مشهد فني بشكل حقيقي ولكن تصميمه مزيف. ينجح أحيانًا المخرج بالصدفة في تصوير مشهد حميمي من دون انتهاكات، ولكن ذلك يتم من دون منهجية واضحة تحمي الممثلين/ات. ولكننا نرصد في كثير من الأحيان شكوى الممثلات من مدى انزعاجهن بسبب شعورهن بقضيب الممثل وهو يحتضنها في أحد المشاهد الحميمية.

في ظل موجة العداء للحريات في عالمنا العربي، هل لمهنتك مكان في صناعة الأفلام العربية؟

مهنة منسق المشاهد الحميمية ظهرت في الولايات المتحدة بالتزامن مع حملة Me Too، لفضح الانتهاكات وجرائم العنف الجنسي التي تتعرض لها النساء بمواقع التصوير وفي صناعة السينما بشكل عام. وفي المقابل، العالم العربي مليء بقصص الانتهاكات، وهي كثيرة جدًا، لكن يتم إسكاتها. وأعتقد أنها مسألة وقت وسوف تظهر على السطح قريبًا. وهذا هو السبب الأهم الذي يجعلني أؤمن بأهمية وضرورة وجود منسق/ة للمشاهد الحميمية في صناعة الأفلام والدراما العربية.

هل تعتقدين أن وعي الممثلات العربيات قادر على وضع هذه المهنة على خريطة أفلامنا العربية ؟

أظن أن الممثلات الكِبار (النجمات) هن قادرات على فرض هذه المهنة على شركات الإنتاج. وأزعم أن المنصات العالمية والتي لها شراكات مع إنتاجات محلية عربية ستُلزِم نفسها بعد فترة وهذه الشركات بوجود منسق للمشاهد الحميمية، لأنها ستخشى الفضائح وحدوث الانتهاكات في موقع التصوير.

ما هي أبرز مشاهد حميمية قُمت بتصميمها مؤخرًا، وهل شاركت في أفلام عربية ؟

بدأت نقاشات مع صناع/ات أفلام عرب لديهم اهتمام ولكن مازالت لم اُشارك في فيلم عربي، واظن أول مخرج /ة عربي سيتعاون مع منسقة مشاهد حميمية سيكون رائد فهو أمر ليس سهًلا. ولكن شاركت في عدة إنتاجات ألمانية ولن أستطع الإفصاح عنها في الوقت الحالي، ونظمت عدة ورش لطلاب مدارس السينما في برلين .

هل تشعرين بالقلق من الهجوم على هذه المهنة ؟

هذا أمر طبيعى لا يقلقني، مازلت مهنة حديثة فى العالم أجمع. واثق انها ستفرض نفسها على عالم صناعة السينما فى العالم العربي قريبًا.