ملاحظات حول حملة أبعاد ضدّ العنف الجنسي 

1_510A6170

أطلقت منظمة أبعاد اللبنانية المعنية بحقوق المرأة حملة “لا عرض ولا عار” شملت دراسة حول العنف الجنسي ضد النساء في لبنان والتبليغ عنه، وحلقات أونلاين تشمل محادثات بين أخصائيات وناجيات والمؤثرة اللبنانية نور عريضة.

ركزت الحملة والتي أطلقتها المنظمة بمناسبة حملة الـ16  يوم العالمية والتي تهدف الى انهاء العنف ضدّ النساء والفتيات على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني للمطالبة بتعديل وتشديد العقوبات على جرائم الإعتداء الجنسي بهدف “منع حدوث مثل هذه الجرائم ولاحقاق العدالة للناجيات.” وكانت أبعاد قد نجحت سابقاً بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني والتي تعفي المغتصب من العقوبة في حال تزوج الضحية. وهذا ما يجعل من المنظمة في مكان ثقة بالنسبة للنساء اللبنانيات.

Videos by VICE

بحسب الأرقام التي شاركتها المنظمة، فإن 6 من أصل 10 نساء في لبنان تعرضن للاعتداء الجنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء. وتشير الدراسة الإحصائية التي نفذتها أبعاد خلال سنة 2022 حول العنف الجنسي في لبنان والتبليغ عنه، أن أكثر الأسباب التي تمنع النساء في لبنان من التبليغ عند تعرضهن لاعتداء جنسي، هي ربط جرائم الإعتداء الجنسي في لبنان بموضوع العرض، الشرف والعار، فيما اعتبرت ٧١% من النساء أن المجتمع ينظر للاعتداء الجنسي للمجتمع بالدرجة الأولى على أنه “اعتداء على عرض العائلة.” ضمن هذا الإطار، تسعى أبعاد من خلال الحملة “لإعادة النظر إلى هذا النوع من الجرائم خارج السياق التنميطي المجتمعي والتعامل معها بحزم.”

القضية المطروحة ضمن حملة أبعاد هي قضية مهمة وتعكس واقع تعيس وقوانين ظالمة للنساء، ولكن هناك بعض الملاحظات على كيفية تنفيذ هذه الحملة، هي ربما ليست بملاحظات تقتل الحملة، بل أسئلة تخطر في البال فيما يتعلق بالمسار الذي يتخذه عمل الجمعيات، بالأخص فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية والقضايا النسوية. 

تعليب التروما 
لم تكن هذه المرة الأولى التي تلجأ منظمة أو جمعية إلى صناعة محتوى خاص من أجل زيادة التوعية بقضية ما. قبل عامين، لجأت أبعاد إلى صانعة المحتوى اللبنانية ريمي عقل، ضمن حملة أبعاد بعنوان: أنا صانعة أمان. جعلنا الإنتاج حينها نسأل كيف هذه الجمعيات تضخ أموال طائلة على إنتاج محتوى بصري جميل يعلّب مأساتنا، واعتبر البعض أن محتوى الفيديو كان ضعيفًا ويضع المرأة تحت خانة الأم والأخت التي تبحث عن رضى الرجل كي لا تتعرض للعنف. أبعاد أيضاً لجأت إلى وكالة إعلانات معروفة وهي ليو بيرنيت كي تضمن أن يكون الإنتاج premium. 

في الحملة الجديدة “لا عرض ولا عار” اختارت أبعاد أن تقدم قصص ناجيات حقيقيات يمثلن أنفسهن، مؤثرة معروفة وأخصائيات. في هذه الفيديوهات تروي نور قصص هؤلاء الناجيات، وتكمل الضحية الحديث، ليصبح هناك نقاش بين نور وأخصائية نفسية أو قانونية والناجية أيضاً. 

مجدداً، تكررت فكرة “تعليب التروما” في هذه الحملة، فتضمنت الفيديوهات إضافات الموسيقى تجعلنا نشعر أنّه فيلم رعب، أحياناً كان تصميم الاستوديو in our faces، كما اختار القيمين على العمل props تمثل قصص الناجيات/الضحايا من سلاسل حديد إلى سرير ملطخ بالدم إلى ملابس نور عريضة التي تشبه ملابس الضحية.

السؤال هو: هل نحن بحاجة لإنتاج يشمل مؤثرة معروفة، وستوديو جميل كي نتعلم عن حقوقنا وعن مشاعرنا في حال تعرضنا للعنف الجنسي؟ هل نحن بحاجة لتعلّيب تروما الناجيات ضمن إنتاج كبير كي ندرك مدى عدم عدالة القوانين وضرورة تعديلها وإلغائها؟ لا يمكن أن نتجاهل حقيقة أن العالم يتجه إلى جعل كل شيء digital وكأننا نعيش حياتنا في داخل فيديو على تيك-توك. تأتي حملة أبعاد ضمن هذه الفكرة. محتوى رقمي جذاب، فيديوهات قصيرة، مؤثرة معروفة، وموسيقى خلفية، وأجواء فيلم رعب. ولكن المشكلة أن هذه الفيديوهات تشعرك وكأنّها clickbait، يبدأ الفيديو بجملة صادمة تجذب المشاهد، وكأننا في حلقة محترفة رقمية من برنامج أحمر بالخط العريض.

لا شك أن هذه الفيديوهات مؤثرة وقد تترك الإنطباع الذي تطمح إليه أبعاد. ولكن من جهة أخرى، هل ما تم صرفه على الحملة سيحقق قيمته من نتائج ملموسة للنساء على أرض الواقع. لا نعرف الرقم الذي صرفته أبعاد على العمل، لكن العمل المطروح وهو بمثابة mini web series هو عمل مكلف بطبيعة الأحوال.

هل استخدام هذه الأموال في قضايا الدفاع عن النساء الناجيات من اعتداءات جنسية أمام القضاء أو لتأهيل مأوى للنساء المعنفات أفضل من حملة توعية رقمية؟ تجيب غيدا عناني، رئيسة منظمة أبعاد على هذا السؤال بالقول: “أنشأت منظمة ابعاد 4 دور ومراكز آمنة متعددة في العديد من مختلف المناطق اللبنانية، وذلك للوصول لكافة النساء والفتيات على الأراضي اللبنانية. ولكن فلسفة أبعاد ونظريتها للتغيير هي نظرية متكاملة ضمن إستراتيجية أبعاد الخمسية تعتمد على تقديم الخدمات ومحاولة تغيير الاتجاهات والسلوك إضافة إلى العمل المباشر مع صناع القرار لإحداث تغيير على مستوى السياسات.” وتضيف: “الإستثمار في حملات رفع الوعي وتعديل المواقف والاتجاهات والسلوك العام من شأنها كسر ثقافة الصمت والوصم حول قضايا الاعتداء الجنسي وحث المزيد من النساء للإفصاح والإبلاغ والتوجه لطلب الخدمات المتخصصة.”

تؤكد عناني بأن الهدف من هذه الفيديوهات هو تمكين النساء نفسياً من مشاركة قصصهن الحية والحقيقية والحفاظ على سرية هويتهن لحساسية الموضوع وحمايتهن من أي ردات فعل قد تلحق الأذى بهن في أي مرحلة لاحقة. وترى أن “استخدام هذه القصص للضغط لإقرار قوانين أو تعديلها لتتناسب مع حجم الجريمة فهو أمر طبيعي ومشروع لا بل مطلوب لإعلام المشرع بأن القوانين مجحفة بحق الناجيات، وأن حجم العقوبة يجب أن يتناسب مع طبيعة الجرم وأضراره.”

نور عريضة تروي
كسرت نور عريضة الصورة النمطية للمؤثرات المنفصلات عن الواقع. نور في هذه الفيديوهات أخذت دوراً جديداً، وخاضت تجربة مؤلمة مع تلقيها هذا الكم من القصص الصادمة، وخوض محادثات مع الناجيات. 

تقول نور أنها اختارت المشاركة في هذه الحملة وتشرح أسبابها: “منذ أن بدأت مسيرتي المهنية، شعرت دائمًا أنه يجب أن يكون هناك هدف أكبر لصوتي الذي يتابعه أكثر من 17 مليون إنسان، ولا يكفي استخدامه في الأزياء والموضة والجمال.” وتضيف: “أردت تكريس صوتي لقضية أشعر أنها غير مطروحة بشكل كاف. بعد نشر مقطع فيديو قبل عام يتحدث عن قصة رانيا، إحدى الناجيات من الاغتصاب، تلقيت وفريقي آلاف الرسائل المباشرة ورسائل البريد الإلكتروني من نساء مررن بتجارب مؤلمة. من تلك اللحظة علمت أن علي استخدام صوتي لدعم هذه القضية.”

تشير نور أنها لم تحصل على أي أموال مقابل مشاركته في الحملة، وتقول: “لم يكن أبدًا خيارًا لا من أبعاد ولا من جانبي على أي حال. إذا كان هناك أي شيء، فقد خسرت المال بسبب الحملة، وأنا سعيدة بذلك.”

خسرت نور عَقد عمل كبير بسبب مشاركتها بهذه الحملة. لكن نور لا تشعر بالندم: “لا أشعر بأي ندم. كنت أعرف مسبقاً ما المهم بالنسبة لدي. لقد كان تحديًا نفسيًا، وكنت أعلم تماماً أن الحديث عن مثل هذه الموضوعات من المحتمل أن يؤثر على جوانب معينة في مسيرتي المهنية. وهذا ما حصل، لقد فقدت عقد عمل لأن العميل اعتبر الحملة “مثيرًة للجدل.” هذا ليس عميلاً أود أن يكون إسمي مرتبطاً به. لقد اكتسبت ثقة هؤلاء الناجيات. وهذا يساوي أكثر بكثير.”

1_510A6229.jpg
نور عريضة خلال مشاركتها بوقفة احتجاجية للناجيات من الاعتداء الجنسي، أمام المجلس النيابي في بيروت. الصورة: أبعاد.

بالعودة إلى الفيديوهات، نجحت نور في أن تنقل  قصص الناجيات، كانت في مكانها ولم تخطئ في محادثاتها. لا يوجد أخطاء هنا، سوى أنّ نور أخذت دور الـ performer أو الممثلة وكأنّه عمل فنّي، كما أن العناصر التراجيدية المرافقة تعطي انطباعاً بأن علينا تقبله كعمل تقدمه فنانة. نجحت نور في الأجزاء التي تتحدث فيها مع الناجيات وتسألهن وتجيب عليهن، لكن كانت المقاطع التي تأخذ فيها دور الممثلة غير مؤثرة، وكانت لتكون أفضل مع فنانة يمكنها أن تروي بطريقة محترفة. 

نور لا تشبه الناجيات، وتملك إمتيازات لا بدّ أن نعترف بها، فحتى لغتها مختلفة ولا تملك قصة ولم تنشط يوماً ما في هذا المجال. ما تسبب في نجاح حملة أنا_أيضاً في العالم هو أنّ المؤثرات والممثلات والفنانات كنّا ضحايا وناجيات، بينما نحن هنا أمام مؤثرة لا تستخدم سوى مكانتها لتنقل قصص الضحايا، ولا تؤثر بنا بقصتها، ما يجعلنا نشعر وكأنّها لا تشبهنا. 

اختيار مؤثرات للمشاركة في هذه الحملات له أسبابه “المنطقية” بحسب عناني، “تؤمن أبعاد بأن كل وسيلة تساعد في إيصال رسائل خاصة بحماية النساء والفتيات من كافة الاعتداءات وخاصة التمييز والإعتداء الجنسي هي وسيلة مهمة. بالنسبة لريمي ونور فقد اخترن استخدام منصاتهن لدعم قضايا النساء لاسيما حملات أبعاد وبالتالي الوصول إلى الملايين محلياً وعربياً ودولياً. نحن مسرورون بهذا الدعم لوصول الرسالة عبره لأطياف وأفراد مجتمعية مختلفة.”

تشير عناني إلى أن حملات أبعاد حققت أهداف مهمة أهمها كما أشرنا في المقدمة “حملة الأبيض ما بغطي الإغتصاب” التي ساهمت بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات وغيرها من الحملات التوعوية التي ساهمت برفع نسبة الاتصالات على الخط الساخن الخاص بالمنظمة، “هذه الحملات التي تعمل على تعريف وتظهير خدمات أبعاد ومراكز الإيواء والخطوط الآمنة تشجع النساء على طلب المساعدة وتقديمها لهن، وبالتالي نحن نعتبر أن هذه الحملات نجحت وساهمت بإحداث تغيير،” تضيف عناني.

يبدو أن علينا أن نتبع الترند لتغيير القوانين وأن نلجأ إلى عالم الإعلانات والتسويق لنأخذ نصائح في العمل الحقوقي والإنساني. ربما لجوء ابعاد إلى عالم المحتوى والإعلانات هو أمر ثوري لترك للتأثير لا على الناس فقط، بل على السلطة التي تفهم لغة المؤثرات، لا لغة الناجيات.