أصبح الدفاع عن حقوق المثليين جنسياً أو ما يُعرف بمجتمع الميم “LGBT” أحد أبرز معالم العمل الحقوقي في العالم من أجل تمتع الأفراد بحقوقهم الشخصية، وعلى رأسها الحق في اختيار الميول الجنسية دون اضطهاد أو تضييق، وهذا هو ما تبناه “مهرجان الفؤاد” للسينما في العاصمة اللبنانية بيروت والذي انطلقت فعالياته قبل أيام.
في بيروت عام 1993 قدم المخرج اللبناني محمد سويد فيلمه “سينما الفؤاد” والذي طرح فيه قضية الهوية الجنسية في السينما اللبنانية عبر قصة عامل سوري يحاول استكشاف هويته الجنسية. ذلك الفيلم الذي أصبح اسمه بعد أكثر من ربع قرن عنوانًا لأول مهرجان سينمائي للأفلام التي تناقش موضوع المثلية الجنسية والمتحولات والمتحولين جنسيًا “مجتمع الميم”، والذي يتم تنظيمه في المعهد الفرنسي في بيروت، بالاشتراك مع مؤسسات ومنظمات حقوقية محلية ودولية منها “هيومان رايتس ووتش”، و”المفكرة القانونية”، و”المؤسسة العربية للحريات والمساواة”، و”جمعية موزاييك”، وبدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون، ويُعرض خلاله تسعة أفلام روائية ووثائقية طويلة بجانب خمسة أفلام لبنانية قصيرة.
Videos by VICE
وفي حديث مع مسؤولي تنظيم المهرجان “والذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لدواع أمنية، قالوا “أرادنا إعطاء مساحة للمبدعين ومنتجي هذه النوعية من الأفلام داخل لبنان خلال شهر يونيو أو شهر الفخر لمجتمع الميم، نظرًا لعدم إمكانية عرض أعمالهم في السينمات أو دور العرض أو المراكز الثقافية، ولقد كان لدينا الكثير من التخوفات عند طرح فكرة المهرجان، وذلك بسبب التضييق الأمنية والضغوط التي مارسها الأمن العام خلال نفس الشهر من العام الماضي على الفعاليات الخاصة بمجتمع الميم، فأردنا أن يكون المهرجان خارج الأضواء قليلاً لكي نتمكن من عقده في العام القادم، ولكن وفي نفس الوقت حرصنا على ألا يكون الحضور مقتصر على أفراد من مجتمع الميم، لذا فقد قمنا بدعوة أشخاص وأساتذة جامعيين وصحفيين وباحثين لنشر هذه الثقافة في المجتمع.”
وأضافوا “لقد وجدنا الكثير من الترحيب والدعم للفكرة، فقامت مؤسسة آفاق “الصندوق العربي للثقافة والتنمية” بتقديم منحة ودعم كبير لنا، ثم كان الاختيار لعقد المهرجان داخل المعهد الفرنسي حيث نستطيع الحصول على حرية أكثر ومساحة أكبر بخصوص الأفلام التي تتناول موضوعات قد لا يزال المجتمع يراها حساسة أو لا يجوز عرضها، وبدأنا المهرجان بأفلام لبنانية قصيرة لترك المساحة الأكبر في الافتتاح والأيام الأولى لهؤلاء المبدعين الذين لا ينالوا مساحة من الحرية كالتي يتمتع بها صناع هذه النوعية من الأفلام في كثير من الدول المشاركة في المهرجان مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا، تلك الأفلام التي تُسلط الضوء على ما يُعانيه أفراد مجتمع الميم في تونس ولبنان، بالإضافة إلى معاناة هؤلاء من اللاجئين السوريين في لبنان بعد معاناتهم في بلدهم الأم”.
استهل المهرجان فعالياته بإطلاق مؤسسة هيومان رايتس ووتش، والمؤسسة العربية للحريات والمساواة حملة تحت اسم “مواجهة الخرافات: أصوات من مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وهي المرحلة الثانية من حملة “لست وحدك” التي أطلقتها المنظمات سابقًا والتي جمعت خلالها نشطاء مجتمع الميم من المنطقة؛ للتصدي للمفاهيم الخاطئة والأساطير والمغالطات حول “التوجهات الجنسية والهويات” وأشكال التعبير الجندرية في المنطقة العربية، لتسليط الضوء على المعاناة التي يواجهها المثليين والمثليات والمتحولين والمتحوّلات جنسيًا وإرسال رسالة تضامن لهم.
عكست الأفلام المشاركة في المهرجان معاناة مجتمع الميم في بعض الدول العربية وحول العالم. الفيلم التونسي “في الظل” من إخراج ندى مزني حفيظ (35 عام)، كان أحد أبرز الأفلام العربية التي حاولت تسليط الضوء على جانب من معاناة المثليين. يتناول الفيلم حياة “أمينة” ومجموعة من المثليين الذين يسكنون معها في منزلها في تونس، مقدمًا نبذة عن الاضطهاد الاجتماعي والنضال السياسي من وجهة نظر مجتمع الميم بعد الربيع العربي، وقد تبع عرض الفيلم حلقة حوارية من تنظيم مؤسسة المفكرة القانونية مع مخرجة العمل والتي تناولت قضية الهوية الجندرية والجنس واستباحة الجسد في المجتمعات التونسية واللبنانية.
وقالت مزني حفيظ في تصريحات لـ”VICE عربية”: “كان لديّ دائمًا الرغبة في صنع فيلم يتناول حياة ومعاناة المثليين منذ كنت صغيرة، حيث ولدتُ وعشت بإحدى دول الخليج حتى عمر 17 عام، وكنت أشاهدهم وهم منعزلين وخائفين من كشف هويتهم الجنسية لما له من خطورة على حياتهم، وما أردت توصيله في الفيلم أن هؤلاء بشر مثلنا نحن المغايرين، ولا أريد أن تستمر معاناتهم في دولنا كما رأيت مراراً في تونس وهم يُطردون من بيوتهم ويتم اضطهادهم”.
تُضيف مزني: “في تونس هناك تجريم للمثلية طبقًا لقانون يعود لعام 1913 ولم يتم التطرق إليه حتى الآن، وهناك العديد من حالات القبض والسجن بحق مثليين أثّرت فيّ، وأتمنى أن يكون لفيلمي أثراً لتغيير مجتمعاتنا العربية، ولا نظل نعرض أفلامنا هذه داخل عروض خاصة وفي قاعات مستقلة بعيدًا عن شاشات العرض والسينمات التي هي مكانها الطبيعي”.
أما الجزائر فقد شاركت بفيلم “لولا باتر” للمخرج نادير مكنيش، ومن بطولة الممثلة الفرنسية “فاني آردان” والتي تؤدي شخصية فريد شكيب الأب الجزائري الذي يقيم مع زوجته وابنه الطفل في فرنسا، ثم يُقرر التحول إلى امرأة ليُصبح “لولا” ويهجر أسرته كي لا تعاني من تبعات قراره، ويذهب ليصحح الالتباس الذي ولد به، ويخضع لعملية تحويل جنس.
كما شاركت أفلام من البرازيل، فرنسا، كولومبيا، الولايات المتحدة، اسبانيا، المكسيك، ألمانيا بالإضافة إلى لبنان التي شارك بعدة أفلام قصيرة هي “عيش”، و”تلاتة سنتيمتر”، و”حب”، و” ذاكرة جسد”، و”أسرار السرير”، بالإضافة إلى الفيلم الوثائقي “غرفة لرجل” للمخرج أنطوني شدياق، والذي يتناول قصة صانع أفلام لبناني مثلي جنسيًا يعيش مع أمه وأخته وكلبهم في منزل بضواحي بيروت، وتبدأ الكثير من الأسئلة تدور بعقله فيُقرر الاتصال بوالده الذي لم يتواصل معه منذ فترة طويلة، وبعد سنوات من الفُراق يبدأ الأب ونجله رحلة إلى أمريكا الجنوبية بحثًا عن هويتهما وروابطهما الأسرية.
وعلى هامش المهرجان أقامت عدة جمعيات معارض لمنتجات يدوية وملابس تحمل شعارات مجتمع الميم والحريات الجنسية ودعم النسوية، وذلك كوسيلة لجمع تبرعات لأنشطة وفعاليات تلك الجمعيات، بينما وقف عدد من الشباب أمام صالة العرض لتوزيع منشورات للتوعية حول مجتمع الميم والحقوق الجندرية والقضايا النسوية المختلفة.
ورغم الدعاية الخافتة والضعيفة للمهرجان والتي قد تصل إلى حد السرية، لأسباب يبدو أنها أمنية، فقد استطاع جذب كثير من المشاهدين لصالة العرض، تقول ريم (24 عام)، إحدى ضيوف المهرجان “أسمع وأقرأ كثيراً عن مجتمع الميم، ولدي أصدقاء كُثر من داخله، ولكن لم أتوقع أن تكون حجم معاناتهم مثلما رأيت في بعض الأفلام، وأتمنى أن ينتشر الوعي داخل المجتمع اللبناني لإعطاء الحرية والمساحة المستحقة لهؤلاء دون تضييق واحترام ميولهم”.