مهرجان نحن والقمر والجيران.. الفن للجميع في لبنان

IMG_20190818_203558_resized_20190820_030502924

في صيف عام 2011 أراد أورليان ورفاقه بمجموعة كهربا الفنية الشبابية، التي كانت تضم عدد بسيط من محبي وممتهني الفن، أن يتعرفوا على جيرانهم بشارع مار مخايل بوسط بيروت، فقرروا أن يقيموا حفلًا صغيرًا يقدمون فيه فقرات فنية واستعراضية وترفيهية مجانًا ولمدة 3 ليالٍ، وهو ما كان له بالغ الأثر على هؤلاء الجيران الذين اشتركوا هم الآخرين في المساعدة للتحضير وتقديم وجبات خفيفة للجمهور وتزيين المكان حول المهرجان، لكن ما لم يكن ببال أورليان ورفاقه أن هذا المهرجان سيُصبح يومًا مهرجانًا ضخمًا يجوب مدن لبنان بأكمله، ويأتيه فرق وفنانين من حول العالم ليقدموا للجمهور فنهم مجانًا وأن يصبح مهرجانهم “نحن والقمر والجيران” أحد أكبر وأهم المهرجانات الفنية المجانية في لبنان.

داخل بيت الفن بقرية حمانا التابعة لقضاء المتن شرق العاصمة اللبنانية بيروت، جلس أورليانو الزوقي، صاحب الـ 38 عامًا، أحد مؤسسي مجموعة كهرباء ومهرجان نحن والقمر والجيران يتمم على تفاصيل الحلقة الجديدة من النسخة السادسة من المهرجان الذي حقق نجاحًا كبيرًا في طرابلس والهرمل. وقد جاء الدور على حمانا لتستقبل 3 ليال من البهجة الكاملة قبل أن ينتقل المهرجان في ليلته الأخيرة إلى صيدا. “لم نكن نتخيل أول مرة حينما قررنا الخروج من بيتنا بدرج مار مخايل للتعرف على جيراننا أننا سنصير إلى ما تراه اليوم، وأن تستمر الفكرة وتنجح وتكبر، بعد أن سيطرت علينا فكرة أن يكون هناك مهرجاناً مجاني للناس ويخرج من مركزية بيروت إلى السكان والناس في أطراف لبنان، وهو شيء نادر” يقول أورليانو.

Videos by VICE

1566808495540-IMG_20190816_211102_resized_20190820_030650085

وعلى مقعد بحديقة بيت حمانا للفن وهو ينظر إلى بعض الفنانين الأسبان الذين يُحضرون لعرضهم أكمل الزوقي قائلاً: “دُهشنا من اقبال الفنانين حول العالم بعد أن سمعوا بالمهرجان أو الذين تواصلنا معهم والذين أحبوا الفكرة، حتى وصل عدد العروض بالمهرجان لأكثر من 26 فقرة فنية يقدمها فنانين من لبنان وفرنسا وإسبانيا وسويسرا ومصر وسوريا وفلسطين وتركيا وأروجواي واليابان. كنا في البداية لا ندفع أي شيء للفنانين المشاركين وكانوا يتطوعون بالمشاركة وبكل شيء ثم بعد ذلك ساهمت بعض المؤسسات والجمعيات في التنظيم ورحلات الطيران والإقامة وبعض الأجور الرمزية، فالمهرجان قائم بالكامل على المشاركة والتطوع. في بداية الأمر كان أهل مار مخايل يشاركون ببعض الأطعمة ومقابلة الجمهور وتنظيم السهرات عبر اجتماعات للمتطوعين، ثم قمنا بطرق أبواب بعض الجمعيات والمسارح والمؤسسات الفنية التي ساعدتنا كثيراً، وأكملنا تجربتنا في تقديم عروض للناس، وفعاليات لكل الفئات والأعمار وفقرات تناسب المثقفين ورواد المسارح والذين لا يذهبون إلى المسارح والأطفال والكبار والجميع”.

1566808514313-IMG_20190818_184733_resized_20190820_030649735

وداخل صالة بيت حمانا للفن، مقر مجموعة كهربا ومركز عمليات المهرجان جلس الفنانون والعمال والجيران يتناولون وجبة الغداء، وبعد أن قامت بترتيب السفرة جلست جهينة كنعان، 50 عامًا، إحدى سيدات قرية حمانا وجارة بيت الفن وقالت لنا “لقد حول المهرجان ضيعتنا إلى شعلة من البهجة والفرح، وجعل أهل القرية يعيشون ليالي فنية بديعة حيث يبثون الفن والحياة للناس، وأنا من فريق الطهي، حيث نتشارك أنا وأكتر من سيدة من سيدات القرية في طهي الطعام للفنانين المشاركين بالمهرجان، حيث نقوم بالطهي في بيوتنا ونأتي لهم بالطعام أو نطهي هنا في بيت الفن الخاص بالمهرجان، وبجانب الطهي نقوم بأي أعمال البيت في بيت الفن ونستقبل الجمهور ونوجهه إلى الفقرات، ونساعد في التنسيق وتعليق الدعاية والمنشورات الخاصة بالمهرجان، وقد تأثرت كثيرًا بهذه الأجواء خصوصاً للفقرات التي أحبها، مثل عزف الجاز والرقص اللاتيني، بجانب مشاركتي فيما أحب وأعرف وهو الطهي وقمت بصنع فتوش ومكرونة بولونيز وغيرها اليوم”.

1566808533627-IMG_20190816_191806_resized_20190820_030754087

وبينما كان محمد شفيق، 45 عامًا، الراقص والممثل والمخرج المسرحي المصري، يتمرن على عرضه برفقة صديقه الصغير لاعب السيرك محمد صاحب الـ 14 عامًا، نظر إلينا مبتسماً وقال “هذه المرة الأولى لنا في المهرجان ونحن مصممين على إبهار وإدهاش الجمهور اللبناني بعرضنا، لقد عرفت بالمهرجان من صديقة فرنسية عملت معها سابقًا، ورغم ضعف الإمكانيات المادية إلا أن الفكرة شجعتني جدا، فإلى جانب رغبتي في التعرف على فنانين وملهمين من مختلف دول العالم، فلقد أردت أن أعرض فني على الجمهور البسيط داخل قرية بالجبل، فمتعة الجمهور شيء لا يضاهيه مقابل، وعرضنا اليوم عبارة عن دويتو صامت بيني وبين محمد لعرض مختلف شكل العلاقات بين جيلين من عمري وعمر محمد، وهي فقرة ترفيهية أتمنى أن تعجب الناس وتشارك في بهجتهم”.

1566808574036-IMG_20190816_200912_resized_20190820_030753774

ومن إسبانيا، جاء خوان تيكوات، 27 عام، ليُقدم عرضه الفكاهي الصامت Water falls، “هذه هي المرة الأولى لي في لبنان وفي هذا المهرجان الذي علمت به من أحد الأصدقاء الذين شاركوا خلاله عام 2017، ويا لها من فكرة عبقرية أن تشارك الناس بفنك بلا مقابل والتي تُشبه العمل الخيري، فتذهب لأهل قرية بفنك ولا تنتظرهم في المسارح، وبلا شك فالمال مهم لكن الأهم هو متعة الجمهور وتقديم فنك الذي تحبه خاصة عندما تخرج من مجتمعك في برشلونة إلى قرية في لبنان حيث جمهور مختلف وثقافة مختلفة، خاصة وأن عرضي بسيط وفكاهي ولكل الأعمار ولكن عادة ما يعجب الأطفال أكثر، ولا تتخيل فرحة أن ترى طفل يبتسم لعرضك”.

1566808662142-IMG_20190818_203846_resized_20190820_030502666

“اليوم يوم عيد هنا في حمّانا، المهرجان أضفى على قريتنا بهجة كبيرة ومتعة لا تُقدر”، تقول ماري، 24 عامًا، إحدى سكان قرية حمّانا، وتُضيف “لم أكن أتخيل أن مهرجان مجاني لا يُدفع أية نقود لدخوله يمكن أن يكون بهذا الحجم والمتعة والتنوع، فكرة جميلة جدًا من القائمين عليه، وشيء لا يُصدق أن تأتيك فرق وفنانين من أوروبا ودول عربية وغير عربية ليقدموا إليك فنهم دون مقابل بل ويحولوا قريتك إلى كرنفال ضخم وكبير يُبهج السكان”.