نحن الجيل الذي لا تزوج ولا صنع لنفسه ثروة ولا أصبح مشهورًا على تيك توك

Millennials vs Gen Z

بحكم أنني واحدة من أبناء جيل الألفية، أو الجيل الذهبي كما نُحب أن نلقب أنفسنا، فلن أخفيكم سرًا أنه تراودني في أحيان كثيرة لحظات أرى فيها نفسي جدة شمطاء يهابها الصغار ولا يتفاهم معها الكبار. يعني زي اللي رقصت على السِلم.

تحول الأمر “لتهديد وجودي” في ذلك اليوم الذي قالت لي فيه فتاة، أكاد أجزم أنه لا تفرقنا سوى بضع سنين، في الشارع: “عفوًا يا خالة.” لا زلت إلى يومنا أستعيد شريط هذه الواقعة وأحداث أخرى شبيهة بها وأتساءل في قرارة نفسي “هل أبدو حقاً كخالة؟” 

Videos by VICE

صحيح أنه لا تفصلني عن الثلاثين سوى بضع سنتيمترات، لكن حياتي تختلف ب١٨٠ درجة عن حياة والدَيّ عندما كانا في مثل عمري. أنا مستقلة وأعيش في منزلي الخاص في مدينة أخرى، ولي عمل بدوام كامل وآخر بدوام جزئي، وجل أموالي أنفقها على السفريات والأكل ومختلف التجارب “المجنونة” في نظر أهلي. في المقابل، كان والدي متزوجان ويعيلان أسرة في سني. 

اعتقدت أنني أكثر قرباً من جيل زد مقارنة بجيل والدّي، ولكن تبين لي أن الـ gen z أنهم ينظرون لي تماماً كما أنظر إلى حياة وخيارات أهلي. لقد أتى جيل التيك توك والمعلومات الجاهزة والاستهلاك الرقمي، ليضغط هو الآخر على جيلنا، جيل الألفية، وينتقد أفكاره ومعتقداته وأسلوب عيشه، ويغير تمامًا معايير النجاح التي رسمناها لأنفسنا منذ سنوات.

 بحسب المختصين، فإن أبناء جيل زد هم الاشخاص الذين ولدوا بين منتصف التسعينات ومنتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. في الوطن العربي، تمثل مصر والمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر الدول العربية الحاضنة لهذا الجيل بنسب ١٥.٨٪ و٢.٦٪ و٠.٨٪

لقد عاصر جيل زد فترة عرفت نقلة نوعية في المجال التكنولوجي والرقمي، ما جعله أكثر انغماسًا وارتباطًا بالأجهزة والبرامج الإلكترونية الأكثر تقدمًا. جيل زد لم يلعب الأتاري، أو يتابع برامج سبيستون، أو يستمع لأغاني الكاسيت، أو يقرأ المجلات الورقية، أو يعش كل تلك التجارب الأخرى التي صقلت جيل الألفية عبر السنين. إنه جيل يقضي ٤ ساعات و١٥ دقيقة في اليوم على هاتفه النقال بين الفيديوهات القصيرة المضحكة وشراء السلع عبر الانترنت واستهلاك المحتوى الترفيهي، ويرفض قطعًا ارتداء سراويل الجينز السكيني.

هل الأمر إذًا عبارة عن حرب باردة بين جيلين متضادين لكل واحد منهما اهتمامات وأهداف مختلفة عن الآخر؟ سألت عدداً من أصدقائي إن كانوا يشعرون حقاً ببرودة هذه الحرب بين الجيلين. أم أن العوامل المشتركة لا تزال قادرة على تقريبنا؟

“جيل زد جيل متفتح وسابق لعصره، كونه واكب التطور الرقمي الكبير الذي عرفه العالم أجمع. ساهمت هذه النقطة في شحذ حدين متضاربين: فمن جهة هم منفتحون على مجموعة من القضايا التي تعتبر عيبًا في زماننا وهذا شيء عظيم،” تخبرني فاطمة، ٢٥ عامًا، من اليمن، وتضيف: “لكن من جهة أخرى أرى أن نسبة كبيرة منهم تبرر أكثر تصرفاتها تحت بند الحرية الشخصية وترفض تقبل النصيحة. ربما نحن المخطئون في أفكارنا، لا أعلم. ولكنهم ليسوا دائماً صح، عليهم أن يتذكروا ذلك.” 

في المقابل، يرى علي محمد، ٣١ عامًا من السودان، أن جيل الألفية هو حلقة الوصل بين ما سبقه من أجيال وبين ما يليه على جميع الأصعدة: “نحن آخر جيل جمع بين الألعاب التقليدية التراثية وألعاب الفيديو في نُسَخِها الأولى، بالإضافة لأنه قد شهد العهد الذهبي لأفلام الكرتون التي تحكي قصصًا درامية وفيها قيم نبيلة كالشجاعة والوفاء كعهد الأصدقاء وسالي وبونبون مثلًا وأنميهات كهنتر وونبيس وناروتو، بالإضافة لمسايرته أُفول عهد المحطات الأرضية وأشرطة الفيديو والكاسيت. يعني تجربتنا في الحياة مختلفة تماماً عن جيل زد.”

في الواقع، على الرغم من أن جيل زد لم يسمع أغاني التسعينات أو يتابع سالي، إلا أن لديهم اهتمام واضح بمختلف القضايا المهمة في العالم من الصحة النفسية والجنسية والمحافظة على البيئة، ودعم النسوية والمساواة ودعواتهم المتكررة لقلب موازين القوى وإعادة خلط أوراق تسلط القيم المجتمعية والحكومات. لكن احتجاجاتهم حتى الآن بقيت حبيسة الحاجز الرقمي فقط. عكس جيلنا الذي حارب وخرج إلى الشارع للتكشير عن أنيابه وفرض تغيير جذري، خصوصًا في المنطقة العربية.

 يقول المؤرخ الأمريكي والمهتم بشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، خوان كول، في كتابه “العرب الجدد: كيف يغير جيل الألفية الشرق الأوسط” أن التمثيلية المهمة لجيل الألفية في الوطن العربي التي تبلغ نسبة ٤٠٪، هي ما ساهم في بزوغ الربيع العربي وإعادة رسم معالم الحياة السياسية في المنطقة. ويضيف: “إن العلوم الاجتماعية التي تدرس جيل الألفية في العالم العربي تشير إلى أن هؤلاء مهتمون أكثر بالتواصل، ويتمتعون برؤية أكثر ديمقراطية حول كيفية عمل المجتمع.”

يمكن أن يكون جيل زد منفتحًا وسابقًا لعصره، وربما قد تكون هذه نقطة قوته الرئيسية مثلما أخبرتني ملكة عاشور، ٢٨ عامًا من مصر: “كفتاة من مواليد أوائل التسعينات (ميلينيال)، فأنا معجبة بجيل زد الذي أراه مختلفًا بشكل جميل عنّا. هم أكثر ثقة من الأجيال السابقة لهم، ربما لأن أهلهم الأصغر من أهلنا تأثرت ثقافتهم بالإنترنت والانفتاح على أكثر من مصدر توعية، عكس الأهل الأكبر سنًا والأقل ثقافة من ناحية التوعية بمواضيع مختلفة تخص التربية والنشأة، مثل تعزيز الثقة بالنفس واحترام الاختلاف والتميز وعدم الخوف من المجتمع، وغيرها من الفروقات في التنشئة والتربية.”

تضيف ملكة أن “جيل زد على وعي كامل بكل مواضيع التوعية الجنسية والعنصرية والبيئة، وله إلمام بالصحة النفسية، قد لا تعجبك جرأة بعضهم التي قد تكون غيرة منك لإنك لم تتمتع في سنهم بما يتمتعون به الآن.”

تشير الأرقام أنه في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ما يقرب نصف جيل زد ينتمون إلى أقليات عرقية. ولعل هذا ما يفسر دفاع هذا الجيل المستميت على حقوق الأقليات ومختلف القضايا البيئية والمجتمعية التي لم يصل صدى صوتنا لتغييرها إلى المستوى المطلوب، على عكس الشق السياسي.

 لقد حاول جيلنا قيادة عجلة التغيير منذ مدة، لكن -ودعوني الآن أتكلم بكل شفافية- كان دائمًا حاجز الأهل والتقاليد يعيقنا. بالرغم من جموحنا وتمردنا على أغلب قواعدهم، إلّا أننا لم نقوَ يومًا على تجاوز بعض “الحدود.” الحدود التي أتكلم عنها الآن هي بالأساس خوفنا من سخطهم خصوصًا أننا كنا نعتمد عليهم ماديًا بشكل كلي، عكس جيل زد الذي يستطيع الآن إدارة مشاريع مدرة للدخل من حاسبه وبالتالي الاستقلال ماديًا منذ سن صغيرة. كما أن لديهم نظرة مختلفة عن العمل، فهم لا يريدون فقط وظيفة جيدة، ولكن وظيفة جيدة وممتعة وراتب جيد وساعات عمل مرنة. 

لقد انتبهت لذلك خلال عملي مع عدد من المتدربين interns الأصغر سناً، الذي مروا في فريق عملي والذين كانت لهم نظرة مختلفة تمامًا عن الوظيفة. أغلب من كنت أجري لهم المقابلة للانضمام إلى الفريق كان أول سؤال يتعلق بالراتب بدون التركيز كثيراً في المهام والمسؤوليات المطلوبة. بل حتى من “يتواضع” ويقبل الالتحاق بنا، لا يكاد يمر الأسبوع حتى يهرب -حرفيًا- بدون ترك ولا رسالة تبرر عدم استمراره بالقدوم إلى المكتب. أنا في وقتي (نعم أتحدث الآن كأمي) كنت تقريبًا مستعدة لدفع راتبي الشخصي حتى يتم قبولي في برنامج تدريب، دون إعارة أدنى اهتمام للجانب المادي أو حتى ظروف العمل التي قد تبدو قاسية للجيل الصاعد. 

 سارة، ٢٧ عامًا من المغرب، تعمل في البرمجة، تشعر أن مهمة جيل زد هو تذكيرنا “بأننا نشيخ يومًا بعد يوم” وتضيف: “الرقص على المنصات الإلكترونية ليس عملًا بدوام كامل يا صغاري. ولكن للانصاف، أنا أراهم جيلًا ملمًا بأحدث الصيحات التكنولوجية، ويجعلنا نحن جيل الألفية نبدو كالمبدتئين في الميدان حتى لو كان مجال تخصصنا البرمجة الرقمية. صدقيني أنا أحدثك من باب التجربة.”

في المقابل، يرى الرحالة السعودي  أسامة، ٣٠ عامًا، أن جاهزية المعلومة وتنوع مصادرها من كل حدب وصوب قد يؤدي إلى تشتت انتباه هذا الجيل واتجاهه نحو مصادر الترفيه مثل ألعاب الفيديو والمسلسلات والأفلام وغيرها، مما يؤدي لانعزالهم عن العالم الحقيقي. ويضيف: “أرى أن جيل زد لديهم تحديات أكبر في تأسيس علاقات اجتماعية وهو ما نلمسه في غياب مهارات الخطاب والتواصل بلغة سليمة. كما أن هذا الارتباط الوثيق بالعالم الرقمي يجعل هذا الجيل أقل إقبالًا على السفر وخوض المغامرة، هذا ما رأيته من خبرتي في مجال السفر. أقول تعميماً، أن جيل زد يودون زيارة العالم ولكن من خلال جولات سريعة بدون الكثير من الاهتمام باستكشاف الناس والثقافات.”

يبدو أننا مختلفين، ولكن على الأقل، وبحسب آخر الإحصاءات، يمكن القول بأننا نتشارك مع جيل زد في نقطة واحدة. كلانا نؤجل موضوع الارتباط والزواج إلى سن أكبر، بعد أن نضمن مستقبلنا واستقلاننا المادي والمهني.

وعكس التوقعات، كلانا نولي أهمية كبيرة للقيم العائلية التي تربينا عليها ونتمنى رؤيتها في شريكنا المستقبلي. يعني من الأخير، عندما يتعلق الأمر بالزواج والجدية في العلاقات، فإننا نأخذ إلهامنا مباشرة من جيل آبائنا لاختيار الشخص المناسب، وطبعاً لإنجاح صور العرس على إنستغرام.