نساء يروين كيف حصلن على إجهاض في بلدان عربية والتأثير النفسي عليهن

ABORTION-DAY-horizontal-1440x810

تحذير: محتوى حساس قد لا يُناسب البعض

يوافق اليوم ٢٨ سبتمبر اليوم العالمي للإجهاض الآن. كل عام، تتحد نساء العالم بأكمله يُدافعن عن حقهنّ في إجهاض آمن طبيًا ومسموح قانونًا. يتمردّن ضد كل قيد على أجسامهنّ مُتحديّات العواقب وصامدات أمام التبعات. اليوم تحتفل نساء في بلدان بإباحة الإجهاض، مُنتصرات لأنفسهنّ ولحقوقهنّ. وتتعالى صرخة أخريات ضد تجريم الإجهاض في بلدانهنّ. تجريم يدفعنّ ثمنه من حيواتهنّ وأمنهنّ الشخصي وسلامتهنّ الجسدية والنفسية.

Videos by VICE

وتشير تقارير إلى أن العالم يشهد ٢٠ مليون عملية إجهاض غير آمنة سنويّاً، فيما تلقى ٤٨ ألف امرأة مصرعها بمضاعفات الإجهاض غير الآمن، ما يجعله أحد الأسباب الرئيسية لوفيات النساء. من بين النساء اللواتي نجين من الإجهاض غير الآمن، ستعاني 5 ملايين من مضاعفات صحية طويلة الأمد.

في العالم العربي، يُجرّم الإجهاض في قوانين العقوبات والجزاءات إلا في تونس. يعتبر الإجهاض جريمة يُعاقب عليها كل مَن ساهم فيها سواء كان طبيبًا أو صيدلانيًا أو قابلة (داية) بتهمة “إسقاط حامل.” كما يُجرّم إجهاض المرأة لنفسها في ٢١ دولة من البلدان العربية. ولا يُسمح بالإجهاض إلا إن كان الحمل يُمثل خطرًا على حياة الحامل، ولا تشمل هذه الإباحة المؤقتة الحمل الناتج عن اغتصاب أو الجنس مع المحارم والذي غالبًا ما يكون اعتداءًا جنسيًا. في بعض البلدان مثل سوريا ولبنان وليبيا، يُسمح بالإجهاض إن كان دفاعًا عن الشرف، وهو ما يفتح بابًا لإجهاض النساء بالإجبار من قِبل عائلاتهنّ أو شركائهنّ ضمن سلاسل عنف أسري لا تنتهي.

نُشارك معكنّ/م في هذا اليوم، قصص نساء حصلنّ على إجهاض في بلدان عربية، ويتحدثن عن الألم، الخوف، والذعر الذي مررن به، ويروين تفاصيل شخصية جدًا ومُربكة جدًا.

هناك طفلً يُذكرني باغتصابي كلما رأيته -سارة، سوريا

القصة الأولى من سوريا. تقول سارة أنها تعرضت للاغتصاب والاعتداءات الجنسية المتكررة من قبل والدها منذ طفولتها، وهو ما نتج عنه الحمل وتضيف: “كنّا في سوريّا قبيل الحرب. اعتاد أبي أن ينتهكني جنسيًا منذ طفولتي. في المراهقة وبعدها، بدأ يجبرني على ممارسة الجنس. كان موقف أمي سلبيًا. بدت لو أنها تُقدمني لأبي حتى لا يخونها. عند علمها بخبر الحمل، منعتني من الخروج من المنزل. حاولت أن تجهضني بالطرق التقليدية.”

تقول سارة أنها حاولت رفع أشياء ثقيلة والقفز من فوق سلم البيت. وكانت والدتها تُحضّر مخفوقات حليب بأعشاب يُقال أنها تُسبب الإجهاض، منها تذويب مسحوق القرفة في مشروب بيبسي وتركه يغلي على النار. “شربت هذا المشروب الغريب لأسابيع، ولم يحدث شيء،” تقول سارة وتشير إلى أن والدتها قررت بالنهاية أخذها عن خالتها في الريف حتى الولادة.”

“قالت والدتي لأختها أنني مارست الجنس مع شاب، ولو علم والدي سيقتلني. ونبّهت عليّ ألا أخبر خالتي بما فعله أبي لأنه قد يقتلني بالفعل. بعد شهور، وضعت الطفل. رجعنا إلى بيتنا ومعنا المولود. سجّله أبي باسمه واسم أمي.” تخبرني سارة أن والدها لم يتوقف عن الاعتداء عليّها، مما دفعها للهرب من المنزل مع الطفل، وهي تعيش الآن في بلد أوروبي، لا تعرف فيه أحدًا: “قلبي مليء بالخوف إن سألني طفلي بعد سنوات أين والده. كيف سأقول له أنني أخته وأمه في نفس الوقت؟ لو كان الإجهاض قانونيًا في بلدي، لم يكُن ليكون هناك طفلً يُذكرني باغتصابي كلما رأيته.” 

كانت طفلة. طفلة مُغتصبة. حامل ومُهددة بالقتل -ضحى، مصر

ضحى من مصر تتحدث عن ما الجحيم الذي عاشته أختها غادة بعد اغتصابها وحملها في سن السادسة عشر. قررت نساء العائلة الأم والأخوات أن تتعاملن مع الموضوع لوحدهن، لأن والدهن كما تصفه ضحى “رجل متهور وقد يقتل غادة ويقتل مغتصبها.” تواصلت ضحى مع مجموعة صديقات وطلبت المساعدة في ايجاد طبيب يقبل إجهاض أختها. فالأطباء طلبوا منهنّ مبالغ كبيرة لا يمكنهنّ دفعها، وحتى العيادات لم تكن توحي بأنها مُجهزة طبيًا أو معقّمة.  “تواصلت مع عدة أطباء، وكل طبيب نذهب إليه كان يتعامل معنا بطريقة سيئة، ولا يُصدق أن الحمل نتيجة اغتصاب. لم يشفع لها عندهم حداثة سنها. كانت طفلة. طفلة مُغتصبة. حامل ومُهددة بالقتل. طلبوا منّا مبالغ خيالية لإجراء العملية،” تضيف ضحى.

بالنهاية، وافق طبيب على القيام بالعملية، في مكان بعيد وعيادة صغيرة وضعيفة الإمكانات الطبية. “ظلّت أختي في غرفة العمليات لأكثر من أربعة ساعات. كاد قلبي يخترق ضلوعي من التوتر والقلق. وكانت أمي على الجانب الآخر للهاتف متوترة ومذعورة هي الأخرى. نحن في مكان لا نعرفه، مع أشخاص لا نعرفهم، نفعل شيء غير قانوني، وفي وضع غير مُجهز طبيًا بأي شكل. خرجت اختي من العمليات واستضافتنا صديقة لي تعرف القصة. اعتنت بأختي مع مجموعة صديقات أخريات ساعدنّ في جمع مبلغ العملية وكان حوالي ٤٠٠ دولار أمريكي، حتى تعافت أختي نسبيًا ورجعنا المنزل. لكنها مازالت تُعاني من آثار اضطراب ما بعد صدمة الاغتصاب وصدمة الإجهاض.” وتشير التقارير، إلى التأثيرات النفسية طويلة الأمد على النساء اللواتي قمن بالإجهاض بشكل غير آمن، مقارنة بمن خضعن للإجهاض بشكل قانوني وبدون مشاكل.

كم امرأة ستقع تحت يده لأنني وغيري لم نقدر على الإبلاغ عنه- أمل

في حالة أمل، التي تعيش في دولة خليجية، الإجهاض كلفها الكثير. أمل حملتُ من صديقها واكتشفت الحمل في الشهر الثالث، ولم تستطع الحصول على حبوب الإجهاض. خافت أمل من انكشاف الحمل ومن السجن والترحيل إن تم القبض عليها أثناء الإجهاض.

“كان عمر الحمل مُتقدمًا بشكل قد لا تكون فيه الحبوب فعّالة. سألت صديقات كثيرات عن أطباء يجرون عمليات إجهاض. لم تعرف أيًا منهنّ اسم طبيب واحد. ولهذا فكّرت في السفر إلى مصر وتحججت بأن جواز سفري يحتاج تجديد. ظننتُ أنه حتى لو الإجهاض مُجرّم في مصر كما هو مجرّم في الدولة التي أعيش فيها، فعلى الأقل سأكون قادرة على الوصول لطبيب أو اثنين يقومون بالإجهاض بشكل سرّي.”

الإجهاض في دول الخليج بالأخص للوافدات والعاملات من جنسيات أجنبية تتبعه عواقب قانونية منها السجن والذي يليه ترحيل من البلد وإنهاء عقود العمل والإقامة، مما يُشكل تهديدًا على المقبلات على الإجهاض في بلد الإقامة وبلدانهنّ نفسها إن تم ترحيلهنّ بتهمة الإجهاض.

 تمكنت أمل من الوصول إلى طبيب يقوم بالعملية، وعلى الرغم من أنها لم تشعر بالراحة إلا أنه كان الخيار الوحيد أمامها، ولكن حصل ما لم تتخيله. “في يوم الزيارة، مال الطبيب على أذني وأخبرني أن ممارسته الجنس معي قبل الإجهاض ستجعله أسهل كثيرًا، هذا بالإضافة لمبلغ يعادل تقريبًا ١٢٠٠ دولار أمريكي. كنت مرعوبة، لم يكن أمامي خيارات، سوى أن أرضخ لابتزازه، أو أعود إلى عائلتي وأعترف لهم بالحمل ووقتها سأخسر كل شيء لمجرد أنني مارست الجنس بلا زواج.”

أمل أخبرت صديقتها بأن الطبيب يحاول ابتزازها جنسيًا، وطلبت منها حضور العملية: “لم تتركني صديقتي وحدي معه للحظة. أتممت الإجهاض رغم الخوف والرعب من الموقف ككل ومن الطبيب. انتهت هذه المرحلة ولكنني لم أنسَ أبدًا استغلال الطبيب لموقفي ورغبته في ابتزازي جنسيًا وماليًا وعدم قدرتي على الإبلاغ عنه. أفكر، كم امرأة ستقع تحت يده لأنني وغيري لم نقدر على الإبلاغ عنه؟” 

ظل النزيف مستمرًا على مدار عشرة أيام – فاطمة، المغرب

“كنت قد غيّرت وسيلة منع الحمل من حبوب منع الحمل إلى اللولب. اضطربت دورتي الشهرية قليلًا بسبب ذلك، ونتج عنها حملًا غير مخطط له،” فاطمة، أم عزباء من المغرب، تتحدث عن تجربتها مع الاجهاض:  “توترت عندما عرفت بخبر الحمل. أنا أم عزباء وغير مستعدة لإنجاب طفل حاليًا. فكرت في الإجهاض. لكنني أعيش في بلد لا تسمح قوانينها به، ولا يُمكنني السفر لدولة مجاورة لإتمامه لأني أرعى ابنتي بمفردي.”

تقول فاطمة أنها بحثت عن حبوب تحفيز الإجهاض لأنها غير متوفرة في المغرب، وطلبتها من الانترنت: “وصلت الحبوب بالشحن السريع لبلدي. مُغلفة ومعها كُتيب صغير لإرشادات الاستعمال. اتبعت الجرعات، وفي أول يومين، نزل كيس الحمل. ولكن ظل النزيف مستمرًا على مدار عشرة أيام، يُصاحبني فيهم ألم جسدي ونفسي. كان مؤلمًا أنني أضطر لإخفاء هذا الألم حتى لا تُلاحظ طفلتي. كان هناك مَن يعتني بها في هذه الفترة، لكنها لاحظت في كل الأحوال. في حال لم يتوقف النزيف، كنت سأخسر حياتي.” 

الإجهاض الدوائي لا ينجح بنسبة مائة بالمائة مع جميع النساء، كما تختلف درجة استجابة الجسم من امرأة لأخرى. فبعض النساء يتعرضن لنزيف شديد وتعقيدات طبية تحتاج تدخل عاجل، إلا أن هذا التدخل العاجل غير متاح في البلدان العربية بسبب تجريم الإجهاض. هناك مَن يحالفها الحظ وتستطيع بالحيلة والوساطة الوصول لرعاية طبية معقولة بعد حدوث النزيف، وهناك مَن تتعرض حيواتهنّ للخطر بسبب ذلك.

كلما تذكرت ما حصل أشعر بغصة في قلبي- مي، لبنان

“في لبنان، هناك اعتياد نسبي على ممارسة الإجهاض مقارنة بأغلب الدول العربية. رغم أنه مازال مُجرَّم قانونًا إلا أن معظم العيادات نظيفة وآمنة طبيًا. لتحصلي عليه، يجب أن تسألي صديقاتك اللاتي سيسألن معارفهنّ وصديقاتهنّ إلخ. ويجب أيضًا أن يكون لديكِ مالٍ كافٍ لأن التكلفة عالية جدًا،” تقول مي من لبنان.

لم تكن مي تملك المبلغ للعملية واستخدمت حبوب الإجهاض من خلال صديقة. ولكن ما حدث بعدها ترك أثراً نفسياً مدمراً على مي: “استخدمت حبوب الإجهاض وكان الألم فظيعًا. بدأ النزيف وزاد على ألمي الجسدي، ألم نفسي وخوف. أصعب ما حصل هو أنني رأيت ما خرج من رحمي. واستطعتُ تمييزه جيدًا كجنين. لقد اضطررت للتعامل مع الدماء والنزيف والألم والصدمة كلها لوحدي. كل هذه الصور لم أستطيع محيها من بالي لمدة طويلة جدًا. كلما تذكرت ما حصل أشعر بغصة في قلبي.”

يُمثل التعامل المباشر مع الدم صدمة نفسية لأغلب البشر إن لم يكونوا/نن معتادين/ات عليه كالأطباء/الطبيبات مثلًا. ويزيد عليه الشعور بالخوف من فقدان الحياة أثناء النزيف. أما في حالة المُجهضات، فالألم النفسي له أبعاد أخرى، منها الشعور بالذنب تجاه ما كان بالرحم، وتصوّره أنه طفلًا أو طفلة بسبب التصورات السائدة عن الدور الإنجابي للنساء وربطها بالأمومة كهوية اجتماعية. بعضهنّ تشعر بالفقد والخسارة، وأخريات يلاحقهن مشهد الدم وشعور الخزي من أنفسهنّ، بجانب شعورهنّ بأنهنّ مهملات ومتسببات في الحمل. لا تتجاوز معظم المُجهضات صدمة التعامل مع الدم بسهولة وقد تستمر لسنوات.

إن كان الإجهاض مُباح قانونًا في بلداننا العربية، ربما حصلت هؤلاء النساء (وآلاف غيرهن) على رعاية طبية يحتجنها بشكل فوري. وربما كانت الصدمة النفسية جرّاء الإجهاض أقل وطأة وأخف في التبعات. يجب على المشرعين إدراك أن تجريم الإجهاض لا يمنع النساء عنه. إنما يجعلهنّ عرضة للاستغلال والابتزاز والتعقيدات الطبية والصدمات النفسية، إن لم يكن مخاطرة بحيواتهنّ في المقام الأول. على المشرعين العرب إدراك أن الحق في الإجهاض الآمن هو حق في رعاية صحية قبل أي شيء. وأن المواطنات والوافدات لهنّ حقوق على البلدان اللاتي يعشنّ فيها، والتي منها على الأقل ألا تكون تجاربهنّ الصحية موصومة اجتماعيًا ومجرمة قانونًا بشكل يجعل من التعافي مهمة صعبة.